11-06-2004
قرأت رسالة......... للشاب المكافح الذي كان اخوته ينكرونه ويجافونه لأنه ابن الزوجة الثانية لأبيهم الراحل.. والذي روي لك أنه صبر علي جفاء اخوته له وعلي ظروفه القاسية وحافظ علي صلة الرحم معهم بالرغم من نفورهم منه ـ وكافح كفاحا مريرا وعمل عاملا في محل لطحن البن ثم بدأ يتاجر فيه وتحسنت أحواله حتي تغلب علي ظروفه ـ وأصبح تاجرا ناجحا وثريا, فاعترف به اخوته من أبيه وأصبحوا يرحبون به ويحترمونه بل ويقصدونه لطلب الخدمات أو القروض منه, ولقد شجعتني هذه الرسالة علي أن أروي لك أنا أيضا قصتي التي تعكس وجها آخر للعلاقة بين الإخوة.. فإذا كان كاتب الرسالة هو الأخ الذي حرص علي صلة الرحم برغم إنكار اخوته له, فلقد كنت أنا للأسف الأخ المبتعد عن اخوته الرافض للتقارب معهم, وأرجع إلي البداية فأقول لك إنني ابن وحيد بين أربع بنات لأب كان يملك مشروعا تجاريا ناجحا, وقد أنجبني بعد ثلاث من البنات فسعد بي سعادة طاغية, واهتم بي اهتماما كبيرا, وأغدق علي بالعطف والحب والحنان, وأشركني معه في عمله وأنا مازلت صبيا لكي أتعلم أسرار العمل الذي سأخلفه فيه بعد عمر طويل, وبعد عدة سنوات أراد أن أتوقف عن الدراسة لاتفرغ للعمل معه, لكنني فضلت أن أواصل دراستي وأن أحصل علي شهادة تكون سلاحا لي حتي ولو عملت بالتجارة, ولم يتمسك أبي برغبته طويلا فلقد كان حريصا علي ألا يغضبني, وهكذا واصلت الدراسة والعمل معه حتي حصلت علي بكالوريوس التجارة.. وكانت هدية أبي لي يوم ظهور النتيجة سيارة صغيرة وتفرغت للعمل معه, ووجدت بين يدي نقودا كثيرة فانسقت بعض الشئ وراء عبث الشباب ومغامراتهم, وانزعج أبي كثيرا حين علم بذلك وكانت شقيقاتي الثلاث اللاتي يكبرنني قد تزوجن, فألح علي أبي أن أسارع بالزواج لكي يطمئن علي, وعرض علي ابنة صديق له من أسرة كريمة, وجاريته في البداية لكيلا أغضبه, وأنا أعتزم التسويف والمماطلة, ووافقت علي أن أري الفتاة المرشحة لي في بيت عمتي ورأيتها, فإذا برعشة كهربائية مفاجئة تسري في دمي, وإذا بي أنجذب إليها وأعجب بها, وخطبتها, ووقعت خلال فترة الخطبة في غرامها فانصرفت عن عبث الشباب وأخلصت لها وشعرت بحبها الكبير لي, وتزوجنا وسعدنا بحياتنا معا..
ورحل أبي عن الحياة بعد زواجي بشهور, وخلفته في العمل وتحملت مسئوليته وأصبحت الأخ الأكبر الذي يرعي شقيقاته, بالرغم من أن ثلاثا منهن يكبرنني. وبهذا الاحساس وافقت علي زواج أختي الصغري من شاب تقدم لها وأشرفت علي إعداد جهازها وكل متطلباتها.
وكنت منذ وفاة أبي وإنهاء اجراءات الوراثة قد اعتدت أن أعطي لشقيقاتي ما يحتجن إليه من نقود خلال العام وأسجله لدي, فإذا انتهت السنة وأجرينا حساباتها الختامية تحاسبنا فيكون لكل منهن مبلغ من المال كإيراد عن نصيبها في الشركة أو تكون قد استهلكته كله أو تجاوزته, فيخصم الزائد من حساب السنة التالية, وكانت أمي راضية عن ذلك وسعيدة به وتدعو لي بالفلاح والنجاح والسعادة, إلي أن جاء يوم وفوجئت بزوج كبري شقيقاتي يحدثني بلهجة لم أسترح إليها عن نصيب زوجته, ويريد أن يطلع علي حسابات العمل, فثرت عليه ثورة هائلة واتصلت بزوجته غاضبا وعنفتها وقاطعتها بعد ذلك وشكوتها لأمي ولأخواتي.. ولم أكتف بذلك وإنما قررت أن أعاقبها عقابا رادعا, علي سماحها لزوجها بهذا التدخل, فأصررت علي اخراجها من الشركة وتصفية نصيبها فيها ودفع قيمته لها فلا تعود لها ولا لزوجها أية صلة بها.. وتعقدت الأزمة وفشل الأهل في التقريب بيننا, وانتهي الأمر بعمل تسوية لنصيبها, رفضتها هي في البداية وأصريت عليها ولم أستجب لأية وساطة.. كما لم أستجب أيضا لضغط زوجتي علي لكي أرجع عن تصميمي وأقبل بتعديل التسوية لصالح أختي التي رضخت في النهاية ووقعت علي التخارج من الشركة وقبضت المبلغ الذي حددته وهي تنذرني بأن الله لن يبارك لي في مالي ولا في عيالي لأني قد ظلمتها!
وتركت الأزمة آثارها علي علاقتي ببقية شقيقاتي, فلقد أصبحن يخفن مني منذ هذا الحين, وبدأت أنا أفتقد الحب الصافي الذي كنت أستشعره في علاقتي بهن, غير أنني لم أهتم كثيرا بذلك, فلقد ازدهر العمل وكثرت الشواغل.. وتباعدت اللقاءات بيني وبينهن وأصبحت أعمل14 أو15 ساعة في اليوم وأقطع البلاد من شمالها إلي جنوبها لأنها متطلبات العمل, ثم بدأت مشروعا جديدا وانهمكت في تنفيذه فإذا بخاطر غريب يلح علي هو لماذا أوزع عائد جهدي وشقائي علي من لا يبذلون قطرة عرق واحدة في كسب هذا المال؟ صحيح أن لشقيقاتي حقا في هذا المال بقدر أنصبتهن في تركة أبي, لكن المحصلة هو أنني أشقي وأتعب وحدي ويجني أزواجهن ثمرة شقائي بلا تعب ولا مجهود, وهذا وضع ينبغي ألا يستمر طويلا, وهكذا قررت إخراج شقيقاتي من الشركة وتعويضهن عن أنصبتهن فيها وأعلنتهن بذلك وعرضت عليهن تسوية رأيتها عادلة ورأينها هن وأزواجهن ظالمة, فحزنت أمي كثيرا وحذرتني من ظلم اخواتي, وغضبت الشقيقات الثلاث لكنهن لم يخرجن معي عن حدود الأدب.. وكان أقصي ما قلنه لي هو: إنك تظلمنا بهذه التسوية لكن الظفر لا يخرج من اللحم, ولن نشكوك إلا الي الله تعالي, ولن نقطع صلتنا بك إكراما لأبينا وأمنا وزوجتك الطيبة التي لا ترضي عما فعلت معنا.
واهتززت قليلا حين سمعت منهن ذلك, لكني قدرت أنهن سوف ينسين غضبهن مع الأيام وتعود العلاقة لسابق عهدها بيننا, وتوقفت امام اشارتهن لموقف زوجتي وكيف أنها غير راضية عما أفعل, وتعجبت كيف لها وهي تحبني حبا عميقا أن تخالفني في رغبتي في التحرر من الشركاء والانطلاق حرا في العمل, بحيث تكون لي ولها وحدنا ثمرة شقائي وكفاحي, وناقشتها طويلا في ذلك فلمست فيها الخوف من المستقبل ومن أن يضيع المال الذي أحرص علي أن يكون لنا وحدنا إذا تخلي الله عن توفيقه لنا, وحاولت طمأنتها بلا جدوي وانهمكت في تنفيذ المشروع الجديد, وأصبحت الأسابيع والشهور تمضي دون أن أري شقيقاتي, ورحلت أمي عن الحياة وأنا موجود في أسوان فأسرعت بالعودة وقالت لي السيدة العجوز التي كانت ترعاها أن آخر كلماتها لها كانت: قولي لفلان: اخواتك! والتقيت بشقيقاتي في بيت أبي, وشعرت بجفائهن الصامت لي وحاولت ألا أتأثر, وبدلا من أن ألتمس لهن العذر وجدتني أضيق بهن وأتهمهن بظلمي والانقياد لأزواجهن ضدي وعدم مراعاتي كأخ لهن, واستأت من زوجتي لحرصها علي مودتهن بالرغم من أنهن لا يحرصن علي مودتي, وتشاجرت معها ذات يوم وسألتها بأي وجه تزورينهن.. وكيف تسمعين منهن كلاما سيئا عني ولا تردين؟ فأجابتني باكية إنها تزورهن لأنها وحيدة أبويها ولا إخوة لها وتعرف قيمة الأهل مهما حدث بينهم, كما أنهن يحرصن علي مشاعرها فلا تذكرني إحداهن بسوء أبدا أمامها, ولم أقتنع بذلك ولم أطمئن إليه, وعدت للانغماس في العمل من جديد, وفجأة تعرض عملي لمحنة شديدة كادت تعصف بكل ما بنيته علي مدي السنين, بسبب ظروف معاكسة نادرة الوقوع, ولكنها وقعت معي وحدي للعجب, وتعلق أملي في الخروج منها بأن أجد سيولة مالية كافية لتغطية المطلوب, وبالصمود لأطول فترة والصبر علي المشروع الجديد حتي يؤتي ثماره, واستخدمت كل ما لدي من مدخرات في هذه المحنة, وبعت قطعة أرض للبناء واستعنت بثمنها علي انقاذ العمل, وضاقت الحلقة حولي حتي عجزت عن النوم, وشعرت بالاختناق وفي كل يوم مشكلة جديدة ومطالبة جديدة وبمتأخرات حتي كدت أسلم باليأس في بعض الأوقات واستسلم وأشهر إفلاسي, وشعرت زوجتي بما أعانيه فلم تتردد في إعطائي كل مصاغها ومجوهراتها لأستفيد بثمنها في حل أزمتي..
كما جاءتني أيضا بما تملكه من شهادات إيداع لنفس الغرض, وفي شدة ضيقي تذكرت شقيقاتي اللاتي ابتعدت عنهن وابتعدن عني وسألت نفسي هل تراني بالفعل قد ظلمتهن؟ وهل كان تقييمي لنصيب كل منهن في تركة أبينا عادلا أم مجحفا؟ ولماذا أجبرتهن علي الخروج من الشركة, وقد كن جميعا رافضات لذلك؟
ولماذا لم أحرص علي مودتهن ورعايتهن كما يجدر بالأخ الوحيد أن يفعل مع شقيقاته.. إن الظروف المعاكسة التي واجهتها في العمل يندر أن تتجمع كلها في وقت واحد, أو أن تقع واحدة بعد الأخري كما حدث معي, فما هو تفسير ذلك؟ إلا أن يكون التوفيق الالهي قد حجب عني.. وبماذا استحققت هذا العقاب؟
وفكرت طويلا فيما حدث وراجعت موقفي من كل شئ, وكان اليوم يوم الاثنين وأنا صائم صيام تطوع وقررت بيني وبين نفسي أن أنهج نهجا جديدا في الحياة أتحري فيه, دإئما رضا الله سبحانه وتعالي قبل أي شيء آخر, وعدت للعمل بأمل جديد وحرصت منذ ذلك الحين علي صيام يوم الاثنين من كل أسبوع, وعلي أن أجدد العهد مع نفسي في هذا اليوم علي أن أصلح أخطائي, وبدأت الخطوة الأولي علي طريق الاصلاح بزيارة مفاجئة لكبري أخواتي التي حاول زوجها مراجعة حساباتي وكانت قد مضت خمس سنوات كاملة علي القطيعة التامة بيننا, حتي أنني رأيتها في وفاة أمي لم أتبادل معها كلمة واحدة.. وقد توجهت لزيارتها مصطحبا معي زوجتي كأنما أحتمي بها, وفوجئت أختي بي أمامها فلم تتمالك نفسها وهجمت علي باكية واحتضنتني وانهالت تقبيلا علي رأسي ويدي, فلم أشعر إلا ودموعي تنهمر من عيني.. وقبلت رأسها ويدها وطلبت منها السماح ووعدتها بتصحيح كل شيء وارضائها, فإذا بها تقول إنها لا تريد مني شيئا إلا أن أكون أخا لها وخالا لأبنائها, وأن يوم دخولي بيتها بعد هذه السنوات هو يوم عيد وأكدت ذلك بزغرودة فرح طويلة جاوبتها علي الفور زغرودة مماثلة من زوجتي.. وظللت طوال الجلسة دامع العين باسم الثغر, سعيدا.
وبعدها بأيام تكرر نفس المشهد تقريبا في بيوت شقيقاتي الأخريات.. وخرجت من عندهن وأنا أتعجب كيف حرمت نفسي من مودة شقيقاتي هؤلاء وأبنائهن وأزواجهن طوال السنوات الماضية.. وعادت المياه إلي مجاريها بيني وبين أخواتي.. واكتشفت أنني أكثر قدرة علي مواجهة صعاب العمل من ذي قبل. وأنني أعمل وأنا أكثر تفاؤلا بالمستقبل وأكثر أطمئنانا.. واتفقت مع أخوتي علي أن نجتمع كلنا رجالا ونساء وأطفالا علي الغداء في بيت أحدنا يوم الخميس من كل أسبوع لنتناول الطعام معا ونمضي فترة الأصيل في سمر عائلي ممتع.. وانتظمت هذه اللقاءات وكانت البداية في بيتي, وبدأت السحب السوداء التي تجمعت في سماء العمل تنقشع تدريجيا واحدة بعد الأخري إلي أن زالت كلها في مدي عامين, إن لم أكن قد حققت فيهما الربح المنتظر, فلقد كسبت فيهما ما لا يقدر بمال وهو شقيقاتي وأزواجهن وأولادهن.. ثم نشطت عجلة العمل التي كانت تدور بصعوبة.. وتسارعت دورتها واطمأن قلبي إلي عبوري للأزمة بسلام وبدأت أجني الثمار, وهنا قررت تنفيذ ما كنت قد عقدت العزم عليه وأنا في شدة المحنة.. فأعددت لشقيقاتي جميعا عقود مشاركة معي في المشروع القديم الذي ورثناه عن أبينا وتخارجن منه, كل بقدر نصيبها الشرعي في التركة بغض النظر عن أنني قد دفعت لها من قبل قيمة نصيبها عند التخارج, وفاجأتهن بهذه العقود وطلبت منهن توقيعها والاحتفاظ بنسخ منها لديهن.. وسعدن بذلك لكنهن تساءلن وكيف لنا أن ندفع نصيبنا في رأس المال, وقد أنفقنا أنصبتنا التي حصلنا عليها ولا نملك ما ندفعه لك, فأجبتهن بأن العقود تفيد أنهن قد دفعن بالفعل أنصبتهن ولا يحتجن إلي دفع أي شيء جديد, فازددن سعادة.. وانهالت الدعوات الصالحات لي ولزوجتي وأولادي وحاصرتني نظرات الحب والشكر والعرفان. وأريد أن أقول لك إنني لم أفعل ذلك طلبا لرضائهن ومودتهن, فلقد أخلصن لي المودة بالفعل منذ عادت العلاقات بيننا, لكني فعلته طلبا لرضاء المولي سبحانه وتعالي وتنفيذا لوصية أمي الأخيرة قبل أن تفارق الحياة, ويا سبحان الله فكأنني قد عثرت بعد ذلك علي عصا سحرية أشير بها إلي العقبات والصعوبات فتزول عن طريقي بيسر وسهولة بأمر الله.. وتفتح لي الأبواب المغلقة في كل مجال, فلقد ازدهر العمل.. وتضاعفت الأرباح ورسخت أقدامي في السوق, وأصبح لي4 مساعدين متطوعين هم أزواج شقيقاتي أكلفهم بما أشاء من مهام العمل فيؤدونها في حماس وحب, وأكلف هذا بالسفر إلي أسيوط وذاك بالسفر إلي الإسكندرية, فيرحب بما أكلفه به, وفي يوم الخميس نجتمع علي الغداء ونقضي بقية اليوم معا, وكلما احتاجت أخت من أخواتي إلي مبلغ من المال سددته لها وخصمته من عائدها السنوي, فإن كنت قد ندمت علي شيء فعلي أن أمي قد رحلت عن الحياة وعلاقتي بشقيقاتي, شبه مقطوعة فلم تسعد برؤيتنا كما تحب كل أم أن تري أبناءها متحابين متراحمين, أما زوجتي فاني أعجب لها حقا, وأزداد حبا لها وإعجابا بها يوما بعد يوم, فلقد جرت العادة علي أن نسمع الشكوي من سعي بعض الزوجات إلي إبعاد أزواجهن عن شقيقاتهم وتبادلهن الغيرة وسوء الظن معهن, وزوجتي هذه كانت أكثر الناس تعاسة بجفائي لأخواتي في السابق, وكثيرا ما حثتني علي مودتهن, وأصرت علي أن تتزاور معهن طوال فترة الجفاء وعلي الاتصال بهن هاتفيا كل يوم تقريبا, وهي الآن في قمة سعادتها بعودة المياه لمجاريها بيني وبين أخواتي.. وتسألني إذا لم يتواد الإنسان مع أهله وأخوته فمع من يتواد ويصاحب إذن؟
ولقد كتبت لك رسالتي لأقول لك إنني أفضل الآن حالا من كل الوجوه عما كنت حين أغراني طمع الدنيا بإخراج شقيقاتي من تركة أبيهن, وأن مالي لم ينقص بما فعلت معهن بل نما وزاد. وبارك الله لي فيه وفي أبنائي وزوجتي وصحتي وكسبت ما هو أهم من المال وهو راحة القلب والضمير. ونصيحتي لكل إنسان أن يعدل مع ذويه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
العصا السحرية التي عثرت عليها وفتحت لك الأبواب التي كانت مغلقة من قبل في وجهك وأزالت العقبات والصعوبات عن طريقك, هي راحة القلب والضمير والتحرر من الشعور بالذنب تجاه شقيقاتك, ومن شكك أو يقينك بأنك قد ظلمتهن بإخراجهن من تركة أبيهن علي غير رغبتهن وقطعت عنهن موردا منتظما كن يعتمدن عليه للتوسعة علي أسرهن, ولقد كان حالك وأنت تتساءل هل تراني قد ظلمتهن, تجسيدا للإحساس بالإثم كما صوره لنا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه حين قال ما معناه: الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس, والمؤكد أنه لم يكن يسرك بأي حال من الأحوال أن يطلع أحد علي سعيك لإخراج شقيقاتك من تركة أبيهن علي غير إرادتهن لكي تنفرد بعائدها وحدك, ولا علي القيمة المالية التي قدرتها لكل منهن مقابل نصيبها واعتبرتها هي مجحفة, ناهيك عن إحساسهن بالقهر والإرغام علي قبولها راضية كانت أم راغمة.., وكل ذلك ليس مما يشعر معه أصحاب الضمائر الحية والوجدان الديني بالارتياح, ولا هو مما يساعد الانسان علي الانطلاق في الحياة متحررا من المشاعر السلبية التي تبدد جزءا ثمينا من طاقته النفسية, لأنك لابد أن تتوجس ممن ظلمته مقدرا أنه لابد يحمل لك مشاعر البغضاء والكراهية وتتحفز لكل خطوة أو اشارة منه متوقعا السوء من جانبه, ولقد ينتهي بك الحال غالبا إلي كرهه لأنه يمثل عبئا نفسيا اضافيا عليك..
وكل ذلك يخصم من قدراتك ومن هنائك واستمتاعك بالحياة وبالنجاح, وإذا كان مما ينغص صفاء المرء أن يشعر بأنه قد ظلم انسانا ما عن غير عمد ويستغفر ربه كثيرا علي ذلك.. فما بالك إذا كان قد ظلمه عامدا متعمدا.. وما بالك إذا كان المظلوم من أقرب الناس إليه ومن ذوي رحمه الأقربين؟ إن الشاعر العربي يقول:
وظلم ذوي القربي أشد مضاضة
علي النفس من وقع الحسام المهند
وهو أشد مضاضة علي نفس المظلوم, كما هو أيضا كذلك علي نفس الظالم إذا كان من أصحاب الضمائر الحية والقلوب الحكيمة, لهذا فاني أفهم جيدا ما كان يعتمل في نفوس شقيقاتك خلال فترة جفائك لهن, وأفهم أيضا ما كان يضطرب من مشاعر في نفس زوجتك الطيبة وهي تراك تظلم شقيقاتك وتقطع رحمهن, ذلك أنها لابد قد اعتبرت نفسها من أعوان الظلمة الذين يخشون أن يحاسبهم الله سبحانه وتعالي ليس عن ظلمهم لأحد, وإنما عن عونهم بغير قصد, لمن ظلموا غيرهم, ولقد روي أن الامام أحمد بن حنبل حين سجن في فتنة خلق القرآن سأله سجانه ذام يوم عن الأحاديث الشريفة التي وردت عن أعوان الظلمة هل هي صحيحة؟
فأجابه بالإيجاب.. فعاد يسأله وهل تعتبرني من أعوان الظلمة؟
فقال له لا.. أعوان الظلمة هم من يخيطون لك ثوبك.. ومن يطهون لك طعامك, ومن يحملون إليك الماء..إلخ أما أنت فمن الظلمة أنفسهم!
فلا عجب إذن أن قال أمير المحدثين أبو سفيان الثوري أن النظر في وجه الظالم خطيئة! ولا غرابة في أن زوجتك لم تكن تريد لك أن تكون ظالما لشقيقاتك لكيلا تحمل هي أيضا بعض وزرك من حيث لا تدري. فاحرص يا صديق علي هذه العصا السحرية التي عثرت عليها بعد تخبط لم يطل والحمد لله في سباق الحياة.., وتذكر دائما أن الفوز بها هو الفوز العظيم حقا وصدقا ليس فقط من الناحية الايمانية, بل وأيضا من الناحية العملية في الحياة, لأن راحة القلب والضمير والعيش في إطار من الايمان بالله ووفق تعاليمه وهدايته يطلق قدرات الإنسان ويحرر طاقته النفسية من الإثم والخوف والإحساس بالذنب, فيسعي في الحياة آمنا مطمئنا.. ويجعل له الله سبحانه وتعالي مودة ورحما في كل مكان بإذن الله.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
السبت، ١ أبريل ٢٠٠٠
العصــــــــا الســــــــحرية!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق