الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٢

جحيم الساعات الثلاث

15-12-2006
هذه هي قصتي‏,‏ قصة رجل عمره الآن ستة وثلاثون عاما قضي منها السنوات الثلاثة الأخيرة في عذاب وجحيم‏,‏ وأرجو أن يتسع لها صدركم‏ منذ أن عرفتها وأنا أتقي الله فيها‏,‏ أحملها علي كفوف الراحة كما يقولون‏,‏ لم أدخر جهدا لإسعادها وإدخال البهجة علي قلبها‏,‏ حددت لها مطلبا واحدا أوحد هو كل ما طلبته منها بعد زواجنا‏,‏ لا أريد غيره وفي سبيل تحقيقه سوف أبلع لك الزلط‏,‏ كان طلبي الوحيد هو تقوي الله ومراعاته في كل لحظة من لحظات حياتنا الزوجية وفي أبنائنا اذا ما من الله علينا بنعمة الأولاد‏.‏

وتزوجت ممن رق لها قلبي وظننت أنني سأرفل معها في النعيم‏ ولم يمض وقت طويل حتي اكتشفت أنني أمام حيه رقطاء‏,‏ أذاقتني المر بكل أشكاله وألوانه‏,‏ لم أطلب شيئا من أتفه وأبسط الأمور لأكبرها الا وفعلت ضده‏,‏ لم تترك شيئا ينغص علي حياتي إلا وفعلته بكل برود أعصاب وجرأة وتبجح‏,‏ ولما لا تفعل وقد رزقنا الله بولدين أصبحا هما روحي وعقلي وفلذة كبدي‏,‏ كم من مرة وسط نيران الخلافات قالت بكل برود أعصاب عندما كانت تلوح بوادر الانفصال‏,‏ لن تري ولديك بعد الطلاق‏,‏ وبكل لذة تطالع قسمات وجهي لكي تري أثر الهلع والجزع عليهما‏.‏

أخذت الولدين وذهبت إلي أهلها‏,‏ وبدأت لعبة الابتزاز منهم جميعا‏,‏ التلذذ الغريب بمساومة أب علي أولاده‏,‏ أرضخ وأكتم ألمي وهمي وكمدي وأصاب بالأمراض‏,‏ وعندما تقترب من نقطة العودة لاستئناف الحياة الزوجية تظهر فجأة رغبة ونشوة التلذذ بإيلام الآخرين‏,‏ فتعود للبداية واصطناع سبب جديد لاستمرار الوضع علي ما هو عليه‏,‏ وهكذا مرات ومرات‏,‏ وأنا أتسول رؤية ولدي‏,‏ ويكرمني الله رغم كل ذلك بمزيد من النجاح في عملي ويزداد دخلي فيزداد الحقد والغل والكيد‏,‏ فقد تأكدوا تماما أن الولدين هما حبل المشنقة الذي لفوه حول عنقي ويمكنهم شده في أي لحظة لانهاء حياتي‏.‏

عدة سنوات قضيتها علي هذا الحال حتي تم أبغض الحلال الذي لم يكن هناك مفر منه‏,‏ كمناورة تم رفع شعار الإبراء‏,‏ رفضت بحسم وإصرار وأبيت الا أن أدفع ما يوازي ثلاثة أضعاف ما قيل إنه حقها الشرعي‏,‏ والله هذا ما حدث ولم يكن ذلك الا محاولة مني لتطبيق أوامر المولي عز وجل في سورة النساء‏,‏ ثم رفضت سكنا كنت أنوي إعداده لها ولفلذتي كبدي فوقعت علي نفس الالتزام الصارم القانوني بأكثر مما طلب كنفقة وكإيجار مسكن‏.‏

من يومها وأنا أتكفل بمصروفات ولدي من الألف للياء بكل ما تحمله الكلمة من معان‏,‏ فهما سر وجودي وبقائي متماسكا في هذه الدنيا بعد الله سبحانه وتعالي‏,‏ ويأبي الحكم العدل اللطيف الخبير العليم أن يختل ميزان العدالة بين عباده‏,‏ فأترقي في عملي ويزداد دخلي وأتلذذ أيما لذة وأتلهف بشوق غريب لموعد زكاة المال‏,‏ وأتوسع في الصدقات التي أصبحت أحب الأعمال لي‏,‏ لو خيرت بين قصر منيف في أفخم بقعة علي سطح الأرض ووجه محتاج مسكين معوز لحظة تهلله وحبوره وهو يتلقي المساعدة‏,‏ لاخترت الثانية دون تردد والله العظيم‏,‏ وأتشدد أكثر وأكثر في إخفاء الصدقة فيزداد دخلي أكثر وأكثر‏,‏ وأتشدد أكثر وأكثر في الترفع عن رد أذي مطلقتي لي فيزداد نجاحي‏,‏ وأغوص في أعماق كتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه‏,‏ ولا من خلفه‏,‏ فأجد فيه سلوي سحرية ومخرجا لكل همومي ويزداد يقيني بأن الله لن يخذلني أبدا ولن يرد دعائي وأنا أبكي بين يديه كل يوم وكل ساعة‏,‏ وكل لحظة بأن يمكنني من تربية طفلي كما يحب ويرضي‏.‏

فما المشكلة إذن؟
سيدي الفاضل‏,‏ هل سمعت أو قرأت أو حدث وتكلمت مع أحد من قبل عن القانون‏25,‏ وتحديدا المادة‏20‏ منه‏,‏ وهو القانون الذي ينظم رؤية أبناء الطلاق بالنسبة للأب والأم غير الحاضنين‏,‏ وغني عن البيان أن السواد الأعظم ممن يطبق عليهم هذا القانون هم الآباء كون أن أكثر من تسعين في المائة من الحاضنين لأبناء الطلاق هن الأمهات‏.‏

هل تدري علام ينص هذا القانون؟ وماذا يمنح الأب لكي يتواصل مع أبنائه فلذات كبده؟ وكيف يمكنه من تمتيعهم بحنانه وتعليمهم أمور دنياهم ودينهم وإعطائهم حقوقهم من الأبوة التي كفلها الله لهم؟
ينص القانون علي حق الأب في رؤية أولاده لمدة ثلاث ساعات أسبوعيا‏,‏ ثلاث ساعات للأبوة التي أقسم بها المولي في كتابه العزيز فقال في سورة البلد‏,‏ بسم الله الرحمن الرحيم ووالد وما ولد صدق الله العظيم‏,‏ ثلاث ساعات لكل أب مكلوم مقهور يتلمظ فوق جمر فراقه عن أبنائه‏,‏ ثلاث ساعات لكل أب تجلده بسياط من لهيب أسئلة أبنائه فلذات أكباده بابا إنت ليه ماعدتش بتبات معانا؟‏,‏ ثلاث ساعات لكل أب أصبح صديقا لحراس العقارات والمدارس من كثرة انتظاره أمام منزل ومدرسة أولاده لكي يحظي برؤيتهم من بعد ويطمئن عليهم ولو للحظات عابرة‏,‏ ثلاث ساعات تستطيع أي مطلقة أن تحول بينه وبينهم بأبسط الحيل كيدا له وإمعانا في قهره‏.‏

بليل والناس نيام وفي لمح البصر سنوا قانونا يمد عمر الحضانة للأم بالنسبة للولد والبنت إلي سن خمسة عشر عاما‏,‏ وبالتوازي فجل ما احتفظوا به للأب وللأبوة كانت هذه الساعات الثلاث أو الرؤية‏,‏ وكأن الأب سيذهب الي رؤية مباراة كرة أو فيلم سينمائي‏,‏ حتي مسمي القانون ـ الرؤية ـ يشي بالظلم والقهر والعبث وسحق معني الأبوة سحقا‏,‏ فهل ما يربط أبا بإبنه من صلبه بلحمه ودمه هو الرؤية؟ أي جنون وهذيان هذا أن تربطني بابني رؤية‏,‏ ومن الذي أفتي وخيل له عقله السقيم أن انفصال أب عن أم أولاده يستلزم قهره وسحقه وتحطيمه بسلخ أولاده عنه؟ وهل ذلك في صالح أطفال أبرياء في عمر الملائكة يهاتفون والدهم بالدموع والصراخ حزنا وكمدا وقهرا علي فراقه؟ هل من سن وقبل وتواطأ علي تطبيق هذا القانون عنده الاجابة عن سؤال طفل بريء يسأله لأبيه في ملائكية بابا نفسي في مرة تفسحني بالعربية وإنت بتسوق وأنا راكب ورا فلا يملك الأب حتي ترف البكاء علي حالة قدره ومسئوليته أمام الله‏,‏ أن يظل أمام أبنائه القدوة في القوة والتحمل والجلد والمثل في الإقبال علي الحياة والتعامل معها‏.‏

ملأوا الدنيا صراخا وعويلا وصخبا مقيتا أصم الآذان عن نذالة الرجال وعن الثقافة الذكورية الضاربة في أطناب المجتمع‏,‏ وعن تقاعس الأزواج عن دفع نفقات مطلقاتهم وأبنائهم‏,‏ اعتبروا الأب المطلق ـ حتي ولو كان رافضا أصلا للطلاق وتم فرضه عليه ـ مجرما آثما لا يستحق أكثر من ثلاث ساعات رؤية‏,‏ وإذا قلت لنسلم بأن مجتمعنا ذو ثقافة ذكورية ولنسلم بنذالة الأزواج المطلقين وتهربهم من نفقات أبنائهم الذين من أصلابهم‏(‏ يا للشذوذ في الفكر‏)‏ وفقط نسألكم بالله ماذا أعد القانون للمطلق الملتزم المؤدي لكل واجباته المادية الذي يبغي تربية أبنائه؟

لا شيء سوي‏....‏ الجحيم‏..‏ جحيم الثلاث ساعات أسبوعيا‏,‏ هذا إن نالهم هل هناك بقية باقية من عقل أو إيمان في القلوب عند من يتسفه بأقوال وفريات مقززة مقرفة بشعة الوضاعة والدناءة علي شاكله نحتاط كي لا يخطف الأب الأبناء‏,‏ لبوهيمية وحيوانية هذه الترهات‏,‏ المولي سبحانه وتعالي يخبرنا في كتابه العزيز عن الأبوة في شخص سيدنا يعقوب عندما غاب عنه ابنه سيدنا يوسف فقال بسم الله الرحمن الرحيم وتولي عنهم وقال يا أسفي علي يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم صدق الله العظيم‏,‏ الله يخبرنا عمن ابيضت عيناه حزنا وكمدا ولوعة وحنينا لغياب ابنه‏,‏ ونحن عندنا من يشط في غلواء مقزز ويفكر في خطف الأب لأبنائه‏,‏ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏

كل بلاد العالم بلا استثناء تمنح الأب المطلق الحق في معايشة أبنائه علي الأقل ـ أكرر علي الأقل ـ يومين أسبوعيا إلا مصرنا العزيزة بلد الألف مأذنة والثلاث ساعات أسبوعيا‏.

*‏ سيدي‏..‏ آلمتني رسالتك‏,‏ وبمعني أدق وجعت قلبي وستوجع قلب كل أب‏,‏ يعرف جيدا معني أن يحرم من رؤية أبنائه‏,‏ اللعب معهم‏,‏ سماع حكاياتهم الطفولية‏,‏ واحتضانهم في صدره‏,‏ دون أن ينظر في الساعة خوفا من أن يطول العناق وتضيع الدقائق فلا يجد وقتا لتأمل وجوههم أو تلمس ملامحهم‏.‏

ليست هذه المرة الأولي التي أقرأ فيها أو أسمع عن قانون الرؤية ومشاكله وأزماته‏,‏ وأتفق معك في أنه يحتاج إلي إعادة مراجعة وتعديل لوضع ضوابط تسمح للأب أو الأم اللذين افترقا برؤية أطفالهم ومعايشتهم وقتا أطول‏,‏ وقت يسمح بالمشاركة في تفاصيل الحياة‏,‏ مع تغليظ العقوبة علي الطرف الذي يتحايل أو يرفض تنفيذ القانون‏,‏ ليس فقط من أجل إشباع غريزة الأبوة أو الأمومة‏,‏ وإنما حماية للأطفال‏,‏ للمستقبل‏,‏ حتي ينشأوا في ظروف طبيعية‏,‏ فليس من المقبول أن ننشئ أجيالا ضائعة بسبب سوء اختيارات الأزواج‏,‏ أو صعوبة استمرار الحياة بين رجل وامرأة‏.‏

نعم سيدي‏,‏ ساعات ثلاث أسبوعيا لا تكفي‏,‏ ولا تغرس دفئا أو تربية في نفس طفل صغير‏,‏ بل قد تؤذي مشاعره وتصيبه باضطرابات وجدانية‏,‏ ودعنا نتفق علي أن الأزمة ليست فقط في القانون‏,‏ وإنما في ثقافتنا‏,‏ ثقافة الانفصال‏,‏ والتي تعني في مجتمعاتنا‏,‏ أن شركاء الحياة‏,‏ شركاء المنزل والفراش والأيام الحلوة ومثلها الصعبة‏,‏ إذا انفصلوا فهم أعداء‏,‏ يبالغ كل طرف في تعمد إيذاء الآخر وإذلاله‏,‏ حتي لو كان ذلك باستخدام ملائكتنا‏,‏ أطفالنا‏,‏ الصغار‏,‏ رغبة في الانتقام تغتال غريزة الأمومة أو الأبوة‏,‏ وأنا أصر علي ذكر الطرفين ـ علي الرغم من أنك مجني عليك ـ لأني أعرف أيضا آباء قساة يتفننون في إيذاء مطلقاتهم باستخدام الأبناء‏.‏

سيدي‏..‏ لست في حاجة إلي تثمين موقفك مع أم أطفالك‏,‏ ولا مراعاتك لله سبحانه وتعالي‏,‏ لأنك تلمس بنفسك رحمته بك وعطاءه الكريم لك‏,‏ حتي إن كنت تتألم الآن فإني واثق من صبرك ورضائك عن ابتلاء الله لك‏,‏ والذي لن يطول‏,‏ وسيأتي اليوم الذي تجني فيه ثمار صبرك وألمك‏.‏

ولكني أشفق علي أم طفليك ومن تفعل مثلها‏,‏ فهذه القسوة في تعاملها معك‏,‏ لن تغرس إلا قسوة في نفوس الصغار‏,‏ وسيأتي يوم يكبرون ويفهمون ما فعلته‏,‏ ووقتها ستشرب من نفس الكأس التي تذيقك إياها‏,‏ ولكن ليس بأمر منك أو قهر‏,‏ وإنما بقرار من أبنائها و‏..‏من أعمالكم سلط عليكم فهل تفيق هي وغيرها‏,‏ وهو وغيره قبل فوات الآوان‏,‏ دعونا نبتعد بأطفالنا عن صراعاتنا وأغراضنا الشخصية‏..‏

دعونا نوفر لهم ظروفا طبيعية وإنسانية‏,‏ لأنهم سيكونون المتكأ والملجأ عندما يتسرب العمر ومعه الصحة وحق الأمر والنهي‏.‏

أتمني أن تستجيب مطلقتك لكلماتك ولدعوتي‏,‏ بإتاحة الفرصة لأطفالكما بأن يلتقيا بك أطول وقت ممكن دون الاستناد إلي قانون وضعي‏,‏ فالقانون الإلهي قاس لمن يخالفه‏,‏ وأدعو الله ألا تعميها رغبتها في الانتقام عن عدالة الله‏,‏ فتندم بعد فوات الأوان‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق