الأربعاء، ٢٥ يوليو ٢٠١٢

وجهة نظر أخري

09-01-2009
أولا‏:‏ أشكركم علي عرضكم الآراء المختلفة‏,‏ لأن الحوار والنقاش المنطقي هما سمة الرقي الإنساني الذي نحن في أشد الحاجة إليه‏.‏

ثانيا‏:‏ أود أن أعرض وجهة نظري في موضوع تعدد الزوجات التي تعرض إليها كاتب رسالة وجهة نظر والتي نشرت في بريد الجمعة الأسبوع الماضي‏.‏

اعترف الكاتب بأنه من الصعب أن ينكر أحد الألم الذي يعود علي الزوجة الأولي في حالة أخذ الزوج زوجة أخري‏,‏ مبدئيا وقبل أن نتعمق في تفاصيل الموضوع‏,‏ هل يعقل أن يحث أو حتي يرضي الله الرحمن الرحيم بأمر فيه ضرر لعباده خاصة تلك الزوجات الصالحات اللاتي لم يقترفن ذنبا إلا لكونهن إناثا كما في مثل بعض هذه الحالات؟ فلتكن درايتنا وثقتنا برحمة الله وصفاته هي الأساس العقلي والروحاني الذي نستمد منه أسس بحثنا لأي موضوع يعرض علينا‏,‏ فما يتنافي مع روح الإسلام لابد أن نتوقف عنده مهما أصبح طبيعيا في المجتمع‏.‏

يستند الكثيرون إلي أن رسول الله عليه الصلاة والسلام تعددت زوجاته‏,‏ والبعض يفسر فكرة التعدد عامة كإرضاء لشهوة الرجل وتلبية لاحتياجاته فلنبحث هنا موقف الرسول الكريم من هذا الموضوع‏.‏ أولا أن سيدنا محمد وهو في ريعان شبابه اختار أن يتزوج من السيدة خديجة التي كانت تكبره بخمسة وعشرين عاما وظل وفيا لها ولم يتزوج أخري طيلة حياتها حتي ماتت وحزن عليها حزنا شديدا‏,‏ ففي هذا المثل قمة الوفاء والحب وطيب العشرة‏,‏ خاصة أنها في السنوات التي يكون فيها الرجل في قمة الشباب أي ذروة الشهوة والاحتياج‏.‏

أما بعد هبوط الرسالة ووفاة السيدة خديجة وتعدي الرسول عمر الخمسين عاما بدأ الرسول الكريم في الزواج من آخريات تلبية لأمر الله وليس لإرضاء غريزة أو شهوة أرجو الاطلاع علي أمهات الكتب لدراسة حالات الزيجات التسع والظروف والأسباب التي أدت لكل واحدة منها ولم تكن أي من زوجاته الجدد بكرا‏,‏ إلا السيدة عائشة أما باقي الزوجات فكن إما أرامل أو مطلقات‏,‏ وفي هذا دليل آخر علي أن الشهوة ليست السبب في الزواج‏.‏ أما بالنسبة للعدد فالرسول أخذ أكثر من أربع زوجات في آن واحد وقد تزوج من تسع زوجات‏,‏ فرسول الله ليس كباقي البشر

وزوجات الرسول لسن كباقي الزوجات‏:‏ قال الله تعالي في سورة الأحزاب يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا آية‏32,‏ كما أن زوجات الرسول لهن أجر وعقاب غير باقي البشر‏,‏ فيقول الله في صورة الأحزاب يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك علي الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما آية‏31,30,‏ كذلك يحرم الله علي زوجات الرسول الزواج من بعده بينما يحث باقي البشر علي التحصن بالزواج أما اذا اطلعنا علي التاريخ نعلم أن سيد الخلق نفسه رفض أن يتخذ زوج ابنته علي بن أبي طالب زوجة أخري علي ابنة الرسول السيدة فاطمة رحمها الله‏,‏ فإن كان هناك نص صريح يحثنا علي اتباع سنة النبي ونص صريح يوضح أن زوجات الرسول حالة خاصة لماذا نمشي علي سطر ونترك سطرا؟‏.‏

أما إذا استعنا بكلام الله الحق في قرآنه الكريم فنجد أن تعدد الزوجات مربوط بصيغة شرط‏,‏ فيقول تعالي في سورة النساء وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامي فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدني ألا تعولوا آية‏3..‏ ويأتي جواب الشرط في نفس السورة حيث يقول الله ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتهم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة‏,‏ وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما اية‏129..‏ فلماذا يختار البعض غض البصر عن تلك الآية الصريحة التي يقر فيها الله تعالي باستحالة العدل‏,‏ واستخدام لن أسلوب نفي قاطع لا يحتمل التغيير ولا حتي في المستقبل‏,‏ فلماذا يتعدي البعض علي كلام الله ويعيدون تأويل النص الصريح مرة بتفسير ه علي أن الله يعني بالعدل العواطف تارة والمال تارة‏,‏ تفسيرات أخري كثيرة نحن في غني عنها‏,‏ إذ لدينا نص صريح من الله لا يجب تعديله أو تحريفه لمصلحة مجموعة من البشر‏.‏

كما يجب علينا كي ندرس الموضوع من جميع الجوانب إدراك أحوال القبائل عند ظهور الإسلام لكي نعلم أن تعدد الزوجات كان من سمات ذلك العصر‏,‏ حيث كان الرجل يتزوج من أي عدد من النساء في آن واحد‏,‏ ثم جاء الإسلام بجماله فأخذ يهذب ويعدل من حياة الجاهلية في صورة سلسة مبسطة وعميقة في آن واحد كي يتفكر الإنسان ويعدل عن الخطأ عن اقتناع فشرع التعدد ولكن بحد أربع‏,‏ ثم شرطه بالعدل وفي هذا الشرط كل الحكمة سبحانه وتعالي إذ إنه ترك الموضوع للعبد كي يتفكر‏,‏ ثم أكد الله بعد ذلك أن العدل مستحيل وبالتالي لابد علي العبد أن يصل إلي النتيجة المنطقية أن يتمسك بواحدة‏,‏ وهذا النمط الذكي في القرآن الكريم تكرر في حالة العبودية‏,‏ حيث كانت العبودية نمطا طبيعيا في ذلك العصر‏,‏ فحث الإسلام علي إكرام المرء‏

ونادي بسواسية الخلق أمام الله كما نادي بالرحمة‏.‏ ثم أخذ يحث علي فك الرقاب لفعل الخير والاستغفار عن الذنب‏,‏ كما نادي بفكر جديد وهو الزواج ممن ملكت أيمانكم‏,‏ وكان ذلك مخالفا للعرف الجاهلي وكل هذه الدرجات من التعامل مع موضوع واحد ليحث الإنسان علي التأمل والتفكر والفهم‏,‏ فيري بعقله وقلبه مساويء الاستعباد فيبغضه ويبتعد عنه تقربا لله والحق‏,‏ وذلك ما حدث مع الاستعباد‏,‏ ولكنه أخذ قرونا كثيرة حتي ألغي قانونيا حتي صرنا في يومنا هذا نستعجب علي يوم كان يستعبد فيه أجدادنا إخوانهم من البشر‏,‏ كذلك موضوع تعدد الزوجات فهو نمط آخر يحثنا الإسلام علي التمعن في أركانه‏,‏ فيوضح لنا الله استحالة العدل‏,‏ ويحبب لنا المودة والرحمة والحق وكلها صفات تنتهك مع زواج الرجل من امرأة أخري

يجب أن يضع الإنسان نفسه في مكان الآخر كي يتخيل موقف الآخر وأحاسيسه‏,‏ فليفترض الرجل‏,‏ واعتذر إن كان في الافتراض سخف‏,‏ أنه يعيش في مجتمع يسمح لزوجته بالزواج عليه‏,‏ فهل يقبل؟ فما لا نقبله لغيرنا يجب ألا نقبله لأنفسنا‏,‏ الحق والحكمة يتطلبان أن يضع الإنسان نفسه في مكان غيره حتي يحس بألمه ويتسع قلبه بالرحمة ويسود الحق‏.‏

يجب علينا التفكر وا لتمعن حتي يتسني لنا فهم الأمور فهما صحيحا يتفق مع الحق الذي هو جوهر الدين‏,‏ وحين نفتح أعيننا للحق نري جمال الدين بوضوح‏,‏ إذ إنه لا يمكن أن يتنافي الحق مع الرحمة أو العدل‏.‏ فالله خلق الإنسان من ذكر وانثي وجعل بينهم مودة ورحمة‏,‏ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة‏,‏ إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون الروم آية‏21,‏ فالسكينة معناها الطمأنينة والسلام‏,‏ أما المودة والرحمة فهما الحب والخوف علي مشاعر الزوج للزوجة‏,‏ والزوجة للزوج‏,‏ تلك العواطف التي تؤسس معها بشرية سمحة‏,‏ صالحة‏,‏ محبة للخير والحق‏,‏ تلك البشرية التي منحنا الله مقوماتها في القرآن الكريم فبالله عليكم ألا تتفكرون؟‏!.‏
أميرة أبوطالب
دراسات عليا في الدراسات الإسلامية

*‏ المحرر‏:‏
نشرت رأيك رغبة في إثراء الحوار علي الرغم من تحفظي علي تفسيرك للآيات القرآنية والروايات التاريخية التي تصل بتعدد الزواج إلي حد التحريم وبهذا لم يقل أحد من علمائنا وهذا لا يعني أيضا قبول هذا التعدد علي إطلاقه‏.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق