الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠

الفرصة الضائعة‏!‏

09-08-2002
أكتب إليك وأرجو أن أجد عندك ما يخرجني من حيرتي فأنا سيدة في الثامنة والثلاثين من عمري‏..‏ حلمت كأي فتاة بفارس الأحلام الذي يجيء من وراء الأفق ويحتويني ويتدفق عليه ينبوع حبي‏..‏ وشاءت لي الأقدار أن يجيء هذا الفارس وأنا في الثانية والعشرين من عمري‏..‏ فتزوجنا منذ‏15‏ عاما وسعدت بالحب ورضيت عن حياتي وعن زوجي لكن زوجي لم يكن راضيا للأسف عن حياته فلقد كان مهندسا طموحا يعمل بالمقاولات الصغيرة ويكسب ما يكفينا ويوفر لنا حياة كريمة‏,‏ لكنه كان يحس دائما بأنه أقل من بعض زملائه المهندسين‏..‏ ويشعر بالسخط علي حظه في الحياة ويتساءل دائما لماذا لم يعطني الله ما أعطاهم مع اني أفضل منهم كمهندس؟ فكنت أحثه دائما علي الرضا بحياتنا‏..‏ وأؤكد له أن حالنا أفضل بكثير من أحوال غيرنا وأن المهم هو السعادة والصحة وسلامة الأبناء الثلاثة الذين أنجبناهم خلال رحلة الزواج‏..‏ لكن كان يتطلع إلي الثراء السريع‏,‏ ويسعي إليه بكل السبل‏..‏ إلي أن اتصلت به سيدة مطلقة ولديها أبناء شباب يدرسون بالجامعة وكلفته ببناء فيلا لها بالساحل الشمالي‏..‏ ومن اللحظة الأولي التي روي لي فيها عن هذه السيدة لم أشعر بالارتياح لها وحذرته منها‏..‏ لكنه لم يستجب لي‏..‏ وبدأ يقضي ساعات طويلة معها كل ليلة ولا يرجع إلي البيت إلا مع الفجر بدعوي إعداد رسوم الفيلا‏..‏ ومناقشة التفصيلات‏..‏ ولاحظت أنه يرجع من عندها كل مرة وهو تفوح منه رائحة الخمر ويبرر لي ذلك بأنه اضطر لمجاملتها بإحتساء بعض الشراب معها‏..‏ وانتهي بناء الفيلا وتسليمها‏..‏ ولم تتوقف المقابلات والاتصالات بينهما وسألته عن مبرر ذلك وقد انتهي عمله معها فأبلغني بأنه يشاركها في بعض الأعمال التجارية كشراء العقارات وأراضي البناء إلخ‏,‏ وحدثت بيننا مشاكل كثيرة بلغت قمتها حين أبلغني صديق له بأن زوجي قد تزوج هذه السيدة المطلقة عرفيا بغير علم أبنائها‏..‏ وصدمت صدمة شديدة ومع ذلك فقد تعلقت بالأمل في أن يفيق زوجي من هذه النزوة ويتفرغ لزوجته وأبنائه‏..‏ فلم يحدث ذلك للأسف وإنما طلقني زوجي لكي يتفرغ هو ولطموحه وزواجه العرفي ومشروعاته لتحقيق الثراء وأخذ مني الولدين وكان أكبرهما في الحادية عشرة والآخر في العاشرة وبقيت مع طفلتي التي يبلغ عمرها ست سنوات‏,‏ وغادرت بيت الزوجية مكسورة القلب والخاطر ورجعت إلي بيت أبي وعدت إلي وظيفتي التي كنت قد تخليت عنها لأتفرغ لزوجي وأبنائي‏,‏ وبعد قليل رحل أبي عن الحياة حزينا علي مصيري‏,‏ ولحق بأمي الراحلة رحمهما الله‏..‏ وخلال ذلك اتصل زوجي السابق بأخي وهو إنسان‏,‏ طيب القلب للغاية وأبلغه بأنه سوف يعيدني إلي عصمته في أقرب فرصة‏..‏ ونقل إلي أخي ذلك فرفضت التفكير في العودة إليه في البداية‏,‏ ثم مع تكرار اتصال زوجي السابق بأخي وحديثه معه عن رغبته في إعادتي إلي عصمته واعتزامه أن يصطحبني للحج‏,‏ بعد العودة بدأت أشعر بأنه ربما يكون قد تغير بالفعل وأدرك قيمة الأسرة وسعادة الأبناء‏..‏ فرحبت بالعودة إليه من أجل طفلتي والولدين ومن أجل الذكريات المشتركة التي تجمعني معه‏..‏ لكن الحال استمر بعد ذلك عاما ونصف العام دون أي خطوة إيجابية لإتمام العودة‏..‏ ومن حين لآخر يتصل زوجي السابق بأخي أو يتصل به أخي ويدور الحديث بينهما عن عودة الحياة الزوجية بيننا وجمع شمل الأسرة والأبناء ثم يسافر زوجي السابق إلي محل اقامته في المدينة الساحلية ولا يعود وتنقطع أخباره فترة طويلة‏..‏ ثم يتجدد الاتصال مرة أخري وينتهي إلي نفس النتيجة إلي أن اتصل بي منذ فترة قصيرة واشترط علي لكي نعود لاستئناف حياتنا الزوجية ألا أطلب منه شيئا حتي ولو كان مهرا بسيطا لمجرد إشعاري بأهميتي لديه‏,‏ مع أننا سنعود للحياة الزوجية إذا عدنا بعقد جديد‏..‏
ولم تكن هذه هي المشكلة الأساسية‏..‏ وإنما جاءت المشكلة بعد ذلك حين عاود اللاتصال بي مرة أخري ليعترف لي بأنه قد تزوج خلال فترة انفصالنا عرفيا من أربع سيدات علي التوالي الواحدة بعد الأخري وطلقهن جميعا‏,‏ ثم منذ شهور تعرف بخامسة وتزوجها عرفيا كذلك وتعبيرا منها عن حبها له فقد حملت منه‏..‏ وهو لا يعرف ماذا يفعل‏,‏ فهل أريد العودة إليه علي هذا الوضع؟ ووجدتني أجيبه بالرفض وانتهي الاتصال بيننا عند هذا الحد فهل تراني قد أخطأت في مبادرتي برفض العودة إليه علي هذا الوضع إنني حائرة وأخشي أن أكون قد تسرعت أو أضعت علي نفسي وأبنائي الفرصة لإعادة جمع شمل الأسرة من جديد والفرصة لتحقيق الاستقرار لنفسي وأبنائي‏..‏ فماذا تري لي وبماذا تنصحني؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
ليس هناك ما يدعو للحيرة أو التشكك في أنك قد أضعت فرصة ثمينة لإعادة الاستقرار إلي حياتك يا سيدتي‏,‏ فالأرجح هو أنك ما كنت ستعرفينه أبدا إذا رجعت إلي هذا الزوج المفتون بنفسه وهو علي ما هو عليه من نزق وميل عارم للنزوات والمغامرات النسائية وضعف الإيمان بقيمة الحياة العائلية الفاضلة‏..‏ فالمرء قد يأسي علي الفرصة العادلة التي أتيحت له للسعادة والأمان فأضاعها من بين يديه بتردده أو بسوء تقديره لها لكنه لا يأسي أبدا ولا ينبغي له أن يأسي علي أشباه الفرص التي ما كانت لتعده بشيء سوي بالإذعان كارها لما لا يرضاه لنفسه‏..‏ ولا يعده إلا بمضاعفة العناء والإيلام واستشعار الهوان إلي ما لا نهاية‏.‏
وأنت في حقيقة الأمر لم تعرض لك حتي الآن أية فرصة حقيقية لجمع شمل الأسرة والأبناء بين أبويهم تحت سقف واحد‏,‏ فزوجك السابق لم يكن جادا في نية العودة إليك واستئناف ما انقطع بينكما من علاقة زوجية‏..‏ ولو كان كذلك لسعي إليك بإخلاص وأثبت لك أنه قد استوعب درس تجربة العبث والانفصال وعرف بالثمن الغالي أنه لا شيء في الوجود يعدل سعادة الأبناء وإحساسهم بالأمان والكرامة الإنسانية وهم يحيون تحت مظلة أبويهم‏..‏ ويشعرون بحمايتهما لهم وحدبهما عليهم‏..‏ وإلتزامهما بمسئوليتهم‏..‏ ولو كان جادا في نية العودة إليك حقا لما تكررت زيجاته العرفية خلال فترة انفصاله القصيرة عنك حتي بلغت خمسا أو ستا إذا أضفنا إليها زيجته من المطلقة الطروب التي انفصل عنك في البداية لكي يتفرغ لها ولأحلامه في الثراء عن طريقها‏,‏ ولما تاه بنفسه فخرا بأن زوجته العرفية الخامسة أو السادسة قد برهنت علي عظيم حبها له بالحمل منه‏!‏ مع أنه لاشيء فيما يتيه به يدعو للاعتزاز به أو الفخر به ولو تفكر في الأمر مليا لأدرك ما أدركه الفضلاء من قبله‏,‏ وهو أنه ما من رجل في الوجود تعيبه الحيل في الارتباط بامرأة أو أكثر في مغامرة عارضة إذا أراد ذلك وما من امرأة في الوجود تفتقد الشريك إذا رغبت في خوض علاقة عابثة وسمحت لها أخلاقياتها بها‏..‏ لأن العبث والمجون والتفريط هو الأسهل والأيسر دائما في كل مكان وزمان والأصعب وما يستحق الفخر والاعتزاز به حقا هو الالتزام والإخلاص والوفاء‏..‏ واحترام الذات ورعاية المثل العليا واتباع النهج القويم في الحياة لهذا فلقد قيل بحق إن العبث هو عزاء التافهين عن استشعارهم لتفاهتهم وسطحيتهم وضعف التزامهم الخلقي وعجزهم عن تحمل تبعاته التي لا يقدر عليها إلا الفضلاء وأولو العزم من الرجال والنساء فلا تندمي علي استشعارك لكرامتك الإنسانية ورفضك العودة إلي زوجك السابق وهو علي ما هو عليه من نية الاستمرار في العبث والمغامرة وتعدد العلاقات إلي ما لا نهاية كما توحي بذلك أحواله‏,‏ كما أن حمل زوجته الخامسة أو السادسة قد خلق وضعا جديدا يصعب تجاهله الآن أو تغييره بغير خسائر إنسانية جديدة تضاف إلي قائمة الضحايا من الأبناء الحائرين‏,‏ والزواج في النهاية هو كما يقول لنا الفيلسوف الألماني شوبنهاور‏:‏ هو اتحاد إرادتين من أجل إرادة أعلي‏..‏ هي الأبناء‏,‏ وليس كما يريده زوجك السابق عقد إذعان به وتسليم بأمر واقع غير مرض وليست لديه أية نية لتغييره إلي الأفضل أو التخلص منه وخلق واقع جديد سليم فإطوي سيدتي صفحة الحديث عن هذه الفرصة التي لم تجئ إليك من الأصل‏..‏ واهتمي بحياتك وابنتك وبعلاقتك بولديك وتطلعي إلي المستقبل بقلب يخفق بالأمل في رحمة الله وتعويض السماء‏..‏ وتذكري أن خير ما نقدمه لأنفسنا حين ينبذنا من كنا نشاركهم رحلة الحياة هو أن نعيد بناء حياتنا بغير الاعتماد عليهم كما كنا نفعل في حياتنا السابقة‏,‏ فنكون بذلك صالحين للتعامل مع فرص السعادة الحقيقية التي تعرض لنا في المستقبل‏..‏ وأكثر قدرة علي الاختيار الحر لأنفسنا وحياتنا ونحن منهارون وضائعون وأسري لآلام الفشل والإحساس المرير بالنبذ والخذلان‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق