السبت، ١ أبريل ٢٠٠٠

المثال المتكرر‏!‏

30-04-2004
لسنوات تقارب العشرين تابعت بريدكم وتفاعلت معه وعشت مشاكله‏..‏ فأنا سيدة في منتصف الثلاثينات من عمري‏,‏ نشأت في إحدي محافظات الصعيد بين أب ميسور الحال وأم كنت أراها قاسية واخوة وأخوات‏,‏ ولقد بدأت عقدي النفسية تتشكل منذ الطفولة لسببين‏,‏ الأول سوء معاملة والدتي المستمرة لي ومقارنتها الدائمة بيني وبين أختي التي تفوقني جمالا‏,‏ وتشبهها إلي حد كبير‏,‏ بينما أشبه أنا والدي‏.‏ والثاني تعرضي لعدة تحرشات جنسية ممن يعد بمثابة جدي دون أن أجرؤ علي مصارحة والدتي بذلك خوفا منها ومن قسوتها الشديدة‏,‏ وقد نشأت في هذا الجو‏,‏ وأذكر هنا موقفين محددين أثرا في كثيرا فقد خطبت وأنا مازلت في المدرسة الثانوية رغبة مني في الهروب من جو المنزل ومن أمي وضعف شخصية أبي معها‏,‏ ثم تعرضت لمشكلات كثيرة وانهرت وارتميت ذات مرة في حضن أمي طلبا للحنان ولكنها لم تحتضني‏,‏ وانما ابعدتني عنها‏,‏ والآخر أني جاهدت قبل ذلك للحصول علي مجموع لكي ألتحق بكلية ولا أكتفي بالدبلوم كما فعل معظم أخوتي‏,‏ فقابلت أمي ذلك بثورة شديدة‏,‏ اذ كانت تريد لي الاكتفاء بالدبلوم والزواج الذي تراه الحل الوحيد لنا‏,‏وترغمنا عليه حتي ولو كان الزوج غير مناسب‏.‏

المهم انني قاومت كل ذلك وأكملت تعليمي الجامعي وعملت بعد التخرج‏,‏ وكانت خطبتي قد فسخت‏,‏ فأصبحت أمي تلقبني بالعانس لوصولي إلي سن الـ‏25‏ سنة بدون زواج حتي من الله علي بالزواج من انسان ممتاز وعلي خلق‏,‏ وحمدت الله كثيرا‏,‏ وبدأت حياتي معه وانا أمني نفسي بالسعادة ومحاولة تعويض كل مافاتني في حياتي وبالذات مع أطفالي الذين سأكون لهم أما في غاية الحنان كما كنت أري أمهات زميلاتي‏,‏ وسارت بي الحياة ورزقت بولدين منحتهما حبا وحنانا بالرغم من بعض الثورات العصبية التي تنتابني من حين لآخر علي أتفه الأشياء‏,‏ حتي وصل أبني الأكبر للصف الأول الابتدائي وبدأت محاولة تنظيم وقته ومذاكرته تحت اشرافي مع ثورات عنيفة جدا وتكسير لما في يدي إن احسست بأي تقصير من جانبه في هذه السن الصغيرة‏,‏ أو إذا نقصت درجاته درجة واحدة عن الدرجة النهائية‏,‏ وانتهي العام الدراسي الأول ثم جاء العام الثاني فأصبحت أثور بشدة أكثر وأصرخ بشكل هيستيري متواصل واصبحت للعجب أكرر نفس عبارات أمي التي كانت تقولها لي وتصفني فيها بالفشل والخيبة وقلة الأدب‏,‏ وما إلي ذلك‏,‏ وبنفس الالفاظ وبنفس الطريقة البذيئة‏,‏ بل لقد تجاوزت كل الحدود عندما ظللت أضرب ابني حتي كسرت ذراعه ووضعت في الجبس لفترة‏,‏ وفي كل مرة تحدث مشاكل ضخمة بيني وبين زوجي تصل إلي حد حرج لولا تدخل الأقارب‏,‏ وفي كل مرة أجاهد نفسي لكيلا أصل إلي هذه المرحلة دون نتيجة‏,‏ ولقد بكيت بشدة بالأمس بعد أن ارتمي ابني في حضني فإذا بي أبعده عني بنفس القسوة والجفاء اللذين ابعدتني بهما أمي في موقف مماثل‏.‏

انني لا أريد أن أفقد أولادي ولا زوجي‏,‏ وأريد أن أمنحهم حبي وحناني‏..‏ لا ثورتي وغضبي وضربي الوحشي لهم‏,‏ حتي صاروا في منتهي العصبية والعنف‏,‏ ولست اعرف اين هذا مما كنت أحلم لهم به‏,‏ ان الحنان والحب بداخلي لكني لا أستطيع إخراجهما لأولادي والتعامل بهما معهم‏,‏ وأري شبح الفشل يخيم علي حياتي‏,‏ فهل صدقت مقولة أمي لي بانني سأفشل في حياتي دائما وأرجع لها ذات يوم أجر أذيال الخيبة‏,‏ ساعدني ياسيدي ليس لأجلي‏,‏ فأنا قاسية لا أستحق الشفقة‏,‏ ولكن لأجل هؤلاء الاطفال الصغار الأبرياء الذين لاذنب لهم سوي انهم ولدوا لأم مثلي لاتقدر معني الأمومة ولاتفهمه‏.‏
والشئ الأخير الذي أود قوله إن أمي كانت تسرق أبي كثيرا‏,‏ ونحن نعلم بذلك‏,‏ فهل تدري ماذا حدث لي بعد زواجي؟ لقد أصبحت أسرق زوجي في الفترة الأخيرة دون أي إرادة مني أو مقاومة وتحت مسميات كثيرة‏,‏ فهل أنا مريضة ولمن ألجأ؟‏!.‏إنني اعيش في مجتمع مغلق ويصعب فيه اللجوء إلي الطبيب النفسي‏..‏ ولو فعلت لاتهمني البعض بالجنون فماذا أفعل؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
أسوأ ما في النفس البشرية ـ كما قال المؤرخ البريطاني ارنولد توينبي ـ هو ان يقلد ما فعله جلادوه به مع الآخرين‏,‏ بدلا من ان يتعفف عن تكرار ماعاناه بنفسه مع غيره‏!‏
وانت ياسيدتي قد اخرجت للأسف أسوأ مافي النفس البشرية بتكرارك لأخطاء والدتك تجاهك مع ابنائك الصغار‏..‏ ولقد كان الظن ان تكون تجربتك الشخصية مع قسوة الأم والحرمان من عطفها وحنانها‏,‏ ومقارناتها الظالمة بينك وبين شقيقتك‏,‏ أكبر دافع لك لكي تقدمي لأطفالك أثمن ما يستطيع ابوان ان يقدماه لابنائهما علي حد تعبير الروائية الانجليزية الشهيرة أجاثا كريستي‏,‏ وهو‏..‏ طفولة سعيدة خالية من بذور العقد النفسية‏!.‏

فكيف انجرفت الي هذه القسوة السادية علي أطفالك وأنت التي كابدت قسوة الأم عليك‏..‏ وجفاف مشاعرها تجاهك؟
وكيف انجرفت إلي تكرار ما كنت بكل تأكيد تنكرينه علي والدتك‏,‏ وهو اغتيال مال الزوج بغير علمه‏!.‏

ان الضمير الأخلاقي في ابسط تعريف له هو قدرة المرء علي التفريق بين الحق والباطل‏..‏ وهو شئ فطري في الانسان‏,‏ لكنه يتأثر بالوسط الذي ينشأ فيه‏..‏ وهو كما قال احد الفلاسفة المعاصرين يشبه اية عضلة من عضلات الجسم إن لم يستخدمها المرء ضعفت ووهنت‏,‏ ولهذا فان امتلاك الضمير الأخلاقي شئ واستعماله شئ آخر ولابد لنا لكي نحيا حياتنا علي النحو الصحيح ألا نهمل أبدا عضلة الضمير هذه وان نحتكم اليها دائما في كل افعالنا وتصرفاتنا لكيلا تضمر وتذبل وننطلق في الحياة كالوحوش الضارية لاتحركنا إلا غرائزنا وشهواتنا ورغباتنا وانفعالاتنا العصبية‏.‏
فراجعي نفسك وضميرك ياسيدتي وابدئي صفحة جديدة مع ابنائك ومع شريك حياتك‏,‏ وتذكري كلما هممت بايذاء اطفالك بدنيا او معنويا أو بمد يدك إلي مال زوجك‏,‏ قصة الرجل الصالح الذي درب ابن شقيقته وعمره‏4‏ سنوات علي ان يقول لنفسه كل يوم وهو في فراشه يستعد للنوم‏:‏ الله معه‏..‏ الله ناظر إلي‏.‏

ففعل ذلك ثلاث سنوات حتي اعتاده فلما بلغ السابعة قال له خاله‏:‏ من كان الله معه‏..‏ وينظر اليه‏..‏ هل يعصاه؟‏!‏
فاجابه‏:‏ لا‏!‏

فاصبح بهذا التوجيه الحكيم من كبار العارفين بالله وهو سهل بن عبدالله التستري‏.‏
فهل يصعب عليك ان تفعلي ذلك؟‏..‏ أوليس تكرار مثال هذا العارف بالله أفضل لك ولابنائك ولزوجك وللحياة بصفة عامة من تكرار مثال والدتك الذي كابدت مرارته في الماضي؟

وما قيمة التجربة الشخصية إذن اذا كنا لانستفيد بدورسها في تجنب تكرار ما سبق ان عانيناه نحن في حياتنا السابقة؟
ان الامر لايحتاج لأكثر من وقفة حازمة مع النفس ومراجعة أمينة لسلوك الانسان وتصرفاته‏,‏ وعزم صادق علي ألا يكرر أخطاءه‏,‏ ويصلح من شأنه ويجاهد نفسه كلما وسوست له بما لايرضاه الله سبحانه وتعالي ويتعارض مع احكام الضمير‏,‏ بدلا من الانسياق الأعمي وراء الانفعالات المتشنجة‏..‏ والاستسلام الخائر لرغبات النفس التي تتنافي مع الحق والعدل والرحمة‏.‏

ولا بأس ـ إذا تطلب الأمر ـ باستشارة طبيب متخصص يشير عليك ببعض المهدئات الآمنة التي تحفظ عليك هدوءك وتعفيك وتعفي ابناءك الصغار من الثورات البركانية والانفعالات المدمرة‏.‏

هناك تعليق واحد:

  1. أمي كانت قاسية أيضا..رأيت نفسي فيما كتبته هذه السيدة..كلنا أخذنا من أمي بعضا من عيوبها..كنت عنيدة مثلها، ألج في الخصام، عصبية، كثيرة الشكوى..غيورة، حتى قررت ذات يوم أن أتوقف..ألا أكررها مهما حدث..ضغطت على نفسي حتى أصالح من أخاصم، حتى أحجم عصبيتي، حتى أتوقف عن العناد..أصبحت حتى أحرص على أن أكون عكسها بشكل مغالى فيه..نجحت والحمد لله وأتمنى لها أن تنجح أيضا.

    ردحذف