السبت، ١ يناير ٢٠٠٠

البوح الجميل‏!‏

13-04-2001
كنت قد عاهدت نفسي ألا أقلب صفحات الماضي حتي لا تتجدد أشجاني‏..‏ ولكي يكون أجري عند ربي كاملا غير منقوص‏,‏ لكن بعض كلمات رسالة جمال الأشياء التي نشرت منذ أسبوعين قد دفعتني للخروج عن صمتي والبوح لك بهذه الكلمات‏:‏ فأنا سيدة في الثانية والأربعين من عمري اختصني الله سبحانه وتعالي بأكثر من اختبار في النفس والصحة والقدرة‏.‏
فأما اختبار الصحة فلقد بدأ منذ ستة عشر عاما وبعد زواجي بفترة قصيرة حين بدأت أشكو من بعض الأعراض المؤلمة‏..‏ وترددت علي عدد من الأطباء إلي أن ذهبت إلي الطبيب الكبير كاتب رسالة جمال الأشياء فاكتشف إصابتي بالمرض الملعون‏..‏ وبدأت رحلة العلاج وتم استئصال الثديين‏,‏ ثم تم استئصال الرحم ولم يكن قد مضي علي زواجي سوي ثلاث سنوات فقط‏..‏ ثم توالت عمليات الاستئصال بعد ذلك لأن المرض الملعون كان قد امتد إلي عصب الجسم‏,‏ ثم أشار علي كاتب الرسالة بالسعي للسفر للعلاج في الخارج لأن هذا النوع من المرض يعالج بنجاح أكبر هناك‏,‏ ولم تكن لي حيلة في ذلك لكن زوج أختي جزاه الله عني كل خير بذل مجهودا كبيرا حتي حصل لي علي الموافقة علي سفري للعلاج في الخارج بعد أن تفاقمت حالتي وأصبت بشلل نصفي وبفقدات مؤقت للذاكرة وأصابني الهزال الشديد حتي بلغ وزني‏46‏ كيلو جراما ولم أعد أستطيع تحمل العلاج الكيماوي‏..‏ وأصبحت أشعر أنني بقايا امرأة وأم وزوجة‏.‏ وسافرت بالفعل وعولجت لفترة في الخارج ورجعت إلي بلدي ومضت الأيام بعد ذلك مابين التحسن‏..‏ والانتكاس ثم التحسن النسبي وهكذا وأما الاختبار في النفس فهو ان الله سبحانه وتعالي قد وهبني طفلا مريضا بمرض نفسي نتيجة لما عاناه في طفولته وظروف ولادته من عدم الاهتمام به والانشغال عنه بظروف مرضي‏,‏ فكانت النتيجة أن أصيب بهذا المرض وراحت تعاوده نوباته المحزنة من حين لآخر‏.‏ وأما الاختبار في القدرة‏..‏ فلقد حدث حين ضغط أهل زوجي سامحهم الله عليه بشدة لكي يتركني ويتزوج من غيري ومارسوا عليه في سبيل ذلك كل أنواع الضغط الممكنة والتي لا تخطر علي قلب بشر‏,‏ ولم يتوقف كربي عن ذلك وحده وإنما شاءت الأقدار أيضا أن يتعرض زوجي لحادث مروع دمر حياتنا الاقتصادية‏,‏ وتدهورت بعده أحوالنا المادية بشدة حتي فقدت شقتي وأثاثي وممتلكاتي أكثر من مرة وفي ظروف متعددة لا مجال لذكرها هنا‏,‏ واعتصمت إزاء كل هذه الاختبارات بإيماني بربي وصبري علي قضائه وقدره‏,‏ وكنت شديدة الثقة بالله سبحانه وتعالي أنه لن يخذلني ولن يتخلي عني‏..‏ ورددت دائما في أعماقي قوله تعالي‏:‏ الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون‏,‏ أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون‏.‏

ورددت أيضا عنه كل خسارة مادية لحقت بنا قوله تعالي مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء وأنك علي كل شيء قدير‏.‏
ورددت كلما اشتد ضغط أهل زوجي عليه لكي يتركني وينصرف عني قول الحق سبحانه‏:‏ وأفوض أمري إلي الله إن الله بصير بالعباد فكانت النتيجة أن جاءتني جوائز السماء تتري علي حد قولك في بعض ردودك‏.‏
فأما محنة الصحة فلقد جعلتني شديدة الاقتراب من ربي وساعدتني فترات المرض الطويلة علي حفظ ثلثي القرآأن والمواظبة علي صلاة الفجر والصلاة في أوقاتها وصيام التطوع يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع إلي جانب الصيام في كل المناسبات الدينية‏,‏ وأشعرني اقترابي الشديد من ربي بالشفافية والراحة النفسية والاطمئنان حتي لأشعر أنني مادعوت ربي في شيء إلا واستجاب لي سبحانه وتعالي‏..‏ وفضلا عن ذلك فلقد تحقق لي مايشبه المعجزة الإلهية‏..‏ وبلغت حدا من الشفاء من المرض اللعين يكاد أن يكون تاما بإذن ربي‏..‏ وحتي حين أصبت بجلطة منذ أسابيع فلقد تلطف بي ربي وتحسنت حالة الشلل في النصف الأيسر وحالة الثقل في اللسان اللتان خلفتهما هذه الجلطة ولا ينتقصني لتمام الشفاء بإذن الله سوي ان يستجيب الله سبحانه وتعالي لدعائي ودعائكم لي ويتم علي نعمته‏.‏

أما محنة النفس فلقد خفف الله عني كثيرا من بلائها وتحسنت حالة طفلي الصغير كثيرا وقلت النوبات النفسية التي كان يتعرض لها حتي كادت تنعدم والحمد لله بكرة وأصيلا‏.‏
وأما محنة القدرة فلقد صمد زوجي أكرمه الله وجزاه عني كل خير لكل ضغوط أهله لكي يتخلي عني‏..‏ وتمسك بي وازداد حبا وعطفا وحنوا علي‏..‏ وحباه الله بعمل ممتاز بعد ان كان قد فقد عمله السابق بسبب اجازاته المتكررة لمباشرة علاجي والاهتمام بالأبناء‏,‏ وعوضني الله عن شقتي التي فقدتها بشقة أخري صغيرة لكنها تضم أسرتي الصابرة تحت سقف واحد وتجمع بيننا في حب وعطف وتفاهم‏.‏ وحباني ربي فوق كل ذلك بابن آخر مثالي ومتفوق ومتدين ومطيع ويتمناه كل أبوين لنفسيهما‏,‏ فضلا عن أهل يفوق عطاؤهم لي كل عطاء‏,‏ وبزملاء عمل لن أنساهم ماحييت كما أعطاني أيضا الكريم الرحيم سبحانه العمر أو قطعة أخري من الحياة كما قلت في ردك علي رسالة جمال الأشياء لكي أرعي الولدين الي ان يشتد عودهما ويصبحا في حاجة إلي أفلا أكون إذن راضية عن أقداري وشاكرة لربي جوائزه وعطاءه لي ولأسرتي ؟
إنني أدعو الله لكل مريض أن يتم الله عليه نعمة الشفاء‏,‏ وأرجو أن يعود الطبيب الإنسان كاتب رسالة جمال الأشياء من رحلة علاجه في الخارج من المرض الملعون الذي طالما داوي هو مرضاه منه‏,‏ سليما معافي بإذن الله‏,‏ وأدعو الله لزوجته الفاضلة اللطوف بالرحمة والمغفرة وقد عرفتها عن قرب رحمها الله خلال علاج زوجها لي‏..‏

وأشكر زوجي العظيم ستره الله في الدنيا وفي الآخرة كما سترني في دنياي وكان لي نعم العون ونعم الرفيق‏.‏
وأشكر زوج أختي الفاضل الذي لا أنسي له أبدا مواقفه الكريمة معي في الماضي والحاضر‏,‏ كما أشكر أختي المتفانية والأم التي عوضني بها ربي فكانت نعم التعويض‏,‏ وأشكر رجلا عظيما آخر هو رئيسي في العمل الذي وقف إلي جواري وقدر ظروفي حتي تجاوزت إحدي محن العمل الصعبة‏,‏ وأشكر في النهاية كل الأطباء الذين عالجوني ولايزالون يباشرون علاجي‏..‏ وأدعو للجميع بالصحة والسعادة والأمان في حياتهم والسلام عليكم ورحمة الله‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
إذا كان الصمت أو الكتمان بمعني عدم الشكوي من أقدارانا يضاعف من الأجر عند الابتلاء فان البوح بمثل هذه الكلمات المعطرة بعطر الإيمان والرضا بالقضاء‏..‏ والصبر الجميل علي عوادي الأيام‏,‏ لمما يضاعف أيضا في ظني من هذا الأجر‏,‏ ويرشح صاحبه لنيل جوائز الصابرين الشاكرين‏.‏
ومثل هذا البوح الجميل الذي لا يقل فضلا عن الصبر الجميل الذي لا شكوي فيه ولا أنين‏,‏ إنما يصدر دائما عن نفس جميلة راضية مؤمنة لم تتسمم بالمحن والآلام والاختبارات القاسية ولم تسكن المرارة أعماقها فتفسد عليها تذوقها للحياة‏,‏ وتشغلها عن إدراك قيمة الأشياء‏.‏

ومثل هذه النفس الجميلة هي التي لا يشغلها الألم عن الشكر علي النعم ولا يصرفها همها بنفسها عن تقدير المنحة التي تجني في أثناء كل محنة كما جاء في الحديث الشريف الذي يقول إن لله تعالي في محنه منحة‏.‏
والمهم دائما هو ألا يشغلنا الحزن أو الجزع عن الاحتفاء بهذه المنحة والتعزي بها عما أصابنا‏..‏ والشكر عليها وماأكثر المنح التي رافقت محنتك ياسيدتي وخففت من أثرها عليك ولم يغب عنك شكر خالقك عليها‏,‏ ومنها الزوج المحب الذي رفض كل ضغوط الأهل عليه لينصرف عنك إلي غيرك فصمد لها‏..‏ وواصل حدبه عليك ورعايته لك واعتزازه بك‏,‏ ومنها الابن المثالي المتدين الذي يتمناه كل أبوين لنفسيهما‏..‏ والابن الآخر الذي يقترب من تمام الشفاء بإذن الله‏,‏ والأخت المتفانية وزوجها الكريم والأهل الرحماء وزملاء العمل ورئيسه المتراحمون‏..‏ وفوق ذلك وكله هذا الدفء الإنساني الذي يجمع بين أفراد أسرتك‏,‏ ويجمع بينك وبين كل من حولك‏..‏
أليست هذه كلها منح جليلة تستحق الاعتزاز بها والشكر عليها؟
لقد هبطت عليك بعض جوائز السماء لكي تخفف عنك بعض ماتعانيه وتثبت أقدامك وتؤكد لك قول الحق سبحانه وتعالي‏:‏ إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب‏,‏ لكن ماينتظرك في علم الغيب كثير وكثير أيضا بإذن الله‏..‏ فترقبي المزيد منها كل حين‏..‏ وشكرا لك علي تمنياتك الطيبة لكاتب رسالة جمال الأشياء وللجميع‏..‏ والسلام‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق