السبت، ١ أبريل ٢٠٠٠

الأمان الحقيقي‏!‏

16-07-2004
أنا رجل في السابعة والخمسين من عمري كنت أعمل مديرا بإحدي شركات قطاع الأعمال ــ وقد نشأت في أسرة مكونة من أب وأم وسبعة أبناء ترتيبي بينهم الثالث‏,‏ وكان أبي رجلا مكافحا وصل إلي منصب رئيس مجلس إدارة إحدي شركات القطاع العام المهمة‏,‏ وكرمته الدولة بعدد من الأوسمة‏,‏ وكان في تربيته لنا حازما يؤمن بأن العمل أولا ثم العواطف والمشاعر في المرتبة الثانية‏,‏ وكانت أمي نبعا من الحنان‏,‏ فنشأت علي عكس إخوتي رومانسيا أؤمن بالمشاعر الانسانية‏,‏ وتأتي العاطفة عندي في المرتبة الأولي ثم العمل الجاد الملتزم بحدود الله‏.‏

وقد بدأت قصتي حين جندت بالقوات المسلحة لمدة ست سنوات خلال حرب أكتوبر المجيدة وقبل خروجي بعام تقابلت مصادفة مع فتاة جميلة الخلقة والخلق ومنذ أول وهلة التقت فيها عيوننا أحسست أنها قدري وأنني قدرها‏,‏ وبالفعل أحب كل منا الآخر بكل نبضة من نبضات قلبه وكيانه‏,‏ وكان كل منا يقرأ أفكار الآخر وينطق بما يريد أن ينطق به الآخر دون سابق عشرة‏,‏ وتزوجتها وأنجبت منها ولدين وبنتا‏,‏ ومنذ عشر سنوات تقريبا أصيبت زوجتي الحبيبة بالمرض اللعين وبدأنا المشوار بالعلاج الجراحي وتم استئصال الثدي ثم بالعلاج الكيماوي الذي لم يجد‏,‏ حيث انتشر المرض للأسف بالمخ ثم الرئة اليسري‏,‏ فقمت بتسوية أوراقي والخروج للمعاش المبكر وتفرغت لخدمتها ورعايتها ولا أستطيع مهما قلت أن أصف لك مدي عذابها وآلامها ومدي عذابي معها‏,‏ فقد كنت أتمزق من داخلي من أجلها بالرغم من أنها كانت تحاول إخفاء آلامها عني وعن الأبناء‏,‏ ومنذ ثلاث سنوات ومع آذان فجر أحد أيام الجمعة في شهر أغسطس فاضت روحها الطاهرة بين يدي ورحل عن الحياة توءم روحي وعقلي ومهجة قلبي‏,‏ وتوقف الزمان وفقدت الأشياء معناها‏,‏ وحاولت أن أتماسك من أجل ابنتي التي بقيت معي بعد زواج أخويها واستقلالهما بحيات
هما حفاظا علي التوازن النفسي لها ولي‏,‏ وكانت ابنتي في نهاية العام قبل الأخير في إحدي كليات القمة فرحت أرعاها وأخدمها وأوفر لها الرعاية اللازمة لأعوضها عن فقد والدتها‏,‏ حتي تخرجت وتزوجت منذ عام‏.‏ وأنا الآن بعد أن تزوج الأبناء أعيش وحدي في وحدة قاتلة أجتر ذكرياتي بما فيها من سعادة وشقاء وأظل وحدي فترات طويلة لا أتكلم فيها مع أحد‏,‏ حتي ظننت أنني نسيت الكلام‏,‏ وأتذكر زوجتي الراحلة فأتكلم معها وأحاورها‏,‏ وأشكو حالي إلي الله وإليها‏,‏ وقد حاولت الخروج مما أنا فيه بقراء ة القرآن والقراءات الأخري في الأدب والفلسفة ثم أشار علي والدي أن أتزوج بانسانة تقدر ظروفي وتتناسب سنها مع سني لكي أخرج مما أنا فيه وتستمر الحياة كما تقول في ردودك علي بعض رسائل قرائك‏,‏ وحتي لا أصاب بالاكتئاب‏,‏ وخصوصا أن ظروفي أفضل من غيري‏,‏ حيث إنني أعيش في شقة تمليك مكونة من ثلاث حجرات وصالة وبها أثاث معقول وجميع الأجهزة الكهربائية الأساسية ولا تحتاج إلا لتجديد الحوائط‏,‏ كما أنني لن أكلف من أتزوجها مليما واحدا‏,‏ فاقتنعت بالزواج لكن الأبناء عارضوا فكرة أن أتزوج غير أمهم في البداية ثم وافقوا في النهاية علي المبدأ بعد أن قام الوالد وأعمامهم
وعماتهم باقناعهم‏,‏ وخصوصا أن كلا منهم منشغل بحياته الخاصة‏,‏ كما أني قد أديت رسالتي معهم وبدأت رحلة البحث عن انسانة تناسبني فتقدمت حتي الآن لثلاث آنسات تجاوزن الأربعين من العمر فلم أجد منهن مع الأسف إلا من تريد مؤخر صداق كبيرا مع تغيير الأثاث بأثاث جديد‏,‏ أو تطلب تأمين مستقبلها بكتابة شقتي التمليك باسمها حتي لاينازعها فيها أبنائي بعد وفاتي مع أن كلا منهم يعيش في شقة تمليك وليسوا في حاجة مادية لي ولا أنا في حاجة لهم وأنا معظم مواردي قد ذهبت في زواج الأبناء ومرض زوجتي رحمها الله وإنني لأ تساءل هل راح هذاالزمن الجميل الذي كنا نتعامل فيه بروح الدين‏,‏ وكان الزواج فيه مودة ورحمة وسكنا يسعد فيه كل طرف الآخر‏,‏ والمعاملة الحسنة قبل أن تكون تجارة ومادة؟ وهل اختفي من حياتنا ذلك النموذج من النساء الذي كان يهتم بالمشاعر والحياة الرومانسية الجميلة التي تضفي علي الحياة البهجة والسعادة قبل المادة التي أصبحت مسيطرة علي عقول وقلوب الناس‏.‏

إنني أرجو أن أقول لكل امرأة من هذا الصنف من النساء الذي يطلب الأمان المادي وحده‏,‏ أنه لايدوم في أغلب الأحيان‏,‏ ان الأمان الحقيقي هو في قدرة الرجل الذي سترتبط به علي الوفاء لها ومعاملتها معاملة حسنة يسودها الحب والرحمة والمودة‏,‏ وليس في أي شئ آخر‏,‏ وانهن إذا تمسكن بهذا المنطق المادي فلا يحق لهن أن يشكين بعد ذلك من العنوسة‏.‏

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏
الحكمة الروسية القديمة تقول‏:‏ من يريد الحصول علي أشبال الأسد عليه أن يكون قادرا علي دخول العرين‏!‏

أي أن يتكبد المخاطرة من أجل تحقيق هدفه‏..‏ وكذلك الزواج فإنه لاتكفي الرغبة الصادقة فيه ولا النيات الطيبة لكي يتحقق‏..‏ وإنما لابد أيضا من تكبد تبعاته والاستعداد لمواجهتها‏..‏ وإذا كنت لا أتفق مع من طلبت منك تسجيل شقتك باسمها كشرط للزواج وأري في ذلك ابتزازا لايليق بالفضليات‏,‏ فإني لا أري شططا في أن تطلب الأخري تجديد الأثاث استعدادا للزواج أو أن تطلب ثالثة مؤخر صداق كبير نسبيا إذا كان في حدود الأعراف السائدة الآن‏..‏

فلقد اخترت أن تبحث لنفسك عن زوجة بين الآنسات اللاتي لم يسبق لهن الزواج‏..‏ وهؤلاء حتي ولو كن علي مشارف الأربعين أو تجاوزنها يرين أنفسهن أغلي مهورا ممن سبق لهن الزواج والطلاق أو من ترملن عن أزواجهن‏..‏ لأنهن في النهاية أبكار حتي ولو تأخر عنهن قطار الزواج‏.‏ ولست أدري لماذا استبعدت في بحثك عن شريكة للحياة تؤنس وحدتك بعد رحيل زوجتك‏,‏ الأرامل والمطلقات‏,‏ وهن أكثر تقبلا لظروفك وأكثر واقعية من الآنسات‏..‏ وأقل قلقا بشأن المستقبل بحكم تجاربهن السابقة‏.‏

والحق أنني أؤيدك في استنكارك لمغالاة بعض الآنسات في اهتمامهن الزائد بالأمان المادي في شروط الزواج علي حساب بقية الاعتبارات الأخري وأهمها الأمان الأخلاقي الذي تأمن به المرأة علي نفسها مع من تشاركه الحياة وتضمن معه حسن العشرة والمودة‏,‏ لكني أقول لك إن الحياة لا تخلو أبدا ممن يضعن هذه الاعتبارات الأخلاقية والدينية في مقدمة شروطهن للزواج حتي ولو بدا لنا غير ذلك بسبب سيادة الاعتبارات المادية لدي البعض‏..‏

فواصل البحث ياسيدي ولسوف تلتقي بمن تطلب مثلك العشرة الطيبة وحسن المعاملة والأمان النفسي والخلقي قبل أي شئ آخر‏,‏ وعلي أن تكون مستعدا في نفس الوقت لتكبد بعض الأعباء المادية المحتملة كضريبة لامفر منها للحصول علي أشبال الأسد‏!‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق