08-02-2008
أكتب إليك الآن, علي الرغم من أني اتخذت قراري فيما أعانيه, لكن شيئا ما يعوقني عن التنفيذ, ربما صورة أخي التي لا تفارقني, وطفليه البريئين, وربما يكون ترددي سببه أمي التي لا أريد إغضابها في هذا العمر, خاصة أني لا أجرؤ علي مصارحتها بأسباب هذا القرار.
سيدي... دعني أبدأ منذ البداية, منذ طفولتي, عندما أصبحت الطفل الثالث لأسرة عريقة في صعيد مصر.. سبقتني شقيقتي بثلاث سنوات, وشقيقي الأكبر بسبع سنوات.
والدي كان من كبار التجار, سمعته طيبة, محبوب من الجميع.. كان حنونا, مثقفا ومتحضرا. وكانت تجمعه بوالدتي علاقة مثالية, أستدعيها دائما كلما قرأت المشكلات الزوجية في بريدك, وأحمد الله علي أني كنت ابنا لمثل هذين الأبوين.
كانت لوالدي هيبة تدفعنا لاحترامه قبل الخوف منه, لم يدعنا نفرض سيطرتنا علي شقيقتي أو نعاملها علي أنها أقل من الولد. كما علمني كيف احترم شقيقي الأكبر, فلا يعلو صوتي عليه, ولا أرد له أمرا حتي لو لم يعجبني ما يطلبه مني.
وبدوره لم يستغل أخي سلطاته الممنوحة له, فكان صديقا أكثر منه أخا أكبر.
مرت السنوات, ونحن نحسد أنفسنا علي السعادة التي نعيش فيها, حتي تخرج شقيقي في كلية محترمة, ورفض أن يلتحق بوظيفة, ليعين أبي في إدارة أعماله, فيما كانت أختي تدرس بالجامعة, وكنت أنا طالبا بالمرحلة الثانوية. في تلك الفترة, لم يكن هناك ما يعكر صفو حياتنا, أو ينذر بأن العواصف تتأهب لتهز أركان هذا البيت الهادئ.
ذات مساء عاد أبي منهكا, مصفر الوجه, أصابنا جميعا بالفزع عليه وقال لنا إنه يشتكي من آلام في صدره, وطلب منا أن نطمئن عليه, واصطحب أمي إلي حجرة النوم, ونحن ننتظر بالخارج. دقائق وخرجت أمي فزعة وأمرتنا بأن نستدعي الطبيب بسرعة, لكن إرادة الله كانت أسبق من وصول الطبيب, رحل والدي بأزمة قلبية مفاجئة, وتركنا في حزن ووحدة كبيرين. فقدنا الأمان والحنان مع رحيله..
كنت صغيرا لا أعي أشياء كثيرة حولي, لكني لاحظت أن شقيقي الأكبر رابط الجأش, احتضنني مع شقيقتي وأمي, وكأنه يقول لنا: اطمئنوا لن يتغير شيء.
الحقيقة أن أخي كان صادقا فيما وعدنا به. نعم افتقدنا الوالد, لكن شقيقي تحول إلي دور الأب بث في روح المسئولية, وأصر علي أن أشاركه ـ علي الرغم من صغر سني ـ في إدارة ممتلكاتنا من دون أن يؤثر ذلك علي دراستي, باختصار جعلني رجلا أتحمل المسئولية في سني مراهقتي الأولي.
لا أعتقد أني في حاجة إلي سرد أسلوب أخي مع أمي وشقيقتي, فقد كان رائعا, مجسدا لفطنة أبي وذكائه في تربيته وتحميله المسئولية مبكرا, وكأنه كان يشعر بما سيتحمله بعد رحيله.
سيدي.. أعتذر عن تلك المقدمة الطويلة, لكنها كانت ضرورية لأن المشكلة التي أعرضها عليك متصلة اتصالا وثيقا واساسيا بأخي الراحل.
واصلت رحلة تعليمي ومسئولياتي في العمل بنجاح حتي تخرجت في الجامعة, قبلها بقليل, تزوجت شقيقتي من إنسان فاضل, غادرتنا, ولم تتركنا أبدا. وقبلها ايضا ـ أي قبل تخرجي ـ تزوج شقيقي من فتاة جميلة من عائلة عريقة في مدينتنا, وانتقل للعيش معنا في نفس البيت, فقد كنا نقطن في بيت كبير, أنا وأمي في دور كامل, وشقيقي مع زوجته في دور منفصل. ومما زاد حياتنا بهجة وسعادة, مجئ أول مولود لأخي, أعقبه بعد عامين بمولود آخر.
كل شيء يسير في حياتنا طبيعي, السعادة تحيط بنا من كل اتجاه, مشروعاتنا تكبر, وأنا ارتبط بفتاة من المدينة وحددنا موعدا قريبا للزواج.. لكن!
هذه الـ لكن اللعينة هي مفتاح كل احزاننا, فقد صحونا ذات صباح علي صوت أخي الذي يئن ألما, أسرعنا به إلي المستشفي وهو لا يقدر علي الوقوف, لنكتشف كارثة, أخي, وأبي وصديقي, أصيب بورم خبيث علي الكبد المتليف منذ زمن, وهو ونحن لا ندري. كان منشغلا بنا وبارضائنا عن نفسه, لم يلتفت إلي شحوب وجهه أو زيارات الالم المتقطعة. لم يمض وقت طويل حتي سكن الحزن بيتنا, انكسرت روح أمي, وشحبت أرملة أخي, وانطفأ بريق عيون الولدين, فوجدت صورة أخي امامي
تذكرني بما حدث يوم موت أبي, فسارعت باحتضانهم, محاولا طمأنتهم علي المستقبل, مرددا: أخي موجود لم يمت, وأولاده سيكملون معي المسيرة..كنت حريصا علي إعادة البهجة إلي البيت مرة أخري.. تقربت من أرملة شقيقي, وزاد اهتمامي بطفليها, حتي فوجئت ذات يوم, انفردت بي أمي وقالت لي إنها تريد أن تطلب مني شيئا وتدعو الله ألا أخيب ظنها, ارتبت فيما يدور برأسها وكأني فهمت ما تنوي قوله. أرملة أخيك مازالت صغيرة
ولن نقبل أن يدخل عليها رجل آخر, يربي أولاد شقيقك, نحن أولي بلحمنا.. رجاء وكأنه أمر, وأمر لا يمكن مناقشته أو رفضه, انها تحدثني عن لحم حبيبي وشقيقي, عن أطفاله, اطفالي.. لم أفكر وقتها في خطيبتي, فقد رأيت ما قالته منطقيا وطبيعيا, ويحدث كثيرا في بلادنا.. نعم لا أتصور رجلا آخر ينام بجوار أرملة شقيقي أو يربي طفليه, يهملهما أو يهينهما.
من غير دخول في التفاصيل, حدث ما رأته أمي, تزوجت أرملة شقيقي بعد عام من وفاته.
كان الأمر صعبا في بدايته, ولم تطاوعني نفسي لعدة أشهر علي الاقتراب منها, علي الرغم من اهتمامها بي, وحرصها علي ألا تجرح مشاعري, حتي استطعت تجاوز هذه المحنة القاسية, وبدأنا نمارس حياتنا بشكل طبيعي, عدا لحظات, يحاصرني فيها وجه شقيقي أوتفاصيله, فأود أن أسألها ماذا كان يفعل في مثل هذه اللحظات, ولكني أصمت وأهرب من الحجرة.
إلي أن جاءت تلك الليلة, وفي لحظة خاصة جدا, سمعت زوجتي تهمس لي أنها كانت معجبة بي منذ سنوات, أي في أثناء حياتها مع شقيقي وأن شيئا مابداخلها كان يخبرها بأني سأكون زوجها.
انتفضت وصرخت في وجهها: كنت تفكرين في وأنت متزوجة من شقيقي, بكت, وكأنها اندهشت من رد فعلي, قالت جملا لم أفهم منها, إلا أنها كانت تندهش من هذا الإحساس الغريب وتطرده من تفكيرها, ولكنه كان يراودها من وقت لآخر.
كانت تلك الليلة الأخيرة بيننا, لم أستطع أن أقربها بعد ذلك, إحساس بالخيانة يتسلل إلي كلما فكرت فيه, وإدانة لها بداخلي علي ماقالته لي.
حاولت أن تستعيدني بكل الوسائل والمبررات, ولكن انكسر بداخلي شيء وعزمت داخل نفسي علي تطليقها. ولكن لا أعرف ماذا سأقول لأمي, ولإبني شقيقي اللذين يتعاملان معي علي أني والدهما.
إني في حيرة وعذاب. لا أستطيع أن أعيش معها بعد ما عرفته, وليس من السهل تنفيذ قراري, ولا أعرف طريقا للخروج من هذا المأزق, ربما تراها أزمة خاصة, لاتعني الكثيرين ولكنها أزمة تهدد حياة أسرة كاملة ومستقبل أطفال ليس لهم ذنب في كل هذا, فما الذي يمكن أن تنصحني به.
** سيدي.. نعم هي مشكلة خاصة ولكنها متكررة بأوجه مختلفة في مجتمعاتنا. الشقيق عليه أن يتزوج من أرملة شقيقه حماية للأبناء, حتي لو لم يكن يرغبها أويري نفسه في تلك العلاقة أو مع تلك المرأة. والغريب أن هذا يحدث معك وقد رباك والدك علي التحضر. وما أقوله ليس القصد منه إدانتك, فقد تصرفت بنبل وشهامة لايمكن أن ألومك عليهما, ولكني أرصد الفكرة نفسها, ولا أرحب بها في حالات كثيرة.
أما وأنك, قد ضحيت بخطيبتك وتزوجتها بكامل وعيك واختيارك, كنت أنتظر أن أسمع منك عن علاقتك الخاصة بها, عن مشاعرك تجاهها, هل تؤدي كل شيء بشكل وظيفي, هل تتعامل معها علي أنها أرملة شقيقك, أم أن هناك أشياء تجمع بينكما, وتري فيها ماتحب أن تراه في زوجتك؟
لو لم يوجد لديك أي شيء من هذا, ولاتشعر تجاهها بمشاعر الزوج لزوجته, فهذا يعني أنك كنت تبحث عن مخرج لهذه العلاقة فتصيدت ما رأيته كارثة, وخيانة لتحل نفسك مما ألزمتها به. فإذا أقررت بذلك, فسأقترح عليك ألا تطلقها وتبقي عليها مع حفظ كل حقوقها الشرعية والمادية, وتختار من تريدها أن تشارككما الحياة, بشرط موافقة زوجتك علي ذلك, فلها حق قبول هذا الوضع بعد ان تشرح لها مايدور في نفسك دون ادعاءات, أو رفضه كاملا.
أما اذا كنت صادقا فيما عرضته, وأن الأزمة الوحيدة التي هددت سعادة الأسرة واستقرارها. هي ماقالته لك, فدعني اختلف معك, لأني أراك قاسيا, حساسا تجاه شقيقك الراحل. قالت لك ياسيدي تلك الكلمات في لحظة خاصة جدا, وتلك اللحظات تولد كلمات جميلة ومشاعر صادقة, ربما أرادت منها التأكيد لك علي أنها اصبحت لك وحدك لايشاركك فيها شقيقك.
هل تحاسبها علي إحساس غامض كان يزورها أحيانا, ألاتراها شفافية.. حاسة خاصة, وقد صدقت. لا ياعزيزي, لاتهدم البيت لسبب واه, لاتشتت أطفالكما, وثق بأن مولودا جديدا سيقرب بينكما كثيرا وسيفرح شقيقك وهو بين يدي الرحمن, فلا تعذب نفسك بما لايستحق العذاب. واعترف امام نفسك بأن شقيقك مات وأصبح في عالم آخر, فلا تأتي به إلي عالمنا, واستمتع مع زوجتك التي تحبك, فهي في حاجة إليك كما أطفالها, ولاتعيد الحزن إلي قلب أمك من جديد.. وإلي لقاء بإذن الله.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الثلاثاء، ٣١ يوليو ٢٠١٢
لحظة خاصة جدا
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق