31-08-2001
أنا رجل أبلغ من العمر57 عاما, وأشغل منصبا مرموقا في إحدي المؤسسات الكبري في مصر والعالم العربي.. تزوجت منذ خمس سنوات من زميلة لي تصغرني باثنتي عشرة سنة, علي الرغم من اعتراض والدي المسن عليها, لأنها تركت أبناءها لزوجها السابق, وطلبت منه الطلاق, لكنني كنت قد آنست إليها لاقترابها مني في لطف ورقة, وأعجبني فيها تدينها الشديد, والتزامها الأخلاقي, وتمسكها بالصوم والصلاة, وقلت في نفسي إنه إذا كان المجتمع قد ظلمها, فلن أزيدها أنا ظلما, وبالفعل تزوجنا وقمنا بأداء العمرة معا, وزرنا الحرم النبوي في اليوم التالي داعين الله أن يبارك لنا في زواجنا, وأن يرزقني منها ولدا صالحا يعوضني عما فاتني في زواج سابق لي, وبعد زواجنا بأسبوعين أصرت زوجتي علي أن تصحبني في سفري الي الخارج لمهمة خاصة بعملي.. وذلك لكي تزور هي إخصائية في أمراض النساء, لأنها تعاني بعض الأعراض النسائية, وسافرنا ورجعنا الي بلدنا.. وراحت زوجتي بعد ذلك تطلب مني أن أشتري لها من الخارج أدوية معينة لعلاج الخصوبة بدعوي حاجة إحدي قريباتها لها, ثم ما لبثت أن صارحتني, بعد إلحاح من جانبي, بأن الأدوية كانت لعلاجها هي, وليس لإحدي قريباتها!
ورحت, لسنوات متصلة, أشتري لها ما تحتاج إليه من الأدوية أحيانا, وصحبتها معي كثيرا الي الخارج, برغم إرهاق التكلفة من سفر وإقامة, حتي لا يأتي موعد التبويض وأنا بعيد عنها فنحرم من الثمرة التي تمنينا معا أن يرزقنا الله بها, ولكن ذلك كله لم يحقق الأمل المنشود, الأمر الذي انعكس علي أعصاب زوجتي وعلي تعاملها معي, فكنت أقول لها إنني وإن كنت الأكثر حاجة الي الإنجاب, لأنه ليس لي ولد.. بعكس حالها, إلا أنني أسلم أيضا بأن الأمر بمشيئة الله وحده وقتما يشاء سبحانه وتعالي, فكانت ترد علي بقولها: إن الأيام لا تصلح الأشياء, وإنما تزيدها تعقيدا, ثم بدأت تظهر عليها علامات الشرود, وعدم الاكتراث, بل وأصبحت تنحي علي باللائمة وتتهمني بأنني السبب في عدم الإنجاب, برغم يقينها بأن هذا غير صحيح.
وفجأة, وبغير مقدمات, التقيت بصديق قديم لم أكن قد رأيته منذ سنوات طوال, فسألني عما اذا كنت قد أنجبت من زوجتي هذه, فأجبته بأن الله لم يرزقني بولد بعد, فرد علي بأن هذا أمر طبيعي وأن زوجتي قد جاوزت الخمسين وهو واثق بذلك, لأنه يعرف أهلها جيدا, وهنا تذكرت أنها قد أبعدتني عن أهلها تماما, ولم تقرب بيني وبينهم.. ولم تجمعني بأحد منهم تقريبا.. وبعد أيام قليلة جاءني الخبر اليقين, وهو أن زوجتي قد دلست علي في عشر سنوات كاملة من عمرها, ونحن نبرم عقد زواجنا, حيث لم يكن عمرها حينئذ أربعين عاما كما قالت لي, وإنما كانت قد تجاوزت الخمسين بالفعل!
وهنا صارحتني زوجتي بأنها تريد الطلاق مني مع إبرائي من كل تبعاته والتزاماته, ولكن ذلك لم يخلصني من مرارة الخديعة, إذ كيف تأمن لمن غشك في مثل هذه المسألة الجوهرية, وما عساها تكون قد فعلت خلال زواجنا بالأوراق التي تحمل بيانات مغايرة للحقيقة؟ وصدق حدسي, فلقد اتضح أن تاريخ ميلادها الذي أثبتته بعقد زواجنا قد جاءت به من بطاقتها الشخصية المغايرة للحقيقة, وأن هذا حدث أيضا مع أكثر من زوج!
وعلي الرغم من هذا كله, بادرت زوجتي بترك منزل الزوجية, وأقامت علي دعوي تزعم فيها أنني ممتنع عن الإنفاق عليها, وطالبت بالطلاق للضرر, ووجدتني وسط هذه الدوامة أقول لنفسي: هأنذا بغير ولد, وهي تريدني أن أكون بغير مال ولا ولد, وسألت محامين كبارا, وقضاة مخضرمين, ومرجعيات دينية كبري, فأجمعوا علي شيء واحد هو: إنه لا يجوز فسخ عقد الزواج بسبب الاختلاف في بيانات السن, لأن السن, وفقا للمذهب الحنفي, ليست ركنا من أركان عقد الزواج ولا شرطا من شروطه, وما علي الرجل في هذه الحالة, إلا أن يطلق زوجته اذا قرر ذلك, علي أن يتحمل التبعات المترتبة علي الطلاق, وهي حقوق المرأة الشرعية, وإنني أتساءل: هل تحمي قوانين الأحوال الشخصية المرأة من المسئولية عن التدليس المتعمد في عقد الزواج؟ في الوقت الذي تحافظ علي حق هذه الزوجة في النفقة وما الي ذلك, ألا يستحق عقد الزواج أن نحميه من الغش والتدليس؟ وكيف نضمن ذلك لعقد شراء سيارة أو دراجة, ولا نضمنه بعقد الزواج الذي هو أساس المجتمع؟ وهل تستوي الزوجة الأمينة وغير الأمينة أمام القانون في الحقوق؟
لقد نضبت مواردي بشريا وماديا بعد هذه الخديعة, بحيث أكاد لا أقدر علي أن أبدأ من جديد, أعرف أنك قد تقول لي إن القانون لا يحمي المغفلين, ولكن, ألا تري أن الأمر يحتاج الي وقفة من رجال القانون والتشريع في بلدنا, أفلا توافقني علي ذلك؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
ولماذا لم تستجب لمطلبها حين طلبت منك الطلاق مع إبرائك من جميع حقوقها الشرعية عقب اكتشافك خديعة السن, وفقد الأمل في الانجاب منها؟, ولماذا تمسكت بها بعد أن اكتشفت أنها أكبر من العمر الذي ادعته لنفسها في وثيقة القران بعشر سنوات؟, إن الأقرب للمنطق هو أنك بالرغم من اكتشافك هذه الخديعة قد رغبت في استمرار الحياة معها.. لكن إحساسك بالخداع وانعدام الأمل في الإنجاب قد انعكسا بالسلب علي علاقتك بها, ففسدت الحياة بينكما, وساءت العشرة حتي هجرتك هي, وطلبت الطلاق منك عن طريق القضاء, والمؤسف حقا هو أنها لم تشأ أن تتجمل وتطلب الطلاق لاستحالة العشرة بينكما, مع ما يعنيه ذلك من تنازلها عن حقوقها المادية, وإنما طلبته للضرر لكي تستأديك جميع حقوقها المشروعة, وكأنما لم ترتكب خديعة السن, ولم تحبط أملك في الإنجاب, وأنت في أشد الاحتياج الإنساني إليه, ولقد كان الأحري بها أن تتذكر أيضا خديعتها لك, وتعتذر لك عنها اعتذارا عمليا, بالتنازل عن حقوقها أو علي الأقل بالتفاهم الودي حولها دون اللجوء الي ساحات القضاء والنزاع الذي يستدعي الأخطاء القديمة من مكامنها, ويطرحها للنقاش والحساب.
لكن ماذا نفعل في ميل النفس البشرية الغريزي للحصول دائما علي أقصي الأشياء دون اعتبار لأخطائها وجنايتها علي الآخرين!
إن رأي العلماء الأجلاء الذين أفتوك بعدم جواز فسخ العقد للتدليس في السن, صواب, لأن السن ليست بالفعل من أركان الزواج ولا من شروطه, فإذا كان ثمة تزوير فيها, فإن مسئوليته تقع علي من ارتكبه, وللقانون أن يحاسبه علي ذلك دون مساس بالحقوق المادية المترتبة علي الانفصال.. والواضح هو أنك كنت تأمل في فسخ عقد الزواج وليس في إيقاع الطلاق, لكي يصبح العقد باطلا بكل ما يترتب عليه من حقوق للزوجة.. فتخرج أنت من التجربة دون خسائر مادية, اكتفاء بخسائرك الإنسانية, لكن ليس كل ما يتمني المرء يدركه.. ونصيحتي لك هي ألا تحاول نطح الصخر والتملص من التبعات المادية للطلاق, مادام الشرع يقرها ويتكفل بها, حتي ولو كانت زوجتك قد دلست عليك في السن, وأضاعت عليك فرصة الأمل في الإنجاب منها, وأن تحاول تحجيم الخسائر النفسية بعدم إطالة النزاع مع زوجتك, وعدم التعلق بأمل أن يسهم فضح خديعتها لك, أو التشهير بها في إعفائك من بعض الالتزامات المادية المترتبة علي الطلاق.. فنحن لا نتعلم دروس الحياة بلا ثمن, أو بلا تضحيات جسيمة, ومن الشرف أن نتحمل دون شكوي تبعات ما تورطنا نحن فيه من اختيارات, حتي ولو كنا قد تعرضنا للخداع, مادام الطرف الآخر لا يتجمل ولا يستشعر مسئوليته عن أخطائه..
والانتقام ليس دائما أشهي من العسل كما يقول المثل الروماني القديم.. بل التعالي عن الصغائر, وحفظ الكرامات بالتضحيات المادية, هو الأقرب للنبل والشهامة واحترام الذات في مثل هذه المواقف والاختبارات.
فكف إذن عن التعلق بأمل أن تنجح حربك المعلنة, علي شريكة حياتك, في إعفائك من التزاماتك المادية تجاهها.. ولا تهدر البقية الباقية من العمر في النزاعات ومحاربة طواحين الهواء, دون طائل, وإنما سلم بخسارتك لهذه المعركة غير الشريفة, لكي تطوي صفحتها وراء ظهرك.. وتبدأ حياتك من جديد, مستفيدا بدروس هذه التجربة وأخطائها.. فمازالت هناك في العمر بقية لتحقيق الأحلام وبلوغ واحة السعادة والأمان.. بشرط ألا نضيعها في حروب خاسرة, ولا في تكريس إحساس الإنسان الي ما لا نهاية بمرارة الخديعة والخذلان.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
السبت، ١ يناير ٢٠٠٠
الأمــل المفقـــود
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق