السبت، ١ أبريل ٢٠٠٠

الخروج من الشرنقة

20-02-2004
هل تذكرني؟ إنني صاحب رسالة الحب الزائفالتي تفضلت بنشرها في يونيو عام‏2000,‏ وشكوت لك فيها من أمي ورفضها القاطع لزواجي من أي فتاة أو سيدة‏,‏ لأني ابنها الوحيد الذي ترتبط به وتعتمد عليه خاصة بعد زواج شقيقاتي‏,‏ وحكيت كيف كانت كلما هممت بخطبة فتاة تمرض أو تتمارض وتلازم الفراش‏,‏ ويبدو كما لو أنها علي وشك أن تلفظ أنفاسها الأخيرة‏,‏ فنضطر لتأجيل الخطبة وأتفرغ لملازمتها ورعايتها الي أن يمضي موعد الخطبة‏..‏ فتسترد علي الفور دماء الصحة والعافية وتنهض من فراش المرض وهي في قمة السعادة‏..‏ كما رويت لك كيف تأجلت آخر خطبة لي عدة مرات لنفس السبب‏,‏ حتي ضاق بنا أهل الفتاة واعتذروا عن إتمام الارتباط‏,‏ إلي أن يئست تماما من أن أجد حلا لمشكلتي فكففت عن محاولة الزواج بعد أن أصبحت لي سمعة غير مستحبة في بيوت العائلات الكريمة من جراء ما حدث في محاولات الخطبة العديدة السابقة‏,‏ وأذكر أنك بعد أن حللت موقف أمي مني ووصفت حبها لي بأنه حب زائف‏,‏ لأنه حب أناني لا يضع سعادة الابن المحبوب في الاعتبار‏,‏ وأن كل ما يهدف اليه هو استمرار الاستئثار به وتملكه دون بقية النساء‏..‏ قلت لي إنه لا مفر من أن تسعي الي الارتباط بفتاة مناسبة في سرية تامة بعيدا عن والدتك لكيلا تفسد عليك المشروع ثم تتزوج وتضع والدتك أمام الأمر الواقع وتتحمل صواعقها وعواصفها وحمم براكينها الي أن تخمد النار وتسلم بما حدث‏,‏ مع تأكيدك لي بضرورة الفصل بين أمي وزوجتي في المسكن‏...‏ لكيلا يحدث الاشتباك المتوقع بينهما‏,‏ وبعد نشر الرسالة ساءت حالتي النفسية للغاية وانقطعت عن زيارة الاصدقاء أو استقبالهم وأصبحت أخرج بعد صلاة الفجر الي عملي وأعود إلي البيت في المساء منهكا فأجد أمي تتفجر شبابا وحيوية تتحدث في التليفون مع إحدي بناتها وتطلق ضحكاتها العالية‏..‏ فأدخل غرفة نومي محسورا ولطبيعة عملي فلقد كنت أسافر الي عاصمة المحافظة التي تقع فيها مدينتي عدة مرات كل اسبوع وأتردد علي مسجد قريب من العمل لأصلي فيه‏,‏ وفي هذا المسجد رأيت رجلا سمح الوجه وقورا‏,‏ لاحظت أنه ينظر الي ويراقبني‏,‏ ربما لأنني وجه غريب يظهر في المسجد فتبادلنا النظرات والابتسامات والتحية ثم حدث في أحد الأيام وكنا نستعد لأداء صلاة المغرب‏..‏ أن سمعت صوت سقوط جسم علي الأرض في أحد أركان المسجد‏,‏ ورأيت المصلين يهرولون ناحيته فهرولت معهم‏..‏ فوجدت هذا الرجل وقد أصيب بأزمة صحية مفاجئة‏,‏ فقد معها توازنه وساعدناه علي النهوض فطلب
مني أنا بالذات أن أوصله إلي بيته القريب‏,‏ ففعلت وأحضرت له طبيبا وصرفت الدواء من الصيدلية ومكثت معه حتي صلاة العشاء وودعته بعد الاطمئنان عليه وهو يشكرني بحرارة ورجعت إلي مديتني الصغيرة‏.‏

وبعد أسبوع لاحظت أنه لم يظهر بعد في المسجد منذ ذلك اليوم‏,‏ فتوجهت إلي بيته للسؤال عنه‏,‏ وطرقت الباب ففتحته لي فتاة شابة فارتبكت لأني لم أر من قبل أحدا معه في بيته وكنت أظنه أرمل وحيدا وهممت بالرجوع لكنه ناداني من الداخل ورحب بي‏,‏ وفسر لي وحدته في المرة السابقة بأن زوجته وبناته الأربع كن حين رجعت معه الي بيته يحضرن درسا دينيا لداعية مشهورة واستشعارا مني بحرج الموقف حاولت الانصراف بعد فترة قصيرة‏,‏ لكنه أصر علي أن أبقي معه حتي نتناول معا طعام العشاء‏..‏ وعرفت منه أنه رجل بالمعاش عمل مديرا بوظيفة سيادية كبري‏,‏ وطلب مني أن أحكي له قصتي لأنه يلاحظ نظرة حزن غريبة في عيني‏,‏ فوجدتني أروي له كل شئ بصراحة تامة‏,‏ وأحكي له مالم أصرح به لانسان قبله‏,‏ فربت علي كتفي وطلب مني الصبر علي والدتي والدعاء لها بالهداية‏,‏ ثم سألني‏:‏ مارأيك في ابنتي الكبري التي فتحت لك الباب‏..‏ هل تراها مناسبة لك‏,‏ فأجابته علي الفور بالإيجاب‏,‏ ولم أفكر في أن أطلب مهلة للتروي والتفكير في الأمر‏,‏ فشجعه ذلك علي أن يدعوها ويبلغها أن هذا الشاب الطيب يطلب يدك

فماذا تقولين؟ وخفق قلبي خوفا من الحرج وفوجئت بها توافق حتي بعد إطلاعها علي جميع الظروف التي تحيط بي‏,‏ وطلب مني الرجل ألا أبوح بما حدث لأحد إلا من اثق به ثقة كاملة حتي لايتسرب الخبر الي والدتي‏,‏ وبالفعل لم ابح لأحد بسري سوي خالي وزوج إحدي شقيقاتي‏,‏ وخلال ذلك خطرت لوالد فتاتي فكرة كان لها أثر السحر في إتمام الارتباط‏,‏ فقد اقترح علي إرسال أمي لأداء العمرة عارضا ان يتكفل هو بنفقاتها كاملة‏,‏ وخلال غيابها فيها يتم عقد القران والزفاف والانتقال الي بيت الزوجية في بلدتي‏..‏ وترجع أمي من عمرتها فتجدني زوجا ورب أسرة مع حرصي علي مراعاتها ورعايتها وتحملها خلال فترة الثورة الأولي‏,‏ ونفذنا الفكرة بالفعل‏..‏ ورحبت امي بها ولم تسألني عن مصدر النقود التي دفعتها للعمرة‏,‏ ولعلها اعتبرتها آخر مدخراتي التي كنت قد ادخرتها للزواج‏,‏ واطمأنت بذلك الي اني لن اتمكن من الزواج ذات يوم‏,‏ وسافرت والدتي الي العمرة ورجعت واستقبلتني بالقبلات ثم عرفت بما تم في غيابها‏,‏ ولك ان تتخيل ماحدث وماجري بعد ذلك‏,‏ وكيف بعد ان بح صوتها من الصراخ والعويل هاجمتها جميع امراض الأرض حتي عجزت عن الحركة ولازمت الفراش؟ وتفرغت أنا وزوجتي لخدمتها ورعايتها وتمريضها‏,‏ وصرنا ننام علي الأرض بجوار فراشها لنجيب نداءها في أية لحظة‏,‏ ونصحبها الي الأطباء لعلاج أمراض لاندري عنها شيئا‏,‏ وهكذا طوال ثلاثة أشهر كاملة‏..‏ فاذا استأذناها في العودة لبيت الزوجية في مساء أحد الأيام لكي نبدل ملابسنا ونرتب أمورنا‏..‏ واذنت لنا علي مضض لم نكن نستقر في البيت ساعة حتي يلاحقنا الجيران بالتليفون‏:‏ عودوا والدتك تموت‏!‏

فنرجع مهرولين‏..‏ ونجدها في نفس الحال‏..‏ ونسلم أمرنا الي الله‏..‏ وهكذا عشت شهور الزواج الأولي كلها في جو الإرهاب المعنوي هذا‏..‏ والويل لزوجتي اذا ارتدت فستانا نظيفا في البيت‏,‏ والويل لي ولها اذا تبادلنا الحديث امامها بكلمة‏,‏ لأن الكلام ينبغي له ألا يوجه إلا لها هي‏,‏ واخيرا ظهرت بارقة امل في ان تخفف امي من موقفها هذا من زواجنا‏,‏ فلقد تحركت ثمرة الحب في أحشاء زوجتي‏,‏ وأملنا ان تسعد امي بالخبر وابلغتها به امام خالي‏,‏ فلم أنس تعبير وجهها حين سمعته ولا كيف اسود وجهها واظلم كانما قد أبلغتها بأسوأ خبر في الوجود‏,‏ وانقضت من شهور الحمل ثلاثة أشهر وزوجتي برغم كل شيء دائمة الابتسام في وجه أمي وحريصة علي خدمتها وتجاهل إساءاتها‏..‏ ثم خرجت ذات يوم لأصلي العصر في المسجد القريب ورجعت فوجدت زوجتي مستلقية علي الأرض والدم يغرق فستانها وامي تحاول مساعدتها علي النهوض‏,‏ وسمعت روايتين تفسيرا لماحدث‏,‏ الأولي من أمي وتقول ان زوجتي داخت من الحمل وسقطت علي الكرسي ثم علي الأرض‏,‏ والثانية من زوجتي علي انفراد وتقول ان أمي ألقت علي الأرض عامدة قشر الموز وبعض الزيت لكي تتزحلق عليها‏,‏ وانها جمعت قشر الموز من الأرض ومسحت الزيت قبل وصولي بدقائق‏,‏ ثم تظاهرت بمساعدتها علي النهوض وطلبت زوجتي أن تذهب الي بيت أهلها لتستريح فترة تسترد خلالها عافيتها بعد ان فقدت جنينها فوافقتها علي ذلك‏.‏

وشفيت امي من كل امراضها بقدرة قادر بمجرد ان رحلت زوجتي الي بيت أهلها‏..‏ وتحركت في البيت وتزينت وارتدت اجمل ملابسها البيتية وغطت الابتسامة وجهها‏,‏ وبعد أسابيع اخري حملت زوجتي من جديد‏..‏ فحرصنا علي تكتم الخبر عن أمي هذه المرة‏,‏ فلم تعلم به إلا بعد ان لاحظت انتفاخ بطن زوجتي‏,‏ ولم تعلق سوي بالسباب واللعنات‏..‏ ثم بدأ مسلسل الأمراض والأزمات الصحية‏..‏ فحرصت علي إبعاد زوجتي عن أمي بقية شهور الحمل‏,‏ وتحملت انا كل العبء وحدي في رعايتها‏,‏ وحين جاء موعد الولادة نقلت أمي الي المستشفي لاشتداد الأزمة عليها وحرت في رعايتها ورعاية زوجتي التي علي وشك الوضع‏,‏ واستعرت سيارة صهري لأتنقل بين الاثنتين‏,‏ ووضعت زوجتي طفلا وطفلة فرحت بهما فرحة طاغية‏,‏ وهرولت لأطمئن علي أمي التي دخلت العناية المركزة‏,‏ فوجدتها قد تحسنت وغادرت العناية‏,‏ ولم تسألني عن زوجتي ولا عن مولودها‏,‏ وأرادتني ان ابقي إلي جوارها ليل نهار وأدع زوجتي لنفسها‏.‏
ومضت الأيام بطيئة وكئيبة ورجعت أمي لبيتها وزوجتي لبيت اهلها لفترة ثم إلي بيت الزوجية‏,‏ ولم استطع أن احتضن طفلي وطفلتي واداعبهما طوال شهرين سوي مرة أو مرتين لأنه مطلوب مني ألا اتحرك بعيدا عن امي خطوة واحدة‏..‏ وطوال ذلك لم تسألني هي ولو من باب المجاملة هل وضعت زوجتك أم لا‏..‏ وماذا انجبت طفلا أم طفلة؟‏!.‏

وبعد عدة أسابيع انشغلت بعض الشيء بالطفلين وبزوجتي‏,‏ ودخلت أمي المستشفي لإجراء جراحة دقيقة فسلمت زوجتي طفليها لأهلها ونهضت لخدمة أمي في المستشفي ثم في البيت‏,‏ فما أن عادت اليه حتي شكت أمي لشقيقاتي من زوجتي ومن إهمالها لها وتأخيرها مواعيد الدواء‏..‏ الخ‏,‏ وإذا بشقيقاتي يتأثرن بهذه الادعاءات ويقاطعنني ويقاطعن زوجتي‏,‏ وعبثا حاولت مصالحتهن وارضاءهن لكيلا يقطعن صلة الرحم معي ومع الطفلين اللذين بلغ عمرهما عشرة شهور ويعيشان كالمنبوذين من أهلي‏,‏ فلا يفرح بهما احد ولا يداعبهما أحد‏,‏ و قالت لي اختي الصغري انهن يعرفن جيدا ان امي تظلم زوجتي فيما تدعيه عليها‏,‏ لكنهن لا يردن إغضابها ولا عصيان اوامرها لهن بمقاطعتنا فسلمت امري إلي الله‏..‏ وكلما اشتد حولنا الحصار والمقاطعة ازددت انا وزوجتي اقترابا والتصاقا وحاول كل منا تعويض الآخر عما ينقصه من عطف وحنان‏.‏
والآن يا سيدي فإني في حيرة من أمري‏,‏ فلقد حاولت مجددا الاتصال بشقيقاتي أو زيارتهن فواصلن مقاطعتي‏,‏ ما عدا ازواجهن الذين يقدرون ظروفي‏..‏ فماذا أفعل لكي اصون صلة الرحم التي قطعتها شقيقاتي‏..‏ ولكيلا ينشأ اطفالي منبوذين بلا أهل؟

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏
كل ما تعانيه الآن هو من جراء تجرؤك علي الخروج من الشرنقة التي أرادت لك والدتك ان تحيا فيها محنطا إلي ما لا نهاية‏,‏ غير أنه لم يكن هناك مفر من هذا الخروج لتعيش حياة طبيعية‏..‏ وتنعم بالزواج والإنجاب وممارسة إحساس الأبوة وإحساس المسئولية عن أسرة صغيرة يسودها العطف والحنان‏,‏ فتحمل اقدارك يا صديقي وواصل حياتك‏..‏ وأرض بما تدفعه من ثمن لامتلاكك لزمام أمرك من جديد‏..‏ واختيارك للحياة السوية ضد رغبة أقرب الناس إليك‏.‏ والحق انه لم يعد بمقدورك ان تفعل أكثر مما فعلت للحفاظ علي صلة الرحم بينك وبين شقيقاتك‏,‏ فان كان ثمة ما تستطيع أن تضيفه إلي جهودك السابقة لرأب الصدع‏,‏ فهو فقط أن تتعالي علي جرح مقاطعة شقيقاتك لك‏,‏ وتتعامل معه بروح الفهم والتسامح‏,‏ لأنك تدرك جيدا انه ليس موقفا نابعا منهن‏,‏ وانما هو خنوع للأم وخضوع لرغبتها في مقاطعتهن لك‏,‏ ومداراة لها‏,‏ محاولة لتجنب إغضابها إشفاقا عليها مما تعتبره هي هزيمة لها في صراع الاستئثار بك دون غيرها من النساء‏.‏
وفهم كل شيء يؤدي إلي التسامح مع كل شيء كما يقولون‏.‏ ولهذا فلقد تستطيع إبلاغ شقيقاتك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‏.‏ انك تتفهم موقفهن‏,‏ بل وتلتمس لهن بعض العذر في الضغوط التي تمارسها عليهن أمهن‏,‏ وتدرك انه لايعبر عن حقيقة مشاعرهن تجاهك‏,‏ وتنتظر في صبر ان تنكسر القيود التي تحول بينهن وبينك‏,‏ وسواء تحقق ذلك في المدي القريب أو البعيد‏,‏ فلسوف تظل دائما الأخ المخلص المحب لهن‏..‏ والحاضر دوما حين يحتجن اليك‏.‏

اما شقيقاتك فاني اذكرهن بانه لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق‏,‏ وان قطع صلة الرحم من اكبر الكبائر‏,‏ وانهن يستطعن ان يعفين أنفسهن من وزرها دون التعرض لغضب الأم بالتحايل علي أوامرها‏,‏ والتواد عن بعد مع شقيقهن ولو سرا في بيوت بعض الأهل من حين لآخر‏,‏ أو في المناسبات أو عبر الأزواج أو بأي وسيلة للاتصال‏,‏ مع الالتزام بأوامر الأم بعدم زيارة بيته أو استقبال زوجته في بيوتهن إلي أن يغير الله من حال إلي حال‏.‏
أما والدتك فإني اعجب كيف لم يرق قلبها لهذين الطفلين اللذين جاءا إلي الحياة منذ عشرة شهور فلم تطلب رؤيتهما ولم تشعر بأي رغبة في ذلك حتي الآن؟

لقد حدث في كثير من القصص المماثلة ان كان مرأي الحفيد من الابن أو الابنة الخارجة علي طاعة الأهل لأول مرة بعد سنوات المقاطعة‏..‏ أثر السحر في إذابة جليد الجفاء والخصام بين الأبوين وبين الأبناء‏.‏
وكثيرا ما نصحت بعض من استشاروني في قصص مماثلة بأن يحملوا أطفالهم الرضع ويتوجهوا بهم إلي الأب الغاضب أو الأم الغضبي‏,‏ ويطرق أحدهم باب الشقة رافعا طفله بين يديه كأنما يحتمي به مما ينتظره فما ان يفتح الباب‏,‏ حتي يضع طفله بين يدي امه أو ابيه‏,‏ ويقول له انه يتقبل منه كل عقاب لكن هذا الطفل البرئ لاذنب له فيما فعل وهو يحتاج إلي جده وجدته كما يحتاجان اليه‏..‏ فهل يرفضانه؟

فتكون الاستجابة في معظم الحالات‏,‏ ان لم يكن في كلها‏,‏ هي الترحيب والدموع والاحضان والتجاوز عن الأخطاء وفتح صفحة جديدة في علاقة الطرفين‏.‏
فتري هل لو نفذت هذه النصيحة يمكن ان يكون لها بعض الأثر في تغيير مشاعر والدتك الصخرية تجاه طفليك؟ الحق انني لست علي ثقة من ذلك لكنه لابأس من التجربة ولو من باب استنفاد آخر الوسائل اذ لعل وعسي الله الذي ألان الحديد لعبده ونبيه داود عليه السلام‏,‏ يلين قلب والدتك لهما‏..‏ ولو انصفت لفعلت ولما حكمت علي نفسها بالحرمان من حفيدين جديدين يمكن أن يضيئا حياتها الخاوية ولو ادركت والدتك ان عاطفة الابن تجاه أمه لاتتعارض ابدا مع عاطفته تجاه زوجته واطفاله لما وضعت نفسها كطرف نقيض مع زوجتك وطفليك ولما اتخذت هذا الموقف المتعسف من زواجك منذ البداية‏.‏

فمكانة الأم سامية وراسخة في عمق اعماق القلوب حتي ولو لم يع البعض ذلك بوضوح واثرها في وجدان الانسان مما لا يمحوه‏,‏ الزمن‏,‏ فكيف تنزل بعض الأمهات عن هذه المكانة العليا الي محاربة طواحين الهواء والتنافس والتجاذب مع شريكة الحياة حول الابن المحبوب؟
لقد تذكرت وانا أقرأ رسالتك ماكان يحدث في الصين في الأزمان القديمة‏,‏ حين كانت العادة ان يعتزل الشاب الحياة فترة طويلة اذا مات احد ابويه وخاصة أمه‏,‏ فيترك كل متاع الدنيا ويتردد علي قبرها كل يوم ويمضي النهار الطويل الي جواره يتأمل في الحياة والموت‏,‏ ويشعر بأنه يؤدي بذلك واجبا تجاه امه أو يكفر عن تقصير سابق في حقها عليه‏.‏

وحين ماتت والدة حكيم الصين كونفوشيوس وكان في الرابعة والعشرين من عمره وزوجا وأبا ظل يتردد علي قبرها‏27‏ شهرا انصرف خلالها عن زوجته‏,‏ وانتهي به الأمر الي طلاقها بعد‏4‏ سنوات فقط من الزواج بسبب حزنه علي امه وإهماله لزوجته‏..‏ واختصر احد المؤرخين القصة في عبارة تقول‏:‏ ماتت امه فطلق زوجته‏!‏
فهل تدرك بعض الأمهات قيمتهن الحقيقية‏..‏؟ وهل يترفعن عن التناحر مع زوجات الأبناء حول مكانتهن في قلوب الأبناء‏.‏؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق