السبت، ٤ أغسطس ٢٠١٢

فارس البريد‏..‏ في ذكراه

29-07-2005
في الذكري الأولي لرحيل الكاتب الكبير عبدالوهاب مطاوع انهالت علي بريد الأهرام رسائل أصدقائه ومحبيه تحمل ذكرياتهم معه وتشرح بعض مواقفه التي لاتنسي الدروس المستفادة منه‏,‏ وفيمايلي ننشر بعضها ونواصل نشر البعض الآخر خلال الأيام المقبلة في بريد الأهرام‏..‏

الأســــتاذ
بقلم‏:‏ أحمد البري
تحل هذا الاسبوع الذكري السنوية الأولي لرحيل الكاتب الكبير الأستاذ عبدالوهاب مطاوع‏,‏ الرجل الذي عرف للإنسانية دورها النبيل في التقريب بين الناس‏,‏ فكرس حياته في خدمتها‏,‏ وقدم لها عصارة فكره وخلاصة تجاربه التي تعلمنا منها الكثير‏,‏ ورشفنا من رحيقها وشربنا من نهرها حتي ارتوينا‏.‏
نعم لقد لمس عبدالوهاب مطاوع قلوب الكثيرين بما قدمه في حياته من خير للانسانية‏,‏ وما أسهم به في تلبية رغبات المحتاجين‏,‏ وقد جبت البلاد بتكليف منه من شرقها إلي غربها ومن شمالها إلي جنوبها‏,‏ لكي أجري أبحاثا علي الطبيعة عن الحالات الإنسانية التي تستحق المساعدة وما أكثر الليالي التي كان يسهرها منكبا علي أكوام رسائل القراء‏,‏ يدقق في كل صغيرة وكبيرة حتي يطمئن قلبه إلي أن المساهمة التي يقدمها بريد الأهرام تذهب إلي الشخص الذي يستحقها‏.‏

وكان يرفض بإصرار توجيه نداءات إلي أصحاب القلوب الرحيمة طالبا منهم المساعدة‏,‏ ويقول لي إنه لايحب نغمة الاستجداء‏,‏ وأن من يحتاج إلي المساعدة يجب أن نعينه عليها دون أن نشعره بذلك‏,‏ فهو إنسان ومواطن من أبناء الدولة ومن حقه أن يجد حلا كريما لمشكلته دون أن نريق ماء وجهه‏,‏ فإذا بادر أحد الفضلاء بمساعدته‏,‏ فذلك كرم منه‏,‏ وإن لم يتيسر هذا الحل فلنسع نحن لدي الجهات المسئولة لتوفير الحل المناسب‏.‏
إنها دروس تعلمناها من الأستاذ‏,‏ وإذا كان نهر الحياة لاينضب‏,‏ فان عبدالوهاب مطاوع هو ذلك النهر الذي لن يتوقف عطاؤه وسنظل ننهل من نبعه ونستمر في أداء رسالته‏,‏ والله هو المستعان‏.‏

عدت‏..‏ لتغادرنا‏!‏
بقلم‏:‏ عبدالعظيم درويش
عدت أخيرا بعد أن اخلفت مواعيدك مع أحبائك طوال عام مضي‏..‏ عدت لتفتح نافذة اعتاد قراؤك علي ان يلقوا ــ عبرها ــ بهمومهم‏,‏ عدت لتتواصل معهم ومعنا‏..‏ ولكن عدت لتطمئن علينا وفي نيتك أن تغادرنا‏..‏ ولأنها بداية فلابد أن تكون لها نهاية‏,‏ ولانها اول فمن الضروري ان يكون لها آخر‏,‏ ولانها حياة فمن المؤكد أنها ستنتهي الي موت ولهذا قبلنا ورضخنا لارادة الله سبحانه وتعالي ان تغادرنا‏..‏ ولكن يا طبيب القلوب قد أوجعت قلوبنا جميعا فليسامحك الله‏.‏

اللحظة الثقيلة‏!‏
بقلم‏:‏ محمد السعدني
هذه المكالمة التليفونية أجريتها معه من جدة في الأول من أغسطس العام الماضي وكان الاتفاق أن ألقاه فور وصولي إلي القاهرة في إجازة سنوية منتصف أغسطس لأرمي اليه بهمومي وأثقالي واستريح‏,‏ وكان ظني أن حالته الصحية هي الافضل منذ أن بدأ يعاني في شموخ من آلام مرضه العضال‏..‏ فقد بدا صوته عبر التليفون مفعما بالحيوية متغلبا علي محنته‏,‏ محاولا ألا يفقد القدرة علي العطاء الذي كان مع التفاني في خدمة الآخرين ومساعدتهم هي حياته الحقيقية‏.‏
قال لي‏:‏ اشتاق اليك وأريد أن أراك‏..‏ قلت‏:‏ أنا الذي احتاج اليك‏,‏ فقد تعبت ولايمكنني تحمل المزيد‏..‏ وتحشرج صوتي‏..‏ فقال‏:‏ اهدأ الي أن نلتقي ولاتحمل نفسك بأكثر مما تحتمل‏!‏

بعد يومين علمت انه قد بدأ أجازته الصيفية يقضيها في الاسكندرية‏,‏ فقلت لنفسي تمام وهي الكلمة التي كان يرددها دائما عندما يستشعر أن الأمور تمضي في سياقها الطبيعي‏.‏
وعند لحظة ثقيلة من منتصف ليل السادس من أغسطس انقبض قلبي من رنة تليفون جاءت من القاهرة حاملة الخبر الصعب الذي دائما مانشعر انه يخص دائما الكائنات الطيبة والجميلة في حياتنا‏.‏

بدموع اليتيم فاقد أبيه الروحي وأخيه الأكبر وأستاذه ومعلمه وقدوته‏,‏ قلت‏:‏ ليه كده ياعبدالوهاب‏..‏ ألم نتفق علي اللقاء‏,‏ ألم تقل انك مشتاق لأن تراني؟
‏..‏لا لا‏..‏كده مش تمام؟‏!!‏

الذكريات الجميلة‏!‏
بقلم‏:‏ د‏.‏عز الدين الدنشاري
أذكر أنه حينما عاد من رحلة علاج بأمريكا احتفت بعودته جماعة أصدقاء البريد في لقاء جمع بينه وبين نحو‏200‏ من أصدقائه ومحبيه‏,‏ وبدأ اللقاء بكلمات الأصدقاء التي عبرت عن الحب العميق والمشاعر الصادقة نحو عميد البريد‏,‏ ولم تمر سوي دقائق معدودة حتي استطاع عبدالوهاب مطاوع أن يحول بذكائه مظاهرة الحب الذي أبداه الجميع لشخصه إلي منظومة حب لمصر‏,‏ حيث ناقش معهم مشكلات وقضايا تهم الوطن‏.‏
كان ـ رحمه الله ـ عاشقا لمصر ولأبنائها‏,‏ ولم يكن يحب كلمات الإطراء والمديح لشخصه‏,‏ بل كثيرا ماكان ينتابه خجل شديد حينما يتحدث الناس عن أعماله الجليلة وأخلاقه الكريمة‏.‏ إنها بعض ذكريات رحلة العمر الجميلة التي تعانق وجداننا ويظل القلب نابضا بها مدي الحياة‏.‏

هكذا عاش ورحل
بقلم‏:‏ د‏.‏ ابراهيم شكيب
لا أدري حتي الآن لماذا سرحت وهم يوارون كاتبنا المبدع الثري‏,‏ وانا اضغط علي ذاكرتي مستحضرا واقعة تسجيل الممثل الانجليزي الشهير روبرت دونات رسالة علي شريط اوصي بان يذاع علي المصلين ساعة دفنه وانطبقت كلماتها حرفيا علي راحلنا الجليل‏.‏ كان فحواها‏..‏ الحمد لله يا الهي ان جعلتني رسول سلام بين الناس وساعدتني علي ان اوزع الحب والايمان عليهم اذا انتشر الحقد والضلال بينهم وان احمل لهم التسامح اذا اخطأوا في حقي وان أدلهم علي الحقائق اذا ساد الكذب بين ظهرانيهم‏,‏ وابث فيهم الأمل اذا امتلأت الدنيا باليأس‏,‏ وان أحمل نورك لهم اذا ساد الظلام وان اعيد البسمات للشفاه إذا امتلأت العيون بالدموع‏..‏ الحمد لله ان جعلتني اومن بأن سعادتي في اراحة الناس لا في اراحة نفسي‏,‏ وفي فهمهم قبل ان يفهموني وفي حبي لهم قبل ان يحبوني‏.‏
يارب اني آمنت بك وعرفت مبكرا اننا سنموت لنصحو من نومنا لنتجه الي دنيا الخلود‏.‏

وهكذا كان عبدالوهاب مطاوع‏,‏ واقول له بعد عام من رحيله مازلت افتقدك فنم في قبرك مستريحا تنعم بجوائز السماء التي طالما بشرت بها قراءك ومحبيك‏.‏

الرجل الظاهرة
بقلم‏:‏ د‏.‏سراج الدين الحلفاوي
هذا الرجل الظاهرة أذاب نفسه قطرات عطر ورحيق يقطرها في قلوب المكلومين ومن تقطعت بهم السبل‏,‏ وأحال وجوده بلسما يداوي به جراح كل من يلوذ به من جرحي الحياة وما أكثرهم‏,‏ حتي ناء الجسد الرقيق بأحماله التي تنوء بها الجبال‏.‏
منذ عام مضي‏..‏ كتبت أرثيه قائلا‏:‏ هل حقا غادرنا هذا الملاك النوراني؟ واليوم أضيف‏:‏ هل حقا مضي عام علي فراقه؟
فما أسرع ماتمضي بنا الأيام‏!‏
إن الحضور المكثف والممتد والمستمر لهذا الإنسان المتسامي النبيل لهو أصدق دليل علي مدي صحة قول القائل‏:‏
الناس صنفان‏..‏ موتي في حيا تهمو
وآخرون ببطن الأرض أحياء

اللقاء الأخير
بقلم‏:‏ سامي القريني
هموم الناس كانت همومه وأثقاله التي يحملها معه حتي في الرحلات التي كانت تجمعنا في باريس أو علي كورنيش الإسكندرية‏,‏ حيث كان الناس يتخاطفونه للحظات يبثونه مشاكلهم بحثا عن الشفاء الاجتماعي والمعنوي‏.‏
وكان يسعد سعادة غامرة عندما يلهمه الله بالحل‏,‏ ولما أثقلت الهموم روحه كانت دوامة المرض التي ألمت به‏,‏ وأصبح طريقه اليومي بين منزله والمستشفي والأهرام‏,‏ وكنا نحاول دائما أن ننتشله مما يعانيه إلي جلسة مع الأصدقاء نسري عنه فيها متاعبه مع المرض‏,‏ وفي الجلسة الأخيرة التقيناه في أحد المطاعم وظللنا نغني معا ياليل طول شوية علي الصحبة الحلوة ديه وانتظرنا أن نلتقي معه من جديد فلم يأت‏.‏ لقد رحل أعز الأصدقاء

تاركا وراءه تراثا انسانيا عظيما‏,‏ ودروبا في الحياة نسترشد بها في حل مشكلاتنا‏..‏ وسوف تظل ذكراه زادا نستعيد فيها المواقف النبيلة التي عشناها معه‏.‏

رحم الله عبدالوهاب مطاوع بقدر ماأعطي وماقدم‏.‏
بريد الجمعة يتواصل مع القراء من الأسبوع المقبل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق