18-11-2005
سيدي.. لم أكن أفهم منذ طفولتي المعني المتكرر في الأفلام والقصص فقدت أعز ما تملكه الفتاة, وشاءت الأقدار أن أفهمه مبكرا, فيما أودع طفولتي البريئة.. فهمت المعني وفهمت أيضا أشياء كثيرة, لم أتمن يوما أن أفهمها!
فقدت أعز ما تملكه الفتاة بعد اتمام عامي السادس عشر بأيام معدودة.. لقد كنت ضحية اعتداء من سائق تاكسي واثنين من أصدقائه.. لن أذكر ماحدث ليس بحجة نسيانه, فإنه يحيا بداخلي لأني مازلت أتذكر كل لحظة.. كان يغشي علي من كثرة الألم ثم أفيق أتألم وأبكي حتي أقع مغشيا علي ثانية.. كانت أربعة أيام.. عدت بعدها إلي أمي التي كادت تموت من كثرة البكاء علي.. عدت لأبي الذي لم يترك مكانا إلا وسأل عني فيه..
لم أبدأ أشعر بما حولي إلا بعد ثلاثة أيام.. كنت حامدة لله وشاكرة له لعودتي لأني لم أتصور أني سوف أعود أبدا.. لكن عندما نظرت حولي لم أجد أحدا سعيدا بعودتي. لقد صدمت لهذا, فأنا بالنسبة لهم سودت وجوههم وجلبت لهم العار, كانت المرة الأولي التي بدأت أنظر لما حدث وأستوعبه, لم يسألني أحد أين كنت؟ بل قالوا لي إنهم لا يريدون أن يعرفوا. المهم أني بينهم الآن.. كانوا يقولونها. وهم يوارون عيونهم عني, أردت أن يربت أبي علي كتفي, أن تقول لي والدتي إن كل شئ سيكون بخير, أن أروي ما حدث وأبكي وأصرخ.. أردت من أختي أن تبتسم في وجهي وأن تأخذني في حضنها بحنان.. أردت أن تثور عائلتي وأن يأخذوا الثأر لشرفي..
لقد كنت خائفة, ضعيفة, هشة, لكن أحدا لم يرد أن يسمع.. فقط سألني أبي إن كان حدث شئ؟ هززت رأسي له باكية.. أي نعم ــ وأخذت أبحث عن كتفه لأستند عليها وأروي له, لكنه استوقفني وقال لي انه لا يريد أن يعرف كيف حدث هذا وأمارات الألم علي وجهه, ولمح لي ألا أقول شيئا لأحد خوفا من الفضيحة... هذا أفضل لي ولمستقبلي.
ولقد كنت قوية والحمد لله.. ووقفت ثانية لأواجه حياتي.. لكن لم أكن نفس الفتاة التي كنتها, فهذا المعتدي لم يأخذ مجرد غشاء, ولكنه أخذ معه شيئا آخر.. أخذ معه الإحساس بالأمان وكسر معه شيئا بداخلي. ورجعت لحياتي بعد معافاة آلام جسدي, لكن لم أجد أصدقاء يهنئونني بعودتي.. لم أجد زميلا أو زميلة يساعدانني علي اجتياز هذه المرحلة, بل وجدت زملائي هم أعدائي الذين وجدوني مادة ملائمة للشائعات.. أبواب البيوت تغلق في وجهي.. لم يعد أحد يتصل بي, ولا أجد أحدا عندما اتصل أنا.. وإذا وجدت إنسانة تدافع عني يمنعها والدها من صحبتي فتقاطعني نهائيا.. في المدرسة الكل ينظرون ويتهامسون, حتي مدرسي لم تعد معاملتهم محبة لتلميذتهم النجيبة.. بل كانت جافة مشمئزة.. مستهزئة.
كنت أتألم كثيرا عندما لا أجد أحدا يريد أن يجلس بجانبي في المدرسة أو في الدروس الخصوصية.. كنت أجلس وحيدة في مكان يتسع لأربع طالبات.. لم أشتك أو أشرك أهلي مرة ثانية.. فكفاهم مامروا به.. لقد عوملت كأني أنا المذنبة, حتي صرت أشعر فعلا بأني مخطئة.. لقد كنت أدخل للاستحمام في اليوم الواحد أكثر من خمس مرات لإحساسي بأني لست طاهرة.
سيدي إنني أواجه الكثير من العروض لحياة الرذيلة والوقوع فيها, إنني أقاوم شياطين الانس هنا... أحاول صابرة ألا أضعف وأن أكون من عباد الله الصابرين.. فبماذا ترد علي.. بماذا تنصحني؟
في نفس الوقت أتمني أن تقرأ أمي هذه الرسالة الآن أو والدة أي فتاة أخري تعرضت لمثل هذه الظروف.. أمي.. أعرف أن سنين مرت علي هذه الحادثة.. لكني أراها في عينيك وبين كلماتك.. أريدك فقط أن تعلمي أنني أحبك كثيرا يا أماه.. لم أقصد في أي يوم أن أجرحك أو أن أشعرك بالعار.. هل تعتقدين أن طفلتك الصغيرة تريد لك هذا.. هل تعرفين كم أحتاج إلي حضنك الذي تحرمينني منه.. أماه أنا في أمس الحاجة إليك.. أرجوك كفي جفاء ويا أبي أنا لم أفقد الأمل بعد.... ومازلت أعمل علي إكمال حلمي القديم بحياة مستقرة وناجحة لأجعلكما يوما ــ تنظران لي وتقولان بكل فخر.. هذه ابنتنا.
{ لا تستحمي يا عزيزتي كي تتطهري, فروحك وجسدك طاهران, أما كل من حولك فهم الذين في أشد الحاجة إلي التطهر, لأنهم بدلا من مطاردة القتلة, سلخوا الذبيحة وراحوا يتوضأون بدمائها, مستمتعين بالعيش في ظلال الفضيحة.
لم تذكري ياصغيرتي شيئا عن الجناة, وإن كنت أشك في أن أبا وأما يفكران بهذه الطريقة سيحرصان علي اعادة حقك المغتصب. انكسر والدك وكأنه يستعيد صوتا من الجاهلية بتمني وأدك, لأنك جلبت له العار, واسود وجه والدتك لأنها فكرت في مجتمعها ولم تفتح صدرها لتحتويك في حنان وتعيد إليك الأمان الذي سرقه منك الذئاب.
الذئاب ليسوا هم فقط من اغتصبوك ولكنهم الذين يحيطون بك من زملاء ومدرسين وجيران, يقتاتون علي شرفك, دون أن يتحسس كل منهم رأسه, راضيا بالذئب الذي يستعير حكمة الحمل في العلن مدينا الطرف الأضعف, المجني عليه, الذي تخلي عنه الجميع.
عودي إلي سابق عهدك ياصغيرتي, إرفعي رأسك, لأنك اخترت الشرف, إن مجتمعك هو الذي فقد أعز ما يملكه, الأعز دائما هو دفع الظلم والقبض علي الظالم وحماية المظلوم لا اغتياله.
استعيدي روحك الطاهرة, وواجهي الجميع, وانجحي.. ليس من أجلهم ولكن من أجل نفسك, فالمهم أن يرضي عنك ربك وترضين عن نفسك, والأيام ستصفو حتما, لا أعتقد أن شياطين الإنس سينجحون معك, لأنك بعون الله أقوي.
الشئ الأخير الذي أعرضه عليك, إذا كان الجناة قد فلتوا بجريمتهم فإني علي استعداد لتحريك عمليات البحث عنهم من جديد ومطاردتهم, لأن الساكت عن هؤلاء المجرمين شريك معهم في جرمهم.. لاتفرطي في حقك وسأكون بعون الله معك.. فقط اتصلي بي.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
السبت، ٤ أغسطس ٢٠١٢
العـــــــــــــــار
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق