26-05-2006
لطالما فكرت في الكتابة الي بريد الجمعة.. سنوات طوال تحملت فيها الكثير من المرارة والحزن.. ولكني كلما هممت بالكتابة أجدني أتراجع علي أمل ان تجيء السعادة قريبا ويكون الفرج علي الأبواب.. ولكن قدر الله وماشاء فعل.. أنا الابنة الكبري في أسرة تضم شقيقين وشقيقة صغري.. أربعة أبناء لأب مهندس ولأم لم يقدر لها أن تعيش طويلا وتركتنا صغارا لوالدي.. فكان لابد له من أن يبحث عمن تشاركه في تربيتنا.. وكان قد تزوج والدي من احدي قريباته المطلقة لعدم الانجاب.. رغبة منه في ألا يجيء لنا بأشقاء من زوجة أخري فتفضلهم علينا.. وسارت بنا الأيام.. والدي يكافح في عمله.. ونحن بين جدران المنزل نبحث عن الدفء والحنان فلانجده.. فزوجة أبي سيدة طيبة.. تقوم بكل أعباء المنزل علي أتم وجه.. لكنها أبدا مااستطاعت أو حاولت ان تحتوينا وتضمنا اليها.. أحيانا ألتمس لها العذر.. فأربعة أطفال مهمة ثقيلة.. وأحيانا أخري أجدها مقصرة تجاهنا.. كثيرا ما بكيت وأنا أحاول ان أتذكر أمي وهي تحتضنني وتقبلني أو تلاعب أخي..!! هكذا عشنا أسرة لكن جوهرها مفقود الحب.. انسحبت السنوات سراعا.. كبرنا... تخرجت في احدي الكليات النظرية.. ف
رحت بأنني سأبدأ حياتي وأخرج للعمل, لكن كان للقدر رأي آخر.. سقط والدي مريضا.. بدأت معه رحلة العيادات ومعامل التحاليل وانتهيت مرافقة له بأحد المستشفيات الكبري بعد اجراء جراحة خطيرة في القلب.. خرج منها والدي سالما وحمدنا الله وسجدنا له علي نعمته.. وبعد عام.. نام والدي وفي الصباح لم يستيقظ.. مات من كنا نحتمي به ونستمد منه معني الحياة وإشراقتها.. أصبحنا يتامي الأم والأب.. أما الأهل فكان آخر لقاء لنا بهم في الخميس الثالث لوالدي..!!
من ساعتها انفضوا من حولنا قائلين اننا ماعدنا صغارا ونستطيع تدبير أمور حياتنا.. أغلقنا علينا بابنا وانعزلنا عن الناس.. وجدت نفسي أكبر اخوتي.. فبدأت أهتم بدراستهم وأحوالهم.. وزوجة ابي مازالت تقوم بمهامها في البيت.. أكرمها الله جزاء ما قدمت لنا.. بفضل الله حصلت علي فرصة عمل محترمة وبدأت أخطط ماذا سأشتري لاخوتي ووالدتي من أول مرتب..
وقبل ان ينتهي شهري الأول في العمل ماتت والدتي التي ربتني.. عانينا شعور اليتم لثالث مرة.. وكان إحساسا قاسيا علينا جميعا..شعرنا بأن الحياة تعاندنا وان الاحزان لاتعرف غير طريق بيتنا لتقيم فيه...
نظرت حولي فوجدت الاكتئاب والصمت يتسلل الي أرجاء منزلنا.. بدأت أغير من عاداتنا.. وأصطحب اخوتي للخروج معا للترويح عن النفس أو شراء ملابسنا.. وعاهدت نفسي ألا يعرف اخوتي اليتم مرة رابعة فكنت لهم الأب والأم.. تخرج شقيقاي وشقا طريقهما في الحياة.. استقر الأول في احدي المحافظات الساحلية وتزوج بها, وسافر الآخر لاحدي الدول العربية ثم عاد وتزوج واصطحب زوجته معه.. وبقيت انا وشقيقتنا الصغري.. وما أدراك بفتاتين وحيدتين إلا من ربهما.. كنا نخرج في الصباح للعمل ونعود لنأكل طعامنا وحدنا.. نبقي أمام التليفزيون حتي يتسلل النوم الي عيوننا فننام تحتضن احدانا الأخري.. كنت أبكي بعيدا عن عيني أختي.. فلا أحد لنا.. ولا هناك من يدق علينا الباب ليسأل عنا.. حتي في الأعياد والمواسم لايتذكرنا الأقارب بزيارة واحدة.. وتقدم عريس لأختي.. بعد ان رفضت انا الزواج لسنوات لكي أظل وسط اخوتي فضاعت علي فرص كثيرة ـ فرحت لفرحها.. لكن لم يشأ الله ان يتم فرحتنا.. ولم يجعل لها الله نصيبا في هذا الانسان.. لأفاجأ بصغيرتي تسقط مريضة.. حكمتك يا الله ـ وأصبحت مسئولة عن حبيبتي المريضة ولم يتمكن شقيقاي من مشاركتي الاعتناء به
ا لمشاغلهما ولحياتهما.. بدأت أفقد صبري بعض الشيء وأنا أري أختي يشتد عليها المرض.. فكيف أعيش من بعدها؟ ولمن ومع من..؟! كان جسدها الرقيق يزداد نحولا يوما بعد يوم.. فأشد من أزرها وأدعوها إلي أن تهزم المرض.. فيعود التورد الي وجنتيها أياما ثم لا يلبث الاصفرار يحتل وجهها الضعيف.. في هذه الاثناء تقدم لي زميل بالعمل.. ففكرت انه قد يكون الوسيلة الوحيدة كي أجد من يقف معي في محنتي.. تزوجت وقبل ان اشتري فستان الفرح اشتريت لاختي فستانا جميلا.. وفي الفرح كانت عيني علي صغيرتي وليست علي زوجي.. جاءت أختي معي الي شقة الزوجية.. أهملت زوجي لأهتم بصغيرتي.. دبت المشاكل بيننا.. أحست أختي بالمشكلة فأصرت علي العودة الي منزلنا.. أصبحت مشتتة بين بيتي وأختي التي تحتاجني كل يوم.. لم يحتمل زوجي.. وكما تزوجني بكل بساطة.. طلقني..!!
عدت أحتضن أختي وأرعاها.. لكن الله بعد ان طهرها وغسلها بصبرها علي ما ابتلاها به اختارها عنده, لينعمها في جناته ويجعلها من الحور العين بإذن الله.
تركتني حبيبتي أعاني وحدتي وحزني.. أعود من عملي.. تستقبلني جدران الشقة بصمتها وبرودتها.. تراوحني ذكريات أيام أبي وأخوتي.. وصخبنا.. افتقدتهم جميعا.. لا أجد من أحدثه أو أخرج معه أو حتي أذهب للمصيف معه.. الحياة ياسيدي قاسية في وحدتها... لكني لا أحمل مرارة في نفسي.. فمازلت وأنا سيدة وحيدة في أول الأربعين أمارس كل يوم طقوس حلمي القديم بأن أجد من يحبني ويعوضني عن حياتي التي عشتها أقدم لكل من حولي الحب والعون والرحمة.. فهل أنا ياسيدي انسانة خيالية.. أم ان للحلم وقتا لكي يصبح حقيقة أتنفسها وأشعر بسعادتها؟!
** سيدتي... مع مثلك تعجز كلمات المواساة, ويتحول النصح الي ثرثرة لا تداوي جراحا, خاصة اذا كانت غائرة في القلب.
فالحياة التي عشتها ـ وان كانت قصيرة ـ تجعلها المصائب طويلة.
وما أقسي علي انسان ان يفتح عينيه علي الحياة, وقبل ان يستوعب الأيام ويخبر ضرباتها, ترحل عنه صاحبة الحب الخالص, والتي لايعادل حبها ولايقدر عليه غير الأم.
ومن غير استعراض لكل ما سردته في كلماتك التي تضج كلماتها بالصدق, سارت حياتك حلما يوقظك منه الموت سريعا, لتواجهي واقعا أصعب, فتتماسكين, وتواصلين زحفك, مضحية بنفسك من أجل اخرين, لتكتشفي في نهاية الرحلة انك وحيدة في هذه الحياة القاسية التي قال عنها سيدنا علي بن أبي طالب:
آف علي الدنيا وأسبابها فإنها للحـــزن مخلوقــــــة همومها ماتنقضي ساعة عن ملك فيها وعن سوقة
إنه واقع صعب, يكشف ما وصلنا اليه من تفكك عائلي واجتماعي, أين شقيقاك ياعزيزتي, وأين أقاربك وجيرانك وأصدقاؤك؟!
فالحياة ليست زوجا فقط قد يكون وجوده خيرا, وقد يكون عبئا جديدا أو ألما مخبوءا, فالسعادة تكون باثنين فقط, علي فرض ان هذا الثاني الذي لم يأت بعد, قد يظهر في أي لحظة.
وحتي لا أحملك أحزانا جديدة بالتأمل فيما وفيمن حولك, دعينا نتأمل الحياة, تلك الشعلة التي إما ان نحترق بنارها راضين بهذا الخيار, وإما ان نطفئها ونعيش في ظلام.
أعتقد اننا جميعا نشترك ونعاني ونقبل الخيار الأول فـ:
من يصحب الدنيا يكن مثل قابض
علي الماء خانته فروج الأصابع
هذا الماء وماتبقي منه بين أصابعك لابد ان فيه شيئا يستحق ان تناضلي من أجله. ما تبقي هو حلمك القديم, هو ذاتك, هو ان تمنحي نفسك, كما منحت الآخرين.. لاتغلقي أبواب روحك علي مافات, فلا أحد يعيش مع ما ومن مات, والنفس التي تألمت هي القادرة علي التحليق في سماوات الحياة.
حلمك القديم يحتاج منك الخروج من قبو أحزانك, استعيدي مقدرتك علي مواجهة الواقع, كما فعلت من قبل, اختاري ما تناضلين من أجله. مدي يديك الي من يحتاجك, فمن اعتاد ان يعطي الآخرين, لم يجد سعادته الا في هذا العطاء, وقتها ستجدين حلمك القديم يطرق نوافذ قلبك.. فالحياة اختيار لمن يصر علي أن يأخذ ماله منها.. وإلي لقاء بإذن الله.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٢
الحـلم القديم
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق