السبت، ١ أبريل ٢٠٠٠

تحت راية العرب

03-12-2004
أثار كتاب‏(‏ جنون الخطر الأخضر وحملة تشويه الإسلام‏)‏ للكاتب الكبير الأستاذ إبراهيم نافع الأمواج العاتية فجأة في بحار ساكنه‏,‏ وأيقظ الإحساس الدفين بمرارة الظلم الواقع علي الحضارة العربية‏,‏ ومحاولة التعتيم علي دورها الرائد في خدمة الحضارة الإنسانية‏,‏ وتتبع الكاتب الجذور الخفية لمحاولات إخراج العرب والمسلمين من التاريخ والجغرافيا باعتبارهم أصحاب حضارة الكراهية‏..‏ وما تسببه من رعب‏.‏ ومن وحي هذه الدراسة المنهجية الأولي من نوعها‏(‏ الموثقة بالمراجع العلمية‏)‏ ـ التي لن تخفت بسهولة ردود أفعالها‏,‏ ولا نوفيها حقها من التقدير في سطور قليلة ـ نود أن نقول‏:‏ إن حضارة الكراهية والرعب‏,‏ هي ذاتها التي كتب عنها المفكر الفرنسي الأشهر‏(‏ جوستاف لوبون‏)‏ قائلا‏:‏ لو سار الغرب تحت راية العرب لسمت منزلته ولرقت أخلاق أهله‏,‏ ولتجنبوا الحروب الدينية وماشابهها من الكوارث التي خضبت أوروبا بالدماء عدة قرون‏,‏ ما عرف المسلمون ما يشبهها علي أرضهم‏.‏ ويقول المؤرخ‏(‏ رينو‏):‏ لم تبدأ النهضة الحقيقية في أوروبا إلا منذ القرن الثاني عشر‏,‏ حيث هب الفرنسيون والإنجليز‏..‏ وايقنوا بضرورة الأخذ بأسباب الحضارة العربية‏,‏ وتوافدوا علي إسبانيا لترجمة عيون الكتب العربية‏,‏ وأصبح العرب الأمثلة العليا للشجاعة‏,‏ والشهامة‏,‏ وعزة النفس‏,‏ ومكارم الأخلاق‏.‏ ولم تنقطع البعثات الأوروبية إلي الأندلس‏(‏ أقرب الديار العربية إلي أوروبا‏),‏ لكي تنهل من علوم العرب‏,‏ كان أولاها بعثة العاهل البافاري فيليب الأول الذي أرسل إلي الخليفة هشام الأول‏(‏ ابن عبدالرحمن الداخل‏)‏ ـ‏788‏ م ـ يسأله السماح بإيفاد‏(‏ هيئة‏)‏ للإشراف علي حالة الأندلس‏,‏ ودراسة نظمها وشرائعها وثقافة مختلف الأوساط فيها لتمكن من اقتباس المفيد منها لبلادنا‏,‏ وبعث الملك الجرماني وفدا يتصدره رئيس الوزراء‏(‏ فيلمين‏),‏ وكان الوفد يضم‏250‏ طالبا وطالبة‏,‏ ويشمل جميع‏(‏ التخصصات‏)‏ العلمية بما فيها صناعة بناء السفن‏,‏ والقلاع‏,‏ والأسلحة‏,‏ والزجاج‏,‏ والورق‏,‏ والنسيج‏,‏ والتطريز‏,‏ والتمريض‏,‏ بالإضافة إلي علوم الفلك‏,‏ والفيزياء‏,‏ والكيمياء‏,‏ والهندسة الزراعية‏,‏ كما أوفد الملك لوي السادس عاهل فرنسا بعثة تصدرتها الأميرة الياصبات‏(‏ ابنة خالة الملك‏),‏ بينما كانت البعثة البريطانية برئاسة الأميرة‏(‏ دروبان‏)‏ ـ ابنة شقيق العاهل البريطاني ـ وتوالت البعثات من إنجلترا‏,‏ وفرنسا‏,‏ وألمانيا‏,‏ وإيطاليا‏,‏ وهولندا‏,‏ وبلجيكا‏,‏ وامتلأت بطلابها معاهد العلم في غرناطة‏,‏ وأشبيلية‏,‏ ويقدر عدد الطلاب الوافدين من مختلف البلاد الأوروبية للدراسة بالمعاهد الأندلسية للعام الدراسي‏213‏ هـ‏(1293‏ م‏)‏ بنحو‏700‏ طالب وطالبة‏.‏
ويلفت النظر أنه كان باستطاعة كثير من العلماء العرب تدريس العلوم المختلفة بعدة لغات في وقت واحد في مقدمتهم‏:‏ العلامة الجليل محمد بن أحمد الرقوطي‏,‏ الذي استعان به الإسبان بعد استعادة مدينة مرسية‏(‏ سنة‏1265‏ م‏)‏ فعينه الملك الفونسو العاشر عميدا لكلية مرسية‏,‏ وكان يحاضر الطلبة من مختلف الطوائف والأعراق كلا باللغة التي يفهمها في علوم الطب‏,‏ والهندسة‏,‏ والمنطق‏,‏ والموسيقي‏,‏ وفي خلال القرن الرابع الهجري‏(‏ العاشر الميلادي‏),‏ وما بعده استضافت حكومات إنجلترا‏,‏ وهولندا‏,‏ وسكسونيا وغيرها نحو‏(90)‏ من العلماء العرب‏,‏ الذين كانوا يتقنون اللاتينية‏,‏ والإسبانية كأهلها‏.‏ كما وقعت تلك الحكومات عقودا أخري مع نحو‏(200)‏ خبير عربي في العديد من الصناعات الحيوية في مقدمتها‏:‏ بناء السفن‏,‏ وصناعة النسيج‏,‏ والزجاج‏,‏ والهندسة المعمارية والمدنية‏,‏ والعلوم الزراعية‏,‏ وأنشأ المهندسون العرب جسرا علي نهر التيمس في بريطانيا يسمي بجسر‏(‏ هليشام‏)‏ نسبة إلي الخليفة هشام اعترافا بفضله لموافقته علي إيفاد هؤلاء المهندسين من الأندلس‏,‏ كما بني المهندسون العرب بمدينة شتوتجارت بألمانيا‏(‏ سقاية ماء‏),‏ تدعي‏(‏ أميديو‏)‏ نسبة إلي المهندس العربي‏(‏ أحمد‏)‏ الذي بناها‏.‏
وأوفدت بريطانيا عام‏1640,‏ بعثة تضم رجال صياغة الحلي والمجوهرات لصناعة‏(‏ التاج الملكي البريطاني‏),‏ في مصر ذات التاريخ المجيد في الصناعات الدقيقة‏(‏ تشهد بذلك كنوز توت عنخ آمون‏),‏ فعادوا به‏,‏ وكان أجمل تاج وضع علي رءوس الملوك‏.‏ أيام كان العلم بيتكلم عربي‏.‏
‏QuandLesScincesParlentArabe,‏ علي حد التعبير الفرنسي المشهور‏.‏
حسن أغا
مدير البحوث بالمجلس الأعلي للثقافة‏(‏ سابقا‏)‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق