الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٢

العاشق

07-07-2006
مشكلتي ياسيدي ليست مشكلة عاطفية او نفسية مثل اغلب المشاكل التي ترد علي البريد‏,‏ بل هي بالاحري مشكلة علمية خاصة بي وببلدي مصر‏.‏

تخرجت منذ عدة سنوات في احدي كليات القمة‏,‏ وساعدني احد اساتذتي علي الحصول علي منحة من احدي الجامعات الأجنبية‏,‏ وتوكلت علي الله واستخرته ثم سافرت إلي هذه الدولة‏,‏ وهي من الدول ذات الجالية المصرية الكبيرة في بعض مدنها‏.‏

حين كنت في الخليج ما كان هناك شيء أحب إلي من أن أعود مرة أخري إلي بلدي التي علمتني مجانا حتي أفيدها مما أتعلمه‏.‏

وكان أغلب المصريين الذين معي يقولون إني أحمق ومجنون لأني أرغب في أن أعود إلي مصر بعد أن نجاني الله من شر البلد‏,‏ وبالمناسبة هذا الفكر منتشر جدا بين المصريين في الدول الأجنبية‏.‏

بفضل الله‏,‏ من الله علي وأنهيت دراستي وعدت إلي مصر تغمرني السعادة لأني سأرد لبلدي ولأهلي شيئا مما فعلوه معي‏,‏ وكنت أعتقد أن الحصول علي شهادة الماجستير من دولة أجنبية كفيل وكاف بالنسبة لي للحصول علي فرصة للعمل‏,‏ ولكن كما تعلم ياسيدي الأوضاع هنا لا تسير كما ينبغي أن تسير‏,‏ الجامعة التي كنت أدرس فيها رفضت تعييني معيدا برغم أن القسم يعاني نقصا في الأساتذة علي الأقل هكذا كان الوضع حين سافرت‏,‏ ولا أعتقد أن عامين فقط كفيلان بحل مشكلة كهذه أما عن الشركات فسأكتفي بكلمة قالها لي أحد الذين اختبروني‏:‏سجلك العلمي جيد ولو كان معك واسطة لقبلناك هكذا ببساطة قصر الرجل علي الطريق‏.‏

أحد أصدقائي نصحني قائلا‏:‏لا تقل لهم إنك درست بالخارج فلا أحد يخرج من البلد ويرجع إليها والكل يظن أنك طردت قلت له إن جوازي لا يحمل أي ختم ترحيل‏,‏ لأني ببساطة رجعت بكامل إرادتي واقتناعي علما بأن أغلب زملائي الذين درسوا معي عملوا في تلك البلد‏.‏

مرت علي فترة طويلة بلا عمل حتي يئست وضاقت علي نفسي‏,‏ ولكن سبحان الله فوجئت بأن بعض من التقيتهم من الشركات العاملة خارج مصر قد رشحوني بشدة لدي شركاتهم‏,‏ في الوقت الذي لم أتلق فيه حتي ردا من أي من الشركات المصرية التي تقدمت للعمل فيها‏,‏ وبفضل الله عينت في إحدي الشركات الأجنبية خارج مصر في مجال الأبحاث‏,‏ وبعد فترة تقدمت لإحدي الجامعات الأجنبية لدراسة الدكتوراه التي أدرسها حاليا‏.‏

صراحة أنا الآن لا أفكر في العودة إلي مصر بعد تجربتي الفاشلة فيها متذكرا نصيحة زملائي المصريين في الخارج‏.‏

ولكن يبقي السؤال المر‏:‏ إلي متي سنظل نعامل خريجينا المتفوقين تلك المعاملة‏,‏ ونطردهم ثم نأتي بعدها ونتحدث عن نزيف العقول؟

ومتي ستستوعب الشركات والجامعات المصرية الدرس أن الواسطة ليست كل شيء؟ لقد طردنا من قائمة أفضل خمسمائة جامعة في العالم‏,‏ وأظن أن قصتي التي هي بالتأكيد واحدة من آلاف تعطي سببا من الأسباب التي أدت إلي وصولنا إلي هذا المستوي‏.‏

متي سيكون هناك بحث علمي في مصر؟ كل بضعة أشهر نقرأ في الجرائد بعض التصريحات الوردية عن دعم البحث العلمي في مصر‏,‏ وأنا اتساءل متي س هذا الذي نسمع عنه؟

ألم يكن في أحمد زويل درس لمصر لكي تسارع في حل هذه المشكلة؟
إن أشد ما يؤلمني هو أني أعرف أن مصر قد سخرت إمكاناتها لتعليمي وتعليم غيري من أبناء الجيل‏,‏ ولكن مصر نفسها هي التي طردتنا بعد أن انفقت علينا الملايين من أموال دافعي الضرائب في مدارسها وجامعاتها‏,‏ إنني أشعر أني مدين بدين لا يراد له السداد لبلدي التي حرمتني أن أرد لها بعض ما فعلت معي‏.‏

وأخيرا أسأل سؤالا‏:‏ أين هي إرادة الشباب كل علي قدر استطاعته في إصلاح الأحوال؟ حين كنت طالبا في الثانوية العامة تعاملت معها كأي سنة دراسية أخري‏,‏ لم أذاكر أكثر مما كنت أذاكر ولم أخذ درسا خاصا في أي من المواد‏,‏ وبعون الله ختمت القرآن حفظا أثناء سنة الثانوية العامة‏,‏ فلماذا لا يسعي الطلبة سعيا كهذا في سبيل إصلاح الأحوال التي هي قد ساءت‏,‏ فيجب أن يسعوا لتحسينها حتي يتجنب من بعدهم أن يمر بهذه الأزمات الطاحنة‏,‏ أي التي صنعها الناس وجعلوها طاحنة وما كان لها أن تكون كذلك‏.‏

*‏ سيدي‏..‏ نعم مشكلتك ليست عاطفية أو نفسية‏,‏ ولكنها مشكلة أخطر وأكبر من ذلك بكثير‏,‏ لأن كثيرين مثلك يختصرون الوطن في مجموعة من الأفراد تسئ إليه وتحاول تفريغه من الكفاءات والموهوبين‏,‏ أخطر لأن أمثالك من المتفوقين يفرون من المواجهة ثم يلقون باللوم علي مصر التي آلمني قول زملائك عنها نجاني الله من شر البلد‏.‏

لن أقول لك إن مصر لا تعاني مشكلات كبيرة‏,‏ بطالة‏,‏ فقرا‏,‏ بيروقراطية‏,‏ وساطة وغيرها مما تعانيه الدول النامية‏..‏ ولكن دعني أسألك ما هي مصر؟‏..‏ هل هي شوارع وتاريخ ونهر وأهرامات؟ أم هي كل هؤلاء مع بشر فيهم المحب‏,‏ والمخلص‏,‏ الحالم‏,‏ ومنهم السيئ والمهزوم والخائن‏.‏ فإذا سلمنا بذلك‏,‏ تعال نعود إلي رسالتك‏,‏ فمصر هي التي علمتك مجانا ـ وهذا ليس منا من أحد علينا ـ والذي رشحك لبعثتك أحد أساتذتك‏,‏ الذي أحس بموهبتك وقدر نبوغك‏.‏ هذا يا سيدي واحد من وجوه مصر المتعددة‏..‏ وما أن عدت حتي صدمت بعدم وجود فرصة عمل‏..‏ شيء محبط وقاس‏,‏ ولكن في ظل الأوضاع التي تحدثنا عنها يمكن تفهمه‏,‏ ويمكن أن يصيبك باليأس‏,‏ وقد يدفعك للتحدي‏,‏ لأن هذا واقعنا وعلينا أن نواجهه حتي نغيره‏..‏ لن اتهمك بالهروب‏,‏ فربما حكمة الاقدار التي تجهلها هي التي رسمت خيوط مستقبلك‏,‏ لتختطفك شركة عالمية وتتيح لك فرصة أفضل للعمل والدراسة‏..‏ استثمر الفرصة يا عزيزي‏,‏ وضع مصر في عينيك وقلبك‏,‏ لا تغضب منها‏,‏ بل اشفق عليها من النماذج السيئة‏,‏ واعزم أمرك علي العودة عندما تكون مستعدا لخوض معاركك من أجل الإصلاح‏..‏ أنت نفسك تناشد الشباب أن يحرص علي الن
جاح المحاط بسياج الإيمان في سبيل الاصلاح والتغيير‏..‏ لن يأتي هذا إلا بهم وبك وبنا جميعا‏,‏ فالعملة الجيدة هي التي تطرد الرديئة‏,‏ حتي لو بدا الأمر غير ذلك‏.‏

عزيزي‏..‏ مصر العظيمة بتاريخها وأبنائها ليس أمامها إلا طريق العلم حتي تنهض من كبوتها‏,‏ وأري بارقة نور تلوح في الافق بالمشروع الهائل الذي اعلن عنه بين العالمين العالميين المصريين الدكتور احمد زويل والدكتور مجدي يعقوب الذي يساهم في تكوين عضلة القلب إنها بداية يحاول بها ابناء مصر الذين احبوها ويصرون علي سداد الدين الذي طوقتهم به ان يردوا الجميل اليها من اجل اهلينا وابنائنا‏.‏

انظر ياعزيزي الي الجزء الممتلئ من الكوب ـ حتي لو كان ضئيلا‏,‏ فالوطن ملك لنا جميعا‏,‏ محسوب علينا كما نحن‏,‏ جزء منه‏,‏ كل فيه‏,‏ وبقدر غضبك منه بقدر إحساسي بحبك له وخوفك عليه‏..‏وما أحلي عشق الوطن‏..‏ وإلي لقاء باذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق