2/4/2010
فكرت كثيرا فى الكتابة لك ولكنى تراجعت لانى لم اجد فى قصتى ما يشد القراء الاعزاء حتى قرات رسالة (السبب الحقيقى) واحسست اننى يجب ان اكتب لك
انا ابنة اسرة من الطبقة المتوسطة هذه الطبقة التى كادت ان تنقرض الاب كان من رجال التربية والتعليم الافاضل الذى كان يؤمن برسالة المعلم كما كان كل جيله وكان ناصريا وكان مربى اجيال وصاحب رسالة وكبير عائلته يهتم بكل الناس كل الناس الا ثلاث بنات صغيرات هن بناته اما امى فهى اعظم ام فى الدنيا اوقفت حياتها علينا وعاشت من اجلنا لن ادخل فى تفاصيل اكثر حتى لا اطيل عليكم واسمح لى ان ارسل لها تحية حب وعرفان بالجميل فى عيد الام
عشنا حياة شبه هادئة فى بلد ريفى كانت حياة جميلة وثرية بكل ما يثرى العقل والوجدان عالمنا كان المسافة بين المدرسة والبيت. المدرسة حيث الدراسة الممتعة والانشطة المدرسية والبيت حيث الهدوء والراحة والحب الذى غذتنا به امى الرائعة اما اوقات الفراغ فقد كنا نقضيها فى القراءة قراءة كل ما تقع عليه ايدينا الصغيرة فقد كانت مكتبتنا غنية بكل ما لذ وطاب وكذلك مكتبة بلدتنا التى ازالوها الان وبنوا مكانها مكتبة الطفل التى لايدخلها اى طفل
اعلم انى اطلت فى مقدمة ليس لها علاقة بالموضوع ولكنها ذكريات الحياة الجميلة التى عشتها مع اختى على صوت فيروز كبرنا احببنا بعضنا واحببنا الناس واتقينا الله عز وجل فى تصرفاتنا واكرمنا الله فتخرجنا ثلاثتنا فيما يطلق عليها كليات القمة وتزوجت اختاى واحدة تلو الاخرى وبقيت انا فقد كنت الصغرى وكانت لى قناعة الا احب الا من اتزوجه ولذلك لم ارتبط سوى به اعنى زوجى فقد تعرفنا على بعض فى السنوات الاخيرة من الدراسة احببنا بعضنا ولم يحاول التلاعب بى فقد كانت اصوله الريفية مشابهة لاصولى فذهب مباشرة الى والدى بالرغم من ضعف امكاناته لانه كان من بداية حياته العملية ولانه لا ينتظر مساعدة من والديه فهذه عادات عائلته المهم وافق والدى وطلب يدى ووافق والدى على الخطبة وبعدها بفترة سافر حبيبى الى احدى الدول العربية لكى يكون نفسه ونتزوج لتستمر خطوبتنا اربعة اعوام وضعنا خلالها القرش على القرش كما يقولون حتى استطعنا شراء شقة بسيطة وفرشناها باثاث انيق
رجع خطيبى من السفر لنتزوج فى حفل سعيد ضم الاقارب والاصدقاء وكنا انا وزوجى نكاد نطير من السعادة التى توجها الله سبحانه وتعالى بطفلنا الاول والذى انجبته بعد الزواج بعشرة اشهر ثم سافرت انا وطفلى لالحق بزوجى فى البلد الذى يعمل به وهنا تبدا قصتنا فقد كانت الحياة هناك قاسية غربة ووحدة وظروفا مادية وحياتية صعبة وبالرغم من هذا لم تكن هذه هى المشكلة كانت المشكلة الحقيقية فى ابننا فقد لاحظنا عليه انه منطو ومنعزل وايضا متأخر فى الكلام فنزلنا اجازة لنعرضه على الاطباء لتبدا الدوامة بين اطباء المخ والاعصاب والسمع ليؤكد جميع الاطباء انه سليم وانه تأخر طبيعى نتيجة السفر وعدم الاندماج فى المجتمع وسافرنا مرة اخرى لنعود بعد عام بنفس المشكلة لنعرضه بعد عام ولكن هذه المرة على اطباء النفسية والعصبية وبعد رحلة بحث طويلة فى مصر والبلد العربى الذى نقيم به شخص ابنى وحيدى بانه مصاب بمرض التوحد
ماذا...توحد؟ نعم توحد مرض ليس له سبب معروف او علاج سنين طويلة من التخبط والبحث عن علاج او طريقة لتعليمه وتدريبه لان جميع الاطباء اوصوا بان العلاج الوحيد فى التدريب المستمر ومن يومها لم اعد انا اصبحت انسانا اخر انسانا تعيسا لم اعد اشعر بالسعادة او الفرح لم اعد اشعر بالاحاسيس الجميلة التى تجمعنى بزوجى الا فيما ندر حتى بعد ان رزقنا الله عز وجل بطفلنا الثانى والحمدلله طبيعى اشعر بالالم يعتصرنى لانه لايفهم لم لا يلعب اخوه معه ولم لا يرد عليه ولماذا يبكى ويصرخ ويعض يده هل تعلم ياسيدى ماذا حدث تماسكت انا وزوجى وواصلنا الطريق الحقناه بمدارس متخصصة غالية المصاريف فوق قدراتنا وجربنا كل الطرق التى سمعنا عنها واكتفينا لم نعد نرغب بالانجاب لكى نستطيع ان نبذل كل ما فى جهدنا لانقاذ طفلنا وهل تعلم لقد تعلمت فى هذه الرحلة القاسية ان اكون صبورة وان ارضى بقضاء الله بل تعلمت ادارى مشاعرى عن الاخرين فما ذنب الناس حتى يشاركونى احزانى وانا ارى ابنى البكرى يضيع عمره وهو سجين جدران مرض الوحدة لا يستطيع ان يحطمها ويخرج بينما افيق انا خارجها احاول تحيمها بيدى العارية الدامية هل تعلم ياسيدى ماذا حدث لقد رزقنى الله بطفل اخر مريض بالتوحد تانى استغرقت سنتين حتى افيق من الصدمة هذه المرة كانت الصدمة اقوى لانى اعرف المر الذى سوف احتسيه والالم الذى سوف اعانيه ووحدة ابنى الاوسط التى تضاعفت والم زوجى الحبيب الذى لا يدخر جهدا ولا مالا فى رعاية ابنائه وهنا جاء وقت الرد على صاحب رسالة (السبب الحقيقى) سيدى الفاضل ابناؤنا امانة فى اعناقنا والحياة دار ابتلاء والابتلاء ليس بالضراء فقط ولكن بالسراء ايضا يكون بالصحة والمرض بالغنى والفقر بالذرية وعدم وجود الذرية هناك من يتمنى ان يكون ابنه مثل ابنك حتى لو كان مريضا نفسيا وهناك رجال يتمنون من الله زوجة صالحة تفنى حياتها فى خدمة زوجها وابنائها مثل زوجتك ان الام ياسيدى تكون اكثر الما لانها تكون اكثر احتكاكا بالواقع الاليم واكثر تعايشا معه وفى بعض الاحيان تخفى عن الاب بعض التفاصيل المؤلمة حتى تجنبه الالم والاحباط
سيدى ان زوجى يعود من عمله بعد يوم عمل شاق حوالى اثنتى عشرة ساعة متواصلة ليجدنى منكوشة وعصبية فيدخل ليصلى قبل تناول طعامه ليدعو لى وله بالصبر ويدخل المطبخ ليساعدنى فى نقل الاطباق مادحا مظهرى الذى رتبته على عجل عندما سمعت وقع خطواته على الدرج فيزول عنى التعب والحزن جزاه الله كل خير عنى وعن اولاده واخيرا الى كل من لايعجبه رزقه فى الحياة اطلب منه بل ارجوه ان يرضى لانه لو علم الغيب لاختار الواقع (والرضا لمن يرضى) وشكرا لكم مشاركتى احزانى المتواضعة
تعليق المحرر
سيدتى هذا هو الزواج بمعناه الحقيقى الميثاق الغليظ نفس واحدة فى جسدين هذا الفهم العميق التلقائى للزواج هو الذى ساعدك وزوجك على مواجهة المحن والتصالح معها بإِيمان شديد (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله, ومن يؤمن بالله, يهد قلبه, والله بكل شئ عليم) صدق الله العظيم انها الهداية ياسيدتى التى من الله بها عليكما فابتلاكما بمرض طفليكما ومنحكما الصبر والحكمة والرضا وهذا ما قاله رسولنا الكريم فى الحديث الشريف (ان الله بقسطه وعدله جعل الروح والفرج فى الرضا واليقين وجعل الهم والحزن فى السخط)
هذا ياسيدتى هو الفارق بين ما جاء فى رسالتك وصاحب رسالة (السبب الحقيقى) فهو انحاز لانانية الفرد فى محاولة للهروب من واقع مؤلم هو مبتلى به ومسئول عنه وكأنه يبحث عن محطة لسعادته تاركا للآخرين آلامهم واحزانهم اما زوجك الذى آمن بأن الإنسان ولد فى كبد آمن بمسئوليته ورضى بقدر الله فزاد قلبه رقة ليرقى إحساسه بك وبما تعانينه فزاد قربه وعطاؤه على الرغم من تعبه ومعاناته فى العمل حتى يكفى ما يحتاجه المريضان وما كان ما اتى به بساتين محبة فى قلبك المجهد الازمة الحقيقية ياسيدتى تبدأ عندما لا يرضى الانسان بما كتبه الله عليه وابتلاه به فيفر منه ولكن هل نفر من قضاء الله إلا لقضاء الله فلو امنا بان هذا الابتلاء فى ميزان حسناتنا وان رضاءك به وتعايشنا معه هو الذى يعيننا على مواجهته بل يجعلنا نتلمس السعادة فى عز المأساة فلو فر كل انسان رجل او امراة عندما تواجهنا الايام بما لم نتوقع ما عمر بيت وما استمرت زيجة ولكنه الصبر والرضا والايمان بفرج الله تأملى معى قول سيدنا على بن ابى طالب:
لاتجز عن اذا نابتك نائبة…واصبر ففى الصبر عند الضيق متسع
سيدتى كثيرون يحلمون بالتوحد مع شريك الحياة ولكنهم يعجزون مع توافر كل المقومات الظاهرية اما انت الام والزوجة الرائعة وزوجك الاب العظيم فقد جمعكما ونثر المحبة فى قلبيكما توحد طفليكما لتصبح مبررات الشقاء هى نفسها موطن علاقاتكما زادكما الله حبا ومودة ورحمة وأعانكما على ما ابتلاكما به ورفعه عنكم جميعا وهدى كل الازواج لما فيه السعادة والاستقرار والى لقاء بإذن الله
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
السبت، ١ يناير ٢٠٠٠
حب التوحد
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق