17-10-2008
أنا أرملة شابة عمري35 عاما, أم لثلاثة أطفال, ضحيت بنفسي وبشبابي من أجلهم مرغمة, بعد أن حرمت من الحلال بسبب القوانين الظالمة, التي أدعوك لمناقشتها, ليس من أجلي ـ فقد اخترت طريقي ـ ولكن من أجل نساء كثيرات يقتربن من الأمور المشتبهات لأن القوانين تعاقبهن علي الحلال.
أكتب إليك بعد أن قرأت رسالة نصف ساعة زواج وردك علي صاحبة الرسالة, ووجدتك تلومها وتعاتبها علي ما فعلت ـ وأنت محق في ذلك ـ ولكن استوقفني تحريمك القاطع للزواج العرفي, وكنت إلي وقت قريب أؤمن بذلك ومقتنعة به كل الاقتناع, وأسأل نفسي ما الذي يجعل مطلقة أو أرملة تلجأ إلي هذا الحل الذي يثير الشبهات ويعرضها لمشكلات جمة, وأمامها الحلال سهل وهين. وكنت أفسر ذلك بأنه حيل من الرجال للهروب من المسئولية, أو خوف من زوجاتهم, أو استهتار بالمرأة التي يشتهونها حتي يسهل لهم التخلص منها بمجرد تمزيق الورقة.
أقول لك, كنت مؤمنة بكل هذا إلي أن حدث لي ما جعلني ممزقة حائرة, ووجدتني متعاطفة مع المرأة التي تلجأ إلي هذا الحل, ودعني أحكي لك سبب هذا التغير في تفكيري.
سيدي.. تزوجت منذ سنوات من إنسان رائع, عشت معه أحلي أيام حياتي, كان حنونا, كريما, وصديقا لرحلة أيامي, تلك الرحلة التي أنجبناخلالها ثلاثة من الأبناء. لم أكن أعرف أن السعادة عمرها قصير, وأن الحزن مختبيء بأنيابه خلف كل ضحكة ضحكناها.
فجأة انقلبت حياتنا إلي بؤس وعذاب, عندما اكتشفنا مرض زوجي الشاب بالمرض اللعين السرطان.. هكذا فجأة طارت السعادة, وأصبح الألم سادسنا في البيت.. جاء المرض شرسا, نطارده ويطاردنا في المستشفيات الحكومية والخاصة, في داخل مصر وخارجها.
شهور قضيناها, أري زوجي الحبيب ينهار أمامي, تخور قواه, يؤلمه عجزه وضعفه, ينظر إلي بعينين تملؤهما الشفقة والعطف, يعتذر لي عما سببه من ألم وإرهاق, وأعتذر له لعجزي وعدم مقاسمته آلامه, كما اعتدنا في كل شيء.
كنت أنظر له وأنظر لأطفالي الصغار, وأنا لا أصدق أن شريك حياتي سيتركنا سريعا, لنواجه الحياة بمفردنا.. استحلفته أن يقاوم, أن يبقي لنا ومعنا, كان ـ كما كنا ـ يتمني ولكن إرادة الله وقدره كانا أقوي من أي رغبة لنا.
تخيل ـ يا سيدي ـ امرأة تجد نفسها وحيدة بلا رجل عمرها, بلا خبرة في الحياة, خارجة من تجربة قاسية مع مرض لا يعرف الرحمة, يستنزف الانسان نفسيا وماديا, مسئولة عن ثلاثة أطفال صغار, وتعيش في محافظة أخري غير التي تعيش فيها أسرتها.
لا يمكن لانسان أن يحس بما تعانيه امرأة وحيدة مع أطفالها غريبة في بلد لا تعرف فيه أحدا, تصاب بالفزع إذا انقطعت الكهرباء في ليل الشتاء.. تكاد قلوبنا تقف من مواء قطة أو طرقة علي الباب.
هل الزواج ـ سيدي ـ لامرأة مثلي حرام؟.
القانون في بلادنا يقول ذلك, فإذا تزوجت علي سنة الله ورسوله وعلي الملأ, سيسارع أشقاء زوجي لسحب الوصاية مني والاستيلاء علي أموال أطفالي القصر, ومساومتي علي الحضانة, لأن أمي متوفاة وليس لي إخوة. هل تصدق أن القانون ينص في حالة زواج الأم الحاضنة, تسحب منها الحضانة إلي أمها ـ إن وجدت ـ ثم إلي أم زوجها ثم الخالة والعمة وهكذا, يعني أي واحد في العائلة إلا الأم الآثمة, التي أرادت أن تعف نفسها وتجد من يشاركها شقاء الأيام وتربية الصغار.
هل هذا معقول؟ زواج الأم يؤكد عدم أهليتها لتربية أبنائها؟
دون إثبات عدم مقدرتها هي أو زوجها الذي اختارته لهذه المهمة؟
ماذا يمكن أن تفعل المرأة ـ الأم ـ في هذه الحالة؟
إما أن ترضي بهذا الظلم, وتعيش محرومة ومقهورة, أو تستسلم لغواية الشيطان, وإما أن تلجأ إلي أضعف الإيمان بالزواج العرفي بمعرفة أهلها, لتعف نفسها وتحتفظ بحضانة أطفالها.
سيدي.. هل هناك حل ثالث, وهل من تفعل ذلك تكون آثمة؟
بالنسبة لي, استعوضت الله في شبابي وعمري, قبرتهما بيدي, وسوف أعيش ما حييت من أجل أبنائي, ولكن ماذا عن غيري من النسوة اللائي لا يقدرن علي اتخاذ هذا القرار؟!
* سيدتي.. نكأت جرحا غائرا في حياتنا, نراه ونعايشه ولا نواجهه.. نعم فمثل هذا القانون ظالم, ويحتاج إلي تعديل وإعادة صياغة, وليت المجلس القومي للأمومة والطفولة يتبني تغييره ـ كما غير قوانين أخري ـ فليس من العدل ولا الدين أن تستبعد الأم من الوصاية أو حضانة أطفالها لمجرد أنها تزوجت.
أما عن الزواج العرفي, فلست أنا الذي حرمته, ولكن دار الإفتاء المصرية وعلماء الأزهر الشريف هم الذين قطعوا بحرمانيته, ولا يجوز التعميم في الأحكام الدينية علي كل الحالات. وحسب معلوماتي أن المحرم هو الزواج السري, الذي يشترط فيه الكتمان والإخفاء عن الناس, أو غياب الولي ـ في حالة البكر ـ وهذا ما يفعله الشباب الصغار, وتقع فيه البنات معتقدة أنه زواج صحيح, ولا تفيق إلا بعد وقوع كارثة تهدم حياتها وحياة أسرتها.
وبعيدا عن مسميات الزواج ـ التي أصبحت متعددة ـ فإن الزواج الصحيح هو الذي يتوافر له شرط الإشهار والعلانية, وليت كل من يريد الزواج بطريق مختلف عن المحدد قانونا وشرعا, أن يستفتي أهل العلم في دار الإفتاء أو الأزهر الشريف, حتي يطمئن قلبه, ويتأكد من أن زواجه ليس فاسدا أو باطلا. ودعيني أسألك, لماذا يكون الزواج عرفيا, إذا كان الأهل والجيران والأصدقاء سيعرفون؟ أليس الهدف من ذلك هو عدم معرفة أهل الزوج المطلق أو الراحل, فلماذا لا يكون الزواج رسميا, مكتمل الأركان, وأمام نفس الاشخاص, مع الحرص علي كتمان الخبر عمن تريدون إخفاءه عنهم؟ وإن كانت التجارب تؤكد أن لا شيء خاصة مثل الزواج ـ عرفيا أو رسميا ـ يمكن إخفاؤه طويلا, وإن كان الزواج الرسمي أكثر حفاظا علي سمعة المرأة وكرامتها وكرامة أبنائها.
سيدتي..
أقدر مشاعرك النبيلة تجاه زوجك الراحل ومعاناتك معه, وعلي الرغم من إعلانك تفرغك لتربية أبنائك, وأن هذا الاختيار بما فيه تضحية ـ لمن يقدر ـ عظيمة, إلا أني أستشعر من كلماتك في الرسالة وتوقيعك الأخير أرملة حزينة علي عمرها الذي ضاع أنك تعانين من الوحدة ولديك رغبة داخلية في الزواج, لذا فإني أطالبك بعدم إغلاق هذا الباب, إذا وجدت رجلا صالحا, يعفك ويراعي الله فيك وفي أولادك,
وحتي يحدث هذا, مدي حبال الود إلي أهل زوجك الراحل, حتي إذا حدث ذلك يمكنك مفاتحتهم في الأمر, مع التعهد لهم بأنك لن تستمري مع إنسان قد يسيء يوما إلي أولادك. أعرف أن الأمر صعب لكنه ليس مستحيلا, فالأبواب الموصدة تلين بالطرق, فما بالنا بالقلوب. وإلي لقاء بإذن الله.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الثلاثاء، ٣١ يوليو ٢٠١٢
أضعف الإيمان
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق