26-03-2004
أنا سيدة في الثانية والثلاثين من عمري نشأت في أسرة متوسطة الحال بين أب يكافح لتعليم ابنائه الخمسة, وأم ربة بيت طيبة, وتركز كل جهدها علي ان يخرج الابناء إلي الحياة متمتعين بالخلق الكريم والأدب الحميد. ولقد حقق الله سبحانه وتعالي لأبوينا مرادهما, فتعلمنا كلنا وحصلنا علي شهاداتنا, واحسب أننا قد تسلحنا جميعا بالأخلاق الحميدة, وبعد انتهاء دراستي وفقني الله إلي عمل مناسب.. ومضت ثلاث سنوات لم يتقدم لي خلالها أحد بالرغم من جمالي المتوسط.. إلي أن جاء يوم دعتني فيه احدي زميلاتي بالعمل لحضور عيد ميلاد ابنها.. واستأذنت أمي في الذهاب إليه فأذنت لي وفي الحفل ووسط مرح الأطفال لاحظت ان هناك شابا لايكاد يرفع عينيه عني, وانه يحدق في باهتمام, وبعد يومين من الحفل التقيت بزميلتي هذه فاذا بها تبادرني بتسليمي ورقة صغيرة مكتوبا عليها اسم شخص وبياناته وعنوانه ومكان عمله.. الخ, وسألتها عما يعني ذلك؟ فقالت ان هذه هي بيانات الشاب الذي كان يحدق فيك طوال الحفل, وصارحتني بأنها كانت قد دعته خصيصا لكي يراني, عسي أن ألقي القبول لديه فيتقدم الي اسرتي.. وطلبت مني أن أكلف أبي بالسؤال عنه اعتمادا علي هذه البيانات.
وعدت إلي البيت سعيدة وأبلغت امي بما حدث فدعت لي بالخير.. وقام أبي بالسؤال عن الشاب فجاءت النتائج طيبة للغاية, وتمت الخطبة واستمرت4 أشهر كانت من أسعد أيام حياتي, واكتشفت في خطيبي الكثير من المزايا وأولاها الأخلاق النادرة والبر بأبويه والعطف علي اخوته, فانعكس كل ذلك علي علاقتي بأسرته التي أحببتها وأحبتني حبا جما, خاصة والدته حيث عاملتني كابنة مدللة لها وتزوجنا في شقة مناسبة وعشت مع زوجي أسعد أيام عمري, وأحسست دائما بأنني فرد من أفراد اسرته, وبعد خمسة أشهر من الزواج حدث أن زارتني والدة زوجي وسألتني برقة شديدة عما إذا كنت حاملا أم لا فأجبتها بالنفي, فطيبت خاطري وعرضت علي أن تصحبني إلي طبيب متخصص فلم امانع, وبدأت رحلة العذاب من تحاليل وأشعة وعلاج, ثم علمت والدتي بالأمر فاقترحت أن يعرض زوجي نفسه كذلك علي طبيب عسي ان يكون الأمر مرتبطا به, ففعل وأكدت النتائج انه سليم تماما وقادر علي الإنجاب وواصلت انا علاجي حتي وصلت الي المرحلة الأخيرة منه فإذا بي اصدم صدمة العمر بأني اعاني من عيب خلقي يستحيل معه أن أحمل.. وانهرت باكية وحزينة, ولم يخفف عني بعض آلامي سوي زوجي ووالدته الحنون واسرته التي لم تتغير علاقتها بي علي الإطلاق بعد معرفة هذه الحقيقة المؤلمة.
وبرغم سعادة زوجي معي فلقد وجدت نفسي بعد فترة أحس احساسا مؤلما بالذنب تجاهه, خاصة انني اعرف عنه حبه الشديد للأطفال.. أما هو فقد ازداد حبا لي وتعلقا بي وراح يواسيني ويطلب مني الرضا بقضاء الله وقدره, وعدم الاعتراض علي مشيئته, غير أنه بعد فترة أخري اشتد علي الاحساس بأني قد أجرمت في حقه واني أظلمه بحرمانه من الإنجاب فعرضت عليه الانفصال لكي يتزوج من أخري وينجب ويري اطفالا, فرفض هذه الفكرة رفضا قاطعا, ورفضتها بأشد منه والدته الطيبة فعرضت عليه ان يتزوج مع استمراري في عصمته وعلي ان اعيش معه ومع زوجته في نفس الشقة, وأكون خادمة له ولزوجته واولاده منها الذين سيكونون بالتالي ابنائي, فرفض ذلك بإصرار وطلب مني أن نحيا حياتنا كما ارادها لنا الله, وقال لي إنه يجد في ابناء إخوته ما يحتاج اليه من ممارسة احساس الابوة ولا يحتاج الي خوض تجارب لايضمن نتائجها, وفي هذه الاثناء رحل والد زوجي عن الحياة يرحمه الله, فانتقلت للإقامة مع والدة زوجي لفترة العزاء ثم فترة طويلة بعدها.. فعرضت عليها خلال ذلك ان يتزوج ابنها في شقتي.. وان استمر أنا في الاقامة معها علي أن يزورني زوجي في بيتها من حين لآخر, فرفضت لكنها وبعد إلحاح شديد مني قبلت ان تعرض عليه الفكرة بحياد ودون أن تؤيدها أو ترفضها, وعرضتها عليه, فرفض أيضاوأخيرا خطر في ذهني ان أسئ معاملته لكي يملني ويطلقني, وحاولت ذلك بالفعل فلم احسن التمثيل وابتسم بعد ان عرف مقصدي.. في حين إنهرت أنا باكية واعترفت له بأنني احبه وأتعذب من أجله.. ولا أطيق الحياة بدونه, لكن ماذا أفعل وقد شاءت إرادة الله ألا استطيع الإنجاب له.. فبماذا تنصحني ان افعل ياسيدي؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
إلحاحك علي زوجك بأن يتزوج عليك لكي ينجب قد يعكس إحساسا مريرا بالذنب تجاهه لما تتصورينه من مسئوليتك عن حرمانه من الأطفال, لكنه يعكس علي جانب آخر احساسا اخر أشد ايلاما بالخوف من المستقبل والتحسب الزائد لأن يجئ يوم ينصرف فيه زوجك عنك الي زوجة أخري, ولا غرابة في ذلك لأن الخوف القوي المسيطر لديك من فقد زوجك بسبب عجزك عن الإنجاب له قد ترجمه عقلك الباطن الذي يضيق بهذا الخوف, إلي ما يسميه علماء النفس برد الفعل العكسي للأشياء.. وهي حيلة من الحيل النفسية التي يلجأ اليها العقل الباطن للدفاع عن النفس والتخفف من الآلام, كأن يشتد حزن الانسان مثلا لضياع فرصة ثمينة كان يتطلع اليها بلهف, ويضيق عقله الباطن بهذا الحزن فيترجمه برد الفعل العكسي إلي محاولة التهوين من قيمة هذه الفرصة نفسها.. والزعم بأنها ما كانت لتضيف اليه شيئا, وبدلا من ان يعبر الانسان عن الحزن لضياعها نجده ينطق بعبارات تزعم للنفس ان ضياعها أفضل من مجيئها, وأنه الآن اسعد حالا منه لو كان قد فاز بها.. إلخ.
ولأنك تضيقين في أعماقك بخوفك الشديد من فقد زوجك ذات يوم, فلقد عبرت عن هذا الخوف القاهر برد الفعل العكسي في مبادرتك انت علي طريقة الهجوم خير وسيلة للدفاع, باقتراح الانفصال عن زوجك, فلما رفضه الرجل النبيل تعددت اقتراحاتك عليه بالزواج من أخري للإنجاب وتوالت التيسيرات والتسهيلات التي تقدمينها له لكي يقبل بها.
ولست اعني بذلك أنك لست صادقة في هذه العروض العديدة التي تقدمينها لزوجك, فالحق انها عروض صادقة وتعكس روحا مضحية وبعيدة عن الأنانية, وانما اقصد فقط أن الخوف الكامن في أعماقك من المستقبل هو المحرك الأساسي لها وبغير وعي منك, فثقي في نفسك ياسيدتي وفي جدارتك بان يكتفي بك زوجك ويسعد بك ومعك دون أطفال, وتخلصي من هذا الخوف القاهر الذي يكبل إرادتك ويحرمك من الاستمتاع بالأوقات الخالية من الأكدار.. وتخلصي قبل كل ذلك وبعده من الإحساس القاتل بالذنب تجاه زوجك, لأن الانسان لايلام علي أمر قد قدر عليه, ولم تكن له فيه حيلة, كما أن الرجل يعفيك من كل مسئولية عن حرمانه من الأطفال, ويرضي بأقداره ويطالبك بالرضا بها فاقبلي عافية وعيشي حياتك معه في سلام, ولا تتعجلي الهموم والأكدار.. ولا تستدعيها الي حياتك قبل موعدها المقدور في عالم الغيب, وتعاملي مع الأمر علي طريقة الصوفية الذين يقولون درءا للهموم واتقاء للتحسب الزائد للمستقبل لك الساعة التي انت فيها.. ولو اردت التخفيف عنك أكثر من ذلك لقلت لك إن تقدير الأسوأ يحرر الانسان من الخوف الشديد مادام قد عرف اقصي ما يمكن ان تنتهي اليه الأمور وتهيأ نفسيا للتعامل معه أو القبول به, وأسوأ العواقب في مثل ظروفك هذه هو ان يجئ يوم بعد عدة اعوام أو أكثر ويشعر زوجك بحاجة ملحة عليه في الإنجاب فيتزوج بمشورتك وموافقتك من أخري, فما الجديد اذن في الأمر وقد تحسبنا له منذ البداية وطالبناه به فرفضه من قبل حبا وإكراما لنا؟
ان مشكلتك الحقيقية هي أن زوجك قد تقبل أقداره ورضي بها, في حين أنك أنت التي لم تتقبلي في أعماقك بعد أقدارك ولم ترضي عنها, لهذا فهو يعيش في سلام نفسي معك.. وانت تحترقين بالإحساس بالذنب تارة وبالخوف من فقد زوجك تارة أخري.. وبتقديم اقتراحات الزواج اليه إبراء للذمة من ذنبه تارة ثالثة.. فتقبلي أقدارك أولا ياسيدتي, ولسوف تتغير اشياء كثيرة في حياتك وشخصيتك وعلاقتك بزوجك الي الأفضل, ولقد كان القطب الصوفي ابوبكر الشبلي يقول من توكل علي الله رضي بفعله وكان الامام حسن بن علي رضي الله عنهما يقول من رضي بحسن اختيار الله له لم يعدل به شيئا.
فارضي بما إختاره لك ربك.. ولسوف تتحسن الأحوال كثيرا بإذن الله.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
السبت، ١ أبريل ٢٠٠٠
الإحساس المرير!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق