02-07-2004
أنا سيدة تجاوزت الأربعين من العمر, نشأت في أسرة مفككة, وقد تعلمنا نحن الأبناء جميعا وتخرجنا في كليات القمة, بالرغم من انشغال أبي بعمله وانصراف أمي عنا, وخلال دراستي الجامعية التقيت بمن توهمت أنني قد أحببته, وكان زميلا لي بالكلية وتزوجنا, وتخرجت في كليتي وعملت في مكان محترم بالدولة, في حين عجز زوجي عن انهاء دراسته الجامعية وتوقف عن التعليم دون أن يحصل علي الشهادة, وعشنا في بداية حياتنا مع أبي ثم ترك لنا المسكن وانتقل هو إلي مسكن آخر, وأنجبنا ابنة وابنا, وحاول زوجي أن يعمل لكنه لم يستقر في عمل, وتحملت عبء الأسرة وحدي أربع سنوات كاملة إلي أن عجزت عن تدبير نفقاته الخاصة وهي كثيرة, إلي جانب مصاريف ابنتي وابني, وجاء يوم ضربني فيه زوجي ضربا مبرحا أدي إلي نقلي إلي المستشفي لأنني لم أستطع إرضاء رغباته ومتطلباته المادية, ولم أستطع الاحتمال أكثر من ذلك فطلبت الطلاق.. وبعد جهد جهيد تم الطلاق مع تنازلي عن جميع حقوقي المادية, وتنازله هو عن حضانة الأبناء, وعشت وحيدة مع ابني وابنتي أرعاهما وأدبر شئون حياتهما بغير معين سوي الله سبحانه وتعالي.. ثم من علي الله برجل متدين وعلي خلق ويشغل منصبا محترما, واتفقنا علي الزواج, غير أن أسرته رفضت ارتباطه بي لأني مطلقة ولي ابن وابنة, ورفضت أسرتي كذلك هذا الزواج دون موافقة أهله, وكانت ابنتي وقتها في الثامنة من عمرها وابني في الثالثة فتمسكنا بارتباطنا للنهاية, وبعد صعوبات كثيرة تم الزواج دون علم الأهل علي الناحيتين, ثم علم أهله وأهلي به وسلموا بالأمر الواقع.. ثم بعد فترة من الزمن باركوا زواجنا ورضوا عنه والحمد لله.
وأنجبت من زوجي الثاني بنتين, ثم ولدا, لكن العمر لم يطل به واختاره ربه وهو وليد إلي جواره فاستعوضت ربي فيه واستسلمت لمشيئته.. وصبرت علي بلائي وبعد ثلاث سنوات أخري وفي نفس اليوم الذي ولد فيه ابني الراحل, أنعم الله علي بابن آخر كان ومازال نعم العوض لي عمن فقدت, وخلال ذلك كان زوجي الأول قد تزوج بعدي خمس سيدات, وهاجر إلي دولة أجنبية وحصل علي جنسيتها, ثم رجع إلي مصر وابنتي في السادسة عشرة من عمرها وأقنعها بأن تتخلي عني وتذهب معه لكي يزوجها بمن يختاره لها.. واستجابت له ابنتي بالفعل وتركتني واصطحبها والدها معه وزوجها من تاجر عربي برغم رفضي الشديد, حيث كنت أريد لها أن تتم تعليمها في مصر أولا قبل أن تفكر في أي مشروع للزواج, لكن أباها سحرها بإغراءات الحياة في البلد الأجنبي والزواج.. الخ, فانقادت له ولم تتردد في هجري ولم تراع مشاعري كأم ولم تترفق بي, وبعد ذلك أراد مطلقي أن يضم ابني منه إليه.. وحاول إيذاء زوجي فاشتكاه في عمله ليسيء إليه ويجبره علي تسليم الابن إليه, ونجح بالفعل في ضمه إليه واصطحبه معه إلي البلد الأجنبي وصبرت علي فراق ابني وابنتي وقلبي ينزف دما.
وتزوجت ابنتي قاسية القلب دون أن أشهد زفافها ودون أن أراها بفستان الفرح ودون أن تتصل بي أو تحرص علي صلتها معي, في حين يحرص شقيقها العطوف أكرمه الله علي أن يتصل بي من الخارج بالرغم مما يكلفه هذا الاتصال من أعباء مادية.
ومضت بي الأيام وكلما تذكرت ابنتي الكبري التي قطعت كل صلة لها بي, وابني الذي حرمت من حنانه وعطفه شعرت بالألم يعتصرني.. وحاولت أن أتشاغل عن حزني.. بأبنائي الصغار.. وبه هو نفسه.. وأعنت نفسي علي الصبر بتذكر أن الله سبحانه وتعالي قد عوضني بزوجي الحالي عما قاسيته وهو الزوج الصالح المتدين الذي يتقي ربه في كل معاملاته ويخدم والدته التي حرمت مثلي من ابنتها, فكنت أنا لها نعم الابنة البديلة, حتي اختارها الله إلي جواره وبكيتها طويلا ليس فقط لطيبتها وحنانها وإنما أيضا لأنها من أنجبت لي هذا الرجل الصالح زوجي.
وما دفعني للكتابة إليك هو أنني كما قلت لك من قبل موظفة ولي إيراد خارجي, وأنفق دخلي الشهري علي أولادي من زوجي الحالي وبيتي ونفسي, وزوجي ميسور الحال وكريم وقد أغدق علي الهدايا, وكان نعم الأب لابني وابنتي من زوجي الأول خلال إقامتهما معنا لمدة تسع سنوات, فكان يهتم بهما وبمذاكرتهما ويعلمهما الصلاة ويغدق عليهما النقود والهدايا, إلي أن ضمهما إليه أبوهما واصطحبهما إلي حيث يقيم, وسؤالي إليك هو: هل يرثني ابني وابنتي من مطلقي الأول ويأخذان من مال زوجي بعد رحيلي؟
لقد مررت بأكثر من أزمة صحية ولم تسأل عني خلالها ولا بعدها ابنتي الكبري, ولهذا فقد أوصيت زوجي بأن يعطي من ميراثي حين يجيء الأجل ابني من مطلقي مثلما ينال ابني منه, أما ابنتي الكبري فإنني كلما تذكرتها لا أجد في قلبي تجاهها سوي المرارة والحسرة عليها لعدم رضائي عنها, ولخشيتي من أن ألقي وجه ربي وقلبي غاضب عليها فماذا تقول لي؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
لأنه لا يعرف أحد من سيرث من فالأوفق هو ألا تشغلي نفسك كثيرا بما سوف يئول عنك إلي أبنائك بعد عمر طويل إن شاء الله... والأفضل لك أن تنشغلي بحياتك وأبنائك وبكيفية رأب الصدع الذي حدث بينك وبين ابنتك, من أن تنشغلي بتركتك وبمن سوف يستفيدون بها بعد عمر طويل.., ولقد لام حكيم الصين كونفوشيوس أحد تلاميذه لأنه يشغل فكره كثيرا بالموت قائلا له: إذا كنت لا تعرف الكثير عن الحياة فماذا تراك تعرف عن الموت؟
ولقد لفت نظري في رسالتك تساؤلك هل يحق لابنتك الجاحدة هذه أن تأخذ من مال زوجك في حين أنه لا مجال لمثل هذا التساؤل من الأصل, لأن ابنتك هذه وشقيقها, لايستحقان شيئا في مال زوجك ولا يرثانه لأنهما ليسا من صلبه, وإنما يرثان عن أبيهما وأمهما الطبيعيين فقط.. وجحود الأبناء ليس من موانع الإرث التي تنحصر في ثلاثة موانع بالإضافة إلي مانع رابع مشروط بشرط محدد يكاد يبطله عمليا, فأما الموانع الثلاثة فهي: الرق والقتل العمد المحرم, كأن يقتل الوارث مورثه ظلما, واختلاف الدين بين المورث والوارث, وأما المانع الرابع المشروط فهو اختلاف الدارين أي الوطن, ولكن بشرط أن تكون شريعة الدار الأجنبية تحرم توريث الأجنبي عنها فتعامل بالمثل, ولقد حرم الله جل شأنه الوصية إذا كان فيها إضرار بالورثة, وروي أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) قال: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصي جاف أي جار وظلم في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار, وأن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة.
وتفكيرك في حرمان ابنتك من حقها في مالك بعد الرحيل, ليس مما يتفق مع حدود الله سبحانه وتعالي, التي أمرنا بالالتزام بها,.. تلك حدود الله فلا تعتدوها.. البقرة229, ولقد حرم الله سبحانه وتعالي الإضرار عمدا بالورثة أو ببعضهم دون البعض الآخر لما في ذلك من مخالفة لأحكام الله عز وجل, ومعاندة لما شرعه لعباده, لهذا فإني أنصحك بألا تفكري في ذلك, وأن تدعي أمر ابنتك لخالقها, وللحياة التي ستلقنها دروسها القاسية, وتعيدها إلي جادة العدل مع أمها والبر بها وبأبيها البديل الذي رعي الله فيها تسع سنوات وهي في كفالته, ولسوف تعلمها الأيام بالضرورة ما لم تكن تعلم خاصة حين تنجب وتجرب شعور الأم ولهفتها علي فلذة كبدها, وقلة صبرها علي فراقها, وحسرتها علي جفاف عاطفة البنوة لديها إذا افتقدتها.
أما أنت يا سيدتي فلا تدعي المرارة المترسبة في قلبك تجاهها تدفعك إلي مخالفة أحكام الله سبحانه وتعالي, أو معاندة شريعته.. وحاولي أن تتلمسي الطريق لوصل ما انقطع بينك وبين ابنتك, ليس تكريما لها وإنما إشفاقا عليها من أن تواجه الحياة, وهي موضع نقمة أمها وسخطها عليها.. ولعل ابنك البار العطوف يستطيع أن يفعل شيئا في هذا الشأن, فيحث أخته المارقة علي أن تبر أمها وتحرص علي مودتها وتطلب صفحها عن خروجها علي طاعتها بلا تريث ولا تجمل ولا اعتذار, ولو أنصفت ابنتك نفسها لفعلت ذلك, ولما ترددت في رتق الحبل المقطوع معك والاتصال بك والاعتذار لك عن سابق جفائها معك, ذلك أنها في حاجة إلي أمها بنفس القدر الذي تحتاجين به إليها, ولربما كانت حاجتها إليك وإلي نصائحك لها واهتمامك بأمرها خاصة وهي في غربتها أشد وأكبر!
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
السبت، ١ أبريل ٢٠٠٠
الحـبل المقطـوع!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق