20-10-2006
تعود قصتي أو مأساتي إلي أكثر من33 عاما مضت, واعتقدت أن الله قد غفر لي خطيئتي, ولكن كانت الأقدار تخفي شيئا آخر كنت في بداية السبعينيات, طالبة جامعية من أسرة متوسطة في صعيد مصر, وكنت في هذا الوقت مخطوبة لشاب من أقاربي, أنهي تعليمه الجامعي قبلي بسنوات, وكان يقضي الخدمة العسكرية واتفقت العائلتان علي إتمام الزفاف فور انتهائه من فترة تجنيده.
كنت أحبه حبا كبيرا, وأثق فيه إلي أبعد الحدود, فهو الرجل الأول في حياتي, هو أملي ومستقبلي, لم يكن خطيبي فقط, ولكن كان أستاذي ومعلمي. ما إن يأتي في اجازته, حتي يطل علينا في بيت العائلة, يحكي لي كل شيء, وأحكي له تفاصيل أيامي بدونه, وحتي لا أطيل عليك وأسرد تفاصيل لن تجدي الآن, سأصل مباشرة إلي قلب الأزمة.
ذات مساء, وفي ليلة أخيرة في إجازته في شهر سبتمبر عام1973, حدث بيننا مايحدث بين الأزواج, لا تسألني كيف, وأين كانت العائلة, إنه الشيطان الذي استغل ضعفنا الإنساني.. بكينا طويلا, وأقسم لي أنه سيتم الزواج في إجازته المقبلة, ولكنه لم يف بوعده لم يف, ليس إنكارا أو خسة, ولكن لأن الله اختاره, ليكون أحد شهدائنا في حرب أكتوبر ضاقت بي الدنيا, وكدت أفقد عقلي, خاصة بعد اكتشافي أني حامل منه, من ليلة واحدة, ضعفت وخنت نفسي قبل أن أخون ربي.
لن استطيع أن أصف لك إحساس فتاة وحيدة, فقدت حبيبها وخطيبها, لا ينازع إحساسها بالفقد إلا الاحساس بالخوف من الفضيحة, تمنيت الموت ودعوت الله كثيرا حتي لا أفضحه أو أسيء إليه أو إلي أهلي. حاولت التخلص من حملي, ولكن وقتها كان هذا صعبا, وأصبحت الأيام تمر علي كالسكين البارد عندما تمر علي رقبة الذبيحة.
لم يكن أمامي إلا خيار واحد وأخير, وإلا سيكون الهرب من بلدتنا هو الحل, لجأت إلي صديق خطيبي, الذي أعرف أنه كان مكمن أسراره, وكان معه علي الجبهة, وبعد أول زيارة له بعد توقف الحرب بشهرين, أوفدت له من يستدعيه لزيارتنا, وحكيت له المأساة التي أعيشها. ففوجئت به نبيلا, شهما, مخلصا, يعرض علي الزواج فورا.. وكأن السماء تلقي لي بطوق نجاة قبل أن ألفظ النفس الأخير.
في الصباح تقدم إلي أسرتي طالبا يدي, وعندما عرضوا علي الأمر, أخبرتهم بموافقتي الفورية لأنه صديق خطيبي الراحل, وأثق في حسن خلقه.
تزوجنا في هدوء, واستأجرنا شقة في مدينة بعيدة حتي أنجبت بعد ستة أشهر من الزواج لن أحكي لك, كم وكيف كان هذا الرجل كريما معي ومع طفلي الذي نسبه إليه, دون أن يشعر بأي تفضل, لم يهني بكلمة أو بإشارة أو بإيماءة, بل كان يبالغ في تدليله. الغريب أنه كان يرفض أن ينام معي في غرفة واحدة, ولم ألمح في عينيه نظرة رغبة أو اشتهاء حتي بعد انجابي بشهور.
وشاءت الأقدار أن يأتيه عقد عمل في إحدي الدول الخليجية, فسافرنا واعتبرتها فرصة لبداية حياة جديدة, وحاولت التقرب إليه, والتفاني في خدمته, ولكنه ظل علي موقفه مني, إلي أن واجهته بالسؤال عن سر ابتعاده, فرد علي, بأنه لا يريد أن يستغل الموقف, خاصة أنه يعرف أني قبلته زوجا في ظرف خاص, ولكني قلت له إني أحببته, وأحببت انسانيته وشهامته, وأنه أمام ربي وأمام الناس, وفي وجداني, زوجي ووالد ابني الوحيد.
وذاب الثلج بيننا.. وبدأنا نعيش حياة طبيعية, ولم يقدر الله لنا الانجاب فأصبح ابني هو قرة عينه وفرحة قلبه سيدي.. لو سردت لك سنوات السعادة والهناء, لما كفتني صفحات وصفحات, حتي أيقنت أن ربي غفر لي خطيئتي, خاصة أني حججت إلي بيته الحرام, وبكيت دما طلبا لعفوه ومغفرته, ولكن يبدو أنه سبحانه وتعالي لم يستجب.
حصل ابني علي الثانوية العامة بمجموع مرتفع, ورفض زوجي أن نتركه يعود إلي القاهرة بمفرده لإكمال تعليمه الجامعي, وقال إنه سيدخل كلية قمة ويحتاج إلي دعم ورعاية, فأنهي أعماله في تلك الدولة التي قضينا بها أحلي سنوات عمرنا وعدنا أحس بصعوبة وأنا اختصر سنوات طويلة في سطور قليلة, ولكن ليس أمامي إلا القفز فوق الأحداث, تخرج ابني من الجامعة, واشتري له والده ـ زوجي ـ شقة فاخرة, كما أثث له مكتبا فخيما يبدأ به حياته العملية.
نجح ابني في عمله, واقترح عليه زوجي أن يكمل نصف دينه, فرحب ابني, وأخبرنا أنه تعرف علي فتاة من أسرة طيبة, ووالدها يشغل مركزا مرموقا, فرحبنا علي الفور, وحددنا موعدا لزيارة أسرتها, وتم كل شيء بسرعة شديدة, خطبة, فزواج, بعد عام طفل جميل بدأ ابني ينشغل عنا بحياته, تمر أيام دون أن نراه أو يتصل بنا, كنت أتصل بزوجته وأعاتبها, فتقسم لي أنها لا تراه إلا نادرا, وأن حياته مرتبكة دون أن تعرف الأسباب, وأنه أصبح عصبيا يغضب لأتفه الأسباب, زوجته لم تعرف ولكني عرفت.
في يوم فوجئت بسكرتيرة ابني تتصل بي لتطلب مقابلتي, انقبض قلبي خوفا علي ابني, فرحبت بها علي الفور, وكانت المفاجأة. ابني متزوج بها عرفيا, وعندما حملت منه خيرها بين الاجهاض وبين الانفصال, وعندما رفضت العرض الأول فوجئت به يمزق صورتي الزواج العرفي أمام عينيها, وقال لها: اخبطي رأسك في أكبر حائط. مادت الأرض بي, وطلبت منها أن تمهلني بعض الوقت, وعرضت الأمر علي زوجي, فقال لي ربما تكون كاذبة ومدعية, دعينا نتأكد بأنفسنا, وكانت قد حددت لي الشقة التي كان يستأجرها ويلتقيان فيها ويعرفهما الجيران.. فتوجهنا إليها وبدأنا في السؤال والتحري حتي تأكدنا من صدق كلامها.
اتصلت بابني وطلبت حضوره لأمر مهم, وواجهته أنا وزوجي, فأنكر في البداية, وادعي أنها كاذبة, وعندما أيقن أننا لا نصدقه وأننا نعرف ماحدث, قال فلتذهب للحجيم, لقد اتفقت معها علي عدم الحمل, فلتشربه, كلمة قاسية, جرحتني, وأعادتني إلي ألمي وجرحي القديم, إنها في نفس موقفي السابق, بل هي أفضل مني, لقد تزوجته, حتي لو كان أسلوب الزواج خاطئا أو عليه تحفظات, ما ذنبها وما ذنب جنينها؟.. لا أعرف كيف سار الحوار بيننا, كل ما أذكره أني انفجرت في جهه وصارحته بحقيقته وبأن هذا الرجل الذي يعتقد أنه والده هو الذي أنقذه وأنقذني, فكيف يضع ابنه في موقف لا يعرف كيف سينتهي وعند اسم من؟ أو في أي ملجأ؟.
نعم, كانت كلمات قاسية ومؤلمة, لم يفلح زوجي في إيقافي أو انقاذ الموقف, لحظات رهيبة, اختفي بعدها ابني وتركني في جحيم.. غير موجود في المكتب, لا يرد علي هاتفه, ولا يعود في المساء إلي بيته أيام طويلة من العذاب والبحث, حتي فوجئت به يطرق بابي, ويحدثني بغلظة رافضا توجيه كلمة أو نظرة للرجل الذي رباه وتحمله وحمله اسمه, قال لي في صيغة آمرة: لقد بعت كل شيء في مصر, وانهيت إجراءات سفري إلي كندا, وعليك الآن أن تختاري, إما أن تذهبي معي ومع زوجتي وابني, وإما أن تظلي هنا مع هذا الرجل ولن ترينني مرة ثانية.. وقبل أن أرد بكلمة: أو أحاول استدراجه إلي حوار, أخبرني أن أمامي أسبوعين لأحدد اختياري وانصرف مهرولا.
سيدي.. زوجي يمارس نبله وكرمه ويقول لي سأرضي بأي خيار يسعدك ولن ألومك أو أغضب منك.. وأنا حائرة كيف لي أن أضحي بمثل هذا الرجل؟ وفي الوقت نفسه قلبي يتمزق عندما أتخيل أني لن أري ابني أو أحفادي مرة أخري.. عقلي توقف عن التفكير.. فهل لديك نصيحة؟
* سيدتي.. كثيرا ما نشاهد في الدراما التليفزيونية مالا نصدقه, ونراه شطحات مؤلفين, مثلما نقول الآن عن مسلسل سكة الهلالي ذلك الرجل الذي يبدو مثاليا, ولكن خطيئته القديمة تلاحقه بعد أكثر من عشرين عاما وتجعله يعتقد خطأ أنها أثمرت ابنة ظهرت لتدمر كل استقراره وظن أنه تجاوز الماضي بكل خطاياه وآثامه, هذا في الدراما والتليفزيون ولا نصدقه.
ولكن عندما نقرأ مثل قصتك, نكتشف أن خيال الواقع أوسع وأعمق بكثير من خيال كل المؤلفين والكتاب.
إن مأساتك ياسيدتي شديدة التشابك, فعندما أفكر في موقف ابنك أو نبل وشهامة زوجك, يقذفني التفكير إلي اصلاحك للخطيئة بإثم آخر, فقد خالفت الشرع أنت وزوجك, بنسب ابن إلي غير ابيه, بما في ذلك من اختلاط للأنساب, قد يعجز تفكيرنا العاطفي والتماس الأسباب عن تصور ما قد يسفر عنه من كوارث أقلها وأبسطها توريث من لا يستحق وحرمان الأحق, لذا سأترك مناقشة موقف الشرع مما ارتكبتيه للعلماء لعل أحدهم يفتينا في مثل هذا الوضع, ويحدد لك ما الذي يجب فعله للتكفير عن هذا الإثم, حتي لو كان الثمن كبيرا.
وبالطبع ليس من حقي ولا من حق أحد أن يلومك علي خطيئتك, فأنت تعرفين قدرها, وقضيت حياتك تستغفرين ربك وتعبرين عن ندمك, فليس هذا هو موضع اللوم والتأنيب.
يبقي الموقف الأزمة, ابن لاقي أحسن تربية من أم مثلك ورجل قام بدور الأب خير قيام, ولكنه جنح وارتكب خطأ في حق نفسه وحق زوجته وحق تلك السكرتيرة التي تزوجها عرفيا. هذا الخطأ الذي دفعك لكشف السر الذي احتفظت به أكثر من ثلاثين عاما, فكسرته أمام نفسه, وجعلته يري نفسه ابن حرام فيكره الرجل الذي أحسن تربيته, ويشعر أن لن ينقذه من إحساسه المفزع بالغربة وباليتم سوي الهرب إلي الخارج, إلي بلد آخر لا يعرف فيه أحدا ولا أحد يعرفه. إذن هو موقف انفعالي يجب عليك وعلي زوجك تفهمه.
وإن كان هذا لا يعني عدم إدانة الابن, لأنه لو تمهل قليلا لاكتشف أنه هو الآخر يرتكب جرما كبيرا, لايقل عما ارتكبته وإن كنت تحملت نتائجه فها هو يغرر بفتاة باسم الزواج, ثم يريد الفرار ويتركها تواجه المجتمع بابنهما وحيدة مذعورة, موقف يتنافي مع الرجولة ومع غضبته من الحقيقة التي آلمته. هذه الحقيقة كان يجب أن تعيده إلي صوابه حتي لا يضع ابنه في موقف أسوأ مما وقع هو فيه.
سيدتي.. قرارك لا يحتاج إلي تفكير, فالتضحية بمثل زوجك غير مقبولة, هذا الرجل الذي وهب حياته لك ولابنك, وسترك في الدنيا فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان, أدعوكما إلي محاولة أخري مع الابن, قولا له أن يفعل مايشاء, ولكن عليه أن يعترف بابنه ثم يسافر إذا أراد, فإذا نجحتما في ذلك, فإنكما تكونان قد قطعتما نصف المسافة, وحاولي سيدتي أن تحافظي علي جسر للمودة معه, لعله بعد سفره وغربته يهدأ ويستعيد عقله واتزانه. أما إذا أصر علي موقفه من زوجته العرفية وجنينها, فإن عليك أن تخوضي معركتها التي هي كانت معركتك, وتقفي بجانبها في المحاكم حتي تحصل علي نسب ابنها لابنك, حفظك الله وزوجك الكريم, وهدي سبحانه وتعالي ابنك إلي صواب الفعل والقول وأدخل اللين والمحبة إلي قلبه حتي يري ما اختلط عليه وإلي لقاء بإذن الله.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٢
الخطــــــــيئة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق