السبت، ١ أبريل ٢٠٠٠

الوثيقة المعلقة

05-11-2004
جاء بـ أهرام السبت‏10/30‏ خبر توقفت أمامه بكثير من التعجب والتساؤلات‏,‏ فالخبر يتحدث عن وثيقة سوف يصدرها المجلس القومي لحقوق الإنسان عن حقوق المواطن المصري في الرعاية الصحية الأساسية والوقائية والعلاجية‏,‏ علي أن تعلق صور لهذه الوثيقة في جميع المستشفيات العامة والخاصة وعيادات الأطباء وذلك كما قال الخبر ـ لضمان فاعليتها وجديتها وتنفيذها‏!!‏ وأن مشروع الوثيقة سوف يتضمن جميع البروتوكولات الطبية والقواعد الصحية التي تنص عليها المواثيق الدولية‏,‏ وبنودا من أول إعلان للحقوق الصحية صدر عن مؤتمر الحقوقيين بإيطاليا الشهر الماضي‏!!‏
ووجه العجب الأول يمثله السؤال‏:‏ لمن يجب أن توجه هذه الوثيقة؟
هل هي للمواطنين المغلوبين علي أمرهم منذ أزمنة بعيدة‏,‏ والمغتصبة حقوقهم في مجالات عديدة‏..‏ أم توجه للسادة المسئولين الذين يضعون الميزانيات الضعيفة لقطاع الصحة‏,‏ والتي لاتزيد علي‏3.7%‏ من الناتج المحلي‏(‏ من‏8‏ ـ‏11%‏ في دول عربية ذات دخل مقارن كالأردن وتونس‏)‏؟‏!‏
الاجابة واضحة بلا شك‏..‏ إذن ماهوالهدف من تعليق هذه الوثيقة المقترحة في المستشفيات العامة‏,‏ حيث نجد ان قصور الخدمة وتدنيها في العديد من الأماكن هو نتاج عوامل كثيرة تتحمل تبعاتها نظم التعليم والتدريب والتمويل والأجور والحوافز والسياسات الإدارية ومستوي الأخلاق العامة السائد الآن‏,‏ وانني لا أتصور غير أن تعليق مثل هذه الوثيقة سيكون مدعاة لزيادة الشكاوي والسخط الجماهيري وايجاد المنازعات والمشاحنات بالمستشفيات‏!!‏
إن لائحة آداب مهنة الطب التي تصدرها نقابة الأطباء وتم تعديلها اخيرا بها عدة بنود تتضمن واجبات الأطباء تجاه مرضاهم وتجاه المجتمع‏,‏ يمكن للمجلس الموقر أن يجد فيها أفضل مايمكن ان يجده من حقوق للمرضي علي أطبائهم‏,‏ وهي أساس العلاقة علي مستوي المستشفيات والمراكز الطبية‏,‏ أما غير ذلك فليعلق علي مدخل مجلس الوزراء ومكاتب السادة أصحاب القرارات السيادية فيما يختص بتوزيع إيرادات الدولة وميزانيتها‏!!‏
أما وجه العجب الثاني فإنه من المعروف ان رعاية الصحة تبدأ من خارج المستشفيات وليس من داخلها‏..‏ فمن حق المواطن أن يستنشق هواء نظيفا‏,‏ وأن يشرب كوب ماء صالح‏,‏ وأن يجد الطعام الدي يوفر له أساسيات الحياة الصحية السليمة‏,‏ والمكان الذي يمارس فيه الرياضة‏,‏ وهي حقوق للمواطن تؤثر بلاشك علي حالته الصحية‏,‏ وتسبق بكثير مرحلة وصوله للمستشفي‏.‏
فلماذا تعلق هذه الوثيقة في المستشفيات؟‏!‏
ووجه العجب الثالث الذي أود ان اشير اليه بطريقة عابرة‏..‏ هو ماتتجاهله مثل هذه الوثائق‏,‏ بشأن القائمين علي هذه الخدمة الصحية من أطباء وأطقم تمريض وخدمات معاونة اذ لايمكن الحديث عن حقوق البعض دون البعض الآخر‏..‏ وفي بلدنا فإن حقوق الإنسان الطبيب ومعاونيه هي الآن علي درجة من الامتهان ربما لاتدانيها مهنة أخري‏..‏ ولن تشفع آلاف الوثائق في ان تعيد العلاقة بين الطبيب ومريضه الي مايجب ان تكون عليه ضمانا لحقوق المرضي‏,‏ طالما استمر هذا التجاهل المتعمد لحقوق الغالبية العظمي من الأطباء الي درجة لامثيل لها في أي مكان في العالم‏!!‏ فيا مجلسنا القومي لحقوق الإنسان‏..‏ إن الأمر أكبر وأعقد بكثير من مجرد وثيقة نظرية تحتوي علي كلمات جميلة‏,‏ نزين بها مداخل المستشفيات‏,‏ ليقرأها المرضي ويتحسروا‏!!‏
د‏.‏ طارق الغزالي حرب
‏harbtarek@hatmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق