الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٢

‏لحظة ضعف

13-10-2006
*‏ أنا سيدة في أوائل الأربعينيات من عمري أعمل أستاذا بإحدي الكليات من الله علي بحب العلم وحسن الخلق وحب الناس ورغبتي في إسعادهم ما استطعت‏,‏ ورزقني الله خشيته في كل قول وعمل وابتلاني بعزة نفس وحياء في مثل هذا الزمان‏..‏

ماتت والدتي رحمها الله بعد مرض عصف بها قبل تخرجي بقليل‏,‏ فانطفأت فرحتنا وكان لي أخوة صغار فرفضت كل من تقدم لي وقتها لأكون بجوارهم‏,‏ ونهضت بمسئوليتهم مع أبي أمده الله بالصحة والعافية وجزاه الله عنا كل خير عن كل ما قام به بدءا من رفضه للزواج إلي تحمل مشاكلنا ومؤازرتنا في حياتنا العلمية والمادية للآن‏.‏ ووصلت إلي نهاية العشرينيات‏,‏ وفي لحظة ضعف إنساني قررت أن أقبل زوجي الحالي وهو رجل يكافئني أسريا وعلميا‏,‏ ومشهود له بالخلق الكريم‏

كان يعمل بأحد البلاد العربية وكان ذلك من أسباب رفضي لكل من تقدم لي من قبل‏,‏ وذلك لاحتياج أسرتي لوجودي بجانبهم ولعلمي بمشاكل أسر المغتربين ورفضي لها‏..‏ لكنه قابلني في منتصف الطريق ومنحني حق تنسيق وقتي بين أسرتي ودراستي العليا من جهة‏,‏ وبين السفر له في زيارات من جهة أخري ولم يشترط إقامتي معه فارتحت لتقديره واستخرت الله وقبلت به‏,,,‏ وكنت قد اقترنت كل مشاعري من قبل لمن سأسير معه علي الدرب

ففتحت أبوابي له فوجدت منه قبولا لها وتحفظا في ردها بشدة وتعلل إنه لا يجيد الكلام في المشاعر‏...‏ ووجدت زوجي طيبا هادئا‏,‏ ليس لديه متطلبات أو عادات سيئة‏,‏ يقوم بفرائضه الدينية كلها ولكن ليس لديه أصدقاء؟ بخيل ليس فقط ماديا ولكن إنسانيا وعاطفيا بشدة‏,‏ أختارني كما قال لي لأنني تدربت علي المسئولية برعاية أخوتي‏,‏ فلن أثقل عليه ولأنني ذات مال فلن أطلب منه ما تطلبه الزوجات من متاع وحلي‏...‏

وفوجئت بأنه يسئ إلي بالحديث عني في محل عمله حيث لا يعرفني الناس‏,‏ وعندما علمت وواجهته في البداية قال لي إنه يخشي أن يحسده الناس علي وعندما تكرر ذلك قال إنه للتسالي‏,‏ فلما عرفني مجتمعه وأنكروا ما قاله كان يقول إنه يهزر ولكن للأسف تكرر ذلك في عدة أماكن عمل بها‏,‏ وكان دائما هناك من يرد عني غيبتي ويبلغني بما يحدث‏..‏ فصبرت واحتسبت وقلت إن لكل منا تقائصه‏,‏

وأن الصبر والحب كفيلان بأن يعدلا ميزان زوجي ويردوه وبالنسبة للمال فلست محتاجه وكنت بما أصرفه علي نفسي وأبنائي أعتبره إدخارا مع زوجي وقربة إليه تقربني منه‏...‏ ثم بدأت تتساقط الأقنعة وأصبحت أري مدي تدخل أهل زوجي في شئوننا وهو لا يستطيع عمل شيء‏..‏ فعلي سبيل المثال زيارة الأصدقاء يحددون لزوجي ميعاد عودتنافلما نسي الميعاد اتصلوا به علي المحمول ووبخوه بشدة حتي إننا كنا نسمع الصوت العالي‏.‏ ونحن حوله‏!!‏

وشكوت لأبي ما أنا فيه فطلب مني التسامي وأن أدفع بالتي هي أحسن وألا أدخل مع أهل زوجي في نزاع‏,‏ فعملت بنصيحته وتحملت في سبيل ذلك الكثير‏..‏ وفي الوقت نفسه قرب أبي زوجي منه وشمله بعطفه وتقديره واستمررت علي الحب والصبر‏..‏ فإذا بزوجي إذا ما تعرض لموقف ظهر خطؤه وسوء حاله فيه‏,‏ عاقبني بخصام طويل لشهور وتعالي علي‏..‏ ومرت أربع سنوات علي هذا الحال حتي اشتد عود أخوتي وأنهيت جزءا لا بأس به من دراستي

فسافرت إليه وأقمت معه عامين هادئين أحيطه بحبي وأبتعد عن كل ما يمكن أن يهز أو يعكر صفونا وأسرتنا‏,‏ وبدأت تتحرك صخور زوجي القلبية تجاهي وتجاه أولادنا أخيرا‏,‏ وحمدت الله علي ذلك ولم يغضبني منه إلا رفضه نزولي لعيادة والدي في المستشفي وتحجج بطول إجراءات السفر وكانت نقودي قد نفدت‏(‏ وكنت أحمل معي من مالي الخاص ما أحتاجه لشراء ما أرغب‏,‏ وكذا بعض الهدايا وحتي أستطيع مكالمة أبي كلما أردت‏,‏ وكان أبي ينفق علي وعلي أبنائي طوال إقامتي لديه‏)‏ ورفض زوجي سفرنا حتي تصرف له جهة عمله التذاكر المجانية‏..‏ وأسقط في يدي وعز علي أن أقترض من صديقاتي هناك وأنا لا أعمل ولا دخل لي‏,‏ وإن طلبت المال فسيعلم الجميع بحال زوجي معي وكان ذلك ما لا أريده أن يحدث‏..‏ وعين المحب ياسيدي تري مافي الخيال لا ما يحدث علي أرض الحقيقة‏..‏ فتخطيت ذلك لزوجي ولكن لم أنسه‏..‏ وبعد حدوث مشاكل لزوجي في العمل عدنا إلي بلدنا لفترة‏,‏ ودخل أولادي في المدارس واتفقت مع زوجي علي ألا يسافر منفردا أبدا‏.‏

لكن تأتي الرياح بمالا تشتهي السفن فعاود زوجي حنين جمع المال ورفض من أماكن السفر ما يمكن أن نسافر فيه كعائلة بحجة إنه أقل مرتبا‏,‏ وسافر إلي قرية صغيرة بعد تشجيع والده لأنه يري أن مصلحة ابنه هي الأهم ونحن‏(‏ الأسرة‏)‏ سنعتاد علي أي حال‏..‏ وكالعادة خشي زوجي أن يظهر أمام والده انه رضخ لرغبة أسرته بوجوده معنا وعدم سفره وسافر‏..‏ وبعد انتهاء العام الدراسي سافرنا أنا والأولاد مع الشوق والحنين والحب للزوج والأب المسافر‏,‏ وكنت وقتها تدرجت في عملي وترقيت في وقتها‏..‏ فوجدت تغيرا من زوجي وبدلا من التهنئة علي ترقيتي سمعت منه كلمة أخجل أن يكتبها قلمي وبدأ في انعزاله عنا‏(‏ أنا والأولاد‏),‏ فقلت من الجائز إنها غيرة مني فنحيت ذلك جانبا واستمررت في حياتي وألححت عليه بالعودة لاحتياجنا كلنا إلي وجوده‏...‏ وعاد زوجي بعدها إلي بلدتنا وبدلا من أن نكمل مسيرتنا مع أبنائنا ونحيا في سعادة وجدت الاساءة والتلكك علي أي هفوة لي كأن يعلو صوتي في المنزل مثلا‏..‏

وإذا بي أدخل متاهة من النكد والخصام الطويل وإذا ما حاولنا مصالحته أبي واستكبر وزاد من خصامه‏..‏ وأشكو لوالدي فيقول لي انني استاذة جامعية وعيب علي ان اشكو كالنساء فأحس بخذلانه لي‏..‏ وكان ان أساء لي حماي في مكان عام وسط أغراب واقارب فلم أتكلم حتي أنهي كلامه‏(‏ وأحلف بالله العظيم انني لم أخطئ ولم أتكلم‏)‏ وتساقطت دموعي وحاول اخوة زوجي الدفاع عني حيث انني لم يحدث مني شيء واضطرب الضيوف واستأذنوا في الخروج واعتذروا بالنيابة عن حماي‏,‏ وزوجي في ركن لا يتكلم وكأن الأمر لا يعنيه وبعد انفضاض كل ذلك طلبت من زوجي ان نعود لمنزلنا فأبي وقال انني لابد ان أحتمل اي شيء‏,‏ وجلس يتسامر مع زوجة أخيه فاتصلت بأخ لي وعدت لبيتي‏,‏ فاذا بالبراكين والحمم تصب علي رأسي عاما كاملا لأنني تجرأت وغادرت منزلهم بعد اهانتي بدون سبب وذنب ووصلت الي مرحلة المرض‏(‏ باضطراب الجهاز المناعي ومهاجمته لأعضائي‏)‏ وشمت زوجي في مرضي ولن أنسي وقوفه بباب حجرتي ليسألني عما أريد ان أكتبه في نعيي وبانه سيدفنني علي الرغم من انني أصغر منه‏..‏

فتحاملت وطلبت من والدي أن يحضر الي ويحضر مأذونا ليطلقني فقد طفح الكيل من سلسلة التطاول والاساءات وانتهي الصبر‏..‏ فأساء لوالدي حتي ان هاجمته آلام الذبحة الصدرية وأحضرت له علاجه في منزلي فلم يتحرك زوجي من مكانه وهو طبيب‏,‏ وقال ان هذا كله تمثيل فأصررت علي الطلاق وان يأخذ معه الأولاد فوجدته يتراجع ويرفض الطلاق ويعلن انه سيسافر بعيدا‏,‏ فاستفسر ابي عما اذا كان متزوجا أو‏..‏ فقال له كل شيء تعرفونه بوقته وانصرف‏...‏ صبرني أبي وقال لي ان استكمل حياتي مع أبنائي دونه وألا اصر علي الطلاق إلا بعد ان أهدأ من هذه المواقف‏.‏

سيدي لقد مرت أربع سنوات لم أر سوي التكدير علي الرغم من محاولاتي للاصلاح ولا أري إلا الإهمال لي ولأولادنا ومرارا طلبت منه ان تكون علاقته بالأولاد سوية وان يوثق صلته بهم وألا يكونوا بيننا‏,‏ ولكن هذا لايهم‏..‏ اذا قلت له في مكالمة مثلا ان ابني عنده مشكلة وهو في سن المراهقة فيجيبني واين خاله‏,‏ واذا طلبت منه شيئا لابنتي فيقول وأنا مالي‏..‏ وكان آخرها هذا العام فهو يحاول ان يوقع بين أبنائه فيفضل أحدهم علي الآخر ويتهمني بأنني انا الذي أفرق بينهم وعندما واجهته بذلك لم يرد قلت له‏:‏ تعبت من هذه السخافات واريد ان أحيا بشكل طبيعي‏,‏ وأنه أساء الي كثيرا فقال انه لايخطئ أبدا وإما انه لايتذكر هذه الاساءات أو انني لم أفهم وقتها‏..‏

لقد طفح الكيل ولا أريد أن أستمر معه لأنه لا أمل في الاصلاح واعاني من مشاكل مع الأولاد لبعده عنهم وعدم وجوده معهم في الاجازة ويرفض سفرهم اليه حتي في الاجازات ويرفض ان يغير أي شيء في نفسه‏..‏ أخاف علي اولادي واخاف ان يظلموني اذا كبروا ووجدوا انني تركت والدهم بحثا عن راحة بالي وحماية لصحتي واخاف ان يكايدني وهو ماهر في ذلك اذا ما تركته نهائيا ويؤذي أولادي بصورة أو بأخري‏,‏ انني أصلي وأقرأ القرآن ولكني لم أهتد بعد لما يجب دون أن أظلم أحدا‏,‏ فلقد تعودت ظلم نفسي ولكني لا أستطيع ان اظلم أي كائن آخر‏.‏

ولا يفوتني ان أذكر لك انه علي الرغم من كل ما أقول يتحمل المسئولية المادية للأولاد والمنزل كاملة في هذه السنوات عسي الله ان يوفقنا جميعا الي ما فيه الخير‏.

*‏ سيدتي‏..‏ لم تكن لحظة الضعف الوحيدة في حياتك هي تلك اللحظة التي اخترت فيها هذا الرجل زوجا لك‏,‏ وان كان كل ما انت فيه بسبب هذه اللحظة الانسانية فـمن يتزوج علي عجل يندم علي مهل‏,‏ فهذا الطريق الطويل من الندم‏,‏ سببه الاختيار الخاطئ‏,‏ فانت الآن في لحظة ضعف اخري‏,‏ فقد آمنت ان هذا الزوج لم ينصلح حاله‏,‏ واصبحت لاتريدين الاستمرار معه‏,‏ ولكنك تخشين من ظلم أبنائك لك‏,‏ وتميلين الي تحمل العذاب والمرض من أجلهم‏..‏ فهل عندما يكبرون لن يلوموك علي تحملك كل هذا الألم؟

سيدتي‏..‏ لم أعرف من رسالتك عدد أبنائك أو عمرهم‏,‏ ولكن ما فهمته ان أكبر هم لم يكمل عامه الخامس عشر‏,‏ أقصد انهم الأن في مرحلة وعي واستيعاب لكل ما يحدث حولهم‏,‏ فهل تعتقدين انهم لم ولن يتأثروا بمثل هذه العلاقة الشائكة المهينة‏,‏ التي يبدو فيها الاب غائبا أغلب الوقت‏,‏ وان وجد صار مصدرا للاهانات والتجريح واثارة التوتر؟

لا أقصد بتلك الكلمات‏,‏ ترجيح خيار الطلاق‏,‏ لاني أحس في كلماتك رغبة ما في الاستمرار‏,‏ واذا ما اختار زوجك الغياب الطويل‏,‏ خاصة انه يتحمل نفقات الابناء والبيت‏,‏ وهو ما يتنافي الي حد ما مع ما ذكرته عن بخله المادي‏.‏

هذا الاحساس الذي وصلني يجعلني أضع احتمالا ان السفينة لم تغرق بعد‏,‏ لاننا لا نقفز في البحر الا عند التأكد من غرق السفينة‏,‏ فاذا كان احساسي صحيحا‏,‏ فليس امامك الا التعامل مع كوارث الزواج علي انها مجرد حوادث لا العكس‏.‏ اما اذا أيقنت بأن الحياة صارت مستحيلة‏,‏ وان وجود هذا الرجل في حياتك سيشعرك بالمهانة وسيزيد من مرضك وآلامك‏,‏ فإني في هذه الحالة انحاز ودون تردد الي اختيار الانفصال‏,‏ ووقتها اعرضي الأمر علي أبنائك واشركيهم في التفكير معك مع الحرص علي عدم الاساءة لوالدهم‏.‏ لاننا لو تأملنا الآية الكريمة التي تقول‏:‏ ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة صدق الله العظيم‏.‏

لاكتشفنا المعني الحقيقي للزواج والذي يغيب عنا دائما‏.‏

ماذا يتبقي لنا اذا غابت المودة والرحمة‏,‏ ولم يصبح الزوج أو الزوجة سكنا للآخر؟ باختصار لم تعد هذه العلاقة آية من آيات الله‏,‏ اني أومن بان سلامة الفرد النفسية والبدنية هي التي تقود الي سلامة الأسرة‏,‏ وعندما يفقد أحد طرفي العلاقة مقومات الامان ومبررات السلامة‏,‏ ويصبح الطرف الآخر مصدرا للألم‏,‏ فأن الانفصال عندئذ يصبح هو الاختيار الافضل للجميع‏..‏ والي لقاء بإذن الله‏.‏

هناك تعليق واحد: