23-10-2009
أكتب اليك رسالتي من غرفة مظلمة هي سجني وكل حياتي, دخلتها ولم أغادرها منذ اسبوعين. يقتلني بكاء أمي وتوسلات شقيقتي, اللتين لاتفهمان سر ما أنا فيه, ولا استطيع أن أواجههما بما أنا فيه. ليست هذه المرة الأولي التي أحبس فيها نفسي في غرفتي, بل سبقتها مرات عديدة.. حاولت معها وتمنيت الموت والانتحار والهروب ولكني كنت أفشل فأستسلم لما أنا فيه, حتي أشعر بالمهانة فأحاول مرة أخري. سيدي.. أجد حرجا شديدا في الكشف عن مأساة حياتي, كتبت عشرات المرات ومزقت الأوراق, فما أصعب أن تري عارك وعار أسرتك علي الورق يصمك بأبشع الصفات, فتري آخرتك وأنت في النار فتفقد كل دوافع ومبررات وجودك.
أعرف اني كلما حاولت الاقتراب ابتعد, فسامحني وتحملني لأن الأمر صعب ومقزز, لذا سأحاول أن أبدأ معك منذ البداية لعلي أفلح. ولدت لأسرة راقية ومحترمة, فأبي ـ رحمه الله ـ كان يشغل منصبا مرموقا, فرح بمولدي فرحا كبيرا فقد جئت بعد سنوات طويلة من ميلاد شقيقتي الوحيدة, لذا لقيت في سني عمري الأولي كل الاهتمام والرعاية. عشت السنوات الأولي من عمري في قمة السعادة, من تدليل وحب وأشياء أخري ظلت مغروسة في نفسي لا تفارقني جذورها. ولكن القدر كان يخبئ لنا شيئا آخر, حزنا أكبر, وكأنها حلقة متصلة, إذا انقطعت حلقة تفككت الدائرة المترابطة.
ذات مساء, انقلب البيت الهادئ, اذكر هذه الليلة جيدا, لا تغادر ذاكرتي.. عمري لم يكن يتجاوز التاسعة, أفقت علي صراخ وعويل وفوضي في البيت.. لم أفهم للوهلة الأولي لماذا تصرخ أمي, ولا لماذا سقطت شقيقتي علي الأرض, ولا من هم هؤلاء الرجال والنساء الذين تزاحموا داخل شقتنا... بشر لا أعرفهم يحاولون احتضاني رغما عني, بعضهم يحاول إدخالي إلي غرفتي.. بكيت وأنا لا أفهم لماذا أبكي.. عرفت بعدها أني أصبحت يتيما, مات أبي, مات وهو يعبر الطريق, صدمته سيارة مسرعة, وتركه قائدها يموت نازفا, وهو لايدري أن بموت هذا الأب ستنهار حياة أسرة بالكامل وسيتسبب في تدمير حياة طفل مثلي.
كان موت أبي ـ يا سيدي ـ هو بداية مأساتي, فالطريقة الخاطفة والمؤلمة التي مات بها أصابت أمي بفزع دائم وجعلتها تدخلني سجنا كبيرا لم أخرج منه حتي الآن. أصبحت أمي تري الموت حولي في كل مكان, وكأن ملكه ينتظرني حتي ينقض علي, فلا خروج وحدي, تنتظرني حتي باب المدرسة, لا تتركني إلا وأنا في الاتوبيس مع زملائي, تجلس علي رأسي حتي أنام. لم يكن تدليلا بقدر ما كان خوفا وفزعا تسلل إلي نفسي وروحي وجعلني أشعر بمعني كلمة يتيم... هذا الاهتمام لم يكن منصبا علي أختي الكبري مثلما نلت منه النصيب الأكبر لأن أمي كانت مشفقة علي لأني معشتش الدلع ولا الحنان اللي شافته أختي. بهذه المقدمة الطويلة أردت فقط أن أكشف لك عن تركيبتي النفسية الهشة, عن طفولتي المغتالة, عن عدم إحساسي المبكر برجولتي, فكانت شخصيتي الوديعة المنكسرة تميل الي البنات أكثر منها إلي الأولاد, مما زاد من انطوائي وابتعادي عن زملائي.
مرت ثلاث سنوات علي هذه الفترة العصيبة, وقتها تقدم الي أختي عريس من محافظة بعيدة عن مدينتنا, وكان هذا العريس لطيفا, اكتسب حب أختي وأمي بسرعة كبيرة, كما تقرب الي واهتم بي وأصبح حريصا علي الحوار معي.. بعد فترة من الخطوبة عرضت عليه أمي أن يبيت عندنا حتي لايعود الي مدينته في وقت متأخر مستندة ـ كما قالت أمامنا ـ أن في البيت رجلا, والطبيعي أن يبيت هذا العريس معي في حجرتي. اعذرني, أنا أبكي الآن عندما استعيد تلك اللحظة التي أمقتها, أراها كأنها حدثت بالأمس, أفكر في التوقف عن الكتابة الآن, هل أمزق أوراقي كما فعلت كثيرا من قبل, لا سأواصل, فأنا أريد التحدث لأول مرة وآخر مرة, أنا أريد المساعدة, النجاة, فاغفر لي وقراؤك أي كلمات جارحة أو مهينة, فهذا الإحساس المؤلم ملازم لي طوال الوقت فتحملوني قليلا.
في هذه الليلة البغيضة, نام بجواري في فراشي, خطيب شقيقتي احتضنني, طبطب علي, أصابعه حنت علي جسدي فشعرت بسعادة واطمئنان حتي خلته في لحظات كأنه أبي, قال لي لاتخف أنا أحبك وسأجعلك سعيدا, فعل معي أشياء غريبة, لم أفهمها ولم أعترض عليها, كل ما أحسست به هو أمان ما لم أعرفه أو أحسه من قبل ولا أعرف أنه خطأ بل جريمة, ما استوقفني وانا لم أناقشه هو انه طلب مني أن يظل ماحدث سرا بيننا, انت كبير ولازم نكون أصحاب وما يحدث بيننا يجب ان يكون سرا وهذا اختبار لصداقتنا, كنت عند حسن ظنه ولم أبح بما حدث لأحد, فلم تكن أمي تتحدث معي في أي شيء سوي الدراسة, كل ما يشغلها هو تفوقي وكنت أفعل.
ما حدث معي في تلك الليلة, تكرر مرات عديدة في كل زيارة كان يأتي فيها العريس إلينا, لا أخفيك كنت أنتظره وأفتقد حضنه وذلك الاحساس الخفي بأنه أبي, لذلك لم يفهم أحد في البيت لماذا انهرت بالبكاء عندما حدثت مشكلات أدت الي فسخ الخطبة وانسحاب العريس, كان حزني أكبر بكثير من حزن شقيقتي وأمي. عشت شهورا عديدة متألما أشعر بالوحدة والفزع حتي انتقلت الي المرحلة الاعدادية, ولأن أمي حريصة علي تفوقي اختارت لي مدرسا شهيرا, واشترطت ان يعطيني درسا خاصا بمفردي حتي يتفرغ لي ويتقن تعليمي, ولأن هذا المدرس لايذهب للتلاميذ في بيوتهم, فكانت أمي تصطحبني مرتين في الاسبوع اليه في شقته, وتنتظرني أو تقضي بعض المشاوير ثم تعود لتأخذني,
بعد حصص قليلة حدث ما يمكن توقعه, بدأ هذا المدرس يتلمس جسدي, يدللني وكأنه يتأكد مني.. كنت فريسة سهلة مهزومة صامتة, ظللت مع هذا المدرس سنوات حتي أدركت ما أنا فيه, نعم أنا منحرف, غير طبيعي.. كرهت نفسي وكرهت أمي, ولكني كنت قد فقدت أي قدرة علي المقاومة أو الانسحاب, فأنا وكما قلت لك من قبل بلا أي شخصية, بدأت أقرأ حول هذا الموضوع وعرفت اني شخص منبوذ وأن عقابي سيكون جهنم, فزعت وامتنعت وحاولت الانتحار ولكن إرادة الله كانت غير ذلك.
تزوجت شقيقتي, ونجحت بتفوق في الثانوية العامة كما أرادت أمي, والتحقت بكلية الطب, وفي الكلية دخلت في معاناة أخري..
يبدو أن هناك ملامح لمن هم مثلي, فقد تقرب مني آخرون يشبهونني, حرضوني وأغروني, قاومت ولكن في النهاية ضعفت, ودخلت الي دائرة السقوط التي لاتنتهي.
سيدي... تعبت, لا أريد مواصلة الحديث كل ما أريد قوله إني مريض, سعيت الي العلاج ولكني فشلت, لايوجد لدينا أطباء متخصصون, ألزمت نفسي بالصلاة في المساجد, اعتزلت الجامعة أسابيع متصلة, أهملت في مظهري, أطلقت لحيتي, ولكن ما أن أعود إلي الجامعة حتي أسقط مرة أخري, قطعت شراييني وانقذتني أمي.. تقودني أقدامي الي من هم مثلي, تجمعات معروفة في وسط المدينة أو علي كوبري قصر النيل.. أتعرض أحيانا للضرب والسرقة.
سيدي.. أكتب اليك الآن بعد القضية التي أساءت الي بعض فنانينا وتناولتها وسائل الإعلام.
* سيدي.. أدمتني رسالتك, وترددت طويلا في نشرها, فمنذ توليت مسئولية هذا الباب وأنا لا أفضل نشر مثل هذه الرسائل, وأختار الردود السريعة أو الاتصال المباشر.. ولكن هذه المرة فرضت علي رسالتك اللجوء الي النشر لانها تشير الي نقاط خلل كبيرة في أساليب التربية, والي شريحة من المنحرفين سلوكيا غير راضية عن وضعها وتبحث عن علاج, وليتها تكون فرصة للبحث لدي المتخصصين عن علاج ينجي من هم مثلك من عذاب الدنيا والآخرة.
عودة إلي ما تضمنته رسالتك من اسلوب تربية خاطئ اتبعته معك والدتك بزعم الخوف أو القلق أو التدليل, هذا الاسلوب الذي ينتج شخصية مشوهة, ضعيفة, ليس لديها استقلالية أو فهم.
فالحرص الشديد المبالغ فيه يفرز شخصية انطوائية غير قادرة علي المواجهة, تسلب الطفل حقه في البوح أو الاعتراف, القبول أو الرفض.
أيضا يجب علي الآباء ان يفهموا أبناءهم معني وقدسية الجسد ووظائف أعضائه ودورها, فالخجل أحيانا من تعريف أبنائنا بأجسادهم وما هو المسموح والممنوع يعرضهم لمثل تلك المخاطر, هذا الجهل هو الذي جعلك لاتفهم ما يفعله معك خطيب اختك, فاستغل جهلك وخوفك واحتياجك للحنان الأبوي, متجردا من كل المشاعر الانسانية, مرضيا حيوانيته فجذبك الي مستنقع صعب عليك الخروج منه حتي الآن.
فرقوا بين الأبناء في المضاجع هكذا أمرنا رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم ولكن والدتك وبحسن نية قد قبلت ان تنام يجوار شخص غريب.
وهذا أمر مرفوض, فالثقة لا تعني التفريط أو المجازفة, والأمر الشاذ الذي يجب الاحتياط منه حتي لا يصبح أحد أبنائنا هو النموذج له.
علموا أبناءكم ـ ذكورا وإناثا ـ أن أجسادهم مقدسة مصانة لايجوز لأحد لمسها, علموهم كيف يعترفون لكم بكل ما يتعرضون له دون خوف من عقاب.
أيضا لايجوز السماح لمدرس ـ مع الاحترام لكل المدرسين وعدم أخذهم بجريرة نموذج فاسد ـ بالاختلاء مع تلميذة أو تلميذ, فالدرس يجب أن يكون تحت عين الآباء.
سيدي.. أحس بصدق كلماتك ورغبتك الحقيقية في النجاة, وستنجو إذا دخل الإيمان قلبك وابتعدت قصرا عن كل الظروف التي تدفعك الي هذا المسلك, تحمل عذابك, وعندما تشعر بضعفك لا تخلد الي وحدتك وشيطانك, استعن بأمك أو اذهب الي المسجد, غير أصدقاءك والمحيطين بك, وبعد فترة ستشعر بأنك تعود الي طبيعتك, كل هذا حتي يتبين لنا ما هو العلاج العلمي لمثل حالتك, فالأمر الآن بين أيدي أطبائنا النفسيين, حماك الله وغفر لك وأعانك علي ضعفك وشيطانك وشياطين الانس من حولك.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الثلاثاء، ٣١ يوليو ٢٠١٢
المنحرفــــــون
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق