28-05-2004
قررت بعد تردد طويل أن أروي لك قصتي, فأنا مهندس عمري55 عاما, نشأت في أسرة يسودها المحبة والاحترام.. وشققت طريقي في الحياة وتزوجت منذ27 عاما.. وجاء الأبناء سريعا.. فتشاغلت بهم وبعملي عما اعانيه مع زوجتي من شك وغيرة وعصبية شديدة تصل إلي حد الجنون, وقد وجدت حياتي بعد ذلك عبارة عن أوامر مشددة من زوجتي لي.. ومشاجرات مستمرة.. وصوت كالرعد يسمعه كل الجيران في عمارتنا والعمارات المجاورة.. وأنا اتحمل من أجل الأبناء.. وامضي معظم الشهور والسنوات في غرفة الأبناء كما أجدني رب الأسرة والمسئول عن كل شيء في البيت حتي ولو كان من واجبات زوجتي, انهض من نومي فأقوم بإعداد الإفطار لنفسي وللأبناء, وزوجتي نائمة حتي الضحي وحين تستيقظ تقطع الوقت في إجراء المكالمات التليفونية.. أو الذهاب إلي النادي أو إلي الجمعيات الخيرية تاركة كل شيء للخادمة, والويل لمن يفكر في توجيه أي انتقاد أو لفت نظرها إلي واجبها كأم وزوجة.. أما أهلي فهم ممنوعون بأوامر من زوجتي من دخول بيتي نهائيا ومنذ زمن طويل, وقد ماتت أمي وهي حزينة علي حالي وبعد أن نصحتني مرارا أن اتزوج مرة أخري ما دمت لا أجد راحتي مع زوجتي, وأكدت لي أنه ليس عيبا ولاحراما علي من كان في مثل ظروفي, غير أنني لم اجرؤ علي الإقدام علي هذه الخطوة لأن زوجتي كانت كلما لوحت لها بأنني قد أتزوج إذا فاض بي الكيل تهددني بأنني لو فعلت فلسوف تحصل علي الطلاق مني وتتزوج بعد انتهاء العدة بيوم واحد وتشرد أولادي! فاتراجع امام هذا الجبروت وأواصل الصبر والاحتمال, ولقد اقسمت عليها أكثر من مائة يمين طلاق فلم تبر يمينا واحدا منها ولم تأبه لما اطلبه منها, وإذا نبهتها إلي أنها ستندم علي إساءة معاملتي وستعرف لي قدري بعد رحيلي عن الحياة, اجابتني في برود بأن معظم السيدات يتزوجن بعد رحيل أزواجهن وأنه لا أحد يموت حزنا علي أحد ولا ندما!.
سنوات وراء سنوات لم أشعر معها يوما بطعم الحياة ولا بفرحة عيد, ولا بمناسبة عائلية, ولم يخفف عني ما أعانيه سوي حبي لأولادي وحرصي عليهم وتعاطفهم معي خاصة ابنتي الكبري, وقد نصحني ابنائي بالزواج أكثر من مرة فلم اجرؤ علي الاقدام عليه حبا لهم وخوفا عليهم.. ثم جاء خاطب لابنتي فاعترضت عليه زوجتي لأنه لا يعجبها أحد في الدنيا كلها سوي نفسها, وكانت لي أنا أيضا بعض التحفظات عليه, لكن ابنتي رحبت به واصرت عليه لكي تهرب من جحيم البيت ومن سوء معاملة أمها التي تعاملها كخادمة, واضرب لك مثلا واحدا علي تحكمها في وفي الأبناء, هو أنها كانت ومازالت تحرم علي ابنتي إذا ركبت معي السيارة أن تجلس إلي جواري لأن هذا مكان الهانم وحدها.. ويجب أن يظل خاليا وتجلس ابنتي في المقعد الخلفي والويل لنا إذا خالفنا الأوامر.. وبعد مناقشات طويلة ومشاكل عديدة تزوجت ابنتي ورحلت مع زوجها إلي الدولة العربية التي يعمل بها وخلت علي الدنيا من بعدها, وازداد غمي واكتئابي بعد أن كانت تخفف عني, وكان آخر ما طلبته مني أن اتزوج وألحق بها حيث تقيم لأبتعد عن المشاكل فلم استطع الاستجابة, إنني ارعي الله في حياتي وأؤدي فروضي الخمسة في المسجد ورزقي كله حلال ولم أقرب الحرام, واوفر لزوجتي حياة لم تكن تحلم بها من قبل ومع ذلك فلا انال الرضا ولا أظفر بالحياة الهادئة أبدا.
ولقد فاض بي الكيل منذ فترة فهددتها إن لم تنصلح أحوالها أن اتزوج واضرب عرض الحائط بكل الاعتبارات, فإذا بها ترد علي بأنني قد عشت معها طوال السنين كالنعامة ولا يصلح لي أن أحاول الآن ارتداء ثوب الأسد!.
وفي وسط ذلك كله كنت اتردد علي صديق لي منذ الطفولة له أخت ارملة لها بنتان تقيم في شقة مستقلة بنفس البيت الذي يسكن به, واجد راحتي في الحديث إليه وإلي اخته إذا تصادف وجودها عنده.. وذات يوم اخبرني صديقي أن هناك شخصا تقدم إليه طالبا يد اخته وأن ابنتيها توافقان عليه, وسألني رأيي بصفتي صديقا للأسرة, فشعرت وكأن خنجرا قد غرس في صدري.. وارتفع نبضي وغمرني العرق حتي خشيت أن يلحظ علي صديقي ذلك وسألته عن رأي شقيقته في الفكرة والشخص فأجابني بأنها قد طلبت مني ان يستشيرني في الأمر باعتباري اقرب الأصدقاء إليهم.. فشعرت بأنها إشارة موحية لي وازداد اضطرابي وطلبت منه ألا يتعجل الأمر وأن يدع لنا فرصة كافية للتفكير.. وعشت اياما شبه محموم افكر في هذه السيدة ليل نهار في البيت وفي العمل.. وفي كل مكان ثم اتصلت بها في موعد اعرف أنها تكون فيه وحدها وطلبت مقابلتها لأمر مهم, وحاولت الاعتذار في البداية لكني ألححت عليها فالتقينا في مكان عام, فما أن جلست أمامي حتي وجدتني أبكي بكاء شديدا كالأطفال واطلب منها الا تتخلي عني لأني احتاج إليها كما يحتاج الطفل إلي أمه, ولن احتمل الحياة بدونها فاستجابت لي بعد تردد ووعدتني بالصبر علي ظروفي وبقبولي حين أتقدم إليها بغض النظر عن استمراري مع زوجتي أو انفصالي عنها, فشعرت بفرحة لم أشعر بها منذ سنوات طويلة, والآن فإنني استشيرك فيما أفعل هل أطلق زوجتي الأولي وأتزوج ممن شعرت لأول مرة بإنسانيتي معها, أم هل اتزوجها سرا بعلم شقيقها واهلها واترك اكتشاف زوجتي للأمر للظروف؟ علما بأن زوجتي الشريرة لن تتراجع عن ايذائي فيمن لا يعنيني أمر أحد سواهم وهم أولادي وربما تنفذ تهديدها لي بالزواج وتشريد الأبناء.. لكني اتساءل: أليس من حقي بعد كل ما تحملت طوال السنوات الماضية أن احيا مع سيدة صالحة اعرفها منذ كانت طفلة صغيرة ويشهد لها الجميع بالفضل, حتي ولو تطلب الأمر أن اسعي للعمل في الدولة التي تعيش فيها ابنتي وألحق بها وابتعد عن زوجتي الأولي..
إنني أطلب مشورتك وأعرف مقدما رأيك في الزواج الثاني الذي لا تفرضه ضرورة شرعية لكنني استحلفك بالله العظيم ألا تظلمني وألا تطلب مني أن انسي هذه السيدة أو أن أعدل عن الفكرة وأواصل الصبر والاحتمال إلي ما لا نهاية من أجل الأبناء.. لأن هذا حرام والله العظيم ولأن الأبناء لم يعودوا صغارا الآن وهم يلمسون معاناتي ويرون بأعينهم ما أكابده ويقدرون ظروفي, ولقد سبق أن قلت لك إن ابنتي الكبري كثيرا ما نصحتني بالزواج لحل لمشكلتي.. فماذا تقول لي؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
أمر محير حقا أن اشير عليك وأنت تستحلفني باستبعاد نصيحة معينة من حديثي إليك فتضيق علي بذلك دائرة التفكير والخيارات.. لكني سأحاول علي أية حالة أن أشير عليك بما لا يتناقض مع آرائي السابقة ولا يكلفك في نفس الوقت من امرك رهقا!.
يا سيدي استشر ابناءك فيما يشغل فكرك الآن وهم راشدون أو يقتربون علي الأرجح من سن الرشد.. ولا تعتمد في ذلك علي نصائحهم السابقة لك بالزواج لأنها ربما كانت وليدة اللحظة الانفعالية عند وقوع الأزمات بينك وبين زوجتك في حضورهم, ولقد يختلف رأيهم لو طلب منهم الآن إبداء الرأي عند التفكير الجدي من جانبك في الزواج وبغير التأثر بضغوط الانفعال العابر, بل إن رأي ابنتك نفسها وقد كانت أكثر الأبناء نصحا لك بالزواج قد يختلف الآن بعد أن تزوجت وخبرت مشاعر الزوجة التي يشقيها دائما أن يشاركها أحد في زوجها حتي ولو لم تكن الزوجة المثالية له.
وسواء أيدك الابناء في رغبتك في الزواج أوعارضوك فيها, فإن التخفي بزواجك الآخر عن زوجتك وترك أمر اكتشافها له للظروف, ليس مما يليق بالرجل الأمين الذي يشعر بأنه لا يقترف إثماولا يعتدي علي حق ويؤمن بعدالة موقفه, فإذا أصررت علي عدم التخلي عن الفكرة فافعل كما يفعل الفضلاء, وواجه زوجتك بما تعتزم, وبرر لها رغبتك في الزواج من غيرها بما تعانيه وتفتقده في حياتك معها, وخيرها بين الاستمرار معك بعد زواجك مع تحملك لكامل المسئولية عنها وعن أبنائك ومع العدل بينها وبين الأخري, وبين الانفصال عنك وديا ونيل كل حقوقها الشرعية واستمرارك في تحمل المسئولية المادية والعائلية الكاملة عن أبنائك.
ولا مفر من ذلك ولا مهرب.. ذلك أن لكل اختيار تبعاته وضريبته واجبة الأداء, وكما أن لاستقرار حياة الأبناء وأمانهم ونشأتهم الطبيعية بين أبويهم, ثمنا هو معاناتك مع زوجتك وصبرك عليها.. فإن للاستمتاع بالحب والعاطفة والسعادة الشخصية ثمنا كذلك في مثل حالتك هو اضطراب حياة الأبناء العائلية وتمزقهم بين أبوين منفصلين أو متغاضبين أو متباعدين, غير أن هناك بصيصا من الأمل لا ينبغي اغفاله بالرغم من وهنه وضعفه, وهو أن زوجتك قد تستشعر لأول مرة جدية عزمك علي الزواج واختلاف الأمر هذه المرة عن التهديدات الكلامية السابقة, فتحس بالخطر الحقيقي علي حياتها الزوجية وحياة ابنائها العائلية.. وتكف عن التحدي والمكابرة والتهديد بزواجها بعد الانفصال, وتنهض لحماية حياتها العائلية من التصدع والانهيار ولاستعادة زوجها قبل أن يفلت من يدها للمرة الأخيرة.. وتصلح من شأنها فتسحب بذلك البساط من تحت قدميك فلا تجد مبررا للاستمرار في الشكوي منها وهي قادرة علي ذلك إن أرادت, فماذا تراك سوف تفعل اذا حدث ذلك؟.
هل تصر علي مواصلة المشوار مع الأخري بعد زوال الأسباب, فتفقد بذلك تأييد ابنائك لك وتعاطفهم معك, أم تغالب نفسك ومشاعرك وتعتذر للأخري وتدعها لمن لا تثقله مسئولية زوجة وابناء مثلك, فتهدأ مشاعرك بعد حين وتواصل حياتك العائلية في سلام؟.
إنها معركة لا مفر من خوضها إما مع نفسك.. أو مع زوجتك, وربما مع ابنائك أيضا, فاختر الساحة التي تخوض فيها وقديما قال شاعر الإنجليزية الأعظم وليم شكسبير:لاتدخل معركة.. ولكن إذا دخلت فاثبت!
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
السبت، ١ أبريل ٢٠٠٠
ســــــــاحة المعــركة!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق