05-10-2001
أنا رجل في أواخر الخمسينيات من العمر, نشأت في أسرة بسيطة بين أب زاهد وأم تجاهد للحفاظ علي مظهر الأسرة بالجنيهات القليلة التي يجنيها الوالد من عمله. وقد أحببت في شبابي فتاة حالت ظروفي المادية دون التقدم إليها.. وأنهيت دراستي العملية وجرح الحب القديم مازالت آثاره في الحنايا.. وتزوجت من رشحتها لي والدتي رحمها الله, وكنت عند زواجي منها في الثامنة والعشرين وهي في الثامنة عشرة من عمرها, ولم تكن قد نالت قسطا كبيرا من التعليم.. فقلت لنفسي إن من لم يتزوج من أحب ينبغي له أن يحب من تزوجها.. وهذه هي سنة الحياة, وبالفعل فقد روضت نفسي علي حب زوجتي ورعايتها وعشت معها5 سنوات في شهر عسل طويل وأنجبت منها.. وساعدت أخوتي في تعليمهم حتي تخرجوا واستقرت أحوالهم.. وازدادت وطأة مطالب الحياة, فسافرت للعمل في الخارج لمدة سنة.. ورجعت فاستقلت من عملي الحكومي وخضت مجال العمل الحر.. وحققت نجاحا مرضيا وتحسنت أحوالي ولم أبخل علي أسرتي الصغيرة بشيء.. واشتريت لزوجتي سيارة لتحميها من عناء المواصلات.. فلاحظت أن زوجتي الوديعة قد بدأت تتغير وتزداد مطالبها بلا مبرر, وبدأت أشعر بانشغالها عني بصديقاتها الكثيرات..
واهتماماتها الاجتماعية, ومنذ حوالي12 عاما توقفت أمام تصرف منها أغضبني بشدة وفكرت في أن أطلقها, لكني بدلا من طلاقي لها فقد أبقيت عليها مع الأبناء وتزوجت من أخري لتخفف عني الصدمة.. واعتبرت مافعلته من الزواج عليها درسا لها سوف تستوعبه, ولم أقصر بالرغم من ذلك في حقها ولم أظلمها, ثم تعرضت في عملي لهزة عنيفة زلزلت كياني ورضيت بقضاء ربي, وقررت الابتعاد عن مصر لفترة إلي أن تعود الأمور إلي وضعها الطبيعي. وخلال ذلك عادت زوجتي الأولي إلي نفسها.. وجاءت تزورني في غربتي, فرأيت فيها إنسانة جديدة سعدت بها وبدأت أنسي النقطة السوداء السابقة.. وفي نفس هذا الوقت طلبت زوجتي الثانية الطلاق اقتناعا منها بأنه لم يعد لها مكان بعد عودة شريكة الحياة إلي مكانتها عندي.. وقدرت لها مشاعرها وسرحتها بإحسان مع تعهدي لها برعاية طفلي منها إلي نهاية العمر, ومنذ عامين كنت قد قررت العودة إلي بلدي بعد أن ضقت بمرارة الغربة, وجاءت زوجتي لتزورني فقلت لها إنه قد آن الأوان لأن تدعو طفلي من مطلقتي بعد أن بلغ العاشرة من عمره لكي يتعرف علي اخوته قبل أن أرجع إلي بلدي.. فإذا بها تثور ثورة عارمة وترفض ذلك بإصرار وتتمسك بطلب الطلاق في الغربة وتصر علي إيقاعه عن طريق السفارة المصرية, وكل ذلك بالرغم من أن الطفل يقيم مع أمه في منطقة بعيدة وكان طلبي أن يقضي معنا يوم العطلة فقط كل أسبوع. ولم تفلح كل محاولاتي معها لإثنائها عن رغبتها.. وكان أقصي ماتوصلت إليه معها هو أن ترجع إلي بلادنا دون طلاق وأن نؤجل الطلاق حتي موعد عودتي إليها خلال أسابيع, وقبلت بذلك مؤكدة أنها قد تهدأ أعصابها خلال فترة العدة وربما سمحت الظروف باجتماع الشمل من جديد.. وعادت إلي مصر.. ورجعت بعدها بأسابيع وكان من بين من استقبلوني شقيقها الأكبر, فتوقعت أن يبشرني بعدولها عن الانفصال, لكنه زارني في اليوم التالي وأكد لي تمسكها به.. وفكرت في أن أصارحه بما دعاني للزواج الثاني لفترة من الوقت.. لكني عدلت عن ذلك.
وتم الطلاق, ورجعت للسفر لإنهاء أعمالي في الخارج والاستعداد للعودة النهائية, وكانت زوجتي الأولي قد أكدت لي قبل الطلاق أنها ستكرس حياتها للأبناء وتقيم معهم ولن تفكر في زواج آخر حرصا علي الأبناء.. فرجعت إلي مصر بعد فترة قصيرة فوجدت الأبناء يعيشون في مسكننا وحدهم.. وسألت عن الأم التي ترعاهم فقيل لي إنها غائبة لدي إحدي صديقاتها, لكن الغيبة طالت دون أن تظهر.
وأخيرا علمت أنها خانت العهد الذي عاهدتني عليه بألا تتخلي عن الأبناء وتزوجت بالفعل.. فتظاهرت أمام الأبناء بأننا كنا متفقين علي مبدأ الطلاق, وأكدت لهم أنها قد تزوجت من رجل مناسب لها تماما ولم أهتم بأن أعرف ممن تزوجت أم أولادي..
وبدأت أدبر حياتي مرة أخري.. وأبدأ عملا جديدا.. فإذا بقنبلة مدوية تنفجر في حياتي وتزلزل كيانها.. فلقد تزوجت أم أولادي التي عاشت معي32 عاما لم أغضبها مني خلالها يوما واحدا من اعدي أعدائي في مصر ومن إنسان يحقد علي من منبت الشعر إلي أخمص القدمين وكان أول من سعد بانكساري في عملي السابق, كما أنه متكبر ومتغطرس وقد تسلم خلال غيابي عن مصر شركة كنت مساهما فيها مع بعض الأصدقاء, فخسر الجميع أموالهم فيها وأنا منهم.. وفوق ذلك فهو زوج أعز صديقة لأم أولادي, وجارنا بالعمارة التي نقيم بها.. ولا أعرف كيف اتفقا أو التقيا.. وقد قالت زوجتي السابقة لجارة لنا عاتبتها علي مافعلت وطلبت منها العودة إلي رشدها أن زوجها الحالي لم يخطيء في شيء لكي تطلب منه الطلاق, فضلا عن أنه قد أغدق عليها بالطبع مما جمعه من مال.
أما حين سألتها عما أخطأ فيه زوجها السابق وهو أنا فإنها لم تجد ماتقوله.
لقد تأخر أحد أبنائنا عن أقرانه في كليته.. ويعيش الابن الأوسط في عزلة تامة في حجرته رافضا الحديث في هذا الموضوع, أما الأكبر فإنه يحاول أن نرضي بالأمر الواقع.
وهي تأتي إلي المسكن من حين لآخر لتعد للأبناء بعض الطعام ويخيل إليها بذلك أنها قد أدت واجبها نحوهم.. وتردد دائما كلما سئلت عن الأسباب: قدر الله وما شاء فعل.
أما أنا فقد قاربت علي الجنون لأن غرفة نوم عدوي الوحيد في مصر تقع فوق غرفة نومي مباشرة ولا أتحمل سماع صوتها أو رؤيتها في البيت ولا أستطيع النوم إلا مع الفجر ولمدة ساعتين أو ثلاث. ثم أسرع بالهروب من المنزل وقد تغيرت نظرة الجيران لنا بعد أن كنا مضرب الأمثال في الحي كأسرة محترمة.
وأفكر جديا في اعتزال الحياة والاختفاء عن أعين الجميع.. وفي نفس الوقت لا أستطيع الزواج لظروف اجتماعية واقتصادية.. وأعيش في حالة من الذهول وأبكي كثيرا علي حالي وكلما تذكرت ان هذا الرجل قد تزوجها انتقاما مني وتنفيذا لوعيده لي قبل سنوات بأن يحول حياتي إلي جحيم.. اشتعلت النار في صدري.. وأتعجب كيف رضيت لنفسها بأن تكون زوجة ثانية له.. لا تراه إلا كل بضعة أسابيع لمدة أيام.. وأناشدك أن تكتب كلمة لها لكي تفيق مما هي فيه.. فلقد تحطم حلمي بدفء الأسرة واللهو مع الأحفاد في أخريات العمر.. ولقد قرأت لك منذ13 عاما كلمة تقول فيها: ماذا يعرف عن الحياة من لم يعرف الألم ؟, وأعرف جيدا أن الألم جزء من ناموس الحياة وقد خبرت منه ألوانا عاتية خلال رحلة العمر وفي عثراتي خلال حياتي العملية وخلال الغربة, لكني لم أكن أعرف أن هناك من الألم مايتعدي حدود الاحتمال.. كما هو الحال معي الآن.. فماذا تقول لي ؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
جو القصة كله لا يبعث علي الارتياح.. ولولا مااستشعره من عمق جرحك لاختيار زوجتك السابقة لأن تتزوج ممن تعده أنت أعدي أعدائك وأن تقيم معه فوق غرفة نومك مباشرة, لما وجدت في نفسي الرغبة في مناقشتها معك, ولهذا فلسوف أحاول قدر جهدي أن أعبر لك عما أتصوره بشأنها, فلقد فهمت أنك قد اضطررت للابتعاد عن مصر حوالي سبع سنوات فيما يشبه النفي الاختياري لكي تتفادي بعض المتاعب التي تعرضت لها في أعقاب تعثر أعمالك وانكسارك اقتصاديا, كما فهمت أيضا أنه خلال سنوات الغياب كان من تعتبره الآن عدوا لك مسئولا عن إدارة عمل تشترك في رأس ماله معه ومع غير كما من الأصدقاء, فأدت إدارته له إلي خسارة الجميع لأموالهم.. واعتبارك إياه مسئولا عن ذلك, وحين نجحت في إزالة أسباب ابتعادك عن مصر واستعددت للعودة النهائية صارحت زوجتك برغبتك في أن يتعرف طفلك من الزيجة الثانية بأخوته منها.. فأبت ذلك وطلبت الطلاق وأصرت عليه وبالرغم من تبريرك لهذه الزيجة بأنك قد أقدمت عليها لتكون درسا لزوجتك في أعقاب ماأغضبك منها.. وأنها قد عادت إلي نفسها ورجعت المياه إلي مجاريها بينكما فإنه يخيل إلي أنها لم تكن تعرف بوجود طفل لك من الزوجة الثانية.. كما يخيل إلي أيضا أن سنوات الانكسار والهبوط المالي في حياتك قد تزامنت في نفس الوقت مع إتجاه مؤشر أعمال الآخر الذي تعتبره أعدي الأعداء إلي الصعود والثراء, مما يمكنه من الإغداق علي الزوجة الجديدة في حياته.
وأيا كانت الأسباب والدوافع الحقيقية لمطلب أم أبنائك الطلاق منك ونقضها العهد معك بتكريس حياتها لأبنائها الثلاثة, علي أمل العودة إليك ذات يوم فإني أقدر أسباب معاناتك لضياع حلم دفء الأسرة والحياة العائلية الهادئة في هذه المرحلة من العمر..
كما أتفهم أيضا عمق الجرح الذي تستشعره لاختيار أم أبنائك أن تتزوج من بين كل الرجال بمن تشتعل نار العداوة والكراهية بينك وبينه.. وبمن كان يتوعدك خلال احتدام أوار الخلافات المالية معه بأن يحيل حياتك إلي جحيم مع إقدامها علي الارتباط به والحياة معه في نفس العمارة التي تقيم أنت فيها وفوق غرفة نومك مباشرة, وكل ذلك مؤلم بالفعل ومثير للحسرة.
لكن ماذا يملك الإنسان أن يفعل إذا استحكمت المقادير معه علي هذا النحو ؟ هل يكتفي بالاحتراق داخليا ومكابدة ألم الغيرة والنقمة علي من يعتقد أنه قد سلبه زوجته السابقة بعد أن سلبه بعض ماله بإدارته الخاسرة للعمل المشترك السابق ؟
هل يناشد هذه الزوجة أن ترجع إلي نفسها مرة ثانية وتحصل علي الطلاق من زوجها الذي قبلت به بإرادتها الحرة لكي يعيد اجتماع الشمل معها ويستمتع بالدفء العائلي والحياة الأسرية المستقرة ؟
إنك تقف الآن علي قمة العمر والخبرة بالحياة العملية والعواطف الإنسانية.. وتعرف جيدا أن من أقدمت علي هذا الاختيار بالرغم من الأشواك الضارية المحيطة به بالنسبة لك, وبالرغم من وجود ثلاثة أبناء في سن الشباب, لن تستجيب إلي مثل هذه المناشدة اليائسة, ولن تؤثر فيها لوهلة واحدة, ولهذا فان خير ماتفعل هو أن تعفي نفسك من عذاب الجحيم الذي تكابده بالاحتراق كل لحظة تراها أو تتسمع فيها صوتها.. أو تتخيلها خلالها في أحضان عدوك, فنحن لا نقدر علي الآخرين ولا نملك أن ندفعهم إلي طريق لا يرغبون في الاتجاه إليه لكننا نقدر بالتأكيد علي أنفسنا.. ونملك حياتنا ونستطيع أن نخفف بعض عنائها بإعفاء النفس من الانشغال بالغير.. وكف العقل عن الأمل فيهم والتفكير في أمرهم.. واجترار الأحزان التي أدموا قلوبنا بها.
ولاشك في أنك تستطيع أن تغير مسكنك الذي يؤجج لديك كل هذه الأحاسيس المؤلمة. وان تنتقل إلي موقع آخر لا ترقب فيه حياة أم أبنائك مع خصمك حتي ولو كان أقل ميزة من المسكن الحالي.. فماذا يقعدك عن ذلك, ثم أنك تقول أنك لا تستطيع الزواج من غير أم أبنائك لأسباب اجتماعية واقتصادية, فأما الأسباب الاجتماعية وهي الأبناء الشباب والوضع الاجتماعي فإنها لم تحل دون أم أبنائك نفسها ودون زواجها من زوجها الحالي والقبول بوضع الزوجة الثانية له..
كما أنها لم تحل بينك أنت من قبل وبين الزواج لفترة من العمر وإنجاب طفل من زوجتك الثانية.. فماذا تكون إذن هذه الأسباب ؟
أما الأسباب الاقتصادية فلكل إنسان ظروفه وقدرته.. والزوجة الملائمة لهذه القدرة وللمرحلة التي يعيشها من العمر.. لكن المشكلة الحقيقية هي أنك لا تتعلق فقط بالأمل في استعادة أم أبنائك ليجتمع شمل الأسرة الطبيعية من جديد.. وهو أمل إنساني مفهوم.. وإنما تتعلق أيضا بأمل آخر لا يقل أهمية لديك.. وهو أمل الانتصار علي عدوك, ورد الصفعة له.. واستعادة زوجتك منه وهو أمل يندرج تحت باب صراع الحيتان والديناصورات أكثر من اندراجه تحت باب الرغبة في الحياة العائلية الهانئة.
وفي هذا الشأن فلعلي أقول لك إن صمود الإنسان لاختبارات الحياة المؤلمة وتخطيه لها دون أن يفقد روحه وقيمه ومبادئه وإيمانه وثباته وقدرته علي البدء من جديد هو انتصار كبير أيضا في حد ذاته علي الصعاب والأحزان والآلام, كما لعلي أذكرك أيضا بكلمة شاعر الإنجليزية الأعظم شكسبير حين قال: إذا ابتسم المهزوم فقد المنتصر لذة النصر!
واستطرادا لهذا المعني فإن احتراقك الآن بالغيرة والألم والغضب والحسرة هو انتصار للخصم الذي يكبدك كل هذه الآلام.. وان تخلصك من كل المعاناة وتعاليك عليها.. وتعاملك مع الأمر كله بواقعية تضعه في حجمه الصحيح يفقد خصمك; هذا النصر الرخيص ويعيدك إلي الثقة في النفس والخير والحق والحياة.. والأمل في تعويض السماء وفي كثير من لايجد المرء لها علاجا أنجع مما قاله الشاعر العربي ابن المعتز:
اصبر علي كيد الحسود
ان صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها
ان لم تجد ماتأكله
فإذا كان الأمر كذلك فلماذا تقدم للنار ماتأكله كل يوم وفي وسعك أن تضن به عليها فلا تأكل إلا بعضها!
أما حديثك عن الآلام التي لا تحتمل.. فإن تقديري لمعاناتك لا يمنعني من أن أقول لك أيضا إن في الحياة من الآلام مايتواري إلي جواره ألمك الحالي خجلا إذا وضع موضع المقارنة معها فادع ربك متوسلا ومتبتلا إلا يختبرك بشيء منها.. وأن يهييء لك من أمرك رشدا ويخرجك من دائرة التحسر والرغبة في الثأر لكرامتك ومشاعرك إلي دائرة خلو النفس من الأكدار.. والاستعداد للابتهاج من جديد بالحياة.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
السبت، ١ يناير ٢٠٠٠
القنبلة المدوية!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق