25-12-2009
أنا سيدة من إحدي الدول العربية, أكتب إليك لأني أشعر بنفسي في مفترق طرق, أو لكي أكون أكثر دقة, في منحني خطر, وأخشي أن يجرفني تيار الاحتياج والغضب والعمر الي المنحدر, وأنا التي عشت عمري في القمة دوما.
تزوجت منذ20 عاما من شاب وسيم كان في بداية حياته العملية بعد تخرجه في كلية الهندسة, وعلي الرغم من اعتراض أسرتي عليه بسبب ضعف إمكاناته المادية والفوارق الاجتماعية إلا أني أصررت علي الزواج به, فقد أحببته حبا كبيرا لأنه كان أول رجل أعرفه في حياتي, وأنا بطبيعتي إنسانة رومانسية حالمة, يمثل الحب بالنسبة لي أهمية تفوق بكثير
المنصب أو المال أو الحياة المرفهة.
تزوجنا وعشت سنواتي الأولي سعيدة, وبدأ نجم زوجي يلمع ويعلو, وجاءتنا ابنتنا الأولي, وكانت وجه السعد علينا, فانتقلنا إلي شقة أوسع في مكان أرقي, ولكن يبدو أن السعادة ليست في العز ولا في الجاه, وكأن هناك ارتباطا ما, إذا جاء الفرح من جانب, لابد أن تدفع من سعادتك نصيبا.
أحسست ياسيدي أن زوجي يخونني, لا تسألني كيف, فالمرأة تحس بزوجها, بعدم ارتياح, ببعض الاشارات, برائحة مختلفة, بنظرات عينيه, المهم أحسست وبدأت في مطاردة إحساسي.
ثلاث سنوات وأنا أطارده وهو لايدري, كان شديد الذكاء, مراوغا محترفا.. بعد عشر سنوات من الزواج اكتشفت انه يخونني, وأين؟ علي فراشي, في بيتي, ومع من؟ لا فرق مع كثيرات, عميلات من المكتب, صديقات لي, زوجات أصدقائه وقريباته؟
قد تغضب المرأة من زوجها الخائن, تثور, تنفعل, تبحث عن الانفصال, لكن شيئا ما يبقي بداخلها اذا كانت تحب هذا الرجل وتحترمه, وتغفر له عندما تراها نزوة أو مغامرة أو مللا زوجيا, ولكن مع زوجي ورغم حبي له الا اني احتقرته تماما, فقد احترامي مع حبي في ضربة واحدة, شعرت بأنه دنيء ليس لديه أي رادع أخلاقي, ممثل بارع,
وخائن بامتياز.
تأزم الموقف بيننا, وطالبته بالطلاق, ولكني كنت وحيدة في مواجهته لان أهلي تخلوا عني وقالوا لي ادفعي ثمن اختيارك, لديك بنت وولد من يعولهما, لا تدري أي إحساس مذل تشعر به امرأة جميلة, أو حتي غير جميلة, ومضحية ومحبة, عندما تجد نفسها مضطرة للاستمرار في الحياة مع رجل مدنس خائن لا تحبه.
عشت معه تحت سقف بيت واحد وكأننا غريبان, حرصنا فقط علي صورتنا أمام طفلينا وأمام الناس, أما في الواقع فقد كانت حياتنا باردة تماما, وبعد امتناع ما يقرب من عام, وافقت علي أن أمنحه حقوقه الزوجية بعد تذلله وبكائه تحت قدمي, لم أكن أشعر به, بل الحقيقة كنت أشعر بالقرف منه, فكنت أترك له نفسي وأغمض عيني وأذهب بعيدا, حيث
لا يكون, وحيث أنوثتي المهانة ومشاعري المحطمة.
أعوام مرت والمسافة بيننا تتباعد علي كل المستويات, وجدت نفسي أحيا من أجل طفلي فقط, فقلت: هل أفقد الدنيا والآخرة؟ توجهت الي الله بكل طاقتي, حفظت القرآن, وحججت وارتديت الحجاب فشعرت بأن لحياتي معني بعد ان تمكن الإيمان من قلبي, ولكن هل يستطيع الانسان ان يصبح ملاكا, أو يتجرد بسهولة من آدميته واحتياجاته ويسمو
فوق كل الغرائز؟!
سيدي.. كانت علاقتنا الزوجية تتضاءل وتتباعد بسرعة مذهلة حتي انقطعت تماما منذ سنوات بسبب مرض ما ألم بزوجي, ومع المرض والعجز والانكسار, تغير زوجي, أصبح يعتذر لي كل صباح, يقبل يدي ويطلب مني العفو والسماح.. يقول لي ان الله يغفر, أفلا تغفرين؟ تقرب هو الآخر الي الله, لم يترك فرضا, بدأ يحرص علي حفظ
القرآن ويعلن الندم علي مافاته, ولكن بعد أن فات ومات إحساسي به وقدرتي علي العفو والسماح.
سيدي.. أين الأزمة أو لحظة التنوير ـ كما يقولون ـ في القصة, سأعترف لك: عمري الآن لامس الأربعين أو تجاوزها, كبرت ابنتي وتمت خطبتها, وابني يعيش قصة حب, وزوجي منهمك في تدينه وعمله واعتذاراته, أما أنا فأشعر بفراغ رهيب, احتياجي للحب والمشاعر والكلمة الحلوة يجتاحني, عندما أسمع كلمة حلوة, غزل من أي شخص
أشعر بالضعف, العمر يتسرب من بين يدي وقد عشت محرومة من أشياء كثيرة, أغار من حب ابني ومشاعرهما وأتمني أن أفعل مثلهما, ولكني أعرف الله وأخشاه ولا أقدر علي معصيته, وفي نفس الوقت زوجي يرفض الطلاق, كما أراه أمرا صعبا بعد أن كبر ابناي, خياران كلاهما مر, ولكني ممزقة, معذبة, ومبعثرة, لا أدري إلي أين
تأخذني أيامي ولا كيف أستعيد سعادتي الداخلية, فقل لي بربك كيف أحيا ولماذا؟
* سيدتي.. لا أعتقد أنك في حاجة الي مزيد من صب اللعنات علي الخيانة وماتفعله في النفوس, ولا الحديث عن الجرم الذي ارتكبه زوجك في حق ربه
ثم نفسه وحقك.. ولست في حاجة أيضا لأن أقول لك وماذا عساه أن يفعل ؟.. ندم وتاب وعاد الي ربه يطلب مغفرته كما يطلب عفوك خاصة بعد أن ابتلاه الله أو انتقم منه بمرضه ؟.. أسمعك تسألينني: وماذا جنيت أنا؟, وهل كل رجل يذهب, فيخطيء ويدمر أسرته ويؤذي من أحبه, فيستغفر ويتوب, فنغفر له ونتجاوز عما فعل و يادار مادخلك
شر. فالله ـ علا شأنه وتجلت قدراته ـ يعفو ويغفر الخطايا, أما نحن كبشر فيصعب علينا ذلك ولكل منا طاقته وقدرته.
وأرد عليك إذا لم تغفري وتتجاوزي وتتعايشي, كيف تحيين ؟ وهذا يدفعني مباشرة الي سؤالك الأخير, الذي هو مبرر رسالتك وسر أزمتك.
سيدتي.. نحن لا نحيا فقط كي نحب رجلا أو امرأة, ولا نحيا فقط كي نستمتع بغرائزنا حتي لو كانت في الحلال.. فكل شيء في الحياة رزق, الحب كما الجنس, الصحة كما الثروة.. فماذا تفعلين إذا كان هذا رزقك ؟.. نحيا لنعمر الأرض بأبنائنا, ومالم نعشه نحاول توفيره لهم حتي لا يعانوا ماعانيناه.
هذا اختيار ـ سيدتي ـ الأفضل لنا أن يكون بإرادتنا حتي نستطيع التعايش والاستمرار في الحياة, وإلا صار فرضا وأمرا واقعا, فنعيش مرغمين متألمين, أما الخيار الآخر والذي أعرف أنك لا تقبلينه فهو اختيار الخيانة بديلا, أي ترتكبين نفس جرم زوجك, وهنا قد تسألينني: ألم تقل أن ـ حتي ـ هذه العلاقة رزق, فماذا سيكون اسمها في هذه الحالة ؟ وهذا
يذكرني بتفسير لفضيلة الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي مامعناه أن اللص عندما يسرق المال فإنما يحصل علي رزقه المقدر له والذي لو صبر لذهب إليه حلالا, ولكنه اختار أن يحصل عليه عن طريق الحرام.. هل فهمت المعني ؟ لو كان رزقك وترفضينه حراما, سيأتيك حتما بالحلال.. فربما يشفي الله زوجك وينقي قلبك تجاهه وهو القادر علي
كل شيء, وربما إذا عجزت عن مقاومة رغباتك, وقررت أن يكون الانفصال هو إختيارك, يكون لك نصيب مع رجل آخر, المهم أن تتجه النية كاملة الي الحلال, ولا تجعلي الحرام أحد الاختيارات المطروحة.
سيدتي.. أتفهم الإحساس بالعمر, والرغبة في الانتقام.. أتفهم أيضا أن الطلاق خيار صعب بالنسبة لك, ولكن حتي لا تعيشي معذبة, وسعي دائرة رؤيتك ولا تحصريها في احتياجك الخاص.. ركزي أكثر في مناقشة قضية العفو عن زوجك, عن الاستمتاع بما هو متاح عن الهروب من التفكير فيما ينقصك إلي التأمل فيما بين يديك, فالإنسان لا
يملك كل شيء, وكما قلت إذا حصل علي شيء من نعم الدنيا الزائلة يفقد شيئا آخر ربما يكون أهم وأغلي, والأيام ـ سيدتي ـ ستمر حتما سواء استمتعت بما بين يديك أو حرمت منه.. أعانك الله وثبتك وغفر لزوجك ولنا جميعا وإلي لقاء بإذن الله.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الثلاثاء، ٣١ يوليو ٢٠١٢
كيف أحيا ؟!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق