السبت، ٤ أغسطس ٢٠١٢

القلــب الحــرير

07-10-2005
بكيت كثيرا بعدما قرأت بريد الجمعة‏(‏ القلعة المحاصرة‏)‏ بكيت لأنني كنت يوما مثلها‏,‏ أفكر مثلما تفكر‏.‏

بكيت لأنني الآن احتاج منك كلمات تخفف عني وأنا بداخل هذه القلعة التي كنت أظنها كما قالت أختي صاحبة الرسالة‏,‏ سأشعر فيها بالأنوثة والرغبة في الحياة‏.‏

أستاذي الفاضل‏,‏ أنا سيدة عمري‏30‏ عاما تزوجت منذ‏8‏ سنوات وأنا من عائلة متدينة والحمد لله أعطاني الله كثيرا من مقومات الزواج وكان المستوي المادي والاجتماعي عاليا والحمد لله‏,‏ والدتي كانت طبيبة غير عاملة‏,‏ وكنت أدرس في كلية الطب وكان والدي استاذا في هذه الكلية وكان يري أن الناحية المادية ليس لها أهمية فيمن يتقدم لخطبتي لذا كان يتوسم الدين والخلق فقط‏,‏ وكنت مقتنعة بذلك لذا قبلت بزوجي بالرغم من أن ظروفه كانت صعبة للغاية ولأنني لم يكن لي أخ يكبرني احسست أن زوجي هو الأخ الذي افتقدته‏,‏ ولأن والدي بحكم ظروفه كان دائم البعد عني أردت أن يكون زوجي الأخ والوالد‏,‏ ولأنني كنت ملتزمة في الجامعة فلم أصادق في حياتي أي شاب أو أحدثهم فإنني احتجت إلي أن يكون زوجي الأب والأخ والحبيب‏,‏ فكان أول انسان أحدثه وأتعامل معه من الجنس الآخر‏,‏ أحببته جدا جدا جدا ورأيت أنه أعظم نعم الله علي واندفعت اليه بكل كياني ومكوناتي أملا في أن أجد عنده الهدوء والاطمئنان والحب والحنان والسكينة والاستقرار‏,‏ كنت في شدة الحاجة اليه وتزوجني وكنت سعيدة مع أنه رفض مساعدة أهلي له بشدة‏,‏ لأنه يريد الاعتماد علي نفسه ولا يحب أن يأخذ شيئا من أحد‏,‏ تزو
جنا في شقة صغيرة ليس بها أي قطعة أثاث غير غرفة النوم فقط وكانت حياتي في البداية قاسية جدا وتحملتها بصدر رحب حتي بعدما فتح الله عليه وتجاهل جميع مطالبي ولم يحضر لي أثاثا لمنزلي أو تلفازا أو كمبيوتر أو أي وسيلة ترفيه ومنعني من العمل‏,‏ صبرت وتحملت ومازلت أتحمل أشياء كثيرة يطول شرحها‏.‏ ولكن شيئا ما انكسر بداخلي منذ أن بدأ زوجي وأنا أم لثلاثة أطفال ينظر إلي نظرات إهانة ويلقي علي كلمات بذيئة وتشبيهات صارخة علي جسدي الذي أصبح وزنه غير مثالي‏,‏ وينظر إلي الفتيات في الشارع أو الفيديو كليب ويقارن أجسادهن الممشوقة بي‏,‏ ليس ذلك فقط بل أخبرني أنه سيتزوج من أخري وأن من حقه ذلك إذا وجد الفرصة‏,‏ وعندما أبكي وأخبره أنني أنثي لا أتحمل من جانبه هذا يخبرني أن الأنثي صارت تحمل مقاييس أخري غيري أنا‏,‏ بدأت من كثرة تعليقاته القبيحة أمام أولادي واخوتي‏,‏ أشعر بالمرض‏,‏ نعم شعرت أنني مريضة‏,‏ والله أشعر بذلك وأري في احلامي أنني أقطع من جسدي بالسكينة‏,‏ ولا أستطيع أن أفعل كما تقول صاحبة الرسالة أن ألبس كما أشاء أمامه فإذا لبست شيئا قصيرا أمامه أظهر اشمئزازه ويأمرني أن أغطي ذلك المكان السييء كما يقول‏:‏ ولأنني أحب أن ألبس بداخل منز
لي أحدث وأجمل الصيحات فألبسها حين يكون خارج المنزل لأنني فعلا أجد راحتي في لبس ماأريد‏,‏ وكم أطير من السعادة عندما أسأل ابنتي عن رأيها في فستاني فتجيبني أنه رائع‏,‏ وأتمني أن أسمعها منه‏,‏ لماذا أفقد ثقتي بنفسي الآن‏,‏ أفقدها وأظل صامتة عندما يثني علي الأخريات أمامي ويقبحني ويعقد المقارنات وإذا نزلت مني دموعي متأثرة بذلك لا يتأثر ولا يخفف عني مع أنني أنيقة في ملبسي جدا‏,‏ نظيفة ومتناسقة المظهر والحمد لله‏,‏ ومع ذلك يشعرني دائما بأنه كم سيصبح سعيدا إذا تزوج بأخري من الوجوه اللامعة التي لا هم لهن إلا عرض المفاتن‏,‏ سيدي هل هذه الوجوه ستحبه مثلما كنت أحبه وهل ستضحي بجميع ما لها مثلما فعلت أنا عندما تعرض لظرف قاس في حياته‏,‏ هل ستترك عملها ومستقبلها من أجل أن تتفرغ له وللأولاد‏,‏ لا أعرف ياسيدي لماذا تغمض عيناه عني؟

أنا الآن أشعر أن حبه قد مات بداخلي وأنه سحب كل رصيده من عندي وأنا الآن الحمد لله أستعيد لياقة جسدي بحرمان شديد من الطعام ولا أستطيع أن أنسي هذه الأيام بل هذه السنين ولو لم يكن عندي أطفال أبرياء لكنت خرجت من تلك القلعة بدون عودة أبدا وما استسلمت لما أشعر به الآن من الوحدة واليأس وعدم رغبة في الحياة‏..‏

أتمني من الله أن تصلك رسالتي وتكتب لي علني أجد في كلماتك شمعة تنير طريقي إلي الأبد‏.‏

*‏ سـيدتي‏:‏ لم أفهم سر هذا التغير في نظرة زوجك إليك وأسلوب تعامله معك‏,‏ لذا سأستبعد احتمالات أن تكون هناك أسباب أخري خاصة بك لم تذكريها في رسالتك قد تكون سببا في هذا التحول الغريب‏.‏

فأنت فعلت كل شيء من أجل هذا الزوج‏,‏ اخترته وهو فقير لخلقه ودينه‏,‏ تحملت مصاعب البدايات‏,‏ وشاركته في رحلة كفاحه حتي فتح الله عليه‏.‏ وفجأة حدث هذا التحول بعد انجاب ثلاثة من الأبناء‏,‏ هل كان زوجك كاذبا‏,‏ مخادعا‏,‏ ولم يكن علي دين وخلق كما اعتقدت‏,‏ فانقلب عليك‏,‏ منتقما منك لأنك المرأة التي تذكره بمعاناته وبفقره؟

أم أنك كنت تعايرينه وتذكرينه بتلك الأيام؟‏!‏
الاحتمال الثاني أن يكون زوجك من هذا الصنف من الرجال الذي يري بعينه أكثر مما يفكر بعقله‏,‏ وبعد أن استراح ماديا‏,‏ واستنزف النجاح سنوات عمره الشابة‏,‏ بدأ يتلفت حوله ليجدك مشغولة بأطفالكما‏,‏ مهملة في نفسك‏,‏ فاستسلم لأهواء عينيه معتقدا أن نموذج فتيات الفيديو كليب ومطربات هذه الأيام اللائي يظهرن علي الشاشات في أحلي صور كاذبة وخادعة ـ هن الصورة الطبيعية للمرأة التي تليق به‏,‏ فاختار أن يعيش في الأوهام‏,‏ مسقطا عليك كل إحباطاته وعجزه‏,‏ متجاهلا أن ما وصلت إليه نتيجة لمسئولياتك الثقيلة في رعاية وتربية ثلاثة من الأبناء‏.‏

نعم‏,‏ علي الزوجة ألا تهمل في نفسها‏,‏ وألا يشغلها الأبناء عن الحفاظ علي أنوثتها أو الاهتمام بزوجها‏,‏ ولكن علي الزوج أيضا مسئولية الاهتمام بشريكة حياته ومساعدتها في تحمل المسئوليات‏,‏ ولفت انتباهها إلي أهمية الحفاظ علي جمالها وأناقتها‏.‏ ولكن الرجل الشرقي ـ في بعض الأحيان يفضل أن يترك الزوجة تستدرج إلي مغارة الاهمال والانشغال‏,‏ حتي يكون لديه المبرر للتجول بعينيه بين الحسناوات ليكمل بهن الصورة التي يتمناها أو يقنع نفسه‏,‏ إذا كانت شخصيته مهزوزة‏,‏ بأنه جدير بامرأة في مثل هذا الجمال‏.‏
سيدتي‏..‏ لقد بدأت في معرفة الطريق الصحيح‏,‏ إهتمي بنفسك‏,‏ استعيدي رشاقتك‏,‏ اهتمي بمظهرك‏,‏ وتجاهلي تماما رأي زوجك‏,‏ اهمليه مؤقتا‏,‏ حتي تستعيدي ثقتك بنفسك‏,‏ فالثقة لا يمنحها لنا الآخرون‏,‏ إذا لم تنبت من داخلنا‏,‏ وقتها قد يفيق هذا الزوج الظالم ويعلم أن الكلام الخشن يخشن القلوب التي هي أنعم من الحرير مثل قلبك‏,‏ ويتوقف عن الحديث عن الزواج بأخري‏,‏ لأن الذي يريد أن يفعل لا يقول‏,‏ وربما فعل ذلك لاستفزازك‏.‏ أما إذا استمر في أسلوبه المستفز الجارح‏,‏ وثبت لك يقينا أن هذا القبح جزء من نفسه‏,‏ فليس أمامك إلا خيارين‏,‏ أنت وحدك التي ستقرر أحدهما‏,‏ إما أن تختاري الانفصال حفاظا علي سلامتك النفسية والجسدية‏,‏ وإما أن يكون هذا القرار صعبا عليك‏,‏ ووقتها سيكون عليك أن تقبلي بوجوده كأب لأطفالك‏,‏ راضية باختيارك‏,‏ متجاهلة كل استفزازاته‏,‏ وإن كنت أري أن هذا الاختيار صعب وظالم لك وأنت في أحلي سنوات عمرك‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق