السبت، ١ يناير ٢٠٠٠

التجربة الفاسدة‏!‏

06-04-2001
قرأت رسالة الجانب السييء للفتاة أو السيدة الصغيرة بمعني أصح التي تزوجت زميلا لها في الكلية زواجا عرفيا سريا لمدة ثلاثة أعوام‏..‏ وبعد أن تخرج كل منهما ابتعد عنها زميلها‏..‏ ووجدت نفسها في مأزق وهي تعيش بين أهلها كفتاة بريئة لم تسبق لها أية تجربة‏..‏ ويتقدم إليها الخطاب‏..‏
ولن أعلق علي الجانب الأخلاقي في هذه القصة‏,‏ وإنما سوف أقول إنني وقعت مثل هذه الفتاة في مشكلة مماثلة تماما مع اختلاف بسيط هو أنني كنت الطرف الآخر في القصة أي الشاب وليس الفتاة‏.‏ فأنا شاب عمري‏26‏ عاما مات أبي وأمي وأنا في سن صغيرة وكافحت كفاح الأبطال حتي أنهيت تعليمي وتخرجت في كلية عملية‏,‏ وخلال دراستي بالثانوية العامة تعرفت علي فتاة عوضتني عن حنان الأم‏,‏ ومشورة الأب ووقفت بجانبي ولن تبخل علي بشيء‏..‏ خاصة أن ظروفها كانت ميسرة ماديا في حين أن ظروفي أنا قاسية‏..‏ وبمرور الأيام تعمق الارتباط بيننا حتي وجدنا نفسينا نتساءل بعد ثلاث سنوات من العلاقة ماذا يمنعنا من أن نتزوج سرا‏,‏ لكي يصبح ارتباطنا أبديا‏,‏ خاصة أن ظروفي المادية لن تسمح لي بالإقدام علي الزواج العلني قبل سنوات عديدة‏..‏ وهكذا تزوجنا عرفيا وسريا وعشنا فترة سعيدة لاهية من العمر‏..‏ وبعد عامين من الزواج تخرجت فتاتي في كليتها وأنا مازلت في السنة النهائية بكليتي‏..‏ وبدأ الخطاب يتقدمون إليها‏..‏ لأنها جميلة ومحترمة ويتمناها أي إنسان‏!‏ وتقدم لها شخص مناسب تماما عائليا واجتماعيا وماديا رحبت به الأسرة‏..‏ وجاءت هي إلي تبكي وتسألني المشورة‏..‏ ولم أجد بد
ا من التقدم إلي أهلها لكي أوقف ضغطهم عليها لتتزوج‏..‏ فتقدمت إلي والدها أطلب يدها‏..‏ وسألني الأسئلة التقليدية عن عملي فأجبته بأنني مازلت طالبا بالبكالوريوس‏..‏ فسألني عن إمكاناتي المادية فأجبته بأنها صفر‏!‏ فسألني عما إذا كنت أملك سكنا أو لدي أية خطة للحصول علي سكن في المستقبل القريب‏,‏ فأجبته بأنني لا أملك سكنا ولا خطة للحصول عليه في القريب العاجل‏..‏ فنظر إلي متعجبا وانتهي الأمر بالرفض طبعا‏.‏ وبعد ضغوط شديدة مارستها فتاتي علي أهلها قبلوا كارهين بالخطبة بشرط إنهاء دراستي والالتحاق بعمل مناسب وتقديم شبكة لائقة‏,‏ والبدء في مشروع للحصول علي شقة ولو بالإيجار‏,‏ وأنهيت دراستي بالفعل‏..‏ وقبل أن أجد عملا كنت قد التحقت بالخدمة العسكرية‏..‏ وبعد أن أنهيتها بدأت أبحث عن عمل مناسب‏..‏ والتحقت بأكثر من عمل لفترات قصيرة‏.‏ ولم أستقر في واحد منها إلي أن ارتبطت بعمل مناسب في النهاية‏..‏ وبدأت ألتقط أنفاسي‏..‏ وتصورت أن أمامي مهلة كافية لكي أستطيع تنفيذ الالتزامات المطلوبة مني خطوة بعد أخري‏..‏ لكني فوجئت بأن أسرة فتاتي قد ضاقت بطول الانتظار‏..‏ وبأنها تخيرني بين تقديم الشبكة وإيجاد المسكن أو فسخ الخطبة‏,‏ خاصة أنه قد تقدم للفتاة شاب ملائم من كل الوجوه وجاهز ماديا ولديه شقة‏..‏ واستنجدت بفتاتي مرة أخري لكي تضغط علي أهلها ليترفقوا بي‏..‏ وعرضت عليها أن تصارحهم بالحقيقة وهي أننا متزوجان عرفيا‏,‏ لكن فتاتي خشيت علي سمعة أهلها وسمعة شقيقاتها البنات إذا شاعت حكاية زواجها السري ورفضت ذلك الحل‏..‏ فعرضت عليها أن نتزوج رسميا ونضعهم أمام الأمر الواقع فرفضت ذلك أيضا للاعتبارات السابقة نفسها‏,‏ وطلبت مني أن أطلقها لأن أهلها سوف يعقدون قرانها علي الشخص الذي تقدم إليها ولن يكلف أسرتها شيئا وطلقتها استجابة لرغبتها وأكدت لها أنني سوف أقف إلي جوارها إلي أن تتجاوز المحنة التي تواجهها‏,‏ وصاحبتها إلي طبيب أجري لها جراحة أزالت آثار زواجنا العرفي‏,‏ وتزوجت الآخر بسلام وانتهت قصتي معها وقصتها معي وأنا الآن أراها علي البعد تحيا حياتها مع زوجها في سعادة وأماني‏,‏ أما أنا فإني أعيش في ضياع بعد أن فقدتها‏..‏ ولهذا فقد عاهدت نفسي ألا أجرب الحب مرة أخري‏..‏ وألا أثق في أي فتاة أيا كانت لكيلا تخدعني كما خدعت فتاتي زوجها الجديد ولم تصارحه بزواجها السابق مني‏!‏
وأريد في ختام رسالتي أن توجه كلمة إلي الآباء والأمهات ألا يغالوا في مطالبهم من الشباب‏..‏ فنحن نريد أن نتزوج لكيلا ننحرف لكن الأهل يغالون في المطالب غالبا فتكون النتيجة هي الوقوع في مثل هذه المشكلة خاصة بعد أن أصبحت إزالة آثار الزواج العرفي لا تتكلف كثيرا‏..‏ ولا تقارن بالتكاليف الباهظة للزواج الرسمي‏!‏
والسلام‏!‏

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏
أسوأ التجارب هي التي يخوضها المرء ويدفع ضريبتها كاملة من عمره ثم لا تكسبه زادا يحسن من قدرته علي التعامل السليم مع الحياة وتجنب الأخطاء والأشواك في قادم الأيام‏.‏
فإذا كان تمام العقل طول التجارب كما يقول لنا الشاعر العربي‏,‏ فإن المقصود بطول التجارب هنا هو الاستفادة بدروسها في التمييز بين الخطأ والصواب وفي تفادي العثرات والبعد عن الشبهات‏..‏ وأنت أيها الشاب تتحدث عن تجربتك مع ما تسميه بالزواج العرفي السري من فتاة صغيرة بعيدا عن أهلها وخروجا علي إرادتهم وطاعتهم‏,‏ وكأن الخطأ الجوهري في هذه القصة المخجلة كلها هو موقف الأهل الذين تمسكوا بشرط العمل والشبكة ووضع القدم علي بداية الطريق للحصول علي سكن‏,‏ ثم حين لم يجدوا أية بادرة أمل في تحقق ذلك رحبوا بمن طرق بابهم في العلن طالبا يد ابنتهم‏.‏

والحق أننا إذا كنا نطالب الأهل دائما بتقدير ظروف الشباب والتيسير عليهم إذا جاءهم من يرضون دينه وخلقه وإلا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير كما جاء في مضمون الحديث الشريف فإن ذلك لا يعني أيضا أن يرحب هؤلاء الأهل بلا تحفظ بمن لم ينه دراسته بعد ولم يعمل ولم يبدأ أية خطوة علي طريق الحياة العملية دون شروط ولو حتي من باب حثه علي الكفاح الجاد في الحياة من أجل تحقيق الأهداف‏..‏ كما أن ذلك ينبغي ألا يصرفنا أبدا عن الأخطاء الجوهرية الحقيقية التي صنعت هذه المشكلة بغض النظر عن تساهل الأهل أو تشددهم ابتداء من إغرائك لفتاة صغيرة بالمرحلة الثانوية بالارتباط بك‏,‏ أي إغواءك لها بأن تسلم لك نفسها وهي طالبة جامعية بزعم الزواج العرفي السري الئي لا يختلف في مثل هذه الظروف عن مضمون العلاقة غير المشروعة في شيء مرورا ببقية الأخطاء التي تشمل اقتراحاتك النيرة‏..‏ لإحراج الأهل وإرغامهم علي قبولك زوجا لابنتهم عن طريق مصارحتهم بهذه العلاقة وما تردت إليه‏,‏ أو الزواج رغما عنهم ووضعهم أمام الأمر الواقع‏,‏ ختاما بالتحايل لإزالة آثار هذه العلاقة غير المشروعة‏,‏ فهذه هي الأخطاء الجسيمة حقا التي ينبغي لك أن تتوقف أمامها طويلا في هذه القصة وتشعر بالأسف لها وبالندم عليها‏..‏ وهذا هو الدرس الذي ينبغي لك أن تستوعبه جيدا وتطلب من الآخرين أن يستفيدوا منه‏..‏ وملخصه في عبارة واحدة هي أن خداع النفس بغرض تحري الحلال والعفاف بالزواج العرفي بين الفتية والفتيات الصغار في مثل هذه الظروف ليس سوي ممارسة للعلاقات السرية غير المشروعة تحت طلاء زائف لا يصمد للحقيقة‏..‏ ولا يعفي أطرافه من الإدانة والنبذ ولو لم يكن الأمر كذلك لما تكتمت فتاتك هذا الزواج المزعوم عن أهلها وزوجها الحالي ولما خشيت من أثر ذيوع أمره علي سمعتها‏..‏ وسمعة شقيقاتها وأسرتها‏.‏ إما أن يكون درس التجربة كلها بالنسبة إليك هو لوم الأهل علي تشددهم من وجهة نظرك في مطالبهم ممن تقدم لابنتهم‏,‏ وعدم الثقة في كل الفتيات خوفا من أن تخدعك فتاة كما خدعت فتاتك السابقة زوجها الحالي وتكتمت عنه زواجها المزعوم‏,‏ فهذا هو حقا أكثر الدروس فسادا وأبعدها عن الحق والعدل والمنطق‏,‏ ولقد قلنا مراراوتكرارا إن حب المراهقة لا يصمد لعوامل الزمن أو حقائق الحياة في معظم الأحيان وإن مرور السنين عليه واكتمال نضج طرفي القصة كثيرا ما يغير من شخصية كل منهما وسماته النفسية والمزاجية‏..‏ فيكتشف غالبا أن ما كان يظنه حب العمر ليس سوي مشاع
ر ساذجة غير حقيقية‏,‏ وأن من يحسبه قرين الروح والقلب إلي نهاية المطاف‏,‏ يكاد يكون شخصا آخر لا يحمل تجاهه أكثر من المشاعر الحيادية وبعض الذكريات الخاصة‏..‏ فينصرف عنه‏..‏ ويتجه وجهة أخري في حياته‏,‏ وهذا هو ما حدث معك في تقديري‏,‏ حين نضجت مشاعر فتاتك السابقة واكتسبت بعض القدرة علي التفكير الواقعي‏,‏ وتقدير العواقب فرغبت في طي هذه الصفحة المخزية من حياتها‏,‏ وبدء صفحة جديدة نظيفة لا تحتاج خلالها إلي التخفي عن الآخرين بشيء‏..‏ فاستوعب مغزي تجربتك الخاطئة جيدا أيها الشاب ولا تعمم درسها الفاسد علي بقية الفتيات‏,‏ فليست كل الفتيات سواء في استجابتهن للغواية أو في خداع النفس بوهم مثل هذا الزواج العرفي المزعوم‏,‏ كما أن كل الشبان أيضا ليسوا علي هذه الشاكلة حتي ولو بدا للمتشائمين غير ذلك‏..‏ ما أكثر من يرعون حدود الله في حياتهم الشخصية من الفتيات والفتيان‏,‏ وما أكثر من لا يقبلون علي أنفسهم ولا علي ذويهم ولا دينهم مثل هذا الخنا‏..‏ لكن صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار كما يقول لنا القطب الصوفي أبو بكر الشبلي‏,‏ تماما كما أن صحبة المتساهلين أخلاقيا تورث سوء الظن بغيرهم كما تقول لنا تجربتك المدمرة هذه‏..‏ فإذا رغبت حقا في الاستفادة من هذه التجربة‏,‏ فاقتنع أولا بخطئها منذ البداية إلي النهاية‏..‏ واستشعر الندم عليها واعقد العزم علي التكفير عنها بصدق الندم والاستغفار وعدم العودة إلي مثلها أبدا‏,‏ ولن يمضي وقت طويل حتي يتفتح قلبك لأخري وترحب بك أسرة كريمة تيسر لك طريق العفاف بالطريق المشروع وتعينك علي أمرك بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق