الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٢

فتنـة الحـياة

23-06-2006
ســـيدي لا أكتب قصتي أومشكلتي لأستشيرك أو حتي أنتظر كلمات تعاطف منك‏,‏ ولكني سأستغل بابك الذي يحرص علي قراءته ملايين المصريين لأشهد شهادة حق كتمتها لضعفي سنوات طويلة‏,‏ وآن الأوان كي أعترف بها للكل‏.‏

أنا يا سيدي ابنة وسطي في أسرة صغيرة مكونة من أخ أكبر يكبرني بـ‏11‏ سنة وأخ أصغر يصغرني بـ‏3‏ سنوات‏,‏ وعمري‏7‏ سنوات توفي والدي وكان أخي الأكبر في ذلك الوقت طالبا بكلية العلوم وتولي مهام أبي بالكامل‏,‏ وهو لايزال طالبا‏,‏ وكانت أهمها بالطبع إدارة الصيدليات التي تركها والدي‏,‏ الذي كان رحمة الله عليه‏(‏ علي ما أذكر‏)‏ بلا وجود حقيقي في البيت‏,‏ فقد كان البيت للأكل وللنوم فقط أما باقي وقته فكان في الصيدليتين لشراء الدواء ومتابعتهما وما إلي ذلك‏,‏ لذلك كانت أمي هي القائد الأول للبيت‏,‏ وبعد وفاة والدي رأت أمي أن تعطي لأخي سلطة أكبر مما يجب لمن في مثل سنه‏,‏ وشجعته ونفخته بمعني أصح‏,‏ وبعد أن أنهي دراسته في كلية العلوم التحق بكلية الصيدلة ليزداد جبروتا وغرورا فقد كان وهو طالب يعمل تحت يده صيادلة كبار يخافون منه‏,‏ فأخي طوال حياته لايعرف الرحمة وكان يتعمد اختيار من يشعر أنه سيكون تحت أمره ولايعارض ويخاف علي لقمة عيشه‏.‏ أثناء دراسته في كلية الصيدلة قام بخطبة ابنة أحد التجار أو رجال الأعمال الكبار كما يقال عنهم الآن‏,‏ وقد أصاب الاختيار فهي نسخة أخري منه‏,‏ فمنذ أن احتل الطابق العلوي في البيت ولاصوت يعلو علي صوتها‏
,‏ وتخرج أخي في كلية الصيدلة وإن كان تخرجه هذا لم يفرق كثيرا فعمله كما هو ولكنه وجد مساحة من الوقت ليزيد نشاطه‏,‏ ودخل أيضا في مشروعات استيراد من الصين عن طريق حماه‏,‏ زادت الثروة وزاد جبروت أخي وبالتالي زوجته حتي إن أمي بشخصيتها القوية توارت أمام هذا الجبروت‏,‏ وتدخل أخي أو بمعني أصح زوجته في تفاصيل حياتنا اليومية حتي اختنقنا وكانت أمي تفوت كي تسير المركب‏,‏ وكان أخي يواجه أمي كالأسد يزأر في وجهها حتي إنه قاطعها لأن زوجته اشتكتها له‏,‏ ولم يدخل أخي بيتنا بالرغم من أنه يسكن في الدور الأعلي‏,‏ إلا عندما ذهبت أمي تعتذر لزوجته وتحولنا أمي وأنا وأخي الأصغر إلي عبيد لأخي وزوجته وعشت وأنا أحلم أن يأتي الفارس الذي ينقذني من هذه الحياة‏,‏ ولكن أخي لم يترك مساحة اختيار لي‏,‏ فقد اختار لي عريسا مناسبا من وجهة نظره صيدلي له ظروف مادية خاصة مع أسرته وقد استغل اسمه لفتح صيدلية جديدة تكون باسمه وتحت إدارته علي الورق فقط‏,‏ ولكن الواقع هي أنها ملك لأخي مقابل أن يدفع له مبلغا كل شهر‏,‏ ولأن أخي لايفوته أن يؤمن نفسه فقد أخذ عليه إيصالات أمانة وشيكات بثلاثة أضعاف ثمن الصيدلية‏,‏ ولا أعرف هل زوجني له أم زوجه لي‏,‏ ولكني أعرف أن
ه ضمن أن أعيش أنا وزوجي وأبنائي داخل إمبراطوريته وتحت أمره‏,‏ وجاء الدور علي أخي الأصغر‏,‏ واختار أخي الأكبر وزوجته عروسة لأخي ابنة لأستاذ وأستاذة جامعيين‏,‏ ووالدتها أستاذة خطبت لأخي بعد أن أنهي أخي دراسته في كلية الصيدلة وكانت لا تزال في السنة النهائية بالجامعة‏.‏

منذ أول يوم رأيتها وشعرت أن حربا قوية ستحدث في منزلنا فهي لاتخضع لقواعد أخي الأكبر قوية الشخصية ومحترمة وعلي قدر من التدين لم أره فيمن كن في سنها‏.‏

كالعادة قام أخي ببناء طابق جديد في نفس البيت لنكون تحت أمره وقبل أن يبدأ في تشطيب الشقة اتصلت خطيبة أخي تطلب منه ألا يشتري السيراميك إلا بعد أن تختاره بنفسها‏...........‏

أراد أخي أن يعلم العروسة الصغيرة عادات بيتنا فأخذ زوجته‏,‏ واشتري السيراميك‏,‏ وبدأ في تشطيب الشقة فما كان من خطيبة أخي‏,‏ إلا ان اتصلت به مباشرة ووبخته طالبة منه أن يعيد ما اشتراه قبل تركيبه‏.‏

وأشياء كثيرة من هذا القبيل حدثت طوال عام الخطبة‏,‏ ولا أعرف لماذا تراجع أخي عن جبروته المعتاد إلي حد كبير هل كان يبيت النية للغدر بها‏,‏ وتمت الزيجة‏,‏ وبدأ الجحيم‏.‏

لن أقص عليك تفاصيل ماحدث لأنها تفاصيل مخجلة‏,‏ لكن باختصار عادت زوجة أخي الأصغر الي بيت أبيها في منتصف الليل دون ان تأخذ حتي ملابسها‏.‏

استعان أخي بأحد المحامين في جمهورية مصر العربية‏,‏ وظلت زوجة أخي في المحاكم‏6‏ سنوات دون ان تصل لأي شيء‏,‏ ثم ظهر قانون الخلع فخلعت أخي بعد عامين اخرين‏.‏

ثمان سنوات في الجري في المحاكم كنت أتفرج علي أخي الأكبر‏,‏ وهو يخطط مع محام خطير لتضييع حقوقها المادية‏,‏ والشرعية‏,‏ ليست حقوقها فقط‏,‏ وحقوق ابنة أخي التي ولدت‏,‏ ولم نرها حتي الان‏.‏

شعرت يومها‏,‏ وعيناه تكاد تنفجر من الفرحة والشماتة والشعور بالانتصار بأن عقاب الله قريب‏,‏ وأن ظهره المفرود بقوة سينكسر نصفين‏.‏

والحقيقة أننا كلنا كنا نردد ماكان يقوله حتي أنا وزوجي وأمي‏,‏ ليس لاقتناعنا‏,‏ ولكن لأننا اعتدنا ان نتملقه ونوافقه علي أي شيء كي لانغضبه‏.‏

وبدأ عقاب الله لنا جميعا كانت أمي أول من طالها العقاب فقد أصيبت بجلطة في المخ أدت إلي إصابتها بالشلل‏.‏

ثم جاء دوري بأن اكتشفنا إصابة زوجي بفيروس سي نشيط‏,‏ مما أدي إلي تليف في الكبد‏.‏

حدثت هذه الحوادث‏,‏ ولم يستيقظ أخي الأكبر من غفلته‏,‏ وظل علي جبروته كما هو‏,‏ توفي زوجي‏,‏ وفي الخميس خرج أخي الأكبر‏,‏ وأخي الأصغر يبحثان في مكان عن ابن أخي الأكبر بعدما أخبرهم أحد زملائه بأنه سوف يتزوج من فتاة سيئة السمعة‏.‏

عاد أخواي فجرا‏,‏ ولم يعثرا علي أثر‏,‏ وظلا يبحثان عنه لشهور طويلة إلي أن وجداه‏,‏ وقد تزوج منها زواجا رسميا‏,‏ قام أخي بضرب ابنه ضربا مبرحا‏,‏ ثم أخذه ليطلقها‏.‏

بعد عدة أشهر فوجئنا بهذه الفتاة ترفع عدة قضايا للمطالبة بمؤخرها الخيالي‏,‏ وبنفقة لابنها‏,‏ ومسكن حاضن‏,‏ سقط أخي الأكبر مغشيا عليه بسبب ارتفاع مفاجئ في ضغط الدم‏,‏ كما أصيب بمرض السكر‏.‏ خاصة بعد أن دخل إبنه مستشفي للعلاج النفسي ولحقت به أخته‏.‏

توفي أخي الأكبر بسبب كثرة الضغوط النفسية‏,‏ ولحقته زوجته بعده بأشهر‏,‏ ليس فقط لمأساة ابنه الأكبر‏,‏ ولكن بعد صدمته في ابنته هي الأخري فقد هاجر زوجها المحترم إلي إيطاليا بعد طلاقها مباشرة مستوليا علي كل ما تمتلكه‏.‏

أذكر أخي الأكبر في أيامه الأخيرة‏,‏ وهو ينظر بحيرة وهو يتساءل ما سبب كل هذا الخراب؟‏,‏ لأجد أمامي الإجابة ليس بسبب ما فعله مع كل من وقع تحت رحمته‏,‏ ولكن بسببنا في المقام الأول‏,‏ بسبب أمي التي ترقد مشلولة منذ سنوات طويلة‏,‏ والتي عودته علي أن كل ما يقوله صح‏.‏

بسببي أنا حين رضيت ان يعطيني مصروف بيتي دون أن أقف له وأطالبه بحقي في ميراث أبي‏,‏ بسبب أخي الذي وافقه علي خراب بيته‏,‏ وهجر زوجته وابنته سنوات طويلة دون أن يراعي حدود الله‏.‏

نعم لقد اشتركنا جميعا في صناعة هذا الجبار العنيد بضعفنا الدائم‏,‏ وموافقتنا علي أخطائه‏,‏ وفي النهاية وقفنا نشاهد الانهيار الطبيعي الذي يجب ان تنتهي به حياته‏,‏ وحياتنا‏.‏

لذلك أدعو الله ان يسامحنا وأرجو من طليقة أخي أن تغفر لنا خطأنا الكبير معها‏,‏ وان يغفر لنا كل عامل‏,‏ وكل خادمة‏,‏ وأي شخص ذاق ظلم أخي من قريب أو بعيد‏,‏ وأن يسامحه ويطلب منا الترضية المناسبة لعل هذا يخفف عنه حساب الله‏,‏ وأقول لكل انسان يقرأ رسالتي هذه ان يتأمل تحذير الله لنا في الحديث القدسي كما تدين تدان‏.‏
لعل رسالتي هذه تفيق أي غافل من غفلته فيخفف الله عنا جميعا‏.‏

{‏ سـيدتي‏..‏ نعم لست في حاجة إلي استشارة أو تعاطف من أحد‏,‏ فقد كنت أحد أبطال هذه الرواية الدامية‏..‏ المشكلة يا عزيزتي‏,‏ أن الدنيا تصيبنا بالغرور فيعتقد البعض أنه مخلد فيها‏,‏ يبطش ويظلم ويأكل مالا حراما‏,‏ غافلا أو جاهلا بعدل الله‏.‏

إن شقيقك الأكبر جان وضحية في وقت واحد‏,‏ ضحية أب أغراه النجاح فترك سفينة بيته معتقدا أنه بنجاحه الكبير يوفر لها سبل الأمان والاستقرار‏,‏ فيما تزداد الثقوب في جوانبها‏.‏ رحل عن الدنيا وأنتم صغار موقنا أنه ترك لكم ما يكفي للسعادة‏,‏ والحقيقة أنه ترك الشقاء‏..‏ وها هي الأم تواصل تدليلها للابن الأكبر حتي أفسدته‏,‏ ولم تلتفت للحكمة العربية‏:‏ رحم الله من عاقبني فهذبني فرباني‏,‏ فقد نفعني أكثر ممن ألهاني فأفسدني فأشقاني‏.‏

إنه الشقاء بعينه الذي جعل الشقيق الأكبر يفرض سطوته وهيمنته دون أن يجد من يقول له قف‏,‏ كل الأسرة لم تقل له مرة واحدة كلمة حق في مواجهة ظلم وقليل من الحق يدفع كثيرا من الباطل‏,‏ كما أن قليلا من النار يحرق كثير الحطب كما قال الإمام علي بن أبي طالب‏.‏

الظلم في غياب كلمة حق يستوحش يا عزيزتي ويصبح نارا لا يلتفت حاملها حتي يكتشف فجأة أنها أحرقته واقرئي قول سيدنا علي بن أبي طالب‏:‏
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا فالظلم مرتعة يفضي إلي الندم
تنام عينــك والمظـلوم منتبه يدعــو عليك وعـين الله لم تنـم
سيدتي‏..‏ لست في حاجة إلي تنبيهك إلي مشاركتكم جميعا فيما وصلتم إليه‏,‏ وأنت تسيرين في الطريق الصحيح بطلب العفو والمغفرة ممن وقع عليهم الظلم من أخيك وشاركتموه بالصمت‏,‏ ولأن الحسنات يذهبن السيئات‏,‏ ولأن شقيقك وهو بين يدي الرحمن يحتاج إلي الدعاء والعمل الصالح‏,‏ واصلي سعيك لتردي مظالم من ظلمهم وتصدقي من ماله لعل الله يغفر له‏,‏ ولعل كل ظالم يغره ويفتنه ماله أو أبناؤه أو ضعف الآخرين يتذكر دائما أن عين الله لا تنام‏,‏ وأن الانتقام الإلهي قادم مهما يطل إمهال العادل للظالمين وأختم بقول للحسن رضي الله عنه‏:‏

يا ابن آدم‏:‏ أنت أسير الدنيا‏,‏ رضيت من لذتها بما ينقضي‏,‏ ومن نعيمها بما يمضي‏,‏ ومن ملكها بما ينفد‏,‏ فلا تجمع الأوزار لنفسك‏,‏ والأموال لأهلك‏,‏ فإذا مت حملت الأوزار إلي قبرك‏,‏ وتركت الأموال لأهلك‏..‏
وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق