السبت، ١ يناير ٢٠٠٠

الأمــل المفقـــود

31-08-2001
أنا رجل أبلغ من العمر‏57‏ عاما‏,‏ وأشغل منصبا مرموقا في إحدي المؤسسات الكبري في مصر والعالم العربي‏..‏ تزوجت منذ خمس سنوات من زميلة لي تصغرني باثنتي عشرة سنة‏,‏ علي الرغم من اعتراض والدي المسن عليها‏,‏ لأنها تركت أبناءها لزوجها السابق‏,‏ وطلبت منه الطلاق‏,‏ لكنني كنت قد آنست إليها لاقترابها مني في لطف ورقة‏,‏ وأعجبني فيها تدينها الشديد‏,‏ والتزامها الأخلاقي‏,‏ وتمسكها بالصوم والصلاة‏,‏ وقلت في نفسي إنه إذا كان المجتمع قد ظلمها‏,‏ فلن أزيدها أنا ظلما‏,‏ وبالفعل تزوجنا وقمنا بأداء العمرة معا‏,‏ وزرنا الحرم النبوي في اليوم التالي داعين الله أن يبارك لنا في زواجنا‏,‏ وأن يرزقني منها ولدا صالحا يعوضني عما فاتني في زواج سابق لي‏,‏ وبعد زواجنا بأسبوعين أصرت زوجتي علي أن تصحبني في سفري الي الخارج لمهمة خاصة بعملي‏..‏ وذلك لكي تزور هي إخصائية في أمراض النساء‏,‏ لأنها تعاني بعض الأعراض النسائية‏,‏ وسافرنا ورجعنا الي بلدنا‏..‏ وراحت زوجتي بعد ذلك تطلب مني أن أشتري لها من الخارج أدوية معينة لعلاج الخصوبة بدعوي حاجة إحدي قريباتها لها‏,‏ ثم ما لبثت أن صارحتني‏,‏ بعد إلحاح من جانبي‏,‏ بأن الأدوية كانت لعلاجها هي‏,‏ وليس لإحدي قريباتها‏!‏

ورحت‏,‏ لسنوات متصلة‏,‏ أشتري لها ما تحتاج إليه من الأدوية أحيانا‏,‏ وصحبتها معي كثيرا الي الخارج‏,‏ برغم إرهاق التكلفة من سفر وإقامة‏,‏ حتي لا يأتي موعد التبويض وأنا بعيد عنها فنحرم من الثمرة التي تمنينا معا أن يرزقنا الله بها‏,‏ ولكن ذلك كله لم يحقق الأمل المنشود‏,‏ الأمر الذي انعكس علي أعصاب زوجتي وعلي تعاملها معي‏,‏ فكنت أقول لها إنني وإن كنت الأكثر حاجة الي الإنجاب‏,‏ لأنه ليس لي ولد‏..‏ بعكس حالها‏,‏ إلا أنني أسلم أيضا بأن الأمر بمشيئة الله وحده وقتما يشاء سبحانه وتعالي‏,‏ فكانت ترد علي بقولها‏:‏ إن الأيام لا تصلح الأشياء‏,‏ وإنما تزيدها تعقيدا‏,‏ ثم بدأت تظهر عليها علامات الشرود‏,‏ وعدم الاكتراث‏,‏ بل وأصبحت تنحي علي باللائمة وتتهمني بأنني السبب في عدم الإنجاب‏,‏ برغم يقينها بأن هذا غير صحيح‏.‏
وفجأة‏,‏ وبغير مقدمات‏,‏ التقيت بصديق قديم لم أكن قد رأيته منذ سنوات طوال‏,‏ فسألني عما اذا كنت قد أنجبت من زوجتي هذه‏,‏ فأجبته بأن الله لم يرزقني بولد بعد‏,‏ فرد علي بأن هذا أمر طبيعي وأن زوجتي قد جاوزت الخمسين وهو واثق بذلك‏,‏ لأنه يعرف أهلها جيدا‏,‏ وهنا تذكرت أنها قد أبعدتني عن أهلها تماما‏,‏ ولم تقرب بيني وبينهم‏..‏ ولم تجمعني بأحد منهم تقريبا‏..‏ وبعد أيام قليلة جاءني الخبر اليقين‏,‏ وهو أن زوجتي قد دلست علي في عشر سنوات كاملة من عمرها‏,‏ ونحن نبرم عقد زواجنا‏,‏ حيث لم يكن عمرها حينئذ أربعين عاما كما قالت لي‏,‏ وإنما كانت قد تجاوزت الخمسين بالفعل‏!‏

وهنا صارحتني زوجتي بأنها تريد الطلاق مني مع إبرائي من كل تبعاته والتزاماته‏,‏ ولكن ذلك لم يخلصني من مرارة الخديعة‏,‏ إذ كيف تأمن لمن غشك في مثل هذه المسألة الجوهرية‏,‏ وما عساها تكون قد فعلت خلال زواجنا بالأوراق التي تحمل بيانات مغايرة للحقيقة؟ وصدق حدسي‏,‏ فلقد اتضح أن تاريخ ميلادها الذي أثبتته بعقد زواجنا قد جاءت به من بطاقتها الشخصية المغايرة للحقيقة‏,‏ وأن هذا حدث أيضا مع أكثر من زوج‏!‏
وعلي الرغم من هذا كله‏,‏ بادرت زوجتي بترك منزل الزوجية‏,‏ وأقامت علي دعوي تزعم فيها أنني ممتنع عن الإنفاق عليها‏,‏ وطالبت بالطلاق للضرر‏,‏ ووجدتني وسط هذه الدوامة أقول لنفسي‏:‏ هأنذا بغير ولد‏,‏ وهي تريدني أن أكون بغير مال ولا ولد‏,‏ وسألت محامين كبارا‏,‏ وقضاة مخضرمين‏,‏ ومرجعيات دينية كبري‏,‏ فأجمعوا علي شيء واحد هو‏:‏ إنه لا يجوز فسخ عقد الزواج بسبب الاختلاف في بيانات السن‏,‏ لأن السن‏,‏ وفقا للمذهب الحنفي‏,‏ ليست ركنا من أركان عقد الزواج ولا شرطا من شروطه‏,‏ وما علي الرجل في هذه الحالة‏,‏ إلا أن يطلق زوجته اذا قرر ذلك‏,‏ علي أن يتحمل التبعات المترتبة علي الطلاق‏,‏ وهي حقوق المرأة الشرعية‏,‏ وإنني أتساءل‏:‏ هل تحمي قوانين الأحوال الشخصية المرأة من المسئولية عن التدليس المتعمد في عقد الزواج؟ في الوقت الذي تحافظ علي حق هذه الزوجة في النفقة وما الي ذلك‏,‏ ألا يستحق عقد الزواج أن نحميه من الغش والتدليس؟ وكيف نضمن ذلك لعقد شراء سيارة أو دراجة‏,‏ ولا نضمنه بعقد الزواج الذي هو أساس المجتمع؟ وهل تستوي الزوجة الأمينة وغير الأمينة أمام القانون في الحقوق؟

لقد نضبت مواردي بشريا وماديا بعد هذه الخديعة‏,‏ بحيث أكاد لا أقدر علي أن أبدأ من جديد‏,‏ أعرف أنك قد تقول لي إن القانون لا يحمي المغفلين‏,‏ ولكن‏,‏ ألا تري أن الأمر يحتاج الي وقفة من رجال القانون والتشريع في بلدنا‏,‏ أفلا توافقني علي ذلك؟

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏
ولماذا لم تستجب لمطلبها حين طلبت منك الطلاق مع إبرائك من جميع حقوقها الشرعية عقب اكتشافك خديعة السن‏,‏ وفقد الأمل في الانجاب منها؟‏,‏ ولماذا تمسكت بها بعد أن اكتشفت أنها أكبر من العمر الذي ادعته لنفسها في وثيقة القران بعشر سنوات؟‏,‏ إن الأقرب للمنطق هو أنك بالرغم من اكتشافك هذه الخديعة قد رغبت في استمرار الحياة معها‏..‏ لكن إحساسك بالخداع وانعدام الأمل في الإنجاب قد انعكسا بالسلب علي علاقتك بها‏,‏ ففسدت الحياة بينكما‏,‏ وساءت العشرة حتي هجرتك هي‏,‏ وطلبت الطلاق منك عن طريق القضاء‏,‏ والمؤسف حقا هو أنها لم تشأ أن تتجمل وتطلب الطلاق لاستحالة العشرة بينكما‏,‏ مع ما يعنيه ذلك من تنازلها عن حقوقها المادية‏,‏ وإنما طلبته للضرر لكي تستأديك جميع حقوقها المشروعة‏,‏ وكأنما لم ترتكب خديعة السن‏,‏ ولم تحبط أملك في الإنجاب‏,‏ وأنت في أشد الاحتياج الإنساني إليه‏,‏ ولقد كان الأحري بها أن تتذكر أيضا خديعتها لك‏,‏ وتعتذر لك عنها اعتذارا عمليا‏,‏ بالتنازل عن حقوقها أو علي الأقل بالتفاهم الودي حولها دون اللجوء الي ساحات القضاء والنزاع الذي يستدعي الأخطاء القديمة من مكامنها‏,‏ ويطرحها للنقاش والحساب‏.‏
لكن ماذا نفعل في ميل النفس البشرية الغريزي للحصول دائما علي أقصي الأشياء دون اعتبار لأخطائها وجنايتها علي الآخرين‏!‏

إن رأي العلماء الأجلاء الذين أفتوك بعدم جواز فسخ العقد للتدليس في السن‏,‏ صواب‏,‏ لأن السن ليست بالفعل من أركان الزواج ولا من شروطه‏,‏ فإذا كان ثمة تزوير فيها‏,‏ فإن مسئوليته تقع علي من ارتكبه‏,‏ وللقانون أن يحاسبه علي ذلك دون مساس بالحقوق المادية المترتبة علي الانفصال‏..‏ والواضح هو أنك كنت تأمل في فسخ عقد الزواج وليس في إيقاع الطلاق‏,‏ لكي يصبح العقد باطلا بكل ما يترتب عليه من حقوق للزوجة‏..‏ فتخرج أنت من التجربة دون خسائر مادية‏,‏ اكتفاء بخسائرك الإنسانية‏,‏ لكن ليس كل ما يتمني المرء يدركه‏..‏ ونصيحتي لك هي ألا تحاول نطح الصخر والتملص من التبعات المادية للطلاق‏,‏ مادام الشرع يقرها ويتكفل بها‏,‏ حتي ولو كانت زوجتك قد دلست عليك في السن‏,‏ وأضاعت عليك فرصة الأمل في الإنجاب منها‏,‏ وأن تحاول تحجيم الخسائر النفسية بعدم إطالة النزاع مع زوجتك‏,‏ وعدم التعلق بأمل أن يسهم فضح خديعتها لك‏,‏ أو التشهير بها في إعفائك من بعض الالتزامات المادية المترتبة علي الطلاق‏..‏ فنحن لا نتعلم دروس الحياة بلا ثمن‏,‏ أو بلا تضحيات جسيمة‏,‏ ومن الشرف أن نتحمل دون شكوي تبعات ما تورطنا نحن فيه من اختيارات‏,‏ حتي ولو كنا قد تعرضنا للخداع‏,‏ مادام الطرف الآخر لا يتجمل ولا يستشعر مسئوليته عن أخطائه‏..‏

والانتقام ليس دائما أشهي من العسل كما يقول المثل الروماني القديم‏..‏ بل التعالي عن الصغائر‏,‏ وحفظ الكرامات بالتضحيات المادية‏,‏ هو الأقرب للنبل والشهامة واحترام الذات في مثل هذه المواقف والاختبارات‏.‏
فكف إذن عن التعلق بأمل أن تنجح حربك المعلنة‏,‏ علي شريكة حياتك‏,‏ في إعفائك من التزاماتك المادية تجاهها‏..‏ ولا تهدر البقية الباقية من العمر في النزاعات ومحاربة طواحين الهواء‏,‏ دون طائل‏,‏ وإنما سلم بخسارتك لهذه المعركة غير الشريفة‏,‏ لكي تطوي صفحتها وراء ظهرك‏..‏ وتبدأ حياتك من جديد‏,‏ مستفيدا بدروس هذه التجربة وأخطائها‏..‏ فمازالت هناك في العمر بقية لتحقيق الأحلام وبلوغ واحة السعادة والأمان‏..‏ بشرط ألا نضيعها في حروب خاسرة‏,‏ ولا في تكريس إحساس الإنسان الي ما لا نهاية بمرارة الخديعة والخذلان‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق