الثلاثاء، ٣١ يوليو ٢٠١٢

مصر‏..‏ ست الحبايب

21-03-2008
ورحلت‏(‏ ومنذ سنوات‏)‏ أمي الحنون الغالية بعد مشوار جهاد وعطاء وحب ليس له من نظير‏..‏ ورحلة مرض لم تطل نسبيا‏..‏ رافقناها فيها جميعا حبا وعشقا وتفانيا‏..‏ بل وتحديا لمقولات العلم والطب علي امل ان تبقي لنا حضنا وريحانة عتيقة وجميلة نتعطر بأنفاسها الطاهرة‏..‏ ونظراتها الحنون الجميلة ـ ولو كانت معاتبة‏...!!‏

تلك الأنفاس الطاهرة التي كانت تشع لنا طمأنينة ودفئا وهي تحكم علينا الغطاء كل ليلة‏..‏ تتبعها بقبلة حانية‏..‏ تبثنا فيها كل رحيق الحياة وسر الوجود‏..!!‏

لنصحو بعد ذلك علي ذات الانفاس وقد تحولت لأنغام ملائكية هامسة تتسلل إلينا جوف كل فجر‏(‏ما بين صلاة‏..‏ وترتيل‏..‏ وتوسل للخالق من اجلنا‏..‏ وبالأسماء‏)..‏

والسماء والكون بأسره في سكون وخشوع وكأنه ينصت لها‏..‏ فكنا ـ من جلال الموقف ورهبته ـ نشعر‏(‏ بل ونتأكد‏)‏ بأن صلة روحانية نقية وعميقة تربطها بالرحمن مباشرة‏..‏ فلا يردها ابدا خائبة‏.‏

وكنا ننهض من الفراش عقب ذلك ـ بعد تمنع ودلال ـ علي اروع نظرات ولمسات حب‏..‏ فنواجه حياتنا بكل ثقة واطمئنان‏.‏

وصدقني اذ قلت لك اني‏(‏ وبعد انتقالي من بيت الأسرة عقب الزواج‏)‏ كنت اسمع همساتها واستشعر دفء أنفاسها مع نسمات كل فجر‏..‏ وصولا حتي لأوروبا عندما سافرت لمهمة علمية‏..‏ فحاصرتني‏(..!!)‏ ـ بكل صرامة وقسوة ـ ادعيتها عن الوقوع في الزلل‏..!!‏

والآن رحلت امي وتوقفت أنفاسها‏..‏ وكنت اتوقع ان تتوقف بالتبعية دعواتها‏..‏ فإذا بأصداء هذه الدعوات ترن بالكون‏(‏ ومازالت‏)‏ بصورة اعمق واشد‏..‏ ـ ولتلك قصة‏..!!‏

فبعد الرحيل والاستغراق في احزان الفراق‏..‏ ومع اول عيد أم‏..‏ وأغنية ست الحبايب تحلق بنا مع العطر‏,‏ والحنان‏..‏ والذكريات‏..‏ فإذا بصوتها الحنون يرن في اذني وأخذت تكرر لي ـ في عتاب رقيق ـ بعض كلمات كنت حادثتها بها عقب رحيل الوالد‏(‏وانا اصطنع التماسك‏)‏ قائلا لها‏:‏ اما للحزن من نهاية‏..‏؟ وهل في الحزن مايكفي لتعويض الراحل او حتي الوفاء لذكراه‏..‏؟‏!‏

أم ان الوفاء الحقيقي ان تواصلي ـ بنفس الحب والتفاني ـ المسيرة والرسالة التي تشاركتما فيها من اجلنا‏..‏ بل ومن اجل مصر جميعها‏..‏؟

هل نسيت التضحيات وحرمان النفس كي تجعلونا رجالا علي أعلي درجات العلم مهما كانت الاعباء‏..,‏ وكيف ان هناك شقيقة صغري مازالت تحتاجك‏..‏؟

وهل نسيت دوركما الرائع في ارضاعنا عشق الوطن ـ فعلا لا قولا ـ وكيف تنوع أبناؤك ما بين ضابط شهيد‏..‏ بين اخرين متطوعين دوما عند الكروب‏..‏ فمتظاهرين بعد ذلك ومقاتلين ضد الفساد‏..!!‏

وهل نسيت ان زوجك ونجلك ـ بمسيرتهما ـ لم يدفنا كأموات‏..‏ بل غرسا كرحيق بجذور وأرض مصر كي تنبت وتزهر بأروع ثمار‏..‏؟‏!‏

وهل‏..‏ وهل‏..!!‏
وخفت صوتها وانزوي وهي تذكرني بكلماتي عن المسيرة الرسالة‏..‏الوطن‏..‏ ارض مصر‏..,‏ وتصورت انها تردف قائلة‏:‏ وها انا ايضا ياحبيبي غرست كرحيق بارض مصر‏..‏ فماذا انت فاعل‏..‏؟‏!‏

وهنا افقت ـ ليس فقط من غيبوبة التهيؤات ـ بل انانية الأحزان وتصور توقف الحياة‏..,‏ وكيف ان هناك رسالة أكثر سموا تستوجب النهوض والمسير‏..,‏ وكيف ان هناك أما أخري أبقي وأروع‏(‏ لا‏..‏ ولن تموت‏)‏ تستوجب التفاني والرعاية والعطاء‏..‏ هيمصر‏:‏ أمي‏..‏ وأمك‏..‏ وأم الجميع‏.‏

مصر‏(‏أمي‏..‏ وأمك‏)‏ الصابرة‏..‏ والتي بات بعض آبائها ينتحرون عجزا وقهرا‏..‏ وشبابها هربا لقاع البحار‏..‏ ونساؤها تسولا بالإشارات‏..,‏ وأطفالها تشردا بالقطارات والشوارع وتوربيني الاغتصاب والقتل والمخدرات‏..!!‏

مصر‏(‏أمي‏..‏ وأمك‏)‏ طوابير العيش‏..‏ وجراكن المياه‏..‏وسلم الأتوبيسات‏..‏ وأسطح القطارات‏..!!‏

مصر‏(‏أمي‏..‏ وأمك‏)‏ المهضومة والمسكينة التي يعاني ابناؤها‏(‏بالفرع الفقير والكبير بالعائلة‏)‏ جورا وتفرقة مروعة في المعاملة‏:‏

فيطارد فيها باعة الأرصفة والجرجير‏..‏ وآخرون يستولون علي ملايين الافدنة من الاراضي بالمجان‏..!!‏

وتغترف فيها مليارات البنوك دون ضمانات‏..‏ وتقف كل العقبات امام قرض لشاب‏..‏ والسجن يلاحقه إذا توقف عن احد الاقساط‏..!‏

ويشيب رأسها تدليلا وتبريرا لمزور هارب من التجنيد او لاعب هرب وراء الملايين‏..‏ فهل من الوفاء او الشرف في شيء ان نترك أمنا الغالية هذه بأبنائها‏(‏ أشقائنا‏)‏ غارقة في كل هذا الهوان‏..‏؟‏!‏

وقبل ان ينطق احد وماذا عسانا أن نفعل‏..‏؟
فالإجابة‏:‏ الكثير‏..‏ والكثير‏..‏ من أدني القليل‏.‏

ولنا تجربة جامعية مع بعض الملائكة الشباب ـ عاصرتها معنا بنفسك ـ تمكنا في محيطها من توفير الكثير واحداث تغيير‏..‏ وذلك من ادني القليل‏.‏

فمن اجهزة وأدوية بالملايين لمستشفي الأطفال عندنا‏..‏ لتطوير مدارس المعاقين والمكفوفين‏..‏ لتزويج يتيمات‏..‏ وملابس وبطاطين‏..‏ وسداد مصروفات الأيتام‏(‏ تجاوزت بكليتنا وحدها هذا العام‏100‏ ألف جنيه‏)..‏ وكفالة وشنط شهرية‏..‏ في رمضان والأعياد‏..,‏و‏..‏

المهم ياسيدي‏..‏
فقد عادت أدعية الفجر‏(‏ بل والعصر والمغرب‏)‏ تصدح كالسيمفونية في السماء من جديد ـ وان لم تكن لشخص بعينه هذه المرة‏..!!‏

إنها أدعية وابتهالات الرضا والعرفان لكل الأمهات اللائي وجدن قشة لإنقاذ فلذات كبدهن‏:‏ مع كل حبة دواء لطفل قهره الفقر ونهشه المرض‏..,‏ او جلسة غسيل كلوي‏..‏ وكيس دم‏..,‏ أو حذاء وبلوفر ليتيم محروم‏..‏ أو مصروفات الجامعة لطالبة منكسرة‏..,‏ أو أسرة معدمة زوجنا وسترنا لها فتاة‏..‏ او حفظنا لها طفلا من ان يتحول لتوربيني‏..‏ او يهرب لقاع البحر‏..‏

وصولا حتي لأسر شباب وملائكة الخير‏..‏ وعرفنا بما احدثته هذه الأنشطة بشخصيتهم وسلوكياتهم‏..,‏ وكيف انها جنبتهم التفاهات والزلل‏.‏

فهل رأيت ما الذي يمكن ان يحدثه ابسط تكافل بالوطن‏..‏ فالقضية إذن ليست مجرد حسنة او صدقة ـ او حتي حلا جذريا لمشاكلنا ـ بل هي اللبنة‏..‏والروح تحدث نوعا من التماسك بالمجتمع وتحميه‏..‏ وتحول دون انفجاره او اقتتاله ـ الي ان يجعل الله لنا مخرجا‏.‏

من هنا شقيقنا الحبيب فهيا بنا جميعا ـ وبمناسبة قدوم عيد الأم هذا العام ـ الا ننسي هذه المرة ايضا امنا الصابرة والغالية مصر‏..‏ وتعالوا نشكل معا بكل محافظة وموقع‏)‏ قوافل او كتائب في حب مصر‏..‏ نحاول من خلالها تقديم ما قد تستحقه من هدية وفاء‏..‏ او واجب عرفان ـ والذي يمكن ان يتخذ مبدئيا احدي الصور البسيطة التالية‏:‏

*‏ تطوير اقسام الفقراء بالمستشفيات العامة‏..‏ والتكاتف في سبيل امدادها بالأجهزة الضرورية التي تنقصها ـ ولو مستعملة وصالحة‏.‏

ونثق في أن المصريين بالخارج‏..‏ ومستشفياتنا الخاصة بالداخل سيشاركون بفعالية بهذه الحملة‏..‏ بل وسيزيدون عليها بالعزيز من الدواء‏.‏

*‏ التكاتف لسرعة إنشاء خزانات مياه بسيطة وصحية بالقري المحرومة‏..‏ قبل هجوم اشهر القيظ‏.‏ ونثق ان شركات المقاولات والإسكان‏(‏ بل وجهاز الخدمة التابع لدرع الوطن‏)‏ لن يبخلوا في هذا الامر‏.‏

*‏ تمكين اكبر عدد من أسر الأيتام وغير القادرين علي اعالة انفسهم بمشروعات منزلية بسيطة‏(‏ كتنظيف وكي الملابس ـ خياطة ـ تجهيز خضراوات ـ‏..)..,‏ مع مداومة تعاملنا معهم‏(‏ ولو كصدقة خفية‏)‏ لضمان نجاحهم واستمرارهم‏.‏

*‏ التبرع باي قطع اثاث فائضة بمنازلنا لتزويج اكبر عدد من فقراء القري والعشوائيات‏..,‏ ولن تصدق اننا زوجنا فتاة مسكينة‏(‏وبحسب طلباتها‏)‏ بمرتبة ولحاف وطبلية وبستلة‏(‏ لزوم الغسيل والاستحمام‏)‏ و‏4‏ كراسي بلاستيك‏..!!‏

ونثق هنا ايضا ان شركات الأثاث ستخصص نسبة من منتجاتها لهذا الغرض‏.‏

*‏ التوسع قدر الإمكان في اعالة الايتام بمنازلهم ـ والمتفوقين منهم علي وجه الخصوص ـ وسنوافيكم قريبا‏(‏ وبمناسبة يوم اليتيم‏)‏ بمشروع لتحويل جانب من هذه الكفالة لوثائق تأمين يحصل بمقتضاها اليتيم المتفوق علي نحو‏50‏ ألف جنيه فور التخرج او وفاة من يسدد كفالة شهرية لهم‏.‏

وبالتأكيد فإن البنوك وكبري الشركات‏(‏ فضلا عن اهل الخير‏)‏ لن يبخلوا بنسبة هامشية من ارباحهم السنوية لهذا الغرض‏.‏

*‏ التكاتف لمواجهة اكبر كوارثنا الاجتماعية ـ ممثلة في ملايين اطفال الشوارع ـ الاحتياطي الاستراتيجي للجريمة والمخدرات والاغتصاب في مصر‏.‏

ولجامعة القاهرة نواة لتجربة رائدة في هذا الشأن بالتعاون مع قرية الامل ـ نثق ان سائر الجامعات المحترمة الاخري‏..(‏ حكومية او خاصة‏)‏ ستأخذ بها وتطورها‏.‏

*‏ والنظافة‏..‏ والأمية‏..‏ و‏..‏ و‏(‏القائمة تطول‏)‏
ونحن بإذن الله معا قادرون ان نغير وجه مصر‏..‏ ونستردها مرة اخري‏.‏ ونضخ بعروقها وغددها دماء نقية من شباب وملائكة الخير‏..‏ بدلا من خلايا وبؤر الفساد التي تمتصها‏.‏

ولقد بدأنا نحن بموقعنا‏..‏ ونثق انكم ايضا ستبدأون وعلينا ستتفوقون‏.‏

وسيرتفع من كل بقاع مصر ـ المنازل والمساجد والكنائس ـ دعاء الرضا‏(‏ لا النقمة‏)‏ والابتهالات‏.‏

******‏
وبعد‏..‏ أمي الحبيبة الراحلة
لقد امتثلت لنصيحتك وعتابك‏..‏ فهل انت راضية عني الآن‏..‏؟‏!‏
سأنتظرك اليوم بعيد الأم امام صورتك الجميلة‏..‏ لنحلق معا علي انغام وذكريات ست الحبايب‏..,‏ وبيدي لك زهرة‏..‏ وعلي صدري وفوق رأسي علم مصر‏..‏

فإن لم تحضري امي‏..‏فانتظريني انت حتي آتي لاحضانك‏(‏وأحضان مصر‏)‏

كرحيق‏...!!‏
‏**‏ كعادته دائما‏,‏ وفي المناسبات الإنسانية‏,‏ يطل علينا صديقي‏,‏ وصديق بريد الجمعة الدكتور عادل قاسم الأستاذ بكلية تجارة الزقازيق‏,‏ ومؤسسقافلة شعاع الخير‏,‏ والغارق حتي شعر رأسه في حب مصر وشعب مصر‏.‏

وها هو بكلماته ورؤيته العميقة‏,‏ يبحر بنا في اتجاه آخر‏,‏ غير الذي نذهب إليه دوما في مثل هذا اليوم عيد الأم‏,‏ فيفيض برحيق المحبة من حضن كبير‏,‏ حضن الأم‏,‏ إلي حضن أكبر‏,‏ حضن مصر‏,‏ الدافئ‏,‏ المتفجر حنانا وعطاء‏,‏ مهما كانت الأيام صعبة‏,‏ او القلوب قاسية‏,‏ غارقة في أنانيتها‏,‏ مستبدة بأبناء هذه الأرض الطيبة‏,‏ التي ما قست يوما علي أبنائها‏,‏ ولكن قسي عليهم من وجبت عليهم الرحمة والعطاء‏.‏

سيدي‏..‏ رحم الله والدتك الفاضلة‏,‏ التي أنجبت مثلك ومثل أشقائك ورحم الله أمهاتنا اللائي نفتقدهن بشدة‏,‏ ونعيش بدونهن بردا لايعرفه إلا من حرم من دفء وستر الأم‏.‏ ولأنه لن يخلص لمصر او يكون وفيا لها‏,‏ من قصر في حق امه التي حملته وهنا علي وهن‏,‏ وضحت بهنائها وأيامها من اجله‏,‏ فإني أنتهزها فرصة لأذكر كل من تشغله الدنيا‏

أو غلق قلبه عن زيارة والديه‏,‏ أو السعي لاسترضائهما لينعم بدعواتهما‏,‏ ان ينعم بتلك الفرصة قبل فوات الأوان‏,‏ وكما يعطي وقتا لاصدقائه او عمله‏,‏ او زوجه وأولاده‏,‏ يعطي اطول وقت يستطيعه لينام علي صدر أمه‏,‏ ليقبل يد والده‏,‏ ليفيض في البوح والفضفضة فبعد رحيلهما لن يجد هذا الاحساس بالأمان والحب الصادق الحقيقي إلا معهما‏..‏ ايضا اذكر كل من جحد والديه‏,‏ ان يسترضيهما حتي يرضي الله عنه‏,‏ فلن يهنأ ولن يسعد ولن يرزق أبدا من مات احد والديه غاضبا عليه‏.‏

سيدي‏..‏ عودة مرة اخري الي أمي‏..‏ وأمك‏,‏ مصر التي تعاني‏,‏ لأؤكد علي أفكارك الإيجابية‏,‏ فهكذا تكون المحبة‏,‏ لان ماتعانيه مصر هو من فعل ابنائها بأبنائها‏,‏ وليس لها ولنا‏,‏ إلا ان نحاول‏,‏ ونحلم‏,‏ ونسعي لتحقيق هذا الحلم‏.‏ ودعنا نكون اكثر إيجابية وتقبل دعوتي في الأهرام لنسعي معا الي خطوات ايجابية لتحقيق كل او بعض ما اقترحته‏.‏

قبلة مني علي جبين ويد وقدم كل أم في عيدها‏..‏ وقبلاتنا جميعا‏,‏ الي ست الكل‏,‏ ست الحبايب‏,‏ مصر‏,‏ الوطن‏,‏ المأوي والمصير‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق