السبت، ١ يناير ٢٠٠٠

سوق النخاسة

10/12/2010

بطلة هذه القصة شابة مصرية متعلمة تبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاما جاءتنى باكية حزينة لتحكى لى ما حدث لها منذ ان نشأت فى بيت مكون من اب مكافح وام عظيمة لمجموعة من الاخوة والاخوات عاشوا حياة عائلية بسيطة ومستقرة نسبيا فى احد احياء القاهرة الفقيرة وجاهد الجميع كى تصل سفينتهم الى بر الامان فكان الاهتمام الاكبر للوالد ةان علم البنات افضل تعليم اما الاولاد فلم يكن لهم هذا القدر من الاهتمام وكان كل هم الوالدة برغم مرضها الشديد ان تطعم وتكسى اولادها بافضل ما كان متاحا لديها فى ذلك الوقت ولا يزال الجميع يردد مقولتها الشهيرة التى كانت تكررها على مسامعنا دائما (خلى بالكم ياولاد من بعضكم انتم مالكوش حد غير ربنا) واستمرت بطلة قصتنا قائلة: ومرت الايام بحلوها القليل ومرها الكثير حتى توفيت امى رحمها الله بعد معاناة طويلة مع المرض فغابت عنا كل الوان السعادة وسارت الحياة باهتة بلا معنى حتى تزوج كل اخوتى وسافر كل منهم الى خارج مصر وتركونى وحيدة فى دنيا واسعة قاسية لا ترحم احدا ولم يعد لى فى هذه الدنيا سوى اب عجوز فى الخامسة والثمانين من عمره يعانى كل امراض الشيخوخة ومشكلتى ياسيدى اننى تقدم لى اكثر من عريس من مختلف المستويات والاعمار وفى كل مرة لا نصل معا الى محطة الزواج لاسباب مختلفة بعضها اقتصادية واغلبها اجتماعية ومع تعدى سن الثلاثين بدات نظرات الناس وكلماتهم الجارحة تطاردنى فى كل مكان مما جعلنى اطرق ابواب كل الزواج بعنف ومن اى شخص بصرف النظر عن اى اعتبارات وظروف فقط لكى اتخلص من كل هذه ىالظروف التى تحاصرنى من كل جانب ومع مرور الايام اختفى العرسان ونصحنى بعض الاصدقاء بالاستعانة بمكاتب الزواج التى بدات تنتشر هذه الايام فى مصر كنتيجة طبيعية لمشاكل تأخر سن الزواج وارتفاع نسب الطلاق وعزوف معظم الشباب عن بناء اسرة جديدة بطريقة مشروعة والحقيقة ياسيدى اننى ترددت كثيرا قبل ان اقدم على هذه الخطوة الجريئة ولكن كل الظروف المحيطة بى كانت تدفعنى دفعا الى خوض هذه التجربة على الاقل كى ارتاح نفسيا وربما ايضا كى اقطع الطريق على تلك النظرات والكلمات اللاذعة التى اعانيها ليل نهار وفجأة وجدت نفسى بصحبة واحدة من صديقاتى فى مكتب فخيم امام سكرتيرة حسناء تقدم لنا الحلول الممكنة وغير الممكنة لكل مشاكل الارتباط وتقدم لنا كيفية السير فى طريق الزواج وكأنه مفروش بالورد والزهور دون اى مشاكل تذكر وجلسنا فى انتظار دورنا وسط عشرات من الشباب والشابات من كل الاعمار الذين جاءوا من مختلف انحاء مصر تداعبهم احلام الوصول الى شريك العمر واخيرا جاء دورنا انا وصديقتى ودخلنا الى مكتب المدير فوجدناه رجلا فاضلا تتدلى من يده سبحة طويلة وحوائط المكتب مليئة بلوحات كبيرة زينتها ايات من القرآن الكريم وفور دخولنا عليه بدا حديثه معنا بالصلاة والسلام على رسول الله وانتهينا بملء استمارة بيانات كمرحلة اولى ثمنها خمسة وعشرون جنهيا ثم انتقلنا الى مرحلة اخرى من استعراض قوائم ومواصفات العرسان لاختيار ما يناسبنا وفور تحديد بعض الاختيارات طلبت منا السكرتيرة سداد خمسة وسبعين جنهيا بدعوى اننا دخلنا الى مرحلة اكثر جدية وكانت دهشتنا تتزايد ونحن نستعرض نماذج العرسان المطروحة وطلباتهم الغريبة والاغرب رؤيتهم للحياة المقبلة فهذا شاب عمره سبعة وثلاثون عاما يحمل مؤهلا متوسطا وعنده شقة ايجار قديم ويعمل فى اعمال حرة مثل سمكرى او ميكانيكى او نجار ويسكن مع اهله فى عشوائيات منشية ناصر او المرج او الخانكة ومع كل ذلك فهو يطلب عروسا صغيرة زى القمر من سكان الدقى او المهندسين وما فيش مانع يكون عندها عربية وشوية فلوس فى البنك وشاب اخر موظف بسيط يكاد يفك الخط وساكن فى عزبة الهجانة وعايز واحدة موظفة من سكان المقطم تصرف عليه لانه لا يجد عملا مناسبا لمؤهلاته العظيمة ونوع اخر من العرسان الشيك من ولاد الذوات الذى يطلب واحدة على مقاسه وما عندوش مانع يعيش معها عالة على والدها فى بيت اسرتها لحين ميسرة
حاجات تضحك وتبكى لدرجة اننى قررت الانسحاب من هذه التجربة ولكن خذلتنى ارادتى فقررت ان اكمل المشوار وخاصة بعد ان لاحظت السكرتيرة ورئيس المكتب ترددى فامطرانى بكلمات التشجيع (جربى وانتى هاتخسرى ايه وممكن يطلع حظك من السما وتلاقى نصيبك) والغريب ان المكتب حدد اتعابا تصاعدية لتسهيل عملية التوفيق بين راغبى الزواج تتدرج حسب كل فئة من هؤلاء الشباب وجدول الاتعاب يبدا بمائة وخمسين جنيها وينتهى بخمسمائة جنيهه تشمل الاتعاب والسمسرة لاتمام هذا الزواج وكاننا جوارى فى سوق النخاسة ولا ادرى كيف قبلنا بعض هذه العروض وعدنا فى اليوم التالى بالمبالغ المطلوب دفعها وكان من نصيبى شاب قدم ةنفسه على انه من سكان مدينة الرحاب وعنده فيلا وعربية وشاليه فى الاسكندرية ووقعت على طلب الاتفاق على الزواج ولكنى فوجئت بان طلباته لاتمام هذا الزواج اكبر بكثير من امكاناتى وقدراتى المادية والمعنوية وتبادلنا النظرات وعلامات الاستفهام انا وصديقتى التى كانت هى الاخرى قد وقع اختيارها على شاب قدم لها نفسه هو الاخر فوجدته صديقتى من افضل العروض المطروحة وكانت طلباته لا تقل كثيرا عن طلبات الشاب الذى وقع عليه اختيارى مما جعلنا ننظر الى بعضنا البعض وفى نفس واحد كان السؤال الذى يطرح نفسه...ما العمل الان؟ وهنا تدخل رئيس المكتب قائلا (المشكلة محلولة بس انتوا وافقوا وانا على التمويل والاعمال بالنيات) وبدا الحديث عن الاف الجنهيات المطلوبة لزوم الشبكة والفرح والعفش والشقة وحتى فستان الفرح والكوافير والصراحة قلبى وقع وقلت (الجوازة دى مش هتكمل) ولكن كان بداخلى احساس قوى يدفعنى كى اكمل المشوار وخاصة بعد ان شرح لنا صاحب المكتب ان الموضوع سهل جدا لاننا سناخذ قرضا من احد البنوك فى حدود ثلاثين الف جنيه تسدد بالتقسيط المريح وبضمان المكتب وقدم الينا مجموعة من الاوراق والمستندات التى قيل لنا انها لزوم القرض من البنك وبالفعل اقنعونا بالتوقيع عليها وفى اليوم التالى ذهبنا الى البنك لتسلم القرض وفور تسلم المبلغ فوجئت بصاحب المكتب والسكرتيرة يقتاداننى الى مقر المكتب ويقولان لى ان المكتب سياخذ خمسة وعشرين الفا للصرف على هذا الزواج وهذا هو شرط البنك لصرف القرض اما الخمسة الاف المتبقية فهى مخصصة لى لشراء مسلتزماتى الشخصية ايضا بمعرفة المكتب ولا ادرى ياسيدى كيف وافقت على ذلك فهل بسبب رغبتى لاتمام الزواج فعلا ام بسبب حال الضعف التى انتابتنى امام احساسى بالحصار الذى فرضه صاحب المكتب والسكرتيرة وكان من الطبيعى ان اسال هذا الشاب الذى اخترته ليكون زوج المستقبل متى سيبدا الاجراءات الفعلية لاتمام هذا الزواج وكان من الطبيعى ان يطلب منى تحديد موعد ليزور اهلى وقلت له على طريقة هند صبرى فى مسلسلها الشهير (عاوزه اتجوز) اتفضل فورا وبالفعل حاء عريس المستقبل فى اليوم التالى والتقى بوالدى وعرض عليه خطوات هذا الزواج المرتقب واطمأن قلبى قليلا بعد ان كنت قد انتابتنى بعض الشكوك وفى اليوم التالى مباشرة قام بزيارة اخرى لوالدى لمناقشة بعض التفاصيل المتعلقة بالشبكة والفرح والمعازيم وغيرها وكدت اطير فرحا بعد ان اقترب الحلم من الحقيقة ومر اسبوع كنت فيه هائمة وسط احلام الغد القريب حتى اننى لم اتوقف طويلا عند عدم اتصاله بى طوال هذا الاسبوع واقفت على سؤال كل من حولى اين العريس ومتى يتم تحديد موعد الفرح واتصلت به على تليفونه المحمول فوجدته خارج الخدمة فاتصلت بالمكتب فلم اجد من يرد وساورتنى الشكوك فذهبت الى مقر المكتب فوجدته مغلقا هو الاخر وتصاعدت شكوكى وهرولت الى المكتب فسالت الجيران وبواب العمارة المجاورة واتفق الجميع على اجابة واحدة (دى كانت شركة مأجرة شقة مفروشة وعزلوا منها) وهنا تأكدت مخاوفى وعرفت اننى وقعت ضحية لعملية نصب محكمة وادركت حجم الكارثة التى وقعت فيها ودارت الارض تحت اقدامى وانطويت على نفسى واحزانى لفترة طويلة لا ادرى كيف اتصرف وخطر لى ان اتردد على مقر المكتب من ان الى اخر فربما اعثر ولو على خيط رفيع يقودنى الى صاحب الشركة او العريس الهارب واكتشفت اننى لست الضحية الوحيدة التى تراقب المكتب ولكن هناك العشرات من الضحايا من الشباب والشابات الذين شربوا نفس المقلب وعدت الى بيتى منكسرة حزينة لا ادرى ماذا افعل ولم اجد لدى الجراة ان اشارك والدى فى مأساتى خوفا عليه من الصدمة خاصة اننى على ثقة انه لا يملك حلا لهذه المأساة ومع بداية الشهر التالى بدا البنك المطالبة باول الاقساط الشهرية للقرض وقيمته 831 جنيها وبالطبع عجزت عن السداد وكيف اسدد وانا لا اعمل وليس لنا اى دخل للاسرة سوى مبلغ ضئيل لا يكاد يكفى لمستلزمات الحياة البسيطة وتكاليف علاج والدى المريض خاصة اننى اخفيت الموضوع كله عن اخوتى واقرب الناس الى خوفا من لومهم وعتابهم وليتنى فعلت ومرت الشهور حتى بلغ مجموع الاقساط المتأخرة حتى الان 5500 جنيه ولم يعد امامى الا ان اطرق الابواب املا فى ايجاد مخرج من تلك الكارثة التى وضعت فيها نفسى بجهلى وقلة عقلى وخرجت هائمة على وجهى بحثا عن اى عمل لسداد قرض البنك قبل ان اجد نفسى معرضة للحبس والان ياسيدى لا ادرى الى من اتوجه باللوم والعتاب هل الى المجتمع الذى لم يرحم ظروفى وادميتى ومارس على كل الوان ووسائل الضغط العصبى والنفسى حتى دفعنى الى تلك المغامرة غير المحسوبة ام الى اهلى وجيرانى الذين تركونى فريسة سهلة لبعض الذين فقدوا ضمائرهم واعماهم جمع المال والثروة ولو على جثث ضحايا لاحول لهم ولا قوة ام الى القانون الذى اعطى البعض الفرصة لافتراس الضعفاء والمساكين دون عقاب رادع ام ألوم نفسى وجهلى وتهورى وخروجى عن الاعراف والتقاليد التى تربينا عليها وقررت ان اتوجه الى الله الذى لا يغفل ولا ينام وادعوه صادقة ان يساعدنى على تجاوز تداعيات تلك المأساة وهذا الخطأ والجرم الكبير الذى ارتكبته فى حق نفسى وفى الوقت نفسه رايت ان اقدم قصتى لقراء (بريد الجمعة) لعلها تكون عبرة وعظة لمن هم فى مثل ظروفى حتى لا يقعوا فى نفس الخطأ واقول لهم ان الزواج رزق من عند الله يرزقه من يشاء عندما يشاء ويجب الا نستعجل الرزق ففى السماء رزقكم وما توعدون
تعليق المحرر
ما سطره الصديق المبدع الحكيم د.هانى عبد الخالق على لسان تلك الفتاة يكشف ازمة مجدتمع متكاملة ومتصاعدة فالقضية ليست فى عملية النصب فقط بل قد يكون ما حدث لتلك الفتاة الساذجة هو الكاشف لكل التغيرات التى حدثت فى المجتمع فتاتنا نشأت فى اسرة عادية, مكافحة, مثل ملايين الاسر فى مصر كانت نصيحة الام الراحلة هى تلخيصا واضحا لما وصلنا اليه (خلى بالكم ياولاد من بعضكم انتم مالكوش حد غير ربنا) لا اقارب ولا جيران ولا قانون انتم فقط حماة انفسكم لكن مالم تكن تعلمه الام المكافحة ان الاولاد, الاشقاء, ستنقطع بينهم حبال التواصل والمحبة والحوار والسؤال لذا وجدت الصغيرة الحالمة نفسها فى مجتمع قاس وجاهل يحاسبها على عدم زواجها يعايرها بكلمة (عانس) تحاصرها الوحدة تطاردها غريزة الامومة والرغبة فى الانجاب قبل فوات الاوان والزواج فى بلادنا صعب فالشباب لا يتزوج اما للظروف الاقتصادية الصعبة او لسهولة الانحراف بعد ان ضلت البنات وغابت الاخلاق وضعف الإيمان لكن الصغيرة تربت فى بيت طيب لا تريد الا الحلال وابن الحلال الذى لم يعد يعرف الطريق المضمون والآمن الى بنت الحلال لم تعرف الصغيرة ان اشياء كثيرة فى مصر اصبحت عشوائية, لم تعرف ان عديمى الضمير اللصوص الجدد اكتشفوا نوم القانون وغيابه صدقت ان لا احد لا مكتب يمكنه الاعلان عن نفسه فى صحيفة او يضع لافتة مضيئة على واجهة عمارة الا بتصريح صدقت ان كل من يطلق لحيته او يمسك بمسبحة فى يده هو من المؤمنين المتمسكين بدين الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) فدخلت هذا المكتب محترف النصب الذى استطاع صاحبه ان يؤجره بدون بيانات حقيقية او حتى ابلاغ القسم التابع له وبدون ترخيص قانونى النصاب يجد ضالته فى الطامع والطامعة هنا تبحث عن الحلال تتشبث بأطراف الأمل وحتى يكتمل النصب لابد ان يكون العريس مغريا ومجيدا لاصول اللعبة لا استطيع ان ألوم الصغيرة الجاهلة ولا اقول لها كان عليك ان تتأكدى من صحة اوراق هذا المكتب وان تستشيرى احدا من حولك غير صديقتك التى تعانى وتحلم مثلك فانا متفهم لكل ما تعانيه وما تحلم به اللوم كله للقانون الغائب للوزارات التى قصرت فى عملها فسمحت لمثل هذه المكاتب ان تخدع الابرياء للشرطة التى تسمح لاصحاب الشقق بتأجيرها مفروشة باى اسم وبدون اخطار او تسجيل اللوم كله للصحف التى تنشر اعلانات مثل هذه المكاتب بدون الحصول على الاوراق الرسمية والتراخيص التى تؤكد صدق عملها اتمنى ان تستفيد البنات من مأساة تلك الفتاة ولا يندفعن الى شباك اللصوص والنصابين عبر مكاتب الكذب والوهم ومصائد الانترنت ويثقن ان رزقهن سيصل اليهن مهما بعدت المسافات والازمات وان يلتزمن كل الحرص وهن يقدمن على الزواج فاحيانا نسعى بأنفسنا الى الشر والعذاب آملين انه الخير والسعادة وسأتابع مع الصديق الدكتور هانى عبد الخالق ما تعرضت له هذه الفتاة من نصب وارجوها ان تساعدنا فى ابلاغ الشرطة حتى يمكننا ان نصل الى هؤلاء النصابين حتى نعيد اليها حقها ونحمى اخرين من هذا المصير وكلى امل ان نعيد اليها بعضا من أمانها وسعادتها واموالها المقترضة والى لقاء بإذن الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق