السبت، ٤ أغسطس ٢٠١٢

عـــائد إلي الحـــياة

16-12-2005
من يكتب إليك ياسيدي الآن رجل علي أعتاب الأربعين‏,‏ قضيت نصف عمري خلف الأسوار لجريمة ارتكبتها في لحظة ضعف تحت تأثير تعاطي المخدرات‏..‏ وقضيت النصف الثاني أشحن نفسي بالأمل‏,‏ أعرف أني أخطأت وأجرمت في حق نفسي والآخرين‏,‏ أعرف وأبيت كل ليلة باكيا داعيا الله أن يقبل توبتي ويعينني علي الصبر والثبات‏.‏

لعلك تتساءل‏..‏ وما الذي دفعك إلي الكتابة إلي بريد الجمعة بعد‏20‏ عاما‏,‏ فأقول لك‏,‏ إني كنت متابعا لكل ما ينشره مبتدع البريد الانساني المرحوم عبدالوهاب مطاوع وظننت أنه توقف بعد رحيله ثم بالمصادفة وقعت عيني علي عدد رأيت فيه رسائل مملوءة بالهموم وردودا مملوءة بالأمل‏..‏ فصممت علي أن أبوح لك بقصتي‏:‏

لقد دخلت السجن عام‏1984‏ وكان عمري يومئذ‏19‏ عاما‏..‏ كنت منساقا لأصدقاء السوء‏.‏ في غيبوبة الشباب والطيش وعدم حساب لأي شئ ارتكبنا جريمتنا ونالت منا عدالة القضاء وربما لأني لم أستطع توكيل محام مشهور وذي خبرة حكم علي بالأشغال الشاقة المؤبدة بينما حكم علي زملائي‏,‏ الذين استطاعوا الدفاع عن أنفسهم بواسطة مجموعة محامين أقوياء بمدد تتراوح بين خمس وسبع سنوات فقط‏.‏

لست متذمرا ـ أقسم لك ـ بل وراض بقضاء الله وحكمه‏,‏ ولعله يكون مكفرا عما اقترفته يداي‏..‏ ومع ذلك فقد عانيت ساعة الحكم وظللت في شبه غيبوبة لعدة سنوات‏..‏ أشعر بالضياع في عالم ضيق أتيته طوعا من عالم فسيح لم أعرف قيمته إلا بعد أن فقدته‏..‏ بعد هذه السنوات التي ترنحت فيها هداني الله إلي التفكير السليم لقضاء الوقت فيما يحب‏..‏ لاح لي الأمل من خلال استكمال الدراسة وتحصيل العلم‏.‏

كرست وقتي وجهدي للدراسة والعبادة حتي حصلت أولا علي دبلوم صنايع قسم كهرباء من المدرسة الصناعية الملحقة بسجن القناطر عام‏1994‏ بمجموع‏83%.‏

وكم كانت فرحتي بنجاحي هذه المرة واعتبرتها بشارة من الله بإكمال الطريق السوي‏..‏ قمت عندئذ بتغيير مسار دراستي وحصلت علي الثانوية العامة ـ أدبي من لجنة ليمان طرة منازل عام‏1998‏ بمجموع‏87%‏ وشجعتني إدارة السجن أيما تشجيع فانتسبت إلي كلية الآداب جامعة الزقازيق وحصلت علي ليسانس الأداب قسم التاريخ عام‏2003‏ بتقدير عام جيد‏,‏ ثم انتسبت للمعهد الآسيوي للدراسات العليا بالزقازيق للحصول علي دبلومة الماجستير وحاليا أعد نفسي لنيلها‏.‏

لن أصف لك مدي فرحتي لأني انتصرت علي الظلمة بداخلي والسجن المحيط بي‏..‏ ولن أصف لك شعوري وأنا أتخيل اليوم الذي يأتي لأعانق فيه الحرية خارج أسوار السجن وأبدأ من جديد وعمري‏40‏ عاما رجلا ناضجا قد كفر عما ارتكبه‏,‏ وأعطاه المجتمع فرصة أخري لإثبات كونه رجلا صالحا‏.‏

لقد قضيت ياسيدي‏21‏ عاما في السجن وكلي أمل في الإفراج الشرطي عني كأحد المستحقين له بعد قضاء أكثر من‏20‏ عاما طبقا للمادة‏52‏ من قانون السجون‏,‏ لكن الأمر لله من قبل ومن بعد‏,‏ لعل للجان الأمنية التي تمر علي السجون مرة كل شهر لتفعيل الإفراج الشرطي رأيا آخر‏..‏ ولا ألوم في النهاية إلا نفسي‏.‏

لقد تم عرضي علي إحدي هذه اللجان بسجن قنا بتاريخ‏22‏ أغسطس السابق وأبدت إعجابها بالشهادات التي نلتها ومع ذلك لا أعرف السبب في رفض الإفراج عني‏..‏ لقد تظلمت ورفع ملفي للعرض علي لجنة أمنية عليا بالأمن العام بالقاهرة ولكنها للأسف أيدت رفض اللجنة الأولي مع عبارة يتم عرضه مرة أخري بعد عام من تاريخه‏.‏

إن الله سبحانه وتعالي يقول وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون وأنا أعترف بأنني أنا من ظلمت نفسي وعلي الرضاء بحكم الله في لكن هذا لا يمنع أن أطمح في مناشدة السيد اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية الرجل الانسان كي يمنحني الإفراج الشرطي بعد مضي كل هذه السنوات بالسجن فأعود للحياة من جديد لأكمل دراساتي وأعمل عملا شريفا أرد للمجتمع به دينه في عنقي حين أخطأت قبل‏20‏ عاما‏..‏
النزيل محمد أشرف حمدي طه العطار

سجن قنا العمومي

ســـــيدي‏..‏ نشرت رسالتك ليس من أجل مناشدة وزير الداخلية فقط‏,‏ وهذا من حقك‏,‏ ولكن لأني رأيت فيها دروسا عديدة‏...‏ فكثيرون ممن يتعاطون المخدرات من شبابنا لايرون ما قد يؤول إليهم مستقبلهم‏,‏ تغريهم المتع المؤقتة‏,‏ ويتشبثون بسعادة زائلة‏,‏ ثم ينجرفون دون وعي‏,‏ وتحت تأثير المخدر‏,‏ بخطي مسرعة نحو الجريمة‏,‏ ليقضوا أجمل سنوات عمرهم خلف القضبان‏..‏ وعلي الرغم من إحساسك بأنك لم تحصل علي دفاع كاف مثل زملائك‏,‏ وقضي عليك بالسجن المؤبد في جريمة لم تذكرها‏,‏ إلا أنك ندمت علي جريمتك ولم تقف عاجزا مثل كثيرين يتمتعون بحريتهم ولا يستطيعون النجاح‏,‏ أو تحدي الصعاب التي تواجههم فيلعنون الظروف التي لاتمنحهم ما يستحقون‏.‏
وها أنا يا سيدي أضع رسالتك بين يدي السيد حبيب العادلي وزير الداخلية‏,‏ الذي لايبخل بإدخال السعادة علي قلب أسرة بالسماح لسجينها بزيارتها للإطمئنان علي أم مريضة أو المشاركة في وداع أب راحل‏,‏ ولا أعتقد أنه سيضن عليك بقرار الإفراج إذا لم يكن مخالفا للقانون‏,‏ ليمنحك فرصة جديدة للتصالح مع الحياة‏,‏ ساعيا للتكفير عن جريمتك‏,‏ بالبحث عن عمل يلائم مادرست‏,‏ مواصلا بإذن الله دراستك‏,‏ حتي تكون قدوة لمن يعيشون خلف الأسوار‏,‏ التي دخلوا إليها بجرائمهم‏,‏ أولأولئك سجنوا أنفسهم في زنازين العجز وهم لايعرفون ولا يقدرون قيمة الحرية التي ينعمون بها‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق