21-12-2001
تمنيت كثيرا أن أجد ضمن مشاكل قرائك مشكلة شبيهة بمشكلتي لتريحني من عناء الكتابة إليك, ولكني للأسف لم أجدها, فكان لابد من أن أكتب لك عنها.
فأنا سيدة جامعية في بداية الأربعينيات من العمر ومتزوجة من قرابة العشرين عاما, ولي أبناء أكبرهم ابنة في كلية مرموقة.
وحين تقدم زوجي لخطبتي كان شابا من جيراننا, لكني لا أعرفه ولم أره إلا حين جاء يطلب يدي.. ووجدته شابا وسيما وأنيقا للغاية يحمل مؤهلا جامعيا ومتخرجا في نفس الكلية التي تخرجت فيها, وعلمت فيما بعد أنه كان يعرفني جيدا بحكم الجيرة بيننا, ويتتبع أخباري حتي خلال سفره إلي خارج البلاد, واثقا من أنني سأكون له ذات يوم, وبثقته الكبيرة في نفسه وذكائه استطاع أن يبعد عني الكثيرين ممن كانوا يريدون التقدم لخطبتي لأبقي بلا ارتباط حتي عودته من سفره.
وقد عرفت كل هذا بعد زواجي منه وحمدت الله علي أنه إنسان طيب القلب وعلي خلق ويعرف ربه حق المعرفة, كما أنه بار بوالديه وأهله لأقصي درجة, فتزوجنا وعمل هو بوظيفة حكومية سنوات كان راتبها ضئيلا ولايكفي لحياة ميسورة, وتحملت معه الكثير والكثير ولطموحه وثقته في نفسه وفي قدراته فقدم استقالته من عمله الحكومي وتقدم للعمل في إحدي شركات مجموعة من أنجح شركات مصر. ولها اسمها الكبير. واستطاع أن يتقدم بسرعة في عمله ويتفوق علي زملائه وعلي من سبقوه لسنوات ليشغل أعلي منصب إداري ممكن أن يصل إليه شاب في مثل سنه.. وهذا من فضل الله وبعد الجنيهات القليلة التي كان يتقاضاها أصبح راتبه بالآلاف..
والآن فما هي مشكلتي إذن؟
إن مشكلتي هي زوجي وطيبته الزائدة وكرمه الذي يفوق الحدود واستسلامه لمطالب أخوته ورعايتهم التي وصلت إلي حد الجشع والاستغلال..
فزوجي لا يتأخر أبدا عن أن يقدم العون والمساعدة لأي فرد من إخوته حتي لو كلفه ذلك الآلاف من الجنيهات, وقد تحملت ذلك عن طيب خاطر نظرا لأنني كنت أجد أنهم بالفعل يستحقون المساعدة المالية والمعنوية, وكنت أحرص علي عدم الإشارة مني لهذه الأمور معه, وأطلب من الله أن يعوضه عن ذلك خيرا في نفسه وفي إبنائه.
ثم مرت بنا سنوات العمر وتركنا البلدة التي كنا نقيم بها وانتقلنا إلي مدينة أخري بجوار عمله, وغيرنا أثاث منزلي بالكامل وأقمنا بمنطقة راقية وسط زملائه في العمل وكلهم في مستوي وظيفي عال ولهم حياة اجتماعية راقية. وكبر الأبناء وأصبحوا في مراحل تعليمية مختلفة, وازدادت نفقاتهم ومسئولياتهم.
وتمنيت أن يدرك زوجي ذلك وأن يقلل ما يعطيه لأخوته بمناسبة وبدون مناسبة ولكنه لم يفعل.
كما تمنيت أن يكف أخوته عن طلب المال منه. خاصة وقد أصبحوا لايحتاجون إليه, فقد تخرج أبناؤهم في الجامعات وتسلموا وظائفهم ولكنهم للأسف يزدادون مع الأيام طلبا للمال من أخيهم وهو أصغرهم, ويزداد هو طيبة وضعفا واستسلاما لرغباتهم.
ونتيجة لذلك, ولأنه لم يعد يستطيع أن يفي بطلباتنا وطلبات أخوته ووالديه, فإنه يفضل التقصير في حقي وحق أبنائه, علي ألا يقصر في حق أحد من أهله حتي الأطفال منهم. وأصبح ابنائي في حيرة من أمرهم وأمر والدهم وهم يعرفون مركزه الكبير وراتبه الأكبر ويتعجبون لهذا التقصير في حقهم؟ ولعجزه عن أن يوفر لهم الحياة السعيدة مثل زملائهم, فقد أصبح زوجي لايستطيع أن يأخذنا في اجازة إلي المصيف, وتكرر ذلك لسنوات طويلة وأصبح لايستطيع أن يأخذ يوما اجازة في السنة ليخرج بهم لأي مكان قريب أو بعيد بحجة مسئوليته الكبيرة في العمل وضيق الوقت.
ناهيك عن عدم اهتمامه بي كزوجة وأم لأولاده رغم أنني تركت عملي بناء علي رغبته وأصبحت حياتي كلها داخل جدران البيت ومع الأبناء ومع بعدي عن أهلي وأصدقائي وعملي أصبحت أعاني الملل والرتابة وغياب الزوج الذي يشارك في تربية أبنائه.
ولقد كبروا وصاروا يتساءلون من هذا التقصير؟
ويتساءلون أين راتب والدنا عن وظيفته الكبيرة, وأين يذهب؟!
لقد فكرت أن أخبر أبنائي بالحقيقة ولكني خشيت أن أزرع في قلوبهم الكره لأهل والدهم, وسؤالي هو: هل يحق له أن يساعد أحد أخوته في زواج ابنته بالآلاف بالرغم من عدم احتياجه لذلك, وله ابنة في سن الزواج, لقد قلت له ذلك, فقال إن الله سوف يكرمه ويعوضه خيرا.
ولقد سئمت الحياة مع زوجي بالرغم من حبي الشديد له وأفكر جديا في ترك بيتي وأولادي لأترك له الفرصة للتفكير لعله يشعر بمدي تقصيره في حقي وحق ابنائه, ولعل أهله كذلك يشعرون أنهم سيدمرون حياته ويحطمون أبناؤه ويعلمون أن الله لايقبل الظلم ولا يرضي به.
لكني أخشي علي ابني الذي يدرس في المرحلة الثانوية وأرجو أن تنصحني بما أفعل لكي أحافظ علي أبنائي وبيتي.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
من غير المقبول أن تغاضبي زوجك وتهجريه لكي يقبض يده عن مساعدة بعض أخوته.. أو لكي تشعريهم بعدم رضاك عما يقدمه لهم من عطاء.. فإذا كان المبدأ الشرعي هو أن كل إنسان أحق بما كسبت يداه وأن حق الزوجة والأبناء في مال الأب مقدم علي بقية الحقوق إلا حق الأبوين غير القادرين, فإنه لايلام المرء كذلك علي ما يعد من فضائله وليس من ضعفه كما تتصورين بره بمن يحتاجون إلي العون من اخوته.
وفي الحدود المرعية التي لاتضر بحياة ابنائه أو مستقبلهم.
ولقد شرع الله سبحانه وتعالي للقادر أن يعطي من زكاة ماله للأخوة غير القادرين الذين لايكفيهم نصابهم بما يقرب إلي حد ما بين مستوي معيشته ومستوي معيشتهم, لكيلا تكون الهوة سحيقة بينهم... ولكي يسترضي النفوس وينزع منها نوازع الحقد والغيرة بين الأخوة ويعمق أواصر الرحم والمحبة بينهم..
أما حاجتهم إلي هذه المساعدة أو استغناؤهم عنها فهي مسألة تختلف حسب زاوية الرؤية التي ينظر منها كل طرف إليها.. وأنت قد ترين من جانبك أن أخوة زوجك لم يعودوا في حاجة إليها.. وبالتالي فإن كل ما يجنيه ينبغي أن يكون لك ولأبنائك دون غيرهم, وهو أو هم قد يرون عكس ذلك, ولقد يكون الفيصل في ذلك حكما محايدا مطلعا علي كل جوانب الصورة من زواياها المختلفة ويستطيع أن يحكم بصدق علي جدية هذا الاحتياج.
لأن ما تتحدثين عنه من أوجه التقصير التي تلمسينها من جانب زوجك وتفسرينه بعطائه لأخوته قد لايراه طرف محايد كذلك.. وقد يري أنه يتعلق بكماليات الحياة أو رفاهيتها ولا يتعلق بأساسياتها, لهذا فإن الأفضل دائما هو الحوار العقلاني الهادئ مع شريك الحياة.. وإعانته بالإقنتاع وليس بالمغاضبة بضرورة تحقيق العدل بين مسئوليات الأبناء وتأمين مستقبلهم وبين الوفاء بالمستويات العائلية التي لاتطيب الحياة لأصحاب الضمائر والقلوب بغير النهوض بها.
ولو أنك يا سيدتي قد راجعت بعض مواقف حياتك العائلية السابقة لأدركت أن ما أعطاه لاخوته ليعينهم به علي أمرهم خاصة في مراحل اشتداد حاجتهم للعون لم يذهب في الحقيقة سدي, إذ ربما كان هذا العطاء هو أهم الأسباب الخفية لتوفيقه في حياته العملية.. ولاتساع أبواب الرزق أمامه ولانتقاله من نجاح إلي نجاح حتي بلغ مركزه الكبير الآن.. ولربما كان أيضا حاجز الأمواج الذي لا ترينه بالعين المجردة لكنه يحجب عنكم, ومن حيث ما لاتدرين بعض ما لا طاقة لكم به من احتبارات الحياة وآلامها.. وكل عطاء يرجو به صاحب وجه ربه.. وبر أبويه وصلة رحمه.. وستر حرماته لايقل به ماله أبدا ولا بد أن يثمر ثماره الطيبة في حياته وأسرته وأبنائه طال المدي أو قصر, فراجعي موقفك من هذا العطاء بموضوعية وبغير تحامل علي الطرف الآخر, ولا ترضي لنفسك بأن تكوني سببا في منعه عن أخوته إذا كانوا حقا في حاجة إليه.. ولاتمنعي زوجك كذلك من استرضاء نفوسهم من حين لآخر بشئ منه إذا كانوا قد استغنوا عنه وبغير أن يؤثر ذلك علي الأولويات الأكثر أهمية في حياتكم وهي الأسرة والأبناء وتأمين مستقبلهم.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
السبت، ١ يناير ٢٠٠٠
زاوية الرؤية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق