الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٢

خيوط العنكبوت

27-10-2006
أنا سيدة تجاوزت الستين من عمري‏,‏ أعيش مع زوجي وابنتي التي تعمل في احدي الشركات العالمية في مصر‏,‏ بعد أن تزوج الابنان وأنجبا لنا أحفادا هم قرة العين ومكافأة نهاية العمر‏.‏ المشكلة ياسيدي أن السعادة هربت من بيتنا‏,‏ وأصبت وزوجي بأمراض نفسية من الضغط والتوتر‏,‏ هذا عدا السكر وغيره من الأمراض التي لم تزرنا يوما إلا بسبب ابنتي‏,‏ فرحة قلبينا‏,‏ والتي استكثرت علينا أن نسعد بها ونفرح بأبنائها‏.‏

ابنتي ـ ياسيدي ـ عمرها ثلاثة وعشرون عاما‏,‏ آية في الجمال والخلق‏,‏ فقد كان حرصي وزوجي علي تربية أبنائنا علي طاعة الله والالتزام بأوامره ونواهيه‏,‏ ولم نفرق يوما بين الولد والبنت‏,‏ فحرصنا علي توفير حياة كريمة لها‏,‏ اشترينا لها سيارة‏,‏ وحرصنا دائما علي أن تكون في أحسن صورة‏.‏

كان من الطبيعي أن يتقدم لابنتي العرسان‏,‏ الواحد تلو الآخر‏,‏ كلهم من مستويات طيبة‏,‏ ولكنها كانت ترفض دون أي تفكير‏..‏ أتدري ماهو السبب؟

لقد تعرفت ابنتي عن طريق الإنترنت ومن خلال الشات‏,‏ علي رجل فلسطيني يكبرها بخمسة عشر عاما ـ كما ادعي ـ ويعيش في لبنان‏,‏ عرفته منذ عامين وتعلقت به حتي أحبته‏,‏ تظل تحادثه طوال الليل‏,‏ وتنام ساعات قليلة قبل أن تذهب إلي عملها‏.‏ حتي أصابها الإجهاد بالذبول‏,‏ وشغلها عن كل ما من حولها‏.‏

ولأن ابنتي لاتخفي علينا شيئا‏,‏ أخبرتنا بهذه العلاقة‏,‏ وبأنها لن تتزوج إلا هذا الرجل‏..‏ حاولنا إثناءها بكل الطرق‏..‏ قلنا لها‏:‏ نحن لانعرف شيئا عنه‏,‏ ومن أدراك أنه ليس متزوجا؟‏..‏ وماذا ستفعلين إذا أنجبت منه واختفي؟ خاصة أن أبناء الفلسطينيين لايحصلون علي الجنسية المصرية‏,‏ فتدافع عنه باستماتة‏,‏ وتؤكد أنه لايكذب وأنه غير متزوج‏.‏

وعندما قرأنا منذ أسابيع في بريد الجمعة رسالة مفتاح الحياة لتلك السيدة التي أصرت علي الزواج من عربي ورضخ أهلها لرغبتها‏,‏ ثم بعد ذلك تركها معلقة‏,‏ بعد أنه اكتشفت أنه سبق له الزواج‏,‏ ثم تزوج بعدها بأخري‏,‏ فدمر حياتها‏,‏ ازداد حزننا وخوفنا‏,‏ وقال لها والدها‏,‏ لن أسمح لك بالزواج من أجنبي حتي لو كان وزيرا‏,‏ ولو قبلت الزواج من شحات مصري‏,‏ سأزوجك إياه‏.‏

ولكن لم يجد كلامنا في شيء نحن وصديقاتها‏,‏ وقالت إنه مستعد للمجيء إلي مصر لطلب يدها‏,‏ علي الرغم من علمها بأنه معدم ماديا‏,‏ فقلنا لها سنوافق بشروط‏,‏ أولها أن يحضر شهادة من السفارة بأنه غير متزوج‏,‏ ثم يشتري لها شقة تمليك في حي راق بالقاهرة‏,‏ ويكتب مؤخر صداق لايقل عن مائتي ألف جنيه‏,‏ ويفتح لك حسابا في البنك بمبلغ مائة ألف جنيه‏.‏ وقلنا لها إذا وافق علي هذه الشروط‏,‏ فسنوافق علي الزواج‏.‏

سيدي‏..‏ أدعوك إلي مناشدة هذا الرجل أن يبتعد عن ابنتي‏,‏ ويراعي الله فينا‏,‏ ويرحم أبا وأما مسنين ومريضين‏,‏ ولايقهرنا في ابنتنا‏.‏ وأن تخاطب ابنتنا بما تراه وسنأخذ بكلماتك‏,‏ لعلها تقتنع برأيك وتزيح من قلوبنا هذا الهم والنكد الذي كاد يقضي علينا‏.‏

**‏ سيدتي‏..‏ كثير من الأبناء‏,‏ ينجرفون وراء مشاعرهم‏,‏ ويصمون آذانهم‏,‏ ويغمضون عيونهم‏,‏ فلا يرون الواقع‏,‏ ولايستقرءون المستقبل‏,‏ فيندفعون خلف نبضات قلوبهم‏,‏ معتقدين أن السعادة تختبيء خلف هذا الاحساس الغامض‏,‏ الممتع‏,‏ ألا وهو الحب كما يعتقدون‏.‏ عكس ما يراها الآباء بعيون خبيرة وعقول عركتها الحياة وزادتها خبرة وصلابة‏,‏ لهذا يبدو الحوار بين الطرفين متوازيا‏,‏ لايلتقي أبدا‏.‏ ويبدو أن ابنتك الجميلة‏,‏ محدودة الخبرة‏,‏ وليس لها تجارب في الحياة‏,‏ لذا لم يكن صعبا علي رجل شارف علي الأربعين أن يعبث بمشاعرها البريئة ويغزو قلبها البكر‏,‏ ليحركها كيفما يشاء‏,‏ لذا فلتسمحي لي أن يكون حواري مع ابنتك‏.‏

ياعزيزتي‏..‏ لقد ربيت في بيت يتقي الله ولايعرف للخطأ طريقا‏,‏ ولكنك آثرت اختيار الطريق الخطأ منذ قبلت الدخول في علاقة عبر الشات مع شخص لاتعرفينه‏,‏ وبنيت أهم قرار في حياة الانسان علي أساس ضعيف ومحرم شرعا‏.‏ ياابنتي الناس تتعارف وتلتقي وتعيش سنوات ثم تكتشف أنها لم تتعارف‏.‏ تتم الخطبة بين الشابين يلتقيان‏,‏ يتحدثان‏,‏ ثم يكتشفان أنهما غير متوافقين‏,‏ يحدث هذا أيضا بعد الزواج‏,‏ فكيف يمكن لك أن تعرفي شخصا وتجزمي أنه غير كاذب‏,‏ وكل مابينكما حوار من طرف واحد‏..‏ كلاكما يقدم نفسه للآخر كما يحب أن يراه وليس علي حقيقته‏.‏

أعتقد أنك لست في حاجة لأن أسرد لك مئات العلاقات التي تمت عبر النت لبشر حولنا‏,‏ ثم اكتشفوا أنهم كانوا ضحية كذب وخداع‏.‏

لن أقول لك ـ ياصغيرتي ـ إنني ضد الزواج من أجنبي‏,‏ فقد تسوق الأقدار شخصا من جنسية أخري‏,‏ يكون كفؤا وكل مقدماته تنبيء بزواج ناجح‏,‏ علي الرغم من أن احتمال الفشل قائم طوال الوقت في مثل هذه الزيجات‏,‏ إذا ما قورنت بمثيلاتها عندما تكون من نفس الجنسية‏.‏

لن أقول لك ذلك‏,‏ ولكن بحكم خبرتي وصداقاتي المتعددة لكثير من الفلسطينيين‏,‏ أؤكد لك أنه من الصعب أن يظل فلسطيني حتي هذا العمر بدون زواج‏,‏ كما أن هذا الشخص لو كان جادا وصادقا ما استمر عامين علي اتصال بك دون أي مبادرة أو محاولة للمجيء ومعرفتك عن قرب‏.‏

أيضا لابد أن أذكرك بأن الأوضاع السياسية تحول دون السماح للفلسطينيين بدخول مصر في الوقت الحالي‏.‏ وإذا سمح‏,‏ يكون في ظروف استثنائية‏,‏ وحتي تتأكدي اعرضي عليه شروط أهلك‏,‏ بل نصفها فقط‏,‏ واطلبي منه أن يأتي خلال شهر‏,‏ وثقي بأنه لن يفعل وسيختلق لك ألف عذر‏.‏

عزيزتي أنت مسئولة عن اختيارك‏,‏ ولك أن تتمسكي به‏,‏ ولكن عليك أن تتذكري أن هذا الاختيار لن يحدد مصيرك فقط‏,‏ وإنما سيحدد أيضا مصير أطفال ليس لهم أي ذنب‏,‏ في سوء تقديرك أو اندفاعك‏,‏ كما أن أي ألم أو ضرر سيصيبك سيؤلم والديك وشقيقيك‏,‏ فهل يمكن المخاطرة بمستقبل وبواقع من أجل رجل لم ترينه‏,‏ معدم ماديا‏,‏ أكبر منك بخمسة عشر عاما‏.‏

عزيزتي‏..‏ أنت تعيشين قصة في خيالك‏,‏ خيوطها‏,‏ أسلاك تليفون تشبه خيوط العنكبوت‏,‏ لو انقطع التيار‏,‏ أو تعطلت شبكة الانترنت‏,‏ انقطعت معها كل تفاصيل العلاقة‏,‏ علاقة مرهونة بعدم مقدرة فيروس علي تدمير كل ذكرياتك مع هذا الرجل‏.‏ لذا أدعوك إلي الرأفة بنفسك أولا وبوالديك وتحملي آلام الانفصال عما تعودت عليه‏,‏ لأن تعلقك بهذا الشخص بفعل العادة‏,‏ لا بأمر الحب‏.‏ وثقي بأن الله قادر علي تخفيف آلامك وتعويضك بزوج يناسبك‏,‏ يظهر في حياتك في ظروف طبيعية‏,‏ لا في إطار خيالي وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق