24-08-2001
لا أدري لماذا أكتب إليك.. ولا ماذا أريد من هذه الرسالة.. لكني أشعر بحاجتي للتنفيس عن أفكاري, وآمل أن يسهم ذلك في مصالحتي لنفسي فأنا زوجة تحب زوجها ويحبها زوجها, وقد تزوجت منذ أكثر من12 عاما وبعد محاولات مضنية للإنجاب استمرت لمدة عشر سنوات أجريت لي خلالها عمليتين فاشلتين لطفل الأنابيب, توقفت عن الأمل.. والسعي إلي الإنجاب وفضضت الاشتباك بيني وبين الأطباء الذي استنزفنا ماديا ونفسيا طوال السنوات العشر واعتبرت علاقتي بزوجي وحبنا الرائع الذي نتبادله أغلي ما في الحياة ووجدت في زوجي طفلي الجميل الذي يغنيني عن كل الأطفال, واعتبرت الرضا النفسي الذي شعرت به حينذاك إشارة من السماء لأن أكف عن الأمل اليائس في الإنجاب وشعرت بسلام داخلي بعد أن توقفت عن ضرب رأسي في حائط الأمنيات المستحيلة, وساعدني علي ذلك أني حين كففت عن الأمل آثرت ألا ألزم زوجي بقدري وفضلت الابتعاد عنه لكيلا أحرمه من حريته في الاختيار, لكنه بذل جهودا مستميتة لإرجاعي, وضعفت تجاهه فرجعت إليه علي أمل أن يرضي بما اختارته لي الأقدار كما رضيت به.. وعشنا عاما سعيدا ثم جاءني ذات يوم فلمحت في عينيه تلك النظرة الحزينة التي اكتئب بشدة لها كلما لمحتها, وسألته عما به فروي لي أنه كان في زيارة عائلية في الحي الذي كنا نقطن به مع أسرتينا قبل الزواج, والتقي هناك بأحد أبناء الحي فسأله عن سبب عدم إنجابه حتي الآن وهل يرجع إليه أم إلي؟ فعجبت لهذا الرجل الصبور الذي صبر12 عاما قبل أن يسأل زوجي هذا السؤال المحرج؟ وعجبت لمن يستبيحون حياة غيرهم لدرجة الرغبة في تحديد المسئولية عن أمر شديد الخصوصية كهذا الأمر, ولاحظت أن زوجي علي الرغم من حبه الكبير لي قد نفي مسئوليته عنه بشدة.. كأنما يخشي أن تلتصق به التهمة للأبد ولست أريد أن أظلمه, ولا حتي أن أظلم ذلك الإنسان الذي نكأ الجرح القديم بالسؤال المؤلم.. فالحق أن سؤاله كان فقط عاملا مساعدا علي الاشتعال, أما الوقود الحقيقي فقد تمثل دائما في خشية زوجي من ألا يري أبواه حفيدا منه وهو ابنهما الوحيد, إذن فلقد كان له تفكيره الخاص لكنه كان له أيضا نبله الذي لم أستطع معه أن أتخلي عنه بعد تمسكه بي, فلقد أقسم لي ألا يقدم علي أي زواج آخر للإنجاب إلا إذا قبلت أنا به ووافقت عليه.. وأعطيته الإذن به.. وإنني لو لم أفعل فلن يقدم عليه مهما تكن حاجته إليه.. فهل كنت أستطيع بعد ذلك أن أحرمه من أمل الإنجاب وأن أستغل نبله لأجبره علي الرضا بأقداري الخاصة؟
لقد تناقشنا في الأمر طويلا ومرارا.. ووجدتني ذات يوم أذهب إلي والدته وأطلب منها باكية أن تزوجه وأن تساعده الأسرة في نفقات الزواج بعد أن أرهقته محاولات الإنجاب السابقة الفاشلة.. وبكت والدته التي تعتبرني كابنتها وحاولت إثنائي عن ذلك, لكني كنت قد حزمت أمري وشعرت بأن حرماني لزوجي من الإنجاب من زوجة أخري سينعكس علي حبه لي وقد يحرمني منه وهو معي, فإذا كنت قد رضيت بحرماني من الأمومة فلأنها إرادة الله والحمد لله من قبل ومن بعد.. فلماذا أرضي لنفسي أيضا بحرماني من حب زوجي الذي عوضني به ربي عما حرمت منه؟
وبدأ مشروع الزواج واتفقت مع زوجي علي ألا يخفي عني شيئا من التفاصيل.. ابتداء من مشاورات اختيار العروس إلي كل شيء.. وقال لي زوجي إنه سيفعل ذلك وسيحكي لي كل التفاصيل لأنه لا يتزوج وحده وإنما نتزوج نحن الاثنان معا هذا الزواج الجديد وبدأت أسأله ويجيبني.. ورغم هدوئي في معظم الأحيان فكثيرا ما كنت أحترق لكلمة أو عبارة أو إشارة صدرت عنه.. أو للحظة استشعرت فيها أنه قد صمت ولا يريد الكلام وكثيرا ما انفجرت وقذفت بكل الأشياء الصغيرة في البيت وصرخت فيه أنه قد كذب علي حين قال لي إننا سنتزوج معا وها هو بدلا من ذلك يتزوج وحده! ورغم قسوة تلك الفترة إلا أنها كانت في النهاية مرحلة الكلام وما أسهل الكلام بالرغم من كل شيء.. وحين جاءت مرحلة الفعل أدركت كم هو موجع ومؤلم.. لكني اجتزت مرحلة الخطبة في النهاية واقترب موعد الزواج فلم يستطع أن يبوح به لي.. وصرخت فيه طالبة منه ألا تكون له صورة زفاف لكيلا تكون له سوي صورتي معه وظل هو طوال الليل يهدئ من روعي ويربت علي بحنان حتي أشفقت عليه.
وجاء الغد وخرج مودعا دون أن يستطيع النظر في عيني أو إبلاغي أن الليلة ستقتسمه إنسانة أخري واقترب موعد عودته إلي البيت الذي استعد له ككل يوم بإعداد العشاء فأرسل إلي بصديق لم يستطع هو الآخر أن يصارحني فاتصل بأختي الوحيدة التي تعرف بالأمر واتصلت هي بي تحاول أن تخبرني وهي تضاحكني أن النوم بدون عشاء وبدون زوج أفضل كثيرا هذه الأيام! وأخيرا فهمت ما تريد مني فهمه وطمأنتها علي نفسي وأغلقت السماعة ووجدتني أدخل في حالة من السكون والهدوء بالرغم مما أشعر به من الضعف والقهر.. وأعطتني قشرة الهدوء هذه قوة هائلة لمواجهة الأهل الذين فوجئوا بزواج زوج ابنتهم الذي يحبونه كثيرا فثار من ثار واستنكر من استنكر وحاولوا الوقوف بجانبي, لكني كنت قد أعلنت أني مع زوجي ولن أتركه وأنني التي زوجته من أخري.. وبعد الثورة والاستنكار استتب الأمر وهدأ.. وكلمني زوجي ثاني أيام زواجه ورغم غضبي منه.. فإني لم أستطع تحمل حزنه الذي أتاني عبر الهاتف وأحسست بأنه مذبوح مثلي بكلام الناس وضغوطهم ولم يكن زواجه إلا إرضاء لتلك الضغوط حتي وإن بدا أنه هو المشتاق لإنجاب طفل, ذلك أن هذا الاشتياق نفسه قد جاء نتيجة دفعهم له وقسوتهم في إثارة الموضوع.. ورجع إلي زوجي بعد سبعة أيام زواج لنبدأ معا رحلة الزواج الثلاثية الجديدة.. وأصبح التصاقنا أكثر عن ذي قبل. واشتياقنا أكثر صدقا لكن البيت أصبح موحشا بدونه في تلك الأيام البغيضة التي لا يكون معي فيها وحملت زوجته وقاربت علي الوضع فهل تصدق أني لم أر أية فرحة في عينيه حتي الآن؟.. وهل تصدق أنه عرض علي أن نقوم بعمل تجربة جديدة لطفل الأنابيب لأنه قد شعر بأنه مازال محروما من طفل مني؟.. لقد رفضت ذلك لأنه قد تزوج بالفعل للإنجاب فإذا نجح فالأمر يكون منتهيا ولن يفلح ذلك في أن يعيد زواجنا ثنائيا مرة أخري فضلا عن ضياع مواردنا المالية في محاولة الانجاب سواء بالأنابيب أو بالزواج من أخري..
والآن.. لماذا أكتب إليك يا سيدي.. إنني بالفعل أحتاج إليك لكي تخرجني مما أنا فيه فمنذ زواجه وأنا أشعر بهذه الحالة الكئيبة تهيمن علي نفسي كسحابة سوداء تملأني وتنتاب عقلي حالة من الركود.. وتتوقف الكلمات كثيرا حتي أستطيع العثور عليها. ولم تعد هناك أفكار أكتبها علي الورق كما كنت أفعل من قبل وتوقفت عن الحماس لأي شيء ولأي فكرة أو موضوع.. وأشعر بأن بي حالة من التمرد علي نفسي وعلي عقلي الذي فرض علي هذا الزواج الثلاثي وأرضاني بزوجي لنصف الوقت وإني أصرح لنفسي بأنني لست ضعيفة, ولكني أحبه ولا أستطيع أن أتركه فهو زوجي وحبيبي وعمري وطفلي المدلل الذي لم أستطع أن أرفض له طلبا يطلبه.. أو أملا يحلم به.. فماذا أفعل لكي أخرج من حالة الكآبة هذه؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
من الطبيعي يا سيدتي ألا تكوني في أحسن أحوالك حين يتزوج زوجك من أخري حتي ولو كنت قد قبلت بهذا الزواج وأعطيت الإشارة به. فساعة إنزال العلم نبكي دائما بالرغم من علمنا مقدما بموعدها وليس من الطبيعة البشرية أن تبتهج زوجة محبة بزواج زوجها المحب حتي ولو كانت قد قبلت بهتسليما بحقه في الإنجاب أو حرصا عليه وأملا فيه.. ولا عجب في ذلك فالشاعر العربي يقول:
ومكلف الأشياء ضد طباعها
متطلب في الماء جذوة نار
وأبلغ دليل علي ذلك هو ما كنت تعانينه وأنت تسمعين من زوجك تفاصيل خطوات مشروع زواجه.. بالرغم من أنك أنت التي كنت تطلبين معرفتها وتلحين في السؤال عنها بزعم أن زواجه سيكون مشتركا بينكما! فلقد جبلنا علي حب الانفراد بمن نحب وكراهية أن يشاركنا فيه أحد. وبعض الأمور يؤذي مشاعرنا العلم بتفاصيلها الدقيقة.. ومن الرفق بالنفس أن نتغافل عنها أو نتجاهلها لكيلا نتعذب بها. وفي التنزيل الحكيم يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم لهذا فإن فكرة الزواج الثلاثي هذه التي ترغبين معها في معرفة كل شيء عن حياة زوجك مع الأخري ليست مما يساعدك علي اجتياز الفترة الضرورية من المعاناة والغيرة الشخصية بعد زواج زوجك ولا أيضا مما يساعدك علي تقبل الأمر الواقع والتكيف معه مادمت راغبة فعلا في استمرار الحياة مع زوجك.. والاكتفاء بما يتاح لك من أسباب السعادة معه.
ونحن نعرف جيدا أنه ليست هناك طريقة لتعامل الإنسان مع مشكلاته سوي طريقتين لا ثالثة لهما, الأولي أن يقبل بالواقع ويرضي به, والثانية أن يغيره ويتحمل تبعات تغييره راضيا.
أما العذاب الحقيقي فهو رفض الأمر الواقع.. والنكوص في الوقت نفسه عن محاولة تغييره.
ولقد اخترت التمسك بزوجك.. وليس من حق أحد أن يلومك علي هذا الاختيار, كما لم يكن من حق أحد أيضا أن يلومك لو كنت قد آثرت الانفصال عنه عند زواجه من الأخري, فلكل إنسان أن يختار حياته وما يحقق له السعادة المشروعة حتي ولو كانت منقوصة, وفقا لرؤيته الشخصية وأولوياته الخاصة. لكنه يخفف دائما من وطأة تبعات أي اختيار أن نشعر بأن أحدا لم يقهرنا عليه وأن ندرك أن السعادة أمر شخصي للغاية ولنا أن نطلبها بأي طريق مشروع حتي ولو بدت في أعين الآخرين تعاسة أو سعادة منقوصة مادامت لا تأتينا خصما من حقوق الآخرين ولا عدوانا عليهم.
وأحد عناصر ما يسميه بعض علماء النفس المحدثين بفن نسيان الشقاء أن نؤمن بأننا نستطيع أن نعادل جوانب الشقاء في حياتنا بجوانب السعادة والابتهاج فيها فتصبح حياتنا مزيجا مستساغا وأن نتلمس أسباب العزاء في القدر المتاح لنا من السعادة حتي ولو كان أقل من حلم الإنسان المستحيل بسعادة خالية من كل الشوائب, وهو حلم مستحيل بالفعل لأن الجميع يشربون غالبا علي القذي وإن اختلفت مشاربهم, ولو أبي إنسان أن يشرب إلا ماء السعادة المصفي من كل كدر لمات عطشا في النهاية بسبب انعدام المورد وأبسط مثال علي ذلك من حياتك الشخصية هو الأخري التي قبلت بنصف زوج يحب زوجته الأولي ولا يستطيع الاستغناء عنها ويحلم بالإنجاب منها بالرغم من الصعوبات السابقة, فهل صفت لها مشاربها من كل كدر؟ بل وهل صفت أيضا مشارب زوجك نفسه الذي يتمزق عاطفيا بين زوجة يحبها ويحرص عليها وأخري يرغب في الإنجاب منها, وأبوين كابدا حلمهما الحسير في رؤية حفيد منه علي مر السنين.. إن الجميع ينهلون من المورد نفسه.. وإن اختلفت مشاربهم, فتقبلي حياتك مادمت قد اخترتها بإرادتك أو بعاطفتك.. وتلمسي السعادة في الجوانب الأخري المضيئة من حياتك كحبك لزوجك وحبه لك وامتزاجكما معا.. وتقدير كل منكما لتضحية الآخر من أجله ولعطائه وأعيني نفسك علي تقبل حياتك بتذكيرها كل لحظة أنها اختيارك الحر والعاطفي.. وبالكف عن تجربة الزواج الثلاثي هذه.. والتوقف عن التطلع إلي معرفة كل شيء عن الأخري وتهيئة النفس لما سوف يحدث حين تنجب وليدا لها.. والنظر إلي الأمور حينذاك من زاوية سعادة الزوج المحبوب بتحقيق حلمه الكبير وليس من الزاوية الأخري المثيرة للغيرة والحسرة والأشجان القديمة.
أو فلتقدمي إذا عجزت عن التواؤم مع كل ذلك علي الاختيار الآخر وتحملي تبعاته بلا لوم للنفس ولا لأحد.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
السبت، ١ يناير ٢٠٠٠
حائـط الأمنيات!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق