السبت، ١ يناير ٢٠٠٠

آلام الخوف

17/9/2010

اشعر بكابوس ثقيل يجثم فوق صدرى ويكتم انفاسى وحش شرس ضخم يلاحقنى باصرار اغمض عينى وامضى فى طريقى محاولة التظاهر بعدم وجوده لكننى فى الدقائق القليلة التى تسبق نومى عندما اضع راسى على وسادتى اختلس نظرة الى الخلف فاجده مازال موجودا مازال مصرا على ملاحقتى بل اجده لرعبى قد ازداد اقترابا انا فتاة فى السادسة والعشرين من عمرى صيدلانية باحدى محافظات الاقاليم والابنة الصغرى لاسرة تتكون من شقيقين وشقيقتين لى واب وام كرسا كل حياتهما لرعايتنا والسهر على راحتنا تزوج اشقائى واصبح لكل منهم حياته واعيش انا مع ابى وامى منذ مدة ليست ببعيدة علمت ان عائلة والدتى لها تاريخ عريق مع هذا الوحش اللعين المسمى بالسرطان ولم اعلم بذلك الا عندما اصيبت امى بهذا المرض منذ عامين او يزداد قليلا لقد اجرت الجراحة منذ زمن واتمت العلاج الكيميائى والاشعاعى بفضل الله وهى الان فى فترة المتابعة والان اتذكر نفسى عندما كان يراسل احد القراء الاستاذ الفاضل عبد الوهاب مطاوع رحمه الله يحكى عن معاناته مع المرض لست متحجرة القلب لاقول اننى لم اكن اتعاطف معه لكننى ايضا لم اكن اشعر بمعاناته مثل ما اشعر بها الان
فى فترة دراستى بالكلية عندما كان الدكتور يسأل عن العلاج لحالة مشابهة كنت ارد دون ان يطرف لى جفن: (Tumor excition, Chemo &Radio) اى ازالة الورم ثم العلاج الكيمائى ثم الاشعاعى كنت اقولها غير عالمة او متخيلة ما تحدثه الجراحة من تشوه وما يخلفه العلاج من عذاب وما ينجم عن الامر برمته من اثر مرير فى النفس وبعد كل ذلك ربما نجح الامر وربما …اسفة لك يا استاذى ان كنت اسهبت فى كتابة خواطرى واريدك ان تغفر لى فقلبى يحمل الكثير مما اود ان افرغه على الورق فربما يمنحنى ذلك بعض الراحة اقول اننى تغيرت منذ عرفت ذلك تغير شئ بداخلى للابد اعرف يقينا اننى التالية انا من سينقض على هذا الوحش ليمزقنى فى اى وقت صرت ارتعش عند سماع اسم هذا المرض هل تعرف تلك الطفلة الصغيرة التى تظهر فى التليفزيون قائلة:انا هقولكوا كلمة واحدة انا خفيت الحمد لله. صرت ابكى لمجرد تذكر هذا المشهد وابكى وانا اكتب لك تلك السطور الان وربما يظن البعض انها دموع الفرح لنجاة هذه الطفلة البريئة من هذا المصير الشنيع بالطبع انا سعيدة من اجلها لكننى ابكى عندما اتذكر مصيرى المنتظر عندما اتذكر اننى سأقاسى ما عانته هى وربما هى دموع غبطة لشجاعة هذه الطفلة التى عانت ما ارتجف انا منه عندما اعلم اننى ساختبره عندما اصاب بهذه اللهعنة لكن عندما افكر فى الامر التمس لنفسى العذر فهى طفلة لا تعرف قسوة ما تعانيه وان قاست فهى لاتدرك معنى المرض ولاتبعاته ولا خطوات العلاج المريرة اما انا فادرك ما ينتظرنى اعرف كيف ستاعذب وربما انجو وربما.. لا اعرف متى ساكتشف الورم وان هل ساوافق على العلاج اخشى ان اقوم بالفحص الذاتى عن نفسى لاننى ان وجدت شيئا فستكون كارثة واذا لم اجد ربما الكارثة اكبر وربما الورم من النع المتخلل الذى لا يحدث كتلة ظاهرة ولا يكشف عن عن نفسه الا فى مراحله الاخيرة غير طريقى الى العمكل حيث كانت امر كل يوم بمعمل يقوم باشعة الماموجرام فكنت اقرا الاسم ثم امضى فى طريقى افكر فى ما سافعله فى يومى واخطط لنزهة مع صديقاتى الان صار هذا شبحا يطاردنى وكلما قرات الاسم عاودنى تذكر شبح اللعنة تطاردنى منذ اجيال الان اود ان اطلب منك طلبا هو الا ترد على بكلمات مثل (كونى راضية بقضاء الله) او (ما يحدث فى علم الغيب) او (عيشى الان حياتك فلربما تموتين فى الثانية القادمة) او (لاتيأسى من رحمة الله فلربما لا تصابين بالمرض) فانا قد ناقشت هذه الكلمات مع نفسى الاف المرات فهذا الهاجس اول ما اصحو عليه صباحا واخر ما افكر فيه ليلا قبل ان انام واود ان اخبرك اننى سأصاب بهذه اللعنة ان عاجلا او اجلا واننى مؤمنة راضية بقضاء الله ايا كان مايعذبنى فقط هو الانتظار وتخيل المراحل البشعة لهذا المرض كل صباح ومساء واود ان اقول ايضا اننى ايضا لست حزينة لفراق الدنيا بالطبع انا خائفة من لقاء الله سبحانه وتعالى ولكن ليس مايحزننى هو الموت وانما العجز الاعتماد على الاخرين الموت وانا على قيد الحياة جسدى الذى سيشوه وشعرى الذى سيسقط وحياتى التى ستتبدد واقول لمن سيتهموننى بالاعتراض على قضاء الله ان حاشا لله لكننى فقط متوجسة خائفة مرتعبة وانتم لم تختبروا الم المرض والم انتظار الم المرض اننى لا اريد ردا على رسالتى صدقنى اعلم انك لن تجد ردا يريحنى وهذا ليس لقصور فى شخصك ولكن لاننى قلبت الامر على كل الوجوه وهو كما هو كما عرضته عليك الان ليس فيه ما يبهج ولا ما يريح ليس فيه الا الشقاء والمعاناة فاذا كنت تتساءل الان ولماذا ابعث اليك برسالتى هذه اذن؟ ارد عليك اننى اريد من يسمعنى ومن اشكو اليه ربما تعتقد ولك الحق فى ذلك عندما تقرأ هذه الكلمات اننى فتاة كئيبة سوداوية لا تفوت يوما دون شكوى ولاتمر ساعة دون غم والحقيقة المريرة اننى لست كذلك لست كذلك على الاطلاق فانا ان رايتنى وسط مجموعة من اصدقائى فلن تشك لحظة اننى مرسلة هذه الرسالة اليك لاننى اكثرهم مرحا واعلاهم ضحكة واقربهم الى التنكيت والقفشات والمقالب احب كل زملائى فصاروا كلهم والحمد لله يحبوننى كاتمة كل هذا الحريق المشتعل فى قلبى حتى كاد ينفجر لذلك اردت احد يسمعنى احدا يعرف ما اعانيه حتى وان لم اعرفه وان لم يعرفنى لذلك صدقونى لا اكتب هذه الرسالة طمعا فى رد يريح قلبى لانه لا وجود لمثل ذلك وانما فقط طمعا فى قلب يشعر بما اشعر به اقرأ رسالتى ياسيدى ودع الاخرين يقرأونها ربما يريح ذلك قلبى وهذا ابلغ من اى رد وأجل خدمة يمكن ان تقدمها لى اما انا فلا املك الا الدعاء بان يريحنى الله من الحياة قبل وصول هذا الوحش الى فهذا افضل ما يمكن ان يحدث لى
تعليق المحرر
سيدتى ارجو ان يكون قلبك قد استراح ولو لوقت قصير فها نحن قرأنا رسالتك ولكن هل هذا يكفى؟ مارست حقك فى البوح وصادرت حقى فى الرد عليك او الحوار معك فإذا قررت اغلاق عينيك سأكتب فاسمحى لى ان افعل ذلك حتى لو لم يضف اليك شيئا فربما يستفيد منه اخرون يعانون مما تعانيه الذين يخافون من الالم يتألمون من الخوف تلك المقولة التى احبها كثيرا ولا اتذكر الآن قائلها هى التلخيص الكامل والدقيق لحالتك فأنت بما تحملين فى داخلك تعيشين المأساة مرتين الاولى خوفا من المرض فتصادرين حقك فى الحياة والاستمتاع بسلامتك فتسلمين نفسك طائعة الى مصير مجهول لا يعلمه الا الله فاذا جاء قدره المحتوم وندعو الله ان يكون رقيقا بك حافظا لك تعيشين الالم والمعاناة مرة اخرى سيدتى الموت اذا اتى لا يحتاج الى مبرر ولا يبحث عن سبب وهو الشئ اليقين والمعلوم منذ الميلاد فمم نفر ولماذا ننسى هذه الحقيقة ولماذا تخافين من لقاء الله؟ أليس الخوف باعثا على حبه سبحانه وتعالى والتقرب اليه؟ لا اريد ان يكون حديثى معك او مع من يعانون مثلك مرجعه دينى ولا علمى فأنت اعلم منى ولكنى اذكرك فقط بأن التاريخ المرضى لاحد افراد العائلة لا يعنى حتمية وصول المرض الى الاخرين فى الاسرة وان كثيرين ممن ابتلوا بهذا المرض صغارا او كبارا لم يكن لديهم مرضى فى العائلة وتعلمين ايضا ان الاكتشاف المبكر للمرض يساعد كثيرا فى العلاج بل يمكن تلافى المرض ببعض التحاليل والاشعات التى تكشف عن مدى قابلية انسان للاصابة به فمرض والدتك يجب ان يكون دافعا للبحث والحرص لا للسقوط الكامل فى دائرة الخوف سيدتى كلمات الطفلة التى ابكتك يمكن ان تكون مصدرا للأمل لا للحزن ولكن كل منا يذهب حيث يريد وما تفعلينه بنفسك لن ينجو بك والوسواس الذى اصابك يستدعى استشارة طبيب نفسى لان اى انسان منا لو اسلم قياد نفسه للخوف من المرض او الموت ما خرج من بيته وما عمل وما غرس وكان الموت اولى به لاننا لم نخلق لهذا فاذا مس الانسان منا الخوف فليسارع بعمل الخير بمزيد من العطاء بالاقتراب من الله لاننا عندما نظن اننا نفر من قدرنا نكون فى حقيقة الامر ذاهبين اليه فما من شئ يصيبنا الا وقد كتبه الله علينا ونحن نطف فى الارحام فهو القائل فى كتابه الحكيم (قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله ىفليتوكل المؤمنون) صدق الله العظيم حياتنا واحدة ياصغيرتى فلا تضيعى عمرك خوفا مما هو ات فتحسرين واقعك وتغضبين خالقك لانك تصادرين حقه سبحانه وتعالى فى انزال قضائه وقدره بعباده عقابا او رحمة وابتلاء فاذا احببته سبحانه وتعالى قدر ما يستحق من حب ورجوت رحمته التى وسعت السماء والارض لرضيت بكل ماكتبه لك وهو بإذنه تعالى خير وسعادة وشفاء رعاك الله وحفظك ولطف بك فى قضائه وتذكرى دائما ما علمه لنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله تجده امامك, تعرف الى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة, واعلم ان ما أخطأك لم يكن يصيبك, وما أصابك لم يكن ليخطئك, وأعلم أن النصر مع الصبر, وان الفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا)
واذكرك ايضا بقوله صلى الله عليه وسلم:
(لايرد القضاء الا الدعاء, وان القضاء ليلقى الدعاء فيعتلجان الى يوم القيامة) والى لقاء بإذن الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق