الثلاثاء، ٣١ يوليو ٢٠١٢

أضعف الإيمان

17-10-2008
أنا أرملة شابة عمري‏35‏ عاما‏,‏ أم لثلاثة أطفال‏,‏ ضحيت بنفسي وبشبابي من أجلهم مرغمة‏,‏ بعد أن حرمت من الحلال بسبب القوانين الظالمة‏,‏ التي أدعوك لمناقشتها‏,‏ ليس من أجلي ـ فقد اخترت طريقي ـ ولكن من أجل نساء كثيرات يقتربن من الأمور المشتبهات لأن القوانين تعاقبهن علي الحلال‏.‏

أكتب إليك بعد أن قرأت رسالة نصف ساعة زواج وردك علي صاحبة الرسالة‏,‏ ووجدتك تلومها وتعاتبها علي ما فعلت ـ وأنت محق في ذلك ـ ولكن استوقفني تحريمك القاطع للزواج العرفي‏,‏ وكنت إلي وقت قريب أؤمن بذلك ومقتنعة به كل الاقتناع‏,‏ وأسأل نفسي ما الذي يجعل مطلقة أو أرملة تلجأ إلي هذا الحل الذي يثير الشبهات ويعرضها لمشكلات جمة‏,‏ وأمامها الحلال سهل وهين‏.‏ وكنت أفسر ذلك بأنه حيل من الرجال للهروب من المسئولية‏,‏ أو خوف من زوجاتهم‏,‏ أو استهتار بالمرأة التي يشتهونها حتي يسهل لهم التخلص منها بمجرد تمزيق الورقة‏.‏

أقول لك‏,‏ كنت مؤمنة بكل هذا إلي أن حدث لي ما جعلني ممزقة حائرة‏,‏ ووجدتني متعاطفة مع المرأة التي تلجأ إلي هذا الحل‏,‏ ودعني أحكي لك سبب هذا التغير في تفكيري‏.‏

سيدي‏..‏ تزوجت منذ سنوات من إنسان رائع‏,‏ عشت معه أحلي أيام حياتي‏,‏ كان حنونا‏,‏ كريما‏,‏ وصديقا لرحلة أيامي‏,‏ تلك الرحلة التي أنجبناخلالها ثلاثة من الأبناء‏.‏ لم أكن أعرف أن السعادة عمرها قصير‏,‏ وأن الحزن مختبيء بأنيابه خلف كل ضحكة ضحكناها‏.‏

فجأة انقلبت حياتنا إلي بؤس وعذاب‏,‏ عندما اكتشفنا مرض زوجي الشاب بالمرض اللعين السرطان‏..‏ هكذا فجأة طارت السعادة‏,‏ وأصبح الألم سادسنا في البيت‏..‏ جاء المرض شرسا‏,‏ نطارده ويطاردنا في المستشفيات الحكومية والخاصة‏,‏ في داخل مصر وخارجها‏.‏

شهور قضيناها‏,‏ أري زوجي الحبيب ينهار أمامي‏,‏ تخور قواه‏,‏ يؤلمه عجزه وضعفه‏,‏ ينظر إلي بعينين تملؤهما الشفقة والعطف‏,‏ يعتذر لي عما سببه من ألم وإرهاق‏,‏ وأعتذر له لعجزي وعدم مقاسمته آلامه‏,‏ كما اعتدنا في كل شيء‏.‏

كنت أنظر له وأنظر لأطفالي الصغار‏,‏ وأنا لا أصدق أن شريك حياتي سيتركنا سريعا‏,‏ لنواجه الحياة بمفردنا‏..‏ استحلفته أن يقاوم‏,‏ أن يبقي لنا ومعنا‏,‏ كان ـ كما كنا ـ يتمني ولكن إرادة الله وقدره كانا أقوي من أي رغبة لنا‏.‏

تخيل ـ يا سيدي ـ امرأة تجد نفسها وحيدة بلا رجل عمرها‏,‏ بلا خبرة في الحياة‏,‏ خارجة من تجربة قاسية مع مرض لا يعرف الرحمة‏,‏ يستنزف الانسان نفسيا وماديا‏,‏ مسئولة عن ثلاثة أطفال صغار‏,‏ وتعيش في محافظة أخري غير التي تعيش فيها أسرتها‏.‏

لا يمكن لانسان أن يحس بما تعانيه امرأة وحيدة مع أطفالها غريبة في بلد لا تعرف فيه أحدا‏,‏ تصاب بالفزع إذا انقطعت الكهرباء في ليل الشتاء‏..‏ تكاد قلوبنا تقف من مواء قطة أو طرقة علي الباب‏.‏

هل الزواج ـ سيدي ـ لامرأة مثلي حرام؟‏.

القانون في بلادنا يقول ذلك‏,‏ فإذا تزوجت علي سنة الله ورسوله وعلي الملأ‏,‏ سيسارع أشقاء زوجي لسحب الوصاية مني والاستيلاء علي أموال أطفالي القصر‏,‏ ومساومتي علي الحضانة‏,‏ لأن أمي متوفاة وليس لي إخوة‏.‏ هل تصدق أن القانون ينص في حالة زواج الأم الحاضنة‏,‏ تسحب منها الحضانة إلي أمها ـ إن وجدت ـ ثم إلي أم زوجها ثم الخالة والعمة وهكذا‏,‏ يعني أي واحد في العائلة إلا الأم الآثمة‏,‏ التي أرادت أن تعف نفسها وتجد من يشاركها شقاء الأيام وتربية الصغار‏.‏


هل هذا معقول؟ زواج الأم يؤكد عدم أهليتها لتربية أبنائها؟

دون إثبات عدم مقدرتها هي أو زوجها الذي اختارته لهذه المهمة؟

ماذا يمكن أن تفعل المرأة ـ الأم ـ في هذه الحالة؟


إما أن ترضي بهذا الظلم‏,‏ وتعيش محرومة ومقهورة‏,‏ أو تستسلم لغواية الشيطان‏,‏ وإما أن تلجأ إلي أضعف الإيمان بالزواج العرفي بمعرفة أهلها‏,‏ لتعف نفسها وتحتفظ بحضانة أطفالها‏.‏


سيدي‏.. ‏ هل هناك حل ثالث‏,‏ وهل من تفعل ذلك تكون آثمة؟

بالنسبة لي‏,‏ استعوضت الله في شبابي وعمري‏,‏ قبرتهما بيدي‏,‏ وسوف أعيش ما حييت من أجل أبنائي‏,‏ ولكن ماذا عن غيري من النسوة اللائي لا يقدرن علي اتخاذ هذا القرار؟‏!‏

*‏ سيدتي‏..‏ نكأت جرحا غائرا في حياتنا‏,‏ نراه ونعايشه ولا نواجهه‏..‏ نعم فمثل هذا القانون ظالم‏,‏ ويحتاج إلي تعديل وإعادة صياغة‏,‏ وليت المجلس القومي للأمومة والطفولة يتبني تغييره ـ كما غير قوانين أخري ـ فليس من العدل ولا الدين أن تستبعد الأم من الوصاية أو حضانة أطفالها لمجرد أنها تزوجت‏.‏

أما عن الزواج العرفي‏,‏ فلست أنا الذي حرمته‏,‏ ولكن دار الإفتاء المصرية وعلماء الأزهر الشريف هم الذين قطعوا بحرمانيته‏,‏ ولا يجوز التعميم في الأحكام الدينية علي كل الحالات‏.‏ وحسب معلوماتي أن المحرم هو الزواج السري‏,‏ الذي يشترط فيه الكتمان والإخفاء عن الناس‏,‏ أو غياب الولي ـ في حالة البكر ـ وهذا ما يفعله الشباب الصغار‏,‏ وتقع فيه البنات معتقدة أنه زواج صحيح‏,‏ ولا تفيق إلا بعد وقوع كارثة تهدم حياتها وحياة أسرتها‏.‏

وبعيدا عن مسميات الزواج ـ التي أصبحت متعددة ـ فإن الزواج الصحيح هو الذي يتوافر له شرط الإشهار والعلانية‏,‏ وليت كل من يريد الزواج بطريق مختلف عن المحدد قانونا وشرعا‏,‏ أن يستفتي أهل العلم في دار الإفتاء أو الأزهر الشريف‏,‏ حتي يطمئن قلبه‏,‏ ويتأكد من أن زواجه ليس فاسدا أو باطلا‏.‏ ودعيني أسألك‏,‏ لماذا يكون الزواج عرفيا‏,‏ إذا كان الأهل والجيران والأصدقاء سيعرفون؟ أليس الهدف من ذلك هو عدم معرفة أهل الزوج المطلق أو الراحل‏,‏ فلماذا لا يكون الزواج رسميا‏,‏ مكتمل الأركان‏,‏ وأمام نفس الاشخاص‏,‏ مع الحرص علي كتمان الخبر عمن تريدون إخفاءه عنهم؟ وإن كانت التجارب تؤكد أن لا شيء خاصة مثل الزواج ـ عرفيا أو رسميا ـ يمكن إخفاؤه طويلا‏,‏ وإن كان الزواج الرسمي أكثر حفاظا علي سمعة المرأة وكرامتها وكرامة أبنائها‏.‏

سيدتي‏..‏
أقدر مشاعرك النبيلة تجاه زوجك الراحل ومعاناتك معه‏,‏ وعلي الرغم من إعلانك تفرغك لتربية أبنائك‏,‏ وأن هذا الاختيار بما فيه تضحية ـ لمن يقدر ـ عظيمة‏,‏ إلا أني أستشعر من كلماتك في الرسالة وتوقيعك الأخير أرملة حزينة علي عمرها الذي ضاع أنك تعانين من الوحدة ولديك رغبة داخلية في الزواج‏,‏ لذا فإني أطالبك بعدم إغلاق هذا الباب‏,‏ إذا وجدت رجلا صالحا‏,‏ يعفك ويراعي الله فيك وفي أولادك‏,‏

وحتي يحدث هذا‏,‏ مدي حبال الود إلي أهل زوجك الراحل‏,‏ حتي إذا حدث ذلك يمكنك مفاتحتهم في الأمر‏,‏ مع التعهد لهم بأنك لن تستمري مع إنسان قد يسيء يوما إلي أولادك‏.‏ أعرف أن الأمر صعب لكنه ليس مستحيلا‏,‏ فالأبواب الموصدة تلين بالطرق‏,‏ فما بالنا بالقلوب‏.‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق