15-08-2008
أكتب إليك سيدي, وأنا علي وشك الانهيار النفسي والجنون فأنا فتاة في الثلاثين من عمري, أكبر إخوتي, كنت لفترة قريبة أظن نفسي فتاة متدينة بحق فكلما ضاقت الدنيا في وجهي لجأت إلي الله ـ عز وجل.
ولكن في هذه الأيام أمر بأزمة نفسية عارمة تزلزل كياني وجعلتني أتشكك في نفسي وفي كل شيء, وسأحكي لك قصتي من البداية حتي تصل معي إلي ما أنا عليه الآن.
نشأت في أسرة ريفية بسيطة جاء أبي للقاهرة للعمل في شركة كبري عن طريق أحد أقاربه, وأحضرنا معه للقاهرة.
أكتب إليك سيدي, وأنا علي وشك الانهيار النفسي والجنون فأنا فتاة في الثلاثين من عمري, أكبر إخوتي, كنت لفترة قريبة أظن نفسي فتاة متدينة بحق فكلما ضاقت الدنيا في وجهي لجأت إلي الله ـ عز وجل.
ولكن في هذه الأيام أمر بأزمة نفسية عارمة تزلزل كياني وجعلتني أتشكك في نفسي وفي كل شيء, وسأحكي لك قصتي من البداية حتي تصل معي إلي ما أنا عليه الآن.
نشأت في أسرة ريفية بسيطة جاء أبي للقاهرة للعمل في شركة كبري عن طريق أحد أقاربه, وأحضرنا معه للقاهرة.
لي ثلاث أخوات أصغر مني, كان أبي يفتقد الطموح وتحسين أحواله المادية فهو يعيش اليوم بيومه ولا يفكر في المستقبل أبدا, فعلي الرغم من أن عمله هيأ له فرصة تملك شقة في منطقة راقية إلا أنه رفض حتي مجرد تقديم استمارة الشقة رغم إلحاح والدتي عليه, وتذكيرها له باستمرار بأن لديه أربع بنات يجب أن يؤمن لهن مستقبلهن خاصة أنه لا يمتلك في الحياة سوي مرتبه, ولكن هيهات أن يستمع لأحد ولم يفكر يوما في عمل إضافي يحسن به أحوالنا المادية, بل فضل راحته علي تعبنا في المستقبل, كنا نسكن في حي شعبي في شقة غرفة واحدة, أول دور حيث المجاري, وعدم توافر المنشر, وعدم دخول الشمس, فكنا لكي ننشر غسلينا ندور علي البيوت.
ولأنني البنت الكبري كنت أول من يدفع ثمن ذلك فعندما كنت طالبة في الكلية تقدم لي شاب طيب فيه كل ما أحلم به من صفات وفر له أبوه شقة منذ صغره, وفي الاتفاقات طولب أبي بالمتطلبات العادية في كل زواج, ولكنه قال لهم بصراحة إنه لا يستطيع أن يوفر أي شئ من هذه المتطلبات لأنه لا يملك سوي مرتبه الذي بالكاد يكفي مصاريف البيت, وإن كنتم تريدون إتمام الزواج عليكم بتحمل كل النفقات وبالطبع لم يرض أهل ذلك الشاب, وخرج بلا عودة.
تأزمت بعض الوقت, ولكني قررت أن أتعامل مع الموقف بإيجابية وواقعية فلن يجدي البكاء علي اللبن المسكوب, وقررت أن أعمل حتي أوفر لنفسي نفقات الزواج, التي لا يستطيع أبي توفيرها لي.
ولأن تربيتي ريفية تأصلت في نفسي قيمة الشرف والعفة فلم أستغل جمالي في طريق الخطأ, فقد بحثت عن عمل شريف حتي ولو كان مكسبه قليلا.
فعملت بأحد مصانع الملابس وأنا طالبة حتي أوفر لنفسي مصاريف الدبلومة, وبعدها عملت معلمة بمدرسة خاصة براتب120 جنيها, بالإضافة إلي المجاميع, بالإضافة إلي عملي بالمراكز التعليمية المسائية, ودخولي معترك الحياة جعلني أكثر واقعية فلم أحلم بأن أكون سندريلا التي يتزوجها الأمير, فكان ولا يزال كل حلمي بالحياة أن أتزوج إنسانا صالحا متدينا يعاملني باحترام, وحنان, لديه طموح ومستعدة لأن أكافح معه من الصفر.
وتقدم لي أحد الجيران كنت أظنه كذلك, وكان قد اتفق مع والدي علي أن فترة الخطوبة عامان, ولكن بعد العام الاول لم يفعل شيئا مما كان متفقا عليه مع والدي بحجة عدم كفاية المال الذي معه, فاقترحت عليه أن يعمل معي في أحد المراكز المسائية ليزيد دخله, خاصة أنه كان موظف حكومة, ولكنه رفض بحجة أن هذا سيجعله لا يستريح في اليوم إلا3 ساعات, وأنه لم يتعود علي ذلك فظننت أنه مريض, ولكنه أكد لي أنه صحته سليمة100% فقلت له إن اعتماده علي راتبه فقط سيطيل فترة الخطوبة, ولكن كان رده علي: وأي شيء في هذا؟ ولماذا لاأنتظره أكثر؟ فغاظتني ردوده خاصة وهو يراني أنا البنت أعمل صباحا ومساء متحملة أي تعب, وهو الرجل لا يريد أن يتعب نفسه, فلمحت في تصرفاته صورة أبي, صورة الرجل الذي ليس لديه استعداد لأن يتعب ليريح من يحبهم, ولكن يتعب من يحبهم ليريح نفسه, وهذا ما جعلني أفسخ الخطوبة.
وبعد3 سنوات باعت امي ميراثها واشترت لنا شقة اكبر وأوسع في مكان افضل وانتقلت للعمل بمدرسة اسلامية فعرضت علي ام تلميذة لدي الزواج من احد اقاربها وقالت لي ان عمره40 سنة وميسور الحال ولكن عيبه الوحيد انه ذو اعاقة في قدمه وتقدم لي وفي فترة التعارف المبدئي ظهر بشخصية طيبة فلم أعبأ بهذا العيب وقلت انه خلقة ربنا وكان من الممكن ان اكون مثله وبعد الخطوبة ظهرت حقيقته فهو انسان مغرور لأبعد الحدود نتيجة تدليل اسرته له تعويضا له عن اعاقته, وكثرة المال في يده زادته كبرا فهو يري انه انسان كامل بلا عيوب رغم انه مليء بها وكان يعاملني بفوقية واستعلاء وكثيرا ما يجرح مشاعري فإن سكت تمادي وإن اخذت موقفا لم يرتدع ويخاصمني وينتظر ان أصالحه انا وإن فعلت ذلك ما استجاب بسهولة ولكن بعد ان يطلع روحي
فضقت ذرعا به خاصة بعد ان وصل الأمر لحد الاهانة فصارحت اهلي بذلك ولكنهم قالوا لي انه عريس جاهز خسارة ان اضيعه من يدي فحاولت ان اتفاهم معه وان اكسبه وان استرضيه ولكن دون جدوي حتي انه جعلني اقول لهم فليذهب بفلوسه وكان عمري وقتها28 عاما وقريباتي في البلد اللاتي في مثل سني أولادهن في المدارس فجعلني هذا اشعر بالخجل امامهن وأخاف من شبح العنوسة.
وعندما سافرنا للبلد عرفت ان احد اقاربنا وعمره48 عاما انفصل عن زوجته ولديه ولد وبنت في الثانوي, طليقته تزوجت ويبحث عن عروسة اصغر واحلي من طليقته حتي يغيظها ولم أكن أتوقع أنه سيتقدم لي ولكنه فعل وبكل ثقة بل وأغري والدي بأنه سيكتب لي الشقة باسمي إن وافقت ولكني رفضت ليس لأنه مطلق او عمره48 سنة ولكن لأن كل ما يهمه هو ان يغيظ طليقته اما أنا فلا افرق شيئا وبعدها تقدم لفتاة عمرها21 عاما ووافقت وتزوجها فورا وكتب لها الشقة فعلا
وهذا ما جعل اهلي وأقاربي ينقلبون ضدي ويلومونني علي رفضه ومما زاد الطين بلة أنه بعد شهر تقدم لي احد زملائي في العمل وكان عمره30 عاما ففرحت جدا وظننت انه طوق النجاة ولكن والدته رفضت بشدة لأنني قاربت الثلاثين وانها تريد له زوجة صغيرة ولم يستطع ان يقنع والدته فانسحب فازدادت حدة اللوم والتقريع والمعايرة لي واتهامي بالعند والتفكير الخاطئ وانني بعد ان كنت رافضة اصبحت مرفوضة ونسوا كل الاسباب التي دفعتني لذلك, هذه الأسباب التي كانوا مقتنعين بها في وقتها ولكن بعد ان دخلت في الثلاثين اصبحت انا السبب في كل شيء انا الملامة الوحيدة وان حلمي بالزواج من شخص ارضي به علي الاقل خيال لأنني فقيرة ولست بنت( بارم ديله) يجب ان ارضي بما تلقي لي الحياة من فضلات الرجال ولا يحق لي ان أعترض, فالمهم ان اتزوج فقط لأجد عند كبر سني من يعولني ويسأل عني وان الزواج بأي شخص مهما يكن افضل من البقاء بلا زواج وهذا ما لم يقتنع به عقلي ويرفضه قلبي.
وزادت في هذه الأيام جرعة العتاب نظرا للاجازة الصيفية وجلوسي في المنزل معظم الوقت وكثرة الافراح في العائلة وعندما افضفض مع صديقاتي اسمع اقتراحات عديدة اولها الذهاب لأحد السحرة وثانيها ان اخلع الحجاب واللبس الشرعي وأضع المساحيق وألبس علي الموضة لكي ألفت انظار الشباب وامكث في المولات والنوادي طوال اليوم محاولة الإيقاع بأي شاب.
وهذا ايضا ما لم يقتنع به عقلي وضميري ولكن الزن علي الودان امر من السحر كما يقولون فقد كنت في الماضي اكثرا ثباتا وقوة من الآن واكثر املا في المستقبل ولكن مع مرور الوقت دون تحقيق ابسط احلامي يزداد شعوري بخيبة الأمل واصبحت اشعر بأنني مثل الشجرة التي تهب عليها رياح عاتية من كل جهة من اهلي واقاربي وصديقاتي ومن نظرة المجتمع لي, وكل هؤلاء يجمعون علي أني خطأ وهم الصواب وان عبارة[ في النهاية لايصح إلا الصحيح] تغيرت وأصبحت[ في النهاية لايصح إلا الخطأ] وان علي أن أغير نفس للأحسن في نظرهم وللأسوأ في نظري مما جعلني أقف امام المرآة بعد ان خارت قواي علي احتمال الكلام المسموم وأسأل نفسي: هل كل هؤلاء خطأ وأنا الوحيدة الصواب؟ هل أنا حقا عنيدة؟ هل يجب أن أتغير وألين؟
هل هؤلاء هم أهلي حقا أم ناس آخرون لا أعرفهم؟.
كيف استطاعوا ان يصلوا بي إلي هذه الحالة, وأنا الفتاة المؤمنة الملتزمة القوية التي لم تتنازل عن اخلاقها ومبادئها في يوم من الأيام, والتي وقفت ثابتة امام إغراءات شياطين الانس والجن كيف لا أصعب عليهم وأنا أظل باكية العينين لماذا لا تأخذهم بي الرحمة؟ لماذا لاتأخذني أمي في حضنها وتطبطب علي؟ ما الجرم الذي ارتكبته؟
هل أخطأت عندما أنهيت الخطوبتين ورفضت قريبي هذا؟
ولو كنت علي حق لماذا لايقتنعون بذلك؟
أعرف ماستقوله لي: ان هذا لايحدث لي وحدي بل لبنات كثيرات في مصر, وأنك أفضل من غيرك, أعرف ذلك, وفي قرارة نفسي متيقنة ان كل شيء قضاء وقدر, وأن الدنيا مجرد بوابة للآخرة والآخرة خير وأبقي.
ولكن ما أطلبه منك سيدي الفاضل ألا تتعاطف معي, ولكن ان تري مشكلتي بوجهة نظر محايدة كما تفعل دائما مع القراء, وتجيبني: فيم أخطأت؟ وفيم أصبت؟ وتناشد المجتمع الرحمة والكلمة الطيبة.
وتقول لي: كيف أعود كما كنت ثابتة قوية مقتنعة بما افعل؟
وكيف أواجه هذه العاصفة من الكلام المسموم والتجريح المستمر؟
وكيف أغير حالي ونفسي للأحسن؟
وماهو هذا الأحسن؟
سيدتي: أجد في نفسي ضعفا امام رسالتك التي تعكس أزمة حقيقية ومؤلمة أستشعرها في بريدي, فخطابات البنات تنهمر علي, فأجدني مدفوعا مرات كثيرة إلي نشر صرخاتهن من قسوة الواقع, مفسحا تلك المساحة المحدودة, لعل من بيده الأمر يلتفت إلي خطورة أزمة الزواج في مصر, علي تماسك المجتمع وسلامته.
رسالتك ـ ياعزيزتي ـ علي الرغم من تفاصيلها الفرعية, تكشف وجوها عدة للأزمة, بداية من تكاسل والدك ـ إذا كان فعل ذلك عن قصد وإهمال وليس لضعف أو مرض ـ فلم يسع إلي توفير حياة كريمة لكم مع أنه كان يستطيع, وهذا ما أدي إلي انسحاب العريس الأول, وفشل خطبتك بعد أن رأيت صورة والدك في هذا الخطيب. ودعيني أتوقف معك هنا, لأن هذه الخطبة تعكس حالة العجلة في قبول العريس بدون بحث كاف للتأكد في اخلاقه وطباعه ومدي تواؤمها معك, وبدون استفادة من تجربة الفشل الأولي, ارتكبت وأسرتك نفس الخطأ مع الخطيب الثاني, وقبلته لإمكاناته المادية و رغبة في الزواج وخلاص ومع ذلك أري قرارك بالانفصال مبكرا في الخطبتين صائبا, لأنه إذ لم تتوافر الاشتراطات المعروفة من حيث الدين والامانة وبالتالي الخلق الكريم, فلن ينجح هذا الزواج وكنت ستحملين لقب مطلقة مبكرا أو تعيشين حياة بائسة حتي تهربي من نظرة المجتمع الظالمة للمرأة المطلقة.
ما بين الخوف من العنوسة وبين الفزع من الفشل وحمل لقب مطلقة, تقفين مع غيرك من ملايين البنات, تحلمين بحياة زوجية مستقرة, لكن ظروف المجتمع الاقتصادية والثقافية تحرمكن من هذا الحق الطبيعي لأسباب تبتعد عن القدر والنصيب. فلابد من توفير شقق صغيرة تشجع الشباب علي الزواج, ولابد من التوعية بأن هذه الظروف رفعت سن الزواج عند الطرفين, لذا فليس من العدل أن يفكر كل شاب اقترب من الاربعين في الزواج بفتاة صغيرة في بداية العشرينيات, لأن هذا سيخلف جيلا كاملا من البنات بلا زواج.
لست وحدك ـ ياعزيزتي ـ فمثلك ملايين لم يتزوجن ليس لعيب فيهن, فلا تستسلمي للعذاب والوحدة, وثقي بأنك لم تخطئي برفضك لأزواج غير مناسبين, فقرارك يعكس نضجك وثقتك بنفسك, ولا تصدقي أن الأمر له علاقة بزيك ولا بالتزامك الديني, فقد توحي الصورة من الخارج, بأن المتبرجات, ومن يسعين لإيقاع الشباب في المولات والنوادي, يتزوجن أسرع, لكن هل تعرفين مدي نجاح مثل هذا الزواج, وهل يستمر أم ينتهي بالطلاق والفضائح بعد أن يخلف ابناء يدفعون أثمان أخطاء لم يرتكبوها؟
ايتها الشجرة الصامدة, لا تسمحي للرياح السوداء بأن تهزك أو تنال من إيمانك فلن يصح إلا الصحيح, حتي لو ساد الخطأ.. لاتغيري من نفسك فمن هم حولك أحق بالتغيير. علي كل أم أن تتوقف عن الاشارات المؤلمة أو اظهار عذابها لتأخر ابنتها في الزواج, فلا تدفعها إلي ما لا ترضي عنه, عليها أن تحتويها, تحتضنها وتنتظر قدرها الذي سيأتي حتما في الوقت الذي حدده الله سبحانه وتعالي.
مشكلتك ياآنستي هي مشكلة وطن يجب علي عقلائه ومثقفيه ومسئوليه ان يضعوا أزمة الزواج في مقدمة الأولويات, فادع للوطن ومن فيه, وأحمدي الله علي حمايته لك بعقلك الناضج وأخلاقك الرفيعة.. وإلي لقاء بإذن الله.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الثلاثاء، ٣١ يوليو ٢٠١٢
الرياح السوداء
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق