29-06-2001
أنا رجل في الأربعينيات من عمري, نشأت في أسرة مكافحة... الأب فيها يعمل سائق قطار, والأخوة الذين يكبرونني لم يتموا تعليمهم وسافروا للعمل بدولة عربية, وحاولت أنا ألا أكرر تجربتهم في التعثر في التعليم فحرصت علي التفوق الدراسي, وتجنب أي سلوكيات غير لائقة, فكنت الأول دائما علي مدرستي من السنة الأولي الإعدادية إلي أن وصلت للثانوية العامة فجئت العاشر في ترتيب الأوائل علي الجمهورية كلها, والتحقت بكلية الهندسة وتقدمت في الدراسة وكنت أسافر في الاجازة الصيفية إلي البلد الذي يعمل به اخوتي لأعمل بالمطاعم والمقاهي وأوفر بعض النقود لمطالبي ونفقات دراستي, وذات يوم شاهدت فتاة جميلة تشتري شيئا من محل تجاري في الحي القريب.. فأحسست بها إحساسا غريبا ووجدتني أحاول أن أتعرف عليها, لكنها صدتني ولم تتجاوب معي, وخرجت من المحل متضايقا.. ففوجئت بها تبتسم لي ثم تناديني فعدت إليها وتعارفنا واتفقنا علي أن أتقدم إليها عند التخرج, وسعدت بذلك كثيرا وواصلت الدراسة.. والعمل في الصيف, واشتريت سيارة صغيرة من مدخراتي لتساعدني علي الحركة والعمل.. وأنهيت دراستي, وبدأت أستعد لخطبة فتاتي, ولم يكن معي ما يعينني علي تكاليف الخطبة ونفقات حياتي خلال فترة التجنيد.. فبدأت أبحث عن مشتر لسيارتي لاستعين بثمنها علي ذلك, فلعبت المصادفة دورا عجيبا في حياتي إذ كنت أسير بسيارتي في أحد شوارع القاهرة حين شاهدت سيارة نقل تحتك بسيارة تركبها سيدة وتحدث فيها تلفيات, ثم تمضي في طريقها دون توقف فأسرعت بسيارتي وراءها لأوقفها واشتبكت في مشادة مع الشخص الذي يركب بجوار سائقها, وتطاول علي وتطاولت عليه, ثم افترقنا, وبعد أسبوعين قرأت إعلانا بالصحيفة يطلب فيه صاحبه مندوب مبيعات بشرط وجود سيارة معه.. فصرفت النظر مؤقتا عن بيع السيارة وتقدمت للمكتب التجاري صاحب الإعلان, ودخلت علي صاحبه ففوجئت بأنه نفس الشخص الذي اشتبكت معه قبل أسبوعين في الطريق العام, وكدت أرجع من حيث جئت في هدوء لولا أنني رأيته ينظر إلي في دهشة ثم ينفجر ضاحكا ويفتح ذراعيه مرحبا باعتبارنا معارف قدامي!, وانتهي الأمر بعملي مع هذا الرجل الذي ساعدني في حياتي ووقف إلي جانبي, وأصبحت مندوبا للمبيعات, وتمت الخطبة السعيدة, وبدأت بعد تخرجي أجرب العمل لحسابي الخاص كمقاول صغير بدون رأس مال ومن باطن الباطن. أي من باطن مقاول صغير يأخذ العملية من باطن مقاول أكبر هو الذي يتعامل مع الجهة المالكة.
وبدأت مع خطيبتي نعد عش الزوجية.. وبقدر حبي لفتاتي وسعادتي بها كانت أيضا غيرتي عليها.. فلقد كنت ــ وأعترف بذلك ــ غيورا للغاية لجمالها وقلة مواردي وكثرة من كانوا يطلبون يدها حتي وهي مخطوبة لي!
وتزوجنا وحاولت بكل ما أملك من طاقة وحب وإمكانات أن أسعد زوجتي وأعبر لها عن حبي, وكانت هي تسعد دائما بكل ما أقدمه لها وتنبهر بأي شئ أقدمه لها.. وأي فسحة أدعودها لها.. وأنجبنا أبناءنا الثلاثة.. وكانت زوجتي موظفة في الأرشيف بشهادة متوسطة في إحدي المصالح الحكومية ذات الإيراد فساعدتها علي الحصول علي منحة دراسية من معهد الدراسات التعاونية, وأحضرت لها الكتب والمراجع واستذكرت معها دروسها وأوصيت عليها بعض أساتذة الكلية, وخلال ذلك كنت قد سافرت للعمل كمندوب مبيعات في إحدي الدول العربية ثم كمهندس.
وحصلت زوجتي علي بكالوريوس الدراسات التعاونية, ونقلت للعمل في مكتب رئيس المصلحة.. وأصبحت خلال وقت قصير بموقعها الجديد وجمالها وأدبها ورقتها موظفة مهمة ومرموقة, فكبار رجال المصلحة يحيونها عند دخولهم لرئيس العمل.. وطلاب مقابلته يمدحون أدبها... والموظفون والموظفات يحترمونها وبعد أن كانت تتقاضي170 جنيها في الشهر أصبحت تتقاضي بالبدلات والمكافآت والإضافيات حوالي ألف جنيه شهريا, فبدأت زوجتي تشعر بذاتها وتهتم بنفسها كثيرا, وتخرج إلي العمل صباحا وهي في أتم زينة بدعوي أن العاملين بمكتب رئيس العمل هم واجهته في أعين الآخرين.. ومع ازدياد الاهتمام بالنفس بدأ عدم الاهتمام بي أنا كزوج محب.. وبدأت المناقشات والمشادات بيني وبينها.. حول زينتها الكاملة.. بالرغم من أدبها المشهود لها به والتزامها الخلقي, كما بدأ عدم الاحتفال بأي شئ أفعله أو أقدمه لها.. وبعد أن كانت الوردة التي أقدمها لها تسعدها.. وأية دعوة لها للخروج إلي مكان, مهما يكن متواضعا تشعرها بالبهجة, أصبح إرضاؤها عسير المنال.. فالجلوس في مكان راق لا يبهجها والهدايا لا تنتزع منها لمحة سعادة أو ابتهاج.. فإذا قلت لها إنها كانت تنبهر بكل شئ قبل ذلك اعتبرت ذلك معايرة لها, وإذا ذكرتها بأنني قمت وأقوم دائما بواجبي تجاهها وتجاه البيت والأبناء, وأهلها, في حين تحرمني هي من الاستجابة لما أطلبه منها فسرت ذلك بأنه إذلال وإهانة وطلبت مني الطلاق.. فأهدئ من روعها وأتحايل لإرضائها لكيلا نبيت ليلتنا متخاصمين, وبدأت أحترق بالإحساس القاتل بأني أفقد زوجتي التي أحبها بشدة تدريجيا, إلي أن خرج رئيس المصلحة من منصبه.. ونقلت هي بالتبعية من موقعها بمكتبه إلي وظيفة أخري, فإذا بها تطلب مني الطلاق بإصرار وتقول لي إنها لا تحبني ولا تريدني وإنها تعتمد الآن علي نفسها ولا تحتاج إلي ولا تريد مني شيئا, وانفجر البركان الذي هز كل شئ في حياتي منذ خمسة أشهر حتي الآن.. فزوجتي فقدت الروح تماما.. وتتمسك بالطلاق... وتبخل علي بمشاعرها وذاتها, وتستكثر علي نفسها بعد14 عاما من الزواج وثلاثة من الأبناء, وتقول إن شخصيتها قد نضجت الآن واختلفت عما كانت عليه حين تعارفنا وتزوجنا وتنفر مني نفورا شديدا.. وإذا لمستها عفوا بيدي انتفض جسمها فكأنما لدغها ثعبان, وهي تقول في تبرير إصرارها علي الطلاق إنني قد مددت يدي عليها بالأذي, وأنا أقسم لك أن هذا لم يحدث وان كل ما حدث هو انها في إحدي المرات طلبت الطلاق وقالت أنها ستغادر البيت وتحركت لتخرج فمنعتها بشيء من العنف من الخروج.. وهذا ما تعتبره إيذاء..
لقد شهدت حياتي كفاحا قاسيا من أجل لقمة العيش وتوفير الحياة الكريمة لأسرتي, ومرت بي فترات كسبت فيها الكثير وفترات أخري خسرت فيها كل شيء, واستدنت, وبدأت من جديد واغتربت خمس سنوات كاملة في ظروف صعبة, وصبرت علي كل شئ حتي تحسنت أحوالي, وأصبحت صاحب عمل ناجحا ولدينا مقومات الحياة الكريمة وشقة فاخرة وسيارة.. وابناؤنا يتعلمون في مدارس راقية.. لكني لا أصبر الآن علي ما أراه في عيني زوجتي وما ألمسه فيها من نفور مني وضيق بي وكره, وأعجب لنفسي وأتساءل: لماذا أحبها كل هذا الحب وتكرهني هي كل هذا الكره؟ إنني مازلت أحبها وأسعد حتي بمجرد النظر إليها.. وأرغب في أن ينشأ أبنائي بين أب وأم في حياة مستقرة, وهي لا تدخر وسعا لإشعاري بكرهها وتقولها صراحة أنها تكرهني ولا تطيقني, وكلما سألتها لماذا؟ أجابت أنها رواسب السنين..
ولقد كنا سعداء ونحن نكافح للحصول علي أقل القليل.. والآن نحن تعساء بشدة, وكل الأشياء متوافرة لدينا وأحد أسباب تمرد زوجتي علي هو أنها تبدو أصغر مني كثيرا في السن, مع أن فارق العمر بيننا صغير, لكن هموم الحياة والعمل والتعاسة وإحساسي القاتل بأنني غير مرغوب من زوجتي قد ترك أثره علي, في حين يتألق جمال زوجتي يوما بعد يوم حتي اعتقد بائع في أحد المحلات التجارية ونحن نشتري منه شيئا قبل شهور أنها ابنتي وليست زوجتي!
ولكن هل يكفي ذلك لهدم بيت وتمزيق ثلاثة أبناء وهجر زوج محب وراغب في زوجته؟! إنني لا أزعم أن حياتنا كانت مثالية من جميع الجوانب, ولابد أنه كانت لي أخطاء تسميها هي رواسب السنين, لكنها ليست أخطاء لاتغتفر وإنما عادية, ومن أخطاء الأزواج المعتادة التي تستوعبها بقية الزوجات وتتفهمها وتتجاوز عنها.. أما زوجتي فإنها لاتستوعبها وإنما تحاسبني الآن علي أحداث وقعت في فترة الخطبة قبل14 عاما, وبعد أن كانت تطالبني بمغادرة البيت أصبحت الآن تطلب الطلاق وتصر عليه, وتوصلنا بعد جهد جهيد إلي أن تستمر حياتنا مع انفصالها داخليا عني حتي أول يوليو المقبل وهو موعد انتهاء امتحانات الأبناء... فبماذا تنصحني أن أفعل؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
من أقسي المشاعر علي النفس الإنسانية إحساس المرء بكراهية شريك الحياة له ورفضه المكتوم أو المعلن له!... إنه إحساس قاتل بالفعل يورث صاحبه المرارة والقهر والإحساس بعدم الجدارة, خاصة حين يجاهر به الطرف الآخر, ولا يتحفظ فيه رعاية للمشاعر والحرمات, ولقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قد لام رجلا عرف بكثرة زيجاته حين أراد طلاق زوجة له, فرغب الرجل أن يثبت له أنه لا يطلقها هذه المرة طلبا لغيرها, واصطحب معه شاهدا من مجلس عمر إلي بيته ودعا زوجته وسألها عن مشاعرها تجاهه فأجابته بأنها تكرهه, ورجع الرجل إلي عمر مع شاهده وروي له ما حدث فاستدعاها أمير المؤمنين, وسألها فأكدت له ما سمع, فقال لها: إذا كرهت إحداكن أحدنا فلا تجابهه بذلك, فإن الناس لايتعاشرون بالحب وحده.
فكأنما قد استشعر عمر قسوة هذه المجابهة علي النفس فطلب التجمل ورعاية الكرامات والحرص علي مشاعر الطرف الآخر حتي في حالة الكره, إذ يكفي في مثل هذه الحالة إذا استحال الاستمرار الاعتذار باستحالة العشرة أو اختلاف الطباع, وما غير ذلك مما لايجرح الكرامة الإنسانية من الأسباب..
لكن المشكلة هي أن بعض النساء لايتحفظن ولا يتجملن في التعبير عن المشاعر السلبية إذا تمكنت منهن تجاه شركاء الحياة, وهن في ذلك يؤكدن كلمة الأديب الفرنسي أنا تول فرانس حين قال إن المرأة قد تكتم الحب أربعين عاما, لكنها لا تكتم الكراهية يوما واحدا, والرجل لايكتم الحب يوما واحدا وقد يكتم الكراهية أربعين عاما!
وأيا كان الأمر فإن الزوج في مثل هذه الظروف التي تواجهه الآن مطالب فقط بأن يبذل كل ما في وسعه لإنقاذ زواجه من الانهيار وحماية ابنائه من التمزق بين أبوين منفصلين, وكل ما يملك أن يفعله في هذا الشأن هو أن يحاول اقناع زوجته بمراجعة نفسها في قرار الانفصال والتفكير فيه بروية دون التأثر بأي مؤثرات عارضة, ومع وضع سعادة الأبناء واستقرار حياتهم في الاعتبار, فلقد تكشف لها هذه المراجعة إمكان إصلاح ما تنكره علي زوجها من أمور أو التجاوز عنه أو العيش به دون خسائر جدية تستدعي تعريض الأبناء للعناء..
ولا مفر في مثل هذه الحالة من الاستعانة بالأهل وبالتحكيم بين الطرفين, فإن لم يغير كل ذلك من إصرار الزوجة علي الطلاق, فلا مناص من أن يستجيب الزوج كارها لطلبها ويسرحها بإحسان, إذ ماذا نستطيع أن نفعل إذا بذلنا كل ما في الوسع لاسترضاء طرف ثم ضن علينا رغم كل شئ بالرضاء هل نمتهن أنفسنا وكرامتنا في استجداء مشاعره إلي ما لا نهاية؟ أم هل نرغمه علي القبول بنا قسرا وعنوة؟
لقد كان الإمام علي بن أبي طالب يقول: رغبتك في زاهد فيك مذلة نفس.. وزهدك في راغب فيك نقصان حظ.
والشاعر الصوفي الكبير ابن الفارض يقول:
إن كان منزلتي في الحب عندكم
ما قد رأيت فقد ضيعت أيامي
فلا تضيع أنت أيضا أيامك مع من لايري فيك إلا العيوب والأخطاء, ولا يسعد بحبك له ورغبتك بشدة فيه.
فالقضية ليست قضية أخطاء وعيوب, وإنما هي قضية حب أو كراهية.. ففي حالة الحب يقول كل طرف للآخر:
دعي عد الذنوب إذا التقينا
تعالي لا نعد ولا تعدي
وفي حالة الكره نجتر الخطايا والأخطاء القديمة ونحاسب علي ما وقع من ذنوب قبل15 عاما أو تزيد!
وبغض النظر عن الدوافع الحقيقية لطلب زوجتك الانفصال عنك وسواء أكان تحول المشاعر بعد اكتمال نضج الشخصية.. أو سوء الحظ الذي شاء لك أن ترغب بشدة فيمن لم تحمل لك الحب الحقيقي منذ البداية أو حملت لك قليلا منه في أول الطريق, ثم جفت أوراقه سريعا قبل أن تتعمق جذوره في الأرض بفعل ما تسميه هي رواسب السنين, أو ما تعتبره عنفا جسديا معها, أو كان لتغير ظروفها الاجتماعية للأفضل دور في تشجيعها نفسيا علي تحمل تبعات الانفصال المادية والمعنوية, أو كانت هناك أسباب أخري.
فإن المحصلة هي أن زوجتك لاترغب في مواصلة المشوار معك, وأنه أحفظ لكرامتك كرجل وإنسان ألا تمسك عليك نفسها من تبغضك أو تنفر منك وترفضك بإصرار علي هذا النحو الصريح.
ولايغير من ذلك للأسف شيئا أن تكون أنت مفتونا بها أو تسعد بمجرد النظر إليها... إذ لايكفي وحده لإجبار زوجة كارهة علي الاستمرار, ولا عائد له إلا مذلة النفس, فإذا كان من حقك أن تحزن لانهيار أسرتك الصغيرة وهدم استقرار حياة أبنائك, فليس من حقك أبدا أن تعتبر رفض زوجتك لك شيئا ينقص من جدارتك واعتبارك وقبولك لدي الآخرين, فمن لا اعتبار له عند طرف معين قد يكون هو نفسه عين الرجاء بالنسبة لطرف آخر, وقديما قال الصديق أبوبكر وهو في فراش الموت
لعمر بن الخطاب, حين أراد أن يستخلفه من بعده: يا عمر أحبك محب.. وأبغضك مبغض ولقد ما يحب الشر ويبغض الخير أحيانا.
فلا تحزن يا سيدي لما لمست من بغض زوجتك لك.. وأثبت لها بالتجربة وبنجاحك في حياتك ورعايتك لأبنائك وتعففك عن الصغائر والمنازعات معها أنه فعلا ولقد ما يبغض الخير أحيانا!
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
السبت، ١ يناير ٢٠٠٠
الإحساس القاتل!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق