السبت، ٤ أغسطس ٢٠١٢

العـــــــــــــــار

18-11-2005
سيدي‏..‏ لم أكن أفهم منذ طفولتي المعني المتكرر في الأفلام والقصص فقدت أعز ما تملكه الفتاة‏,‏ وشاءت الأقدار أن أفهمه مبكرا‏,‏ فيما أودع طفولتي البريئة‏..‏ فهمت المعني وفهمت أيضا أشياء كثيرة‏,‏ لم أتمن يوما أن أفهمها‏!‏

فقدت أعز ما تملكه الفتاة بعد اتمام عامي السادس عشر بأيام معدودة‏..‏ لقد كنت ضحية اعتداء من سائق تاكسي واثنين من أصدقائه‏..‏ لن أذكر ماحدث ليس بحجة نسيانه‏,‏ فإنه يحيا بداخلي لأني مازلت أتذكر كل لحظة‏..‏ كان يغشي علي من كثرة الألم ثم أفيق أتألم وأبكي حتي أقع مغشيا علي ثانية‏..‏ كانت أربعة أيام‏..‏ عدت بعدها إلي أمي التي كادت تموت من كثرة البكاء علي‏..‏ عدت لأبي الذي لم يترك مكانا إلا وسأل عني فيه‏..‏

لم أبدأ أشعر بما حولي إلا بعد ثلاثة أيام‏..‏ كنت حامدة لله وشاكرة له لعودتي لأني لم أتصور أني سوف أعود أبدا‏..‏ لكن عندما نظرت حولي لم أجد أحدا سعيدا بعودتي‏.‏ لقد صدمت لهذا‏,‏ فأنا بالنسبة لهم سودت وجوههم وجلبت لهم العار‏,‏ كانت المرة الأولي التي بدأت أنظر لما حدث وأستوعبه‏,‏ لم يسألني أحد أين كنت؟ بل قالوا لي إنهم لا يريدون أن يعرفوا‏.‏ المهم أني بينهم الآن‏..‏ كانوا يقولونها‏.‏ وهم يوارون عيونهم عني‏,‏ أردت أن يربت أبي علي كتفي‏,‏ أن تقول لي والدتي إن كل شئ سيكون بخير‏,‏ أن أروي ما حدث وأبكي وأصرخ‏..‏ أردت من أختي أن تبتسم في وجهي وأن تأخذني في حضنها بحنان‏..‏ أردت أن تثور عائلتي وأن يأخذوا الثأر لشرفي‏..‏

لقد كنت خائفة‏,‏ ضعيفة‏,‏ هشة‏,‏ لكن أحدا لم يرد أن يسمع‏..‏ فقط سألني أبي إن كان حدث شئ؟ هززت رأسي له باكية‏..‏ أي نعم ــ وأخذت أبحث عن كتفه لأستند عليها وأروي له‏,‏ لكنه استوقفني وقال لي انه لا يريد أن يعرف كيف حدث هذا وأمارات الألم علي وجهه‏,‏ ولمح لي ألا أقول شيئا لأحد خوفا من الفضيحة‏...‏ هذا أفضل لي ولمستقبلي‏.‏

ولقد كنت قوية والحمد لله‏..‏ ووقفت ثانية لأواجه حياتي‏..‏ لكن لم أكن نفس الفتاة التي كنتها‏,‏ فهذا المعتدي لم يأخذ مجرد غشاء‏,‏ ولكنه أخذ معه شيئا آخر‏..‏ أخذ معه الإحساس بالأمان وكسر معه شيئا بداخلي‏.‏ ورجعت لحياتي بعد معافاة آلام جسدي‏,‏ لكن لم أجد أصدقاء يهنئونني بعودتي‏..‏ لم أجد زميلا أو زميلة يساعدانني علي اجتياز هذه المرحلة‏,‏ بل وجدت زملائي هم أعدائي الذين وجدوني مادة ملائمة للشائعات‏..‏ أبواب البيوت تغلق في وجهي‏..‏ لم يعد أحد يتصل بي‏,‏ ولا أجد أحدا عندما اتصل أنا‏..‏ وإذا وجدت إنسانة تدافع عني يمنعها والدها من صحبتي فتقاطعني نهائيا‏..‏ في المدرسة الكل ينظرون ويتهامسون‏,‏ حتي مدرسي لم تعد معاملتهم محبة لتلميذتهم النجيبة‏..‏ بل كانت جافة مشمئزة‏..‏ مستهزئة‏.‏

كنت أتألم كثيرا عندما لا أجد أحدا يريد أن يجلس بجانبي في المدرسة أو في الدروس الخصوصية‏..‏ كنت أجلس وحيدة في مكان يتسع لأربع طالبات‏..‏ لم أشتك أو أشرك أهلي مرة ثانية‏..‏ فكفاهم مامروا به‏..‏ لقد عوملت كأني أنا المذنبة‏,‏ حتي صرت أشعر فعلا بأني مخطئة‏..‏ لقد كنت أدخل للاستحمام في اليوم الواحد أكثر من خمس مرات لإحساسي بأني لست طاهرة‏.‏

سيدي إنني أواجه الكثير من العروض لحياة الرذيلة والوقوع فيها‏,‏ إنني أقاوم شياطين الانس هنا‏...‏ أحاول صابرة ألا أضعف وأن أكون من عباد الله الصابرين‏..‏ فبماذا ترد علي‏..‏ بماذا تنصحني؟

في نفس الوقت أتمني أن تقرأ أمي هذه الرسالة الآن أو والدة أي فتاة أخري تعرضت لمثل هذه الظروف‏..‏ أمي‏..‏ أعرف أن سنين مرت علي هذه الحادثة‏..‏ لكني أراها في عينيك وبين كلماتك‏..‏ أريدك فقط أن تعلمي أنني أحبك كثيرا يا أماه‏..‏ لم أقصد في أي يوم أن أجرحك أو أن أشعرك بالعار‏..‏ هل تعتقدين أن طفلتك الصغيرة تريد لك هذا‏..‏ هل تعرفين كم أحتاج إلي حضنك الذي تحرمينني منه‏..‏ أماه أنا في أمس الحاجة إليك‏..‏ أرجوك كفي جفاء ويا أبي أنا لم أفقد الأمل بعد‏....‏ ومازلت أعمل علي إكمال حلمي القديم بحياة مستقرة وناجحة لأجعلكما يوما ــ تنظران لي وتقولان بكل فخر‏..‏ هذه ابنتنا‏.‏

{‏ لا تستحمي يا عزيزتي كي تتطهري‏,‏ فروحك وجسدك طاهران‏,‏ أما كل من حولك فهم الذين في أشد الحاجة إلي التطهر‏,‏ لأنهم بدلا من مطاردة القتلة‏,‏ سلخوا الذبيحة وراحوا يتوضأون بدمائها‏,‏ مستمتعين بالعيش في ظلال الفضيحة‏.‏

لم تذكري ياصغيرتي شيئا عن الجناة‏,‏ وإن كنت أشك في أن أبا وأما يفكران بهذه الطريقة سيحرصان علي اعادة حقك المغتصب‏.‏ انكسر والدك وكأنه يستعيد صوتا من الجاهلية بتمني وأدك‏,‏ لأنك جلبت له العار‏,‏ واسود وجه والدتك لأنها فكرت في مجتمعها ولم تفتح صدرها لتحتويك في حنان وتعيد إليك الأمان الذي سرقه منك الذئاب‏.‏

الذئاب ليسوا هم فقط من اغتصبوك ولكنهم الذين يحيطون بك من زملاء ومدرسين وجيران‏,‏ يقتاتون علي شرفك‏,‏ دون أن يتحسس كل منهم رأسه‏,‏ راضيا بالذئب الذي يستعير حكمة الحمل في العلن مدينا الطرف الأضعف‏,‏ المجني عليه‏,‏ الذي تخلي عنه الجميع‏.‏

عودي إلي سابق عهدك ياصغيرتي‏,‏ إرفعي رأسك‏,‏ لأنك اخترت الشرف‏,‏ إن مجتمعك هو الذي فقد أعز ما يملكه‏,‏ الأعز دائما هو دفع الظلم والقبض علي الظالم وحماية المظلوم لا اغتياله‏.‏

استعيدي روحك الطاهرة‏,‏ وواجهي الجميع‏,‏ وانجحي‏..‏ ليس من أجلهم ولكن من أجل نفسك‏,‏ فالمهم أن يرضي عنك ربك وترضين عن نفسك‏,‏ والأيام ستصفو حتما‏,‏ لا أعتقد أن شياطين الإنس سينجحون معك‏,‏ لأنك بعون الله أقوي‏.‏

الشئ الأخير الذي أعرضه عليك‏,‏ إذا كان الجناة قد فلتوا بجريمتهم فإني علي استعداد لتحريك عمليات البحث عنهم من جديد ومطاردتهم‏,‏ لأن الساكت عن هؤلاء المجرمين شريك معهم في جرمهم‏..‏ لاتفرطي في حقك وسأكون بعون الله معك‏..‏ فقط اتصلي بي‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق