الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٢

هذا الأب

03-11-2006
قرأت إن حضرتك بتحل المشاكل‏..‏ أحكي لك بس إحلف ما تقلش لبابا‏,‏ علشان هو بيضربني‏,‏ وقبل كده ضرب أخويا وخلاه يلبس نضارة‏,‏ وماما باعت الشقة علشان تعالجه‏.‏

بابا بيضربنا وطرد ماما من أول المدرسة‏,‏ وراحت عند ستي‏,‏ ولما قلت لها تعالي‏,‏ قالت كلام مش فاهماه‏.‏

بابا كان بيضرب ماما كتير ويشتمها‏,‏ وماما غلبانة بتنام في الأودة مع ستي وخالتي اللي عندها سرطان‏..‏ وبابا مش بيأكلنا غير الأكل اللي بتجيبوا لنا ماما كل أسبوع‏.‏

بابا بيخلينا نعيش في شقة مش نظيفة‏..‏ عايز ماما علشان خايف من بابا وخايف وأنا نايم لوحدي لما بيروح الشغل‏,‏ أنا توأم‏,‏ لكن كنت بنام علي إيد ماما‏,‏ وهي بتروح مع أخويا للدكتور‏...‏ بتاع المخ ودكتور‏...‏ بتاع العين‏.‏

علشان خاطري‏,‏ تعرف تمشي بابا‏,‏ وماما ترجع البيت‏..‏ هي قالت له تعالي يوم السبت والأحد وأنا أمشي‏,‏ هو رفض وشتمها علي السلم‏.‏

أرجوك أنا خايف‏,‏ اسمي‏...‏ في سنة‏6‏ وبابا مهندس وده تليفون ماما‏...‏ وده تليفون بابا‏....‏

اوعي تقول لبابا علشان هو مع الناس كويس قوي‏,‏ ومعانا ومع ماما بيقول كلام شتايم وأنا أكثر واحد بيضربني‏,‏ وبأذاكر علي الأرض‏.‏

*‏ وصلتني هذه الرسالة التي تركت كلماتها البريئة المبعثرة المكتوبة بقلم رصاص باهت‏,‏ لتعكس حالة كاتبها‏,‏ الطفل الصغير‏,‏ الخائف المرتعش‏..‏ خائف ومرتعش من من؟‏..‏ من أبيه‏.‏

طفل صغير في الصف السادس الابتدائي‏,‏ يرصد بعينين مذعورتين جريمة كبري يرتكبها رجل في حق أسرة كاملة‏.‏

حرت كثيرا‏,‏ لقد طلب مني الصغير أن أحلف ألا أخبر والده‏,‏ وفي نفس الوقت أرسل لي رقم هاتفه في البيت‏,‏ وحذرني من أنه هو مع الناس كويس قوي‏,‏ يعني الطفل الصغير يفهم جيدا ازدواجية والده وكذبه‏,‏ ويخشي أن يخدعني بكلماته‏,‏ ثم يعود إليه ليوسعه ضربا‏.‏ فآثرت أن أحذف من الخطاب ما يشير إلي الأب أو مكان عمله‏,‏ وبعد أن فشلت في الوصول إلي والدة الطفل‏,‏ بسبب انشغالها بطفلها الآخر المريض وانتقالها من طبيب إلي آخر‏,‏ قررت أن أخاطب هذا الأب وأناشده‏,‏ لعل قلبه يفيق من غفوته قبل فوات الأوان‏.‏

سيدي الأب‏..‏ أرجو أن تقرأ كلمات طفلك بقلب الأب الإنسان‏,‏ لا بعقل الرجل المستبد‏,‏ الباطش‏,‏ المستقوي‏..‏ وحاول أن تفهم وتستوعب أنك تغرس في عقل ووجدان أطفالك جذور الخوف والكراهية‏,‏ والتي ستصبح مع الأيام فروعا قوية تلتف حولك وتقتص منك‏.‏

سيدي الأب‏,‏ أعرف رجالا ونساء‏,‏ لا ينامون ليلهم‏,‏ يستجدون الله سبحانه وتعالي ظل طفل‏,‏ وأنت أنعم الله عليك بالأولاد‏,‏ ولكنك لم تقدر نعمة الله عليك والتي قال عنها رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم‏:‏ريح الولد من الجنة‏..‏ هل هكذا يكون التعامل مع ريح من الجنة؟

هل يمكن أن تكون سعيدا وراضيا وطفلك يتمني أن تمشي‏,‏ ألم تفر دمعتك من عينيك وهو يكرر أكثر من مرة أنا خايف‏..‏ ألن يرق قلبك‏,‏ لأنه مازال يشعر ببعض الأمان لوجودك‏:‏وخايف وأنا نايم لوحدي لما بيروح الشغل‏.‏

سيدي الأب‏..‏ لو كنت في بلد أوروبي وقال عنك ابنك هذا الكلام‏,‏ لوضعت في السجن‏,‏ وهذا قانون وضعي‏,‏ فما بالك بانتقام السماء‏,‏ إنك تنشئ أبناء عاقين‏,‏ تعقهم في صغرهم‏,‏ وسيعقونك عندما يكبرون‏.‏

لا أعرف كيف لأب متعلم‏,‏ أن يطرد السعادة متعمدا‏,‏ يوزع التعاسة علي أقرب الناس إليه‏.‏

أدعو الله أن يرق قلبك وأنت تقرأ كلمات ابنك‏,‏ وتسارع بضمه إلي حضنك وتقبل رأسه ويديه‏,‏ وتعيد زوجتك وأطفالك إلي جنتك‏,‏ وإذا كان هناك ما يعكر صفوك ويضغط علي أعصابك بسبب مشكلات في العمل أو ضيق ذات اليد‏,‏ فإني أعرض عليك مد يد المساعدة قدر استطاعتي‏,‏ واتمني أن تتصل بي‏..‏

وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق