الثلاثاء، ٣١ يوليو ٢٠١٢

كيف أحيا ؟‏!

25-12-2009
أنا سيدة من إحدي الدول العربية‏,‏ أكتب إليك لأني أشعر بنفسي في مفترق طرق‏,‏ أو لكي أكون أكثر دقة‏,‏ في منحني خطر‏,‏ وأخشي أن يجرفني تيار الاحتياج والغضب والعمر الي المنحدر‏,‏ وأنا التي عشت عمري في القمة دوما‏.‏

تزوجت منذ‏20‏ عاما من شاب وسيم كان في بداية حياته العملية بعد تخرجه في كلية الهندسة‏,‏ وعلي الرغم من اعتراض أسرتي عليه بسبب ضعف إمكاناته المادية والفوارق الاجتماعية إلا أني أصررت علي الزواج به‏,‏ فقد أحببته حبا كبيرا لأنه كان أول رجل أعرفه في حياتي‏,‏ وأنا بطبيعتي إنسانة رومانسية حالمة‏,‏ يمثل الحب بالنسبة لي أهمية تفوق بكثير

المنصب أو المال أو الحياة المرفهة‏.‏

تزوجنا وعشت سنواتي الأولي سعيدة‏,‏ وبدأ نجم زوجي يلمع ويعلو‏,‏ وجاءتنا ابنتنا الأولي‏,‏ وكانت وجه السعد علينا‏,‏ فانتقلنا إلي شقة أوسع في مكان أرقي‏,‏ ولكن يبدو أن السعادة ليست في العز ولا في الجاه‏,‏ وكأن هناك ارتباطا ما‏,‏ إذا جاء الفرح من جانب‏,‏ لابد أن تدفع من سعادتك نصيبا‏.‏

أحسست ياسيدي أن زوجي يخونني‏,‏ لا تسألني كيف‏,‏ فالمرأة تحس بزوجها‏,‏ بعدم ارتياح‏,‏ ببعض الاشارات‏,‏ برائحة مختلفة‏,‏ بنظرات عينيه‏,‏ المهم أحسست وبدأت في مطاردة إحساسي‏.‏

ثلاث سنوات وأنا أطارده وهو لايدري‏,‏ كان شديد الذكاء‏,‏ مراوغا محترفا‏..‏ بعد عشر سنوات من الزواج اكتشفت انه يخونني‏,‏ وأين؟ علي فراشي‏,‏ في بيتي‏,‏ ومع من؟ لا فرق مع كثيرات‏,‏ عميلات من المكتب‏,‏ صديقات لي‏,‏ زوجات أصدقائه وقريباته؟

قد تغضب المرأة من زوجها الخائن‏,‏ تثور‏,‏ تنفعل‏,‏ تبحث عن الانفصال‏,‏ لكن شيئا ما يبقي بداخلها اذا كانت تحب هذا الرجل وتحترمه‏,‏ وتغفر له عندما تراها نزوة أو مغامرة أو مللا زوجيا‏,‏ ولكن مع زوجي ورغم حبي له الا اني احتقرته تماما‏,‏ فقد احترامي مع حبي في ضربة واحدة‏,‏ شعرت بأنه دنيء ليس لديه أي رادع أخلاقي‏,‏ ممثل بارع‏,‏

وخائن بامتياز‏.‏

تأزم الموقف بيننا‏,‏ وطالبته بالطلاق‏,‏ ولكني كنت وحيدة في مواجهته لان أهلي تخلوا عني وقالوا لي ادفعي ثمن اختيارك‏,‏ لديك بنت وولد من يعولهما‏,‏ لا تدري أي إحساس مذل تشعر به امرأة جميلة‏,‏ أو حتي غير جميلة‏,‏ ومضحية ومحبة‏,‏ عندما تجد نفسها مضطرة للاستمرار في الحياة مع رجل مدنس خائن لا تحبه‏.‏

عشت معه تحت سقف بيت واحد وكأننا غريبان‏,‏ حرصنا فقط علي صورتنا أمام طفلينا وأمام الناس‏,‏ أما في الواقع فقد كانت حياتنا باردة تماما‏,‏ وبعد امتناع ما يقرب من عام‏,‏ وافقت علي أن أمنحه حقوقه الزوجية بعد تذلله وبكائه تحت قدمي‏,‏ لم أكن أشعر به‏,‏ بل الحقيقة كنت أشعر بالقرف منه‏,‏ فكنت أترك له نفسي وأغمض عيني وأذهب بعيدا‏,‏ حيث

لا يكون‏,‏ وحيث أنوثتي المهانة ومشاعري المحطمة‏.‏

أعوام مرت والمسافة بيننا تتباعد علي كل المستويات‏,‏ وجدت نفسي أحيا من أجل طفلي فقط‏,‏ فقلت‏:‏ هل أفقد الدنيا والآخرة؟ توجهت الي الله بكل طاقتي‏,‏ حفظت القرآن‏,‏ وحججت وارتديت الحجاب فشعرت بأن لحياتي معني بعد ان تمكن الإيمان من قلبي‏,‏ ولكن هل يستطيع الانسان ان يصبح ملاكا‏,‏ أو يتجرد بسهولة من آدميته واحتياجاته ويسمو

فوق كل الغرائز؟‏!‏

سيدي‏..‏ كانت علاقتنا الزوجية تتضاءل وتتباعد بسرعة مذهلة حتي انقطعت تماما منذ سنوات بسبب مرض ما ألم بزوجي‏,‏ ومع المرض والعجز والانكسار‏,‏ تغير زوجي‏,‏ أصبح يعتذر لي كل صباح‏,‏ يقبل يدي ويطلب مني العفو والسماح‏..‏ يقول لي ان الله يغفر‏,‏ أفلا تغفرين؟ تقرب هو الآخر الي الله‏,‏ لم يترك فرضا‏,‏ بدأ يحرص علي حفظ

القرآن ويعلن الندم علي مافاته‏,‏ ولكن بعد أن فات ومات إحساسي به وقدرتي علي العفو والسماح‏.‏

سيدي‏..‏ أين الأزمة أو لحظة التنوير ـ كما يقولون ـ في القصة‏,‏ سأعترف لك‏:‏ عمري الآن لامس الأربعين أو تجاوزها‏,‏ كبرت ابنتي وتمت خطبتها‏,‏ وابني يعيش قصة حب‏,‏ وزوجي منهمك في تدينه وعمله واعتذاراته‏,‏ أما أنا فأشعر بفراغ رهيب‏,‏ احتياجي للحب والمشاعر والكلمة الحلوة يجتاحني‏,‏ عندما أسمع كلمة حلوة‏,‏ غزل من أي شخص

أشعر بالضعف‏,‏ العمر يتسرب من بين يدي وقد عشت محرومة من أشياء كثيرة‏,‏ أغار من حب ابني ومشاعرهما وأتمني أن أفعل مثلهما‏,‏ ولكني أعرف الله وأخشاه ولا أقدر علي معصيته‏,‏ وفي نفس الوقت زوجي يرفض الطلاق‏,‏ كما أراه أمرا صعبا بعد أن كبر ابناي‏,‏ خياران كلاهما مر‏,‏ ولكني ممزقة‏,‏ معذبة‏,‏ ومبعثرة‏,‏ لا أدري إلي أين

تأخذني أيامي ولا كيف أستعيد سعادتي الداخلية‏,‏ فقل لي بربك كيف أحيا ولماذا؟

*‏ سيدتي‏..‏ لا أعتقد أنك في حاجة الي مزيد من صب اللعنات علي الخيانة وماتفعله في النفوس‏,‏ ولا الحديث عن الجرم الذي ارتكبه زوجك في حق ربه

ثم نفسه وحقك‏..‏ ولست في حاجة أيضا لأن أقول لك وماذا عساه أن يفعل ؟‏..‏ ندم وتاب وعاد الي ربه يطلب مغفرته كما يطلب عفوك خاصة بعد أن ابتلاه الله أو انتقم منه بمرضه ؟‏..‏ أسمعك تسألينني‏:‏ وماذا جنيت أنا؟‏,‏ وهل كل رجل يذهب‏,‏ فيخطيء ويدمر أسرته ويؤذي من أحبه‏,‏ فيستغفر ويتوب‏,‏ فنغفر له ونتجاوز عما فعل و يادار مادخلك

شر‏.‏ فالله ـ علا شأنه وتجلت قدراته ـ يعفو ويغفر الخطايا‏,‏ أما نحن كبشر فيصعب علينا ذلك ولكل منا طاقته وقدرته‏.‏

وأرد عليك إذا لم تغفري وتتجاوزي وتتعايشي‏,‏ كيف تحيين ؟ وهذا يدفعني مباشرة الي سؤالك الأخير‏,‏ الذي هو مبرر رسالتك وسر أزمتك‏.‏

سيدتي‏..‏ نحن لا نحيا فقط كي نحب رجلا أو امرأة‏,‏ ولا نحيا فقط كي نستمتع بغرائزنا حتي لو كانت في الحلال‏..‏ فكل شيء في الحياة رزق‏,‏ الحب كما الجنس‏,‏ الصحة كما الثروة‏..‏ فماذا تفعلين إذا كان هذا رزقك ؟‏..‏ نحيا لنعمر الأرض بأبنائنا‏,‏ ومالم نعشه نحاول توفيره لهم حتي لا يعانوا ماعانيناه‏.‏

هذا اختيار ـ سيدتي ـ الأفضل لنا أن يكون بإرادتنا حتي نستطيع التعايش والاستمرار في الحياة‏,‏ وإلا صار فرضا وأمرا واقعا‏,‏ فنعيش مرغمين متألمين‏,‏ أما الخيار الآخر والذي أعرف أنك لا تقبلينه فهو اختيار الخيانة بديلا‏,‏ أي ترتكبين نفس جرم زوجك‏,‏ وهنا قد تسألينني‏:‏ ألم تقل أن ـ حتي ـ هذه العلاقة رزق‏,‏ فماذا سيكون اسمها في هذه الحالة ؟ وهذا

يذكرني بتفسير لفضيلة الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي مامعناه أن اللص عندما يسرق المال فإنما يحصل علي رزقه المقدر له والذي لو صبر لذهب إليه حلالا‏,‏ ولكنه اختار أن يحصل عليه عن طريق الحرام‏..‏ هل فهمت المعني ؟ لو كان رزقك وترفضينه حراما‏,‏ سيأتيك حتما بالحلال‏..‏ فربما يشفي الله زوجك وينقي قلبك تجاهه وهو القادر علي

كل شيء‏,‏ وربما إذا عجزت عن مقاومة رغباتك‏,‏ وقررت أن يكون الانفصال هو إختيارك‏,‏ يكون لك نصيب مع رجل آخر‏,‏ المهم أن تتجه النية كاملة الي الحلال‏,‏ ولا تجعلي الحرام أحد الاختيارات المطروحة‏.‏

سيدتي‏..‏ أتفهم الإحساس بالعمر‏,‏ والرغبة في الانتقام‏..‏ أتفهم أيضا أن الطلاق خيار صعب بالنسبة لك‏,‏ ولكن حتي لا تعيشي معذبة‏,‏ وسعي دائرة رؤيتك ولا تحصريها في احتياجك الخاص‏..‏ ركزي أكثر في مناقشة قضية العفو عن زوجك‏,‏ عن الاستمتاع بما هو متاح عن الهروب من التفكير فيما ينقصك إلي التأمل فيما بين يديك‏,‏ فالإنسان لا

يملك كل شيء‏,‏ وكما قلت إذا حصل علي شيء من نعم الدنيا الزائلة يفقد شيئا آخر ربما يكون أهم وأغلي‏,‏ والأيام ـ سيدتي ـ ستمر حتما سواء استمتعت بما بين يديك أو حرمت منه‏..‏ أعانك الله وثبتك وغفر لزوجك ولنا جميعا وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق