21-03-2008
ورحلت( ومنذ سنوات) أمي الحنون الغالية بعد مشوار جهاد وعطاء وحب ليس له من نظير.. ورحلة مرض لم تطل نسبيا.. رافقناها فيها جميعا حبا وعشقا وتفانيا.. بل وتحديا لمقولات العلم والطب علي امل ان تبقي لنا حضنا وريحانة عتيقة وجميلة نتعطر بأنفاسها الطاهرة.. ونظراتها الحنون الجميلة ـ ولو كانت معاتبة...!!
تلك الأنفاس الطاهرة التي كانت تشع لنا طمأنينة ودفئا وهي تحكم علينا الغطاء كل ليلة.. تتبعها بقبلة حانية.. تبثنا فيها كل رحيق الحياة وسر الوجود..!!
لنصحو بعد ذلك علي ذات الانفاس وقد تحولت لأنغام ملائكية هامسة تتسلل إلينا جوف كل فجر(ما بين صلاة.. وترتيل.. وتوسل للخالق من اجلنا.. وبالأسماء)..
والسماء والكون بأسره في سكون وخشوع وكأنه ينصت لها.. فكنا ـ من جلال الموقف ورهبته ـ نشعر( بل ونتأكد) بأن صلة روحانية نقية وعميقة تربطها بالرحمن مباشرة.. فلا يردها ابدا خائبة.
وكنا ننهض من الفراش عقب ذلك ـ بعد تمنع ودلال ـ علي اروع نظرات ولمسات حب.. فنواجه حياتنا بكل ثقة واطمئنان.
وصدقني اذ قلت لك اني( وبعد انتقالي من بيت الأسرة عقب الزواج) كنت اسمع همساتها واستشعر دفء أنفاسها مع نسمات كل فجر.. وصولا حتي لأوروبا عندما سافرت لمهمة علمية.. فحاصرتني(..!!) ـ بكل صرامة وقسوة ـ ادعيتها عن الوقوع في الزلل..!!
والآن رحلت امي وتوقفت أنفاسها.. وكنت اتوقع ان تتوقف بالتبعية دعواتها.. فإذا بأصداء هذه الدعوات ترن بالكون( ومازالت) بصورة اعمق واشد.. ـ ولتلك قصة..!!
فبعد الرحيل والاستغراق في احزان الفراق.. ومع اول عيد أم.. وأغنية ست الحبايب تحلق بنا مع العطر, والحنان.. والذكريات.. فإذا بصوتها الحنون يرن في اذني وأخذت تكرر لي ـ في عتاب رقيق ـ بعض كلمات كنت حادثتها بها عقب رحيل الوالد(وانا اصطنع التماسك) قائلا لها: اما للحزن من نهاية..؟ وهل في الحزن مايكفي لتعويض الراحل او حتي الوفاء لذكراه..؟!
أم ان الوفاء الحقيقي ان تواصلي ـ بنفس الحب والتفاني ـ المسيرة والرسالة التي تشاركتما فيها من اجلنا.. بل ومن اجل مصر جميعها..؟
هل نسيت التضحيات وحرمان النفس كي تجعلونا رجالا علي أعلي درجات العلم مهما كانت الاعباء.., وكيف ان هناك شقيقة صغري مازالت تحتاجك..؟
وهل نسيت دوركما الرائع في ارضاعنا عشق الوطن ـ فعلا لا قولا ـ وكيف تنوع أبناؤك ما بين ضابط شهيد.. بين اخرين متطوعين دوما عند الكروب.. فمتظاهرين بعد ذلك ومقاتلين ضد الفساد..!!
وهل نسيت ان زوجك ونجلك ـ بمسيرتهما ـ لم يدفنا كأموات.. بل غرسا كرحيق بجذور وأرض مصر كي تنبت وتزهر بأروع ثمار..؟!
وهل.. وهل..!!
وخفت صوتها وانزوي وهي تذكرني بكلماتي عن المسيرة الرسالة..الوطن.. ارض مصر.., وتصورت انها تردف قائلة: وها انا ايضا ياحبيبي غرست كرحيق بارض مصر.. فماذا انت فاعل..؟!
وهنا افقت ـ ليس فقط من غيبوبة التهيؤات ـ بل انانية الأحزان وتصور توقف الحياة.., وكيف ان هناك رسالة أكثر سموا تستوجب النهوض والمسير.., وكيف ان هناك أما أخري أبقي وأروع( لا.. ولن تموت) تستوجب التفاني والرعاية والعطاء.. هيمصر: أمي.. وأمك.. وأم الجميع.
مصر(أمي.. وأمك) الصابرة.. والتي بات بعض آبائها ينتحرون عجزا وقهرا.. وشبابها هربا لقاع البحار.. ونساؤها تسولا بالإشارات.., وأطفالها تشردا بالقطارات والشوارع وتوربيني الاغتصاب والقتل والمخدرات..!!
مصر(أمي.. وأمك) طوابير العيش.. وجراكن المياه..وسلم الأتوبيسات.. وأسطح القطارات..!!
مصر(أمي.. وأمك) المهضومة والمسكينة التي يعاني ابناؤها(بالفرع الفقير والكبير بالعائلة) جورا وتفرقة مروعة في المعاملة:
فيطارد فيها باعة الأرصفة والجرجير.. وآخرون يستولون علي ملايين الافدنة من الاراضي بالمجان..!!
وتغترف فيها مليارات البنوك دون ضمانات.. وتقف كل العقبات امام قرض لشاب.. والسجن يلاحقه إذا توقف عن احد الاقساط..!
ويشيب رأسها تدليلا وتبريرا لمزور هارب من التجنيد او لاعب هرب وراء الملايين.. فهل من الوفاء او الشرف في شيء ان نترك أمنا الغالية هذه بأبنائها( أشقائنا) غارقة في كل هذا الهوان..؟!
وقبل ان ينطق احد وماذا عسانا أن نفعل..؟
فالإجابة: الكثير.. والكثير.. من أدني القليل.
ولنا تجربة جامعية مع بعض الملائكة الشباب ـ عاصرتها معنا بنفسك ـ تمكنا في محيطها من توفير الكثير واحداث تغيير.. وذلك من ادني القليل.
فمن اجهزة وأدوية بالملايين لمستشفي الأطفال عندنا.. لتطوير مدارس المعاقين والمكفوفين.. لتزويج يتيمات.. وملابس وبطاطين.. وسداد مصروفات الأيتام( تجاوزت بكليتنا وحدها هذا العام100 ألف جنيه).. وكفالة وشنط شهرية.. في رمضان والأعياد..,و..
المهم ياسيدي..
فقد عادت أدعية الفجر( بل والعصر والمغرب) تصدح كالسيمفونية في السماء من جديد ـ وان لم تكن لشخص بعينه هذه المرة..!!
إنها أدعية وابتهالات الرضا والعرفان لكل الأمهات اللائي وجدن قشة لإنقاذ فلذات كبدهن: مع كل حبة دواء لطفل قهره الفقر ونهشه المرض.., او جلسة غسيل كلوي.. وكيس دم.., أو حذاء وبلوفر ليتيم محروم.. أو مصروفات الجامعة لطالبة منكسرة.., أو أسرة معدمة زوجنا وسترنا لها فتاة.. او حفظنا لها طفلا من ان يتحول لتوربيني.. او يهرب لقاع البحر..
وصولا حتي لأسر شباب وملائكة الخير.. وعرفنا بما احدثته هذه الأنشطة بشخصيتهم وسلوكياتهم.., وكيف انها جنبتهم التفاهات والزلل.
فهل رأيت ما الذي يمكن ان يحدثه ابسط تكافل بالوطن.. فالقضية إذن ليست مجرد حسنة او صدقة ـ او حتي حلا جذريا لمشاكلنا ـ بل هي اللبنة..والروح تحدث نوعا من التماسك بالمجتمع وتحميه.. وتحول دون انفجاره او اقتتاله ـ الي ان يجعل الله لنا مخرجا.
من هنا شقيقنا الحبيب فهيا بنا جميعا ـ وبمناسبة قدوم عيد الأم هذا العام ـ الا ننسي هذه المرة ايضا امنا الصابرة والغالية مصر.. وتعالوا نشكل معا بكل محافظة وموقع) قوافل او كتائب في حب مصر.. نحاول من خلالها تقديم ما قد تستحقه من هدية وفاء.. او واجب عرفان ـ والذي يمكن ان يتخذ مبدئيا احدي الصور البسيطة التالية:
* تطوير اقسام الفقراء بالمستشفيات العامة.. والتكاتف في سبيل امدادها بالأجهزة الضرورية التي تنقصها ـ ولو مستعملة وصالحة.
ونثق في أن المصريين بالخارج.. ومستشفياتنا الخاصة بالداخل سيشاركون بفعالية بهذه الحملة.. بل وسيزيدون عليها بالعزيز من الدواء.
* التكاتف لسرعة إنشاء خزانات مياه بسيطة وصحية بالقري المحرومة.. قبل هجوم اشهر القيظ. ونثق ان شركات المقاولات والإسكان( بل وجهاز الخدمة التابع لدرع الوطن) لن يبخلوا في هذا الامر.
* تمكين اكبر عدد من أسر الأيتام وغير القادرين علي اعالة انفسهم بمشروعات منزلية بسيطة( كتنظيف وكي الملابس ـ خياطة ـ تجهيز خضراوات ـ..).., مع مداومة تعاملنا معهم( ولو كصدقة خفية) لضمان نجاحهم واستمرارهم.
* التبرع باي قطع اثاث فائضة بمنازلنا لتزويج اكبر عدد من فقراء القري والعشوائيات.., ولن تصدق اننا زوجنا فتاة مسكينة(وبحسب طلباتها) بمرتبة ولحاف وطبلية وبستلة( لزوم الغسيل والاستحمام) و4 كراسي بلاستيك..!!
ونثق هنا ايضا ان شركات الأثاث ستخصص نسبة من منتجاتها لهذا الغرض.
* التوسع قدر الإمكان في اعالة الايتام بمنازلهم ـ والمتفوقين منهم علي وجه الخصوص ـ وسنوافيكم قريبا( وبمناسبة يوم اليتيم) بمشروع لتحويل جانب من هذه الكفالة لوثائق تأمين يحصل بمقتضاها اليتيم المتفوق علي نحو50 ألف جنيه فور التخرج او وفاة من يسدد كفالة شهرية لهم.
وبالتأكيد فإن البنوك وكبري الشركات( فضلا عن اهل الخير) لن يبخلوا بنسبة هامشية من ارباحهم السنوية لهذا الغرض.
* التكاتف لمواجهة اكبر كوارثنا الاجتماعية ـ ممثلة في ملايين اطفال الشوارع ـ الاحتياطي الاستراتيجي للجريمة والمخدرات والاغتصاب في مصر.
ولجامعة القاهرة نواة لتجربة رائدة في هذا الشأن بالتعاون مع قرية الامل ـ نثق ان سائر الجامعات المحترمة الاخري..( حكومية او خاصة) ستأخذ بها وتطورها.
* والنظافة.. والأمية.. و.. و(القائمة تطول)
ونحن بإذن الله معا قادرون ان نغير وجه مصر.. ونستردها مرة اخري. ونضخ بعروقها وغددها دماء نقية من شباب وملائكة الخير.. بدلا من خلايا وبؤر الفساد التي تمتصها.
ولقد بدأنا نحن بموقعنا.. ونثق انكم ايضا ستبدأون وعلينا ستتفوقون.
وسيرتفع من كل بقاع مصر ـ المنازل والمساجد والكنائس ـ دعاء الرضا( لا النقمة) والابتهالات.
******
وبعد.. أمي الحبيبة الراحلة
لقد امتثلت لنصيحتك وعتابك.. فهل انت راضية عني الآن..؟!
سأنتظرك اليوم بعيد الأم امام صورتك الجميلة.. لنحلق معا علي انغام وذكريات ست الحبايب.., وبيدي لك زهرة.. وعلي صدري وفوق رأسي علم مصر..
فإن لم تحضري امي..فانتظريني انت حتي آتي لاحضانك(وأحضان مصر)
كرحيق...!!
** كعادته دائما, وفي المناسبات الإنسانية, يطل علينا صديقي, وصديق بريد الجمعة الدكتور عادل قاسم الأستاذ بكلية تجارة الزقازيق, ومؤسسقافلة شعاع الخير, والغارق حتي شعر رأسه في حب مصر وشعب مصر.
وها هو بكلماته ورؤيته العميقة, يبحر بنا في اتجاه آخر, غير الذي نذهب إليه دوما في مثل هذا اليوم عيد الأم, فيفيض برحيق المحبة من حضن كبير, حضن الأم, إلي حضن أكبر, حضن مصر, الدافئ, المتفجر حنانا وعطاء, مهما كانت الأيام صعبة, او القلوب قاسية, غارقة في أنانيتها, مستبدة بأبناء هذه الأرض الطيبة, التي ما قست يوما علي أبنائها, ولكن قسي عليهم من وجبت عليهم الرحمة والعطاء.
سيدي.. رحم الله والدتك الفاضلة, التي أنجبت مثلك ومثل أشقائك ورحم الله أمهاتنا اللائي نفتقدهن بشدة, ونعيش بدونهن بردا لايعرفه إلا من حرم من دفء وستر الأم. ولأنه لن يخلص لمصر او يكون وفيا لها, من قصر في حق امه التي حملته وهنا علي وهن, وضحت بهنائها وأيامها من اجله, فإني أنتهزها فرصة لأذكر كل من تشغله الدنيا
أو غلق قلبه عن زيارة والديه, أو السعي لاسترضائهما لينعم بدعواتهما, ان ينعم بتلك الفرصة قبل فوات الأوان, وكما يعطي وقتا لاصدقائه او عمله, او زوجه وأولاده, يعطي اطول وقت يستطيعه لينام علي صدر أمه, ليقبل يد والده, ليفيض في البوح والفضفضة فبعد رحيلهما لن يجد هذا الاحساس بالأمان والحب الصادق الحقيقي إلا معهما.. ايضا اذكر كل من جحد والديه, ان يسترضيهما حتي يرضي الله عنه, فلن يهنأ ولن يسعد ولن يرزق أبدا من مات احد والديه غاضبا عليه.
سيدي.. عودة مرة اخري الي أمي.. وأمك, مصر التي تعاني, لأؤكد علي أفكارك الإيجابية, فهكذا تكون المحبة, لان ماتعانيه مصر هو من فعل ابنائها بأبنائها, وليس لها ولنا, إلا ان نحاول, ونحلم, ونسعي لتحقيق هذا الحلم. ودعنا نكون اكثر إيجابية وتقبل دعوتي في الأهرام لنسعي معا الي خطوات ايجابية لتحقيق كل او بعض ما اقترحته.
قبلة مني علي جبين ويد وقدم كل أم في عيدها.. وقبلاتنا جميعا, الي ست الكل, ست الحبايب, مصر, الوطن, المأوي والمصير.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الثلاثاء، ٣١ يوليو ٢٠١٢
مصر.. ست الحبايب
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق