05-03-2004
قرأت رسالة الخروج من الشرنقة للشاب الذي يشكو من محاولات والدته السابقة لإفساد أي مشروع زواج يقدم عليه.. ثم من محاولاتها بعد أن تزوج للاستئثار به دون زوجته, ومحاولتها إجهاضها بعد أن حملت, إلي آخر ما جاء في رسالته.. وقد دفعتني هذه الرسالة لأن أروي لك قصتي عسي أن تستفيد بها بعض الأمهات اللاتي يحتجن إلي النصيحة, فأنا سيدة تزوجت من محاسب عمل لفترة طويلة بالخارج.. وصاحبته في مقر عمله بضع سنوات في البداية, ثم حين تقدم الأبناء في مراحل الدراسة استقر رأينا علي أن أرجع بهم إلي مصر ليواصلوا دراستهم وأتفرغ لرعايتهم.. علي أن يأتي زوجي إلينا كل ستة أشهر, ويقضي معنا شهر الإجازة الصيفية.. أو نذهب إليه نحن فيها..
واستقرت حياتنا علي هذا النحو.. وارتبطت خلال هذه الفترة بابني الاثنين ارتباطا شديدا حيث أصبحت بمثابة الأب والأم والمرشد والصديق لهما, ولأنني قوية الشخصية بطبعي فلقد فرضت عليهما سيطرتي الكاملة.. بحيث لا يخطوان خطوة دون استشارتي وقبولي.. وإذا غضبت علي أحد منهما أنزوي خجلا وراح يستعطفني أن أسامحه وأعفو عنه, أما زوجي فكان قد استسلم لسيطرتي عليه منذ البداية.. وراح يستجيب لكل طلباتي المادية والعائلية.. ورحت أنا أنفق ببذخ علي نفسي وبيتي وأشتري أشياء ربما لا أحتاج إليها, لكني أتلذذ بعملية الشراء نفسها, وأشعر بالفخر وأنا عائدة من الشارع محملة بأكياس الحقائب الجلدية والأحذية والملابس والاكسسوارات, وتسعدني تعليقات الجارات والصديقات علي كثرة مشترياتي..
وواصل الابنان دراستهما إلي المرحلة الجامعية.. وتخرج الأبن الأكبر.. وكالعادة أحب ابنة الجيران وأراد أن يتزوجها وفاتحني في ذلك فرفضتها علي الفور لأنها من أسرة عادية وليست ثرية, ولم اقتنع بما قاله لي من أنه يحبها ولن يجد سعادته إلا معها, لأنني لا أعترف بالحب ولا أومن به.. وأؤمن فقط بأن الزواج لابد أن يكون متكافئا بين الطرفين في المال.. وحبذا لو كانت العروس أكثر ثراء لكي تشتري أثاثا فاخرا وتسهم بدخلها في نفقات الحياة..
ولم يقتنع ابني برأيي.. وصدمت لمخالفته لي لأول مرة.. لكني لم أستسلم للغضب حين ألح علي بالموافقة علي اختياره ومساعدته علي خطبة فتاته, وقررت أن أتبع معه طريقة أخري, فأقنعت أباه بأن نسايره ونتظاهر بالموافقة علي اختياره, ثم أقوم أنا بطريقتي الخاصة بتدمير هذه العلاقةوإنهائها.. وفعلنا ذلك وسعد ابني كثيرا بتغير موقفي وصحبناه إلي بيت أسرة الفتاة لقراءة الفاتحة وتقديم الدبلة ـ وتظاهرت بالفرح والابتهاج بخطبة ابني.
ومن الأيام التالية علي الفور بدأت في التخطيط لإفشال هذه الخطبة.. وكان سلاحي هو الاستعلاء والتكبر علي أسرة الفتاة, وانتهاز كل فرصة لإشعارها بتكبري عليها وبالفارق الاجتماعي والمادي بيننا وبينها.. وافتعال المشاكل معها.. ومحاولة الإيقاع بين ابني وفتاته, لكنهما صمدا للعجب أمام كل هذه المحاولات وازدادا تمسكا ببعضهما بعضا.. فلم أجد في النهاية من وسيلة لتشويهها هي وأسرتها سوي الادعاء بأنهم طامعون في مالنا لأنهم فقراء. ورحت أردد هذا الكلام في كل مكان لكي يصل إلي أسرة الفتاة.. وعاتبني بعض الأهل علي ذلك فلم أستجب لهم.. وواصلت حملتي علي أسرة الفتاة.. حتي حققت أغراضها وشعر والدها بجرح كرامته, وتحدث إلي ابني أكثر من مرة.. وعاتبني ابني, فأنكرت, ولم يتحمل والدها الإهانة فبادر هو بفسخ الخطبة وحبس ابنته في البيت ومنع ابني من زيارتها أو الاتصال بها.. وشعرت أنا بالزهو والانتصار.. وتظاهرت بالأسف لفشل الخطبة, ووعدت ابني بأن أرشح له من هي أفضل منها.. ولم يرق قلبي له وأنا أراه حزينا مكتئبا ويشعر بالإهانة, وأنزوي ابني في غرفته لا يغادرها إلا إلي العمل, وتوقف عن الكلام معي ومع أبيه.. ولم يعد يتحدث مع أحد سوي شقيقه الذي يصغره بعامين, وبعد عدة شهور تزوجت الفتاة بإلحاح من أبويها من شاب مناسب وانتقلت إلي مسكن الزوجية, وعلم ابني بذلك فازداد صمتا وانطواء وبعدا عنا, وبعد شهور أخري فوجئنا به يجمع ملابسه وأشياءه الخاصة, ويقول لنا إنه قد تعاقد للعمل في احدي الدول العربية وسيسافر إليها الليلة!
ودهشنا كيف لم يبلغنا بذلك من قبل, وسألناه عن عنوان عمله ومسكنه في البلد العربي فأجاب باقتضاب بأنه لا يعرفهما بعد, وأن مندوبا من الشركة سينتظره في المطار وينقله إلي استراحة الشركة.. ثم يستقر بعد ذلك في مسكن.., إذن كيف نتصل بك.. ومتي ستتصل بنا لتطمئننا عليك؟ فيجيب بأنه سيتصل بشقيقه ويبلغه بكل شيء.. وسافر وأنا في شدة الضيق والعصبية والغم.. فلقد خرج عن نطاقي نهائيا, وأصبح يفكر ويخطط ويتصرف وحده.
وانتظرت أن يتصل بنا بعد وصوله إلي مقر عمله.. فلم يتصل, وعلمت أنه يتصل بشقيقه علي التليفون المحمول من حين لآخر, ويطمئنه علي أخباره, لكنه لايسأل عن أبيه وأمه خلال الاتصال, ولا يعطي أخاه عنوانه أو رقم تليفونه لكيلا نعرفه منه.. ولكي يكون صادقا أقسم لنا أنه لا يعرفهما ومضت بنا الأيام.. وجاء اليوم الذي فاتحني فيه ابني الأصغر برغبته في الزواج.. ورحبت بذلك ووعدته بأن أختار له عروسا ممتازة له.. ولأنه قد تعلم من درس تجربة أخيه فلم يعارض وإنما استسلم لكل رغباتي ووافق علي الفتاة التي اخترتها له وقبل بكل ما أمليته عليه من خطوات وشروط.., وأبدي أهل الفتاة قدرا كبيرا من المرونة فلم يتمسكوا بشيء اعترضت عليه أو رفضته.. وكأنما قد خبروا قدرتي علي الهدم والتدمير فخشوا أن استخدمها معهم.
وتم زواج ابني الأصغر تحت إشرافي ووفقا لشروطي.. وإبني يستجيب لكل ما أقرره طلبا للسلام, وامتثلت زوجته لأوامري في كل شيء حتي مواعيد حضورها مع ابني للزيارة كما أردتها.. ولأوامري لها بعدم زيارة أهلهاإلا مرة واحدة لبضع ساعات كل شهر, وبدا أن الجميع سعداء وراضون بسيطرتي وأوامري.. لكني فوجئت بعد عدة شهور بابني الأصغر يبلغني بأنه سيسافر بعد غد إلي البلد العربي الذي يعمل به شقيقه, لأنه تعاقد للعمل بإحدي الشركات هناك بمساعدة أخيه, وأنه سيقيم معه لفترة في البداية, ثم يتخذ لنفسه مسكنا مستقلا ويستدعي زوجته بعد أن تضع حملها خلال أسابيع! يا ربي متي حدث كل ذلك؟ ولماذا لم تبلغني به في حينه, ولماذا أفاجأ دائما بنبأ رحيل ابني قبل موعد الطائرة بساعات؟ وبغير أن يجيب أدركت أنا أنه قد عمل بوصية شقيقه الأكبر له, بأن يتكتم نية السفر عني وعن أبيه لكيلا أعترض أو أثير له المشاكل أو أضيع عليه الفرصة, كما أضعت علي ابني الأكبر حلمه بالزواج من فتاته. وثرت ثورة هائلة وصببت جام غضبي علي رأس ابني وزوجته التي اتهمتها باللؤم والخبث وسوء الطوية والتخطيط لانتزاع ابني من أمامي, وانهلت باتهاماتي علي أهلها وأسرتها.. حتي زوجي لم ينج مني بالرغم من قسمه لي بأنه لم يعرف بالخبر إلا مني.
وتحمل الجميع ثورتي لكن زوجة ابني بكت طويلا وشعرت بالمهانة وأقسمت ألا تدخل لي بيتا مرة ثانية, فلم أتوان عن طردها من البيت أمام زوجها, وسافر ابني وهو ممرور مني لإهانتي له ولزوجته ومنعتني كبريائي من أن أطلب منه أن يتصل بنا للاطمئنان عليه وابلاغنا برقم تليفونه.. وآثرت الاستعلاء علي إظهار أي ضعف أمومي تجاهه.
ومضت الأيام والأسابيع وهو لايتصل بنا.. وتصورته وهو يروي لشقيقه في الغربة ما فعلته معه.. ويشتركان معا في مهاجمتي وانتقادي فامتلأت نفسي سخطا وغضبا, وقررت أن أتحدي الضعف وأثبت للجميع أنني لم أخسر شيئا.. وانما الخاسر هما ابناي.. فنهرت زوجي حين اتهمني بتطفيش الابنين والقسوة عليهما حتي ابتعدا عنا.. وطلبت منه ألا يعود للحديث في هذا الموضوع مرة أخري, وبدأت أكثر من الخروج وحدي أو مع زوجي في زيارات عائلية واجتماعية وإلي النادي.. وفرضت علي زوجي أن نسافر في رحلات سياحية إلي أجمل الأماكن في مصر من شرم الشيخ إلي الغردقة إلي الأقصر وأسوان وأنفقت بجنون.. وغيرت سيارة زوجي التي أقودها نيابة عنه, وجددت أثاث الشقة واندمجت في شلة صديقات جدد بالنادي, وأصبحنا نقضي وقت الضحي والظهيرة معا ثلاث مرات اسبوعيا بالنادي.. وبدوت أمام الجميع دائما سيدة قوية وميسورة الحال وسعيدة بحياتها وزوجها ويعمل أبناؤها بالخارج, وخلال ذلك ترامت إلي أنباء غريبة.. فلقد سمعت أن الفتاة التي كان ابني الأكبر يريد أن يتزوجها قد فشلت في حياتها الزوجية التي فرضت عليها وطلقت من زوجها ومعها طفلة في الرابعة من عمرها وليس في ذلك شئ عجيب في
حد ذاته.. أما العجيب حقا فهو أن ابني قد علم بوسيلة أو بأخري بطلاقها, فاتصل بأهلها وسأل عن موعد انتهاء العدة واتصل بالفتاة.. وفي الموعد المناسب جاء لمصر وتقدم لأهلها وحده دون أي فرد من عائلته وقبل به أهلها علي هذا النحو لسابق تجربتهم معي, وعقد قرانه عليها.. وعاد من حيث جاء, ولم يقض في مصر سوي48 ساعة, لم يتصل خلالها بنا ولم يزرنا.. وبعد أسبوعين سافرت إليه فتاته القديمة مع طفلتها وبدآ حياتهما الزوجية التي تأخرت خمس سنوات بسببي!
وشعرت بغصة شديدة في حلقي ومرارة أشد في قلبي..
إلي هذا الحد نسي ابني الأكبر أمه وأباه.. وكره أن يراهما أو يتحدث إليهما, وما ذنب أبيه وهو كما يعرف عنه مغلوب علي أمره معي, ولم يرد له ما حدث, ألم يشعر بالشوق إلي أبيه بعد ثلاث سنوات من الغياب.
لقد علم والده بما جري بعد عدة أسابيع فحزن حزنا شديدا واشتدت عليه وطأة المرض حتي لازم الفراش, ولم يعد قادرا علي مغادرته إلا إلي الحمام وبصعوبة شديدة, ووجدت نفسي أقضي معظم أوقاتي إلي جواره أرعاه وأحاول تعويضه عما جنيته عليه, وفي هذه الفترة بدأت ولأول مرة في حياتي الاقتراب من الله, فانتظمت في الصلاة ولم أكن أواظب عليها من قبل.. وبدأت أقرأ القرآن كل يوم لمدة نصف ساعة.. وأستمع إلي إذاعة القرآن الكريم التي لايسمع زوجي سواها, وكنت أضيق بها من قبل.. وبدأت أشياء كثيرة داخلي تتغير.. فندمت علي تكبري علي الآخرين وغروري واحتقاري للضعفاء والبسطاء, وعلي بعدي عن الله في معظم سنوات عمري, وأسفت أشد الأسف علي ما فعلت بأسرة فتاة ابني الأكبر وادعاءاتي عليها وعلي ابنتها بالباطل, وعلي تدبيري لإفشال خطبته لها وقسوتي علي ابني الأصغر وزوجته, ونظرت في المرآة فوجدت الجمال الذي كنت أتيه خيلاء وغرورا به قد بدا يذبل, والقوة التي اعتززت بها تتحول إلي ضعف ووحدة.. وأيام وليال موحشة وكئيبة لايزورنا خلالها أحد ولا يسأل عنا أحد حتي أقرب الناس إلينا وهما ابناي.. انني نادمة علي كل ما فعلت وأريد أن يعرف ابناي ذلك وأن
يتصلا بأبيهما المريض الذي يبكي كل يوم وهو يتحدث عنهما ويتشوق إليهما, ولن أفرض نفسي عليهما إذا أرادا ألايتكلما معي.. لأن المهم هو أن يتحدثا إلي أبيهما ويعيدا إليه البسمة والأمل في الحياة.. فهل يفعلان وهل تكتب لهما كلمة تناشدهما فيها أن يفعلا ويعفوا عما سلف ويفتحا معي ومع أبيهما صفحة جديدة خالية من المرارات؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
النجاح الحقيقي لأي أم حكيمة هو أن تملك أبناءها بالحب والعطف والفهم, والعطاء المستمر لهم من ينبوع الحنان الدافق في أعماقها من البداية للنهاية, وفي مقابل هذا العطاء الدائم يرتبط الأبناء بالأمهات والآباء ارتباطا أبديا يسري في شرايينهم.. فتقطر حبا وعطفا وبرا ووفاء للأبوين, أما امتلاك الأبناء بالتسلط وقهر إرادتهم وفرض رغائبنا وأفكارنا نحن عليهم دون تبصر أو مراعاة لرغباتهم وارادتهم واستقلاليتهم.. فهو نجاح مزيف ومؤقت, إذ لا يلبث أن ينكشف عن فشل تام في إنشاء العلاقة السوية العميقة مع الأبناء.. ولايلبث أن ينكشف عن بركان من التمرد والنفور والعدوانية تجاه الأم المسيطرة أو الأب المسيطر, بمجرد أن يملك الأبناء مقاديرهم ويستطيعوا الاستغناء عن الاعتماد علي الأبوين في متطلبات حياتهم.. بل إن بعضهم قد يبدأ هذا التمرد وهو مازال معتمدا علي أبويه من الناحية المادية.. معتمدا علي قدرته علي ابتزازهما والحصول علي ما يريد منهما..
ولأن الأمر كذلك فلقد عجبت وأنا أقرأ في رسالتك إنك قد شعرت بالزهو والانتصار حين نجحت في تدمير خطبة ابنك الأكبر وحرمانه من حلمه بالزواج منها, لغير شئ سوي أنه قد اختار لنفسه بدلا من أن يواصل الاعتماد عليك في اختيارات الحياة, كما كان الحال وهو فتي, وبدعوي أن الفتاة من أسرة عادية وليست ثرية.. وكان عجبي لإحساس الانتصار في حرمان ابن طيب لم تبدر منه أية بادرة سوء تجاه أبويه من حبه وحلمه في الزواج والسعادة حتي ولو كان أبواه غير مقتنعين تماما بأنه قد اختار الأفضل لنفسه, فلقد كان من حقه أن يحقق أحلامه ويخوض تجربته مادام الاختيار في النهاية في الإطار العام المقبول وليس في الفتاة أو في أسرتها مثالب واضحة تدين اختياره؟
إن بعض مواقف الحياة قد تجرفنا, إن لم نتنبه لذلك ـ إلي تحديات مع أقرب البشر إلينا يكون انتصارنا فيها أكثر إيلاما لنا في الحقيقة من هزيمتنا, لأننا لاننتصر فيها للأسف إلا علي فلذات الأكباد, ولأننا نتجرع مرارة هزيمتهم قبل أن يتجرعوها, كما أن الانتصار الحقيقي هو الذي يتحقق علي أهواء النفس وأنانيتها وميلها الغريزي للتسلط علي الأحباء, وليس علي ثمرات القلب وأحلامهم البسيطة.
لقد فاتتك يا سيدتي أشياء كثيرة خلال رحلة الحياة, ولقد تفكرت طويلا في أسباب ذلك فلم أجد تفسيرا له سوي في اعترافك ببعدك معظم سنوات الرحلة عن الله سبحانه وتعالي, واعتزازك بأعراض الدنيا الزائلة, وتكبرك وغرورك بمالك وجمالك وسطوتك علي زوجك وابنيك.
والحكمة القديمة تقول إن الاستبداد هو الأب الشرعي للمقاومة.. ولهذا فلقد شق عليك ابنك الأكبر عصا الطاعة وابتعد عنك وعن أبيه لإحساسه بالقهر معك وإيمانه بمسئوليتك عن تدمير خطبته السابقة وحرمانه من السعادة مع فتاته, وتلاه ابنك الأصغر لإهانتك له ولزوجته واستبدادك بهما معا, وفرضك عليهما أسلوب حياتهما ومواعيد زيارتهما لك ولأهل الزوجة وغير ذلك من أمور الحياة..
ولاعجب في ذلك فالكأس الممتلئة تفيض بما فيها فجأة ودون سابق إنذار.
انني لا أقر مقاطعة ابنيك لك ولأبيهما بالرغم من تفهمي لأسبابها والتماسي لبعض العذر لهما فيما فعلاه... لأن هذه القطيعة التامة هي في النهاية جنوح عن جادة الرحمة والعدل, يوقعهما في إثم عقوق الوالدين, وهو إثم لو تعلمون عظيم.. ولقد كان في مقدور الابن الأكبر أن يبقي علي شعرة معاوية مع أبويه مهما كانت مرارته من أمه, وأن يطلعهما علي عنوانه ووسيلة الاتصال به, ويعفي ضميره من الإحساس بالذنب بالكتابة إليهما كل حين أو الاتصال بهما كل فترة, ودون أن يسمح بما يخشاه من محاولتك استعادة السيطرة أوإملاء إرادتك عليه.. وبذلك يدفع عن نفسه وزر العقوق والإحساس بالذنب.. ويحتفظ باستقلاليته كما يشاء, خاصة أنه قد تحرر بالفعل من قيود الأم الحديدية وحقق حلمه المتأخر بالزواج من فتاته.. فلماذا يفسد سعادته بتحمل وزر قطع صلة الرحم مع أبويه؟
أما بالنسبة لابنك الأصغر.. فلقد مضت شهور منذ سافر غاضبا شاعرا بالإهانة لنفسه وزوجته.. فلماذا لم تسعي أنت للإصلاح بينك وبين زوجته قبل أن تلحق به في الغربة.. ولماذا لم تحصلي منها علي عنوانه أو عنوان ابنك الأكبر, لقد فاتك ذلك أيضا ضمن ما فاتك خلال انغماسك في تحدي مشاعر الأمومة وإنكار الضعف ومحاولة التظاهر بأنك لم تخسري شيئا.. وعلي أية حال فإن الزمن خير دواء للجراح.. ولابد أن تكون نفس ابنك قد برأت الآن من المرارة والغضب.. وأصبح مستعدا نفسيا للتجاوز عما حدث.. كما أنني أحسب أن ابنك الأكبر وقد حقق لنفسه ما أراده ما عاد يسعده أن يصم نفسه بقطيعة أبويه وعقوقهما..
والمشكلة فقط هي فيمن يبدأ الخطوة الأولي.. غير أن المنطق يقول إن هذه الخطوة لابد أن تجئ من الابنين لسبب بسيط, هو أنهما يعرفان كيف يتصلان بأبويهما ــ في حين يعجز الأبوان عن القيام بمثل هذا الاتصال.. وإني علي ثقة من أنهما سوف يتجاوزان عما جري, ويحرران نفسيهما من وزر العقوق وقطع الرحم.. ويفتحان صفحة جديدة مع أبويهما خالية من المرارات والأحزان.
فكل شئ إلي زوال. ولا يبقي إلا العمل الصالح, ولا معني لأي نجاح يحققه الإنسان وهو محروم من الأهل والأحباب والمشاعر الأبوية والإنسانية الصادقة.
ولقد روي الأديب والمفكر الفرنسي أندريه مالرو في مذكراته أنه في نهاية حوار طويل في أواخر الحرب العالمية الثانية بين الزعيم السوفيتي ستالين والزعيم الفرنسي ديجول عمن سوف ينتصر في الحرب قال ستالين:
ــ في نهاية الأمر لاينتصر إلا الموت!
فإذا كان الأمر كذلك, فلماذا نبدد فرصة العمر القصيرة في القطيعة والخصام واجترار المرارات؟
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
السبت، ١ أبريل ٢٠٠٠
الحلــم المتأخــر
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق