27-10-2006
أنا سيدة تجاوزت الستين من عمري, أعيش مع زوجي وابنتي التي تعمل في احدي الشركات العالمية في مصر, بعد أن تزوج الابنان وأنجبا لنا أحفادا هم قرة العين ومكافأة نهاية العمر. المشكلة ياسيدي أن السعادة هربت من بيتنا, وأصبت وزوجي بأمراض نفسية من الضغط والتوتر, هذا عدا السكر وغيره من الأمراض التي لم تزرنا يوما إلا بسبب ابنتي, فرحة قلبينا, والتي استكثرت علينا أن نسعد بها ونفرح بأبنائها.
ابنتي ـ ياسيدي ـ عمرها ثلاثة وعشرون عاما, آية في الجمال والخلق, فقد كان حرصي وزوجي علي تربية أبنائنا علي طاعة الله والالتزام بأوامره ونواهيه, ولم نفرق يوما بين الولد والبنت, فحرصنا علي توفير حياة كريمة لها, اشترينا لها سيارة, وحرصنا دائما علي أن تكون في أحسن صورة.
كان من الطبيعي أن يتقدم لابنتي العرسان, الواحد تلو الآخر, كلهم من مستويات طيبة, ولكنها كانت ترفض دون أي تفكير.. أتدري ماهو السبب؟
لقد تعرفت ابنتي عن طريق الإنترنت ومن خلال الشات, علي رجل فلسطيني يكبرها بخمسة عشر عاما ـ كما ادعي ـ ويعيش في لبنان, عرفته منذ عامين وتعلقت به حتي أحبته, تظل تحادثه طوال الليل, وتنام ساعات قليلة قبل أن تذهب إلي عملها. حتي أصابها الإجهاد بالذبول, وشغلها عن كل ما من حولها.
ولأن ابنتي لاتخفي علينا شيئا, أخبرتنا بهذه العلاقة, وبأنها لن تتزوج إلا هذا الرجل.. حاولنا إثناءها بكل الطرق.. قلنا لها: نحن لانعرف شيئا عنه, ومن أدراك أنه ليس متزوجا؟.. وماذا ستفعلين إذا أنجبت منه واختفي؟ خاصة أن أبناء الفلسطينيين لايحصلون علي الجنسية المصرية, فتدافع عنه باستماتة, وتؤكد أنه لايكذب وأنه غير متزوج.
وعندما قرأنا منذ أسابيع في بريد الجمعة رسالة مفتاح الحياة لتلك السيدة التي أصرت علي الزواج من عربي ورضخ أهلها لرغبتها, ثم بعد ذلك تركها معلقة, بعد أنه اكتشفت أنه سبق له الزواج, ثم تزوج بعدها بأخري, فدمر حياتها, ازداد حزننا وخوفنا, وقال لها والدها, لن أسمح لك بالزواج من أجنبي حتي لو كان وزيرا, ولو قبلت الزواج من شحات مصري, سأزوجك إياه.
ولكن لم يجد كلامنا في شيء نحن وصديقاتها, وقالت إنه مستعد للمجيء إلي مصر لطلب يدها, علي الرغم من علمها بأنه معدم ماديا, فقلنا لها سنوافق بشروط, أولها أن يحضر شهادة من السفارة بأنه غير متزوج, ثم يشتري لها شقة تمليك في حي راق بالقاهرة, ويكتب مؤخر صداق لايقل عن مائتي ألف جنيه, ويفتح لك حسابا في البنك بمبلغ مائة ألف جنيه. وقلنا لها إذا وافق علي هذه الشروط, فسنوافق علي الزواج.
سيدي.. أدعوك إلي مناشدة هذا الرجل أن يبتعد عن ابنتي, ويراعي الله فينا, ويرحم أبا وأما مسنين ومريضين, ولايقهرنا في ابنتنا. وأن تخاطب ابنتنا بما تراه وسنأخذ بكلماتك, لعلها تقتنع برأيك وتزيح من قلوبنا هذا الهم والنكد الذي كاد يقضي علينا.
** سيدتي.. كثير من الأبناء, ينجرفون وراء مشاعرهم, ويصمون آذانهم, ويغمضون عيونهم, فلا يرون الواقع, ولايستقرءون المستقبل, فيندفعون خلف نبضات قلوبهم, معتقدين أن السعادة تختبيء خلف هذا الاحساس الغامض, الممتع, ألا وهو الحب كما يعتقدون. عكس ما يراها الآباء بعيون خبيرة وعقول عركتها الحياة وزادتها خبرة وصلابة, لهذا يبدو الحوار بين الطرفين متوازيا, لايلتقي أبدا. ويبدو أن ابنتك الجميلة, محدودة الخبرة, وليس لها تجارب في الحياة, لذا لم يكن صعبا علي رجل شارف علي الأربعين أن يعبث بمشاعرها البريئة ويغزو قلبها البكر, ليحركها كيفما يشاء, لذا فلتسمحي لي أن يكون حواري مع ابنتك.
ياعزيزتي.. لقد ربيت في بيت يتقي الله ولايعرف للخطأ طريقا, ولكنك آثرت اختيار الطريق الخطأ منذ قبلت الدخول في علاقة عبر الشات مع شخص لاتعرفينه, وبنيت أهم قرار في حياة الانسان علي أساس ضعيف ومحرم شرعا. ياابنتي الناس تتعارف وتلتقي وتعيش سنوات ثم تكتشف أنها لم تتعارف. تتم الخطبة بين الشابين يلتقيان, يتحدثان, ثم يكتشفان أنهما غير متوافقين, يحدث هذا أيضا بعد الزواج, فكيف يمكن لك أن تعرفي شخصا وتجزمي أنه غير كاذب, وكل مابينكما حوار من طرف واحد.. كلاكما يقدم نفسه للآخر كما يحب أن يراه وليس علي حقيقته.
أعتقد أنك لست في حاجة لأن أسرد لك مئات العلاقات التي تمت عبر النت لبشر حولنا, ثم اكتشفوا أنهم كانوا ضحية كذب وخداع.
لن أقول لك ـ ياصغيرتي ـ إنني ضد الزواج من أجنبي, فقد تسوق الأقدار شخصا من جنسية أخري, يكون كفؤا وكل مقدماته تنبيء بزواج ناجح, علي الرغم من أن احتمال الفشل قائم طوال الوقت في مثل هذه الزيجات, إذا ما قورنت بمثيلاتها عندما تكون من نفس الجنسية.
لن أقول لك ذلك, ولكن بحكم خبرتي وصداقاتي المتعددة لكثير من الفلسطينيين, أؤكد لك أنه من الصعب أن يظل فلسطيني حتي هذا العمر بدون زواج, كما أن هذا الشخص لو كان جادا وصادقا ما استمر عامين علي اتصال بك دون أي مبادرة أو محاولة للمجيء ومعرفتك عن قرب.
أيضا لابد أن أذكرك بأن الأوضاع السياسية تحول دون السماح للفلسطينيين بدخول مصر في الوقت الحالي. وإذا سمح, يكون في ظروف استثنائية, وحتي تتأكدي اعرضي عليه شروط أهلك, بل نصفها فقط, واطلبي منه أن يأتي خلال شهر, وثقي بأنه لن يفعل وسيختلق لك ألف عذر.
عزيزتي أنت مسئولة عن اختيارك, ولك أن تتمسكي به, ولكن عليك أن تتذكري أن هذا الاختيار لن يحدد مصيرك فقط, وإنما سيحدد أيضا مصير أطفال ليس لهم أي ذنب, في سوء تقديرك أو اندفاعك, كما أن أي ألم أو ضرر سيصيبك سيؤلم والديك وشقيقيك, فهل يمكن المخاطرة بمستقبل وبواقع من أجل رجل لم ترينه, معدم ماديا, أكبر منك بخمسة عشر عاما.
عزيزتي.. أنت تعيشين قصة في خيالك, خيوطها, أسلاك تليفون تشبه خيوط العنكبوت, لو انقطع التيار, أو تعطلت شبكة الانترنت, انقطعت معها كل تفاصيل العلاقة, علاقة مرهونة بعدم مقدرة فيروس علي تدمير كل ذكرياتك مع هذا الرجل. لذا أدعوك إلي الرأفة بنفسك أولا وبوالديك وتحملي آلام الانفصال عما تعودت عليه, لأن تعلقك بهذا الشخص بفعل العادة, لا بأمر الحب. وثقي بأن الله قادر علي تخفيف آلامك وتعويضك بزوج يناسبك, يظهر في حياتك في ظروف طبيعية, لا في إطار خيالي وإلي لقاء بإذن الله.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٢
خيوط العنكبوت
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق