12-01-2001
أنا سيدة في الخمسين من عمري وزوجة لرجل يكبرني بعدة سنوات ولهمن الأخلاق الكريمة ما يعجز لساني عن وصفه, وعلي قدر من الزهد وخدوم ومحب للخير ويمتلك عملا خاصا ناجحا والحمد لله. وربما كانت صفاته الإيجابية هذه هي بداية مشكلتي التي أهدرت عاما طويلا مريرا من عمري..
فلقد بدأت المشكلة حين خرجت في رحلة لعدة أيام خارج القاهرة بصحبة قريبة لزوجي تصغرني بسنوات, وتعمل عملا مهنيا مرموقا ومتزوجة ولديها أبناء بمراحل التعليم المختلفة, وخلال الرحلة كنت كأي زوجة محبة لزوجها لا أدع مناسبة يذكر فيها اسم زوجي دون أن أشيد بمميزاته وفضائله وأدعو له من أعماق قلبي بالصحة وطول العمر ولنا بدوام الصحبة والسعادة, ودون أن أحمد الله كثيرا علي ما أسبغه علي حياتي معه من نعم.. وانتهت الرحلة بسلام ورجعنا إلي أسرتينا.. وبعد فترة قصيرة اضطررت للسفر إلي خارج البلاد لمرافقة ابني الذي يستكمل دراسته العليا في إحدي الدول.. ولم أكن أدري أن سفري وغيابي عن بيتي وأسرتي سيكون الأرض الممهدة لتلك القريبة التي استثارها فيما يبدو حديثي الدائم عن زوجي, لكي تبذر فيها بذرتها المخربة, فلقد علمت بعد سفري بفترة أنها قد طلبث الطلاقمن زوجها دون أي سابق مشكلة بينهما تستوجب الانفصال أو تدعو إليه, وعلي الرغم من أننا لم نلمس منه إلا كل ما هو خير خلال سنوات زواجهما, وتم الطلاق بالفعل وبدأت هي في خطتها الجهنمية للتقرب من زوجي وراحت تكثر من اتصالها التليفوني به شاكية له حالها بعد الطلاق مستغلة في ذلك طيبة زوجي
وكرم أخلاقه مع الآخرين خاصة مع أقاربه, ولاحظت أنا خلال سفري كثرة شغل خط تليفون منزلي في الساعات المتأخرة من الليل, وأثار ذلك الريبة في قلبي فسألت زوجي هل يتصل بقريبته خلال تلك الساعات فأنكر ذلك, ولم أعط للأمر أهمية كبيرة, إلي أن فوجئت بأبنائي وأحفادي الصغار يتصلون بي من مصر ويرجونني في العودة, وترك ابني لإنقاذ أبيهم وجدهم من الأفعي التي استغلت غيابي عن أسرتي وتحاول بكل جهدها تخريبها.. وصعقت لما سمعت وصدمت صدمة أشد حين علمت أنها كانت تخرج معه بحجة زيارة بعض الأقارب ووصل الرحم. وانتابتني حالة من عدم الاتزان والقلق, واتصلت بها من الخارج وواجهتها بما عرفت وتمنيت في نفسي لو أنها تنفي لي ما سمعته, وتؤكد لي ولو من باب الحرج احترامها للروابط الزوجية بيني وبين زوجي, ففوجئت بها لا تنكر شيئا مما واجهتها به, بل وتبرره بكل صفاقة بأنها أولي بقريبها وبماله وعزه مني أنا التي شاركته رحلة الكفاح ثلاثين عاما!
وحسمت تلك الصفاقة الغريبة كل تردد من جانبي.. وقررت العودة إلي مصر وترك ابني ليواجه حياته معتمدا علي نفسه دون أن أبلغ أحدا من أسرتي بعزمي علي ذلك.
وركبت الطائرة عائدة إلي مصر للدفاع عن حياتي وأسرتي وإنقاذها من الدمار, وفوجئ بي زوجي أمامه في مصر دون سابق إخطار فما أن رآني حتي انسابت دموع الخجل والحب من عينيه, وهممت بمواجهته بكل شيء لكن كبريائي تغلبت علي في اللحظة الأخيرة ومنعتني من المواجهة لكيلا أكسر حاجز الاحترام المتبادل بيننا.. وفضلت تجاهل الأمر في حديثي معه اكتفاء بوجودي في حياته ودفاعي المستميت عنه ضد الأعداء الخارجيين. وبدأت الحرب الباردة بيني وبين تلك السيدة.. واستعر أوارها وأنا أقاتل للحفاظ علي زوجي واستقرار أسرتي وهي تجاهد للفوز بمن تراه جديرا بأن يحقق لها أحلامها المادية وتطارده في مكتبه, إلي أن تصادف أن حضر ابني ذات يوم وبالصدفة لقاء لها مع أبيه في مكتبه, واستطاع أن يكشف لأبيه حقيقة أغراضها المادية, حيث طلبت من زوجي مساعدتها في إنشاء عمل خاص لها في مجال تخصصها بالرغم من أنها تعمل في عدة جهات, ولا يقل دخلها الشهري عن ثلاثة آلاف جنيه.. وتبينت الحقيقة واضحة أمام زوجي وهي أن مودتها له ليست سوي قناع زائف للرغبة في استغلاله ماديا والاستفادة منه..
وخلال مراحل هذه الحرب الباردة كنت قد تصورت أن والدتها يمكن أن تتدخل بيني وبين ابنتها وتردعها عما تفعل, فاتصلت بها وكلمتها في الأمر فلم أجد منها عونا ولا إنصافا, وعرفت علي العكس أنها تؤيد ابنتها في خطتها وأنها سعت للإيقاع بيني وبين زوجي عدة مرات..
وبعد أن فشلت الخطة واتضحت النيات تماما ضاق زوجي بتلك السيدة ولم يعد يطيق سماع اسمها أمامه, فجن جنونها وانطلقت تهددني أنا زوجة من أرادت اختطافه, بتهديدات مختلفة منها إلقاء ماء النار علي, ومنها أنها سوف تتزوج زوجي رغما عني مهما طال المدي إلخ, فلم أر مفرا من كشف كل تصرفاتها أمام الأهل والأقرباء ليطلعوا علي الجانب الخفي من شخصيتها.. ولم أملك في النهاية سوي أن أدع الأمر لله العزيز الحكيم وأحتسب ما تعرضت له خلال دفاعي عن أسرتي لديه. وطلبت من زوجي أن نزور معا البيت الحرام لنطوي في رحابه تلك الصفحة المظلمة من حياتنا, ونبدأ صفحة جديدة مضيئة بالحب والإخلاص, وأدينا العمرة بالفعل في رمضان الماضي ورجع زوجي إلي سابق عهده معي ومع أبنائه وأسرته وحمدت الله حمدا كثيرا علي نعمته وعلي ما حباني به من صبر طوال عام الحرب الباردة هذه وما هداني إليه من عدم التسرع في الأمر بما يضر بأسرتي وبيتي, وأنصح الآن كل زوجة ألا تحكي عن حياتها الشخصية مع زوجها لأحد بعد تجربتي المريرة هذه حيث لم أعد أعرف من يحبني ممن يكره الخير لي, وأنصحها كذلك بعدم الإشادة بمزايا زوجها أمام الأخريات إذ من يدري أنه لن تكون بينهن من تنغص عليها هذه السعادة وتسعي لاصطياد زوجها لنفسها وحرمانها منه, كما فعلت تلك القريبة, كما أنصحها بالتحلي بالصبر وألا تستسلم للضعف والغضب إذا هبت علي حياتها مثل هذه العاصفة الهوجاء. ولقد يئست الآن هذه السيدة من زوجي ومن الانتصار علي في معركة الاستيلا عليه.. وحاولت بعد ذلك باستماتة العودة إلي زوجها السابق إلا أنه رفض كل محاولاتها بإصرار وأكد لها أنه قد انتهت من حياته للأبد.
وأريد في النهاية أن أشكر أخوة زوجي الأفاضل والفضليات الذين ساندوني في معركتي ضد ملكة النحل التي كانت تسعي لقتل زوجي بعد رحيقه.. والحمد والشكر قبل الجميع لله رب العالمين الذي أعانني علي أمري وهداني سواء السبيل.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
من حقك يا سيدتي أن تسعدي بفوزك المبين في معركة الحفاظ علي زوجك وأسرتك وحمايتها من غزاة الحصون الآمنة.. وهواة جني ثمار الأشجار الوارفة التي لم يشقوا غرس بذورها وفي رعايتها حتي أتت أكلها كل حين. والحق أنك قد فعلت ما ينبغي للزوجة المحبة الحريصة علي زوجها وأسرتها وسعادتها أن تفعله في مثل هذا الموقف العصيب.. وهو التصرف بحكمة الأم التي ترغب دائما في صلاح أمر ابنها المخطئ وليس في تدميره أو الانتقام منه.. وهدتك فطرتك السليمة إلي ترجيح العودة في الوقت المناسب تماما إلي أسرتك وزوجك علي الاستجابة لنداء الأمومة والبقاء بجوار الابن المغترب, تاركة الأرض وراءك ممهدة لبذر البذور المدمرة فيها.. فكانت عودتك لزوجك والالتصاق به والدفاع عنه بغير مواجهات تصادمية معه تؤدي إلي اتساع الفتق الطارئ بينكما بدلا من رتقه هي البداية الصحيحة بالفعل للانتصار في معركة استرداده والذود عنه.. وكان تفضيلك لعدم المواجهة الصاخبة معه توفيقا إضافيا في أداء مهمتك المقدسة.. وتركيزا علي الهدف الأهم وهو حصر الجهد في إبعاد المتطفلين عنه بدلا من تشتت الجهود وضياع الهدف الأسمي وإغراء الزوج بالمزيد من الابتعاد والارتماء في أحضان الغزاة حين تتحول الحياة بينه وبين زوجته إلي جحيم في مثل هذه المواجهات الضارية.. فمن أهم وسائل الفوز وتحقيق الغايات, أن يحدد المرء بوضوح تام الهدف الأسمي الذي يسعي إلي تحقيقه ثم يوجه إليه كل جهده الرئيسي بغير الانشغال عنه بأهداف جانبية تضعف من تركيزه أو تقلل من أثر سعيه لتحقيق أغراضه..
والعالم البريطاني الشهير داروين يقول لنا إن الذين يستطيعون الانتصار هم الذين يؤمنون في قرارة أنفسهم بقدرتهم علي ذلك, ولهذا فلابد من الثقة في النفس أولا وفي عدالة القضية التي يحارب المرء من أجلها ثم توجب كل الجهد والطاقة بعد ذلك لخدمة الهدف العادل الذي يسعي إليه.
ولقد كانت لديك الثقة في النفس وفي عدالة القضية وأنت تخوضين تلك الحرب الباردة مع من أرادت اغتصاب زوجك منك والاستئثار به وذلك دون أبنائه وأسرته. كما تحليت بالفهم والصبر وطول الأناة واحترام النفس والعشير خلال قتالك بإصرار للذود عن حياتك وسعادتك وأسرتك ضد أطماع الطامعين فكان لك الفوز المستحق والحمد لله رب العالمين.
غير أن تجربتك مع من أغراها حديثك المنصف عن زوجك وإشادتك بمزاياه وفضائله أمامها بالطمع في الفوز به دونك, لايجوز تعميمها علي الجميع أو استخلاص بعض الدروس الخاطئة منها, كنصح الزوجات مثلا بألا يشدن بأزواجهن أمام الأخريات.. أو كفقد الثقة في الجميع والعجز عن التفرقة بين الصالحين والطالحين منهم.
فالحق هو أن من واجب الزوجة المحبة المنصفة ألا تغمط زوجها المحب الذي يحسن عشرتها حقه في الإشادة به في مواضع ذكره بدعوي الخوف عليه من إغراء الأخريات به, والشيء نفسه بالنسبة للزوج تجاه زوجته المحبة المعطاءة التي تحسن عشرته وترعي حدود ربها معه ومع أبنائها معه. ذلك أن هذه الإشادة من جانب الزوجة بزوجها والزوج بزوجته, هي في النهاية نوع من الاعتراف لصاحب الفضل بفضله ومظهر من مظاهر الشكر للخالق العظيم جل شأنه علي ما حبانا به من فضل في حياتنا ولا يجوز لنا كتمانه وإلا وقعنا في خطيئة جحود نعمة الخالق العظيم جل شأنه.. فلقد جاء في الحديث القدسي عبدي لم تشكرني إذ لم تشكر عبدي الذي أجريت نعمتي علي بديه.
وجاء في الحديث الشريف من لم يشكر الناس لم يشكر الله.
وجاء في حديث آخر... فإن من أثني فقد شكر ومن كتم فقد كفر.
كما جاء في الأثر أيضا أن المؤمن إذا مدح في وجهه ربا الإيمان في قلبه.. أي زاد الإيمان في قلبه واستحب أن يكثر من العمل الطيب.
الذي استحق به ثناء الآخرين عليه.
ونحن جميعا كبشر نحب أن نكون كما يعتقد الآخرون فينا.. حتي ولو كان ظنهم بنا أفضل من ظننا بأنفسنا, فإذا أشادوا بنا وأنصفونا واعترفوا لنا بفضائلنا أحببنا أن نكون كما يظن الناس بنا وأكثر واستزدنا من الخير والأعمال الطيبة التي دفعت الآخرين للإشادة بنا, وربما أحجمنا عن بعض ما كنا نفعله في الخفاء لكيلا يطلع عليه الآخرون وينقص قدرنا واحترامنا لديهم.
وهذه هي أهمية الجهر بالشكر والإشادة لمن يحسنون عشرتنا ويؤدون واجباتهم تجاهنا بأمانة.. وتجاه الحياة بشرف بوجه عام. فكتم الشكر جحود.. حتي ولو كان تحرزا من أطماع البعض وأحقادهم, وإنكار الشكر حتي ولو بمثل هذا المبرر يؤدي إلي انتشار قيم الأنانية والفردية والإحجام عن العطاء ويرسخ في النفوس المرارة تجاه من لا يقابلون عطاءهم لهم إلا بالتستر عليه والكتمان مهما كانت دوافعهم لذلك المرء لحجب عطائه عمن لا يشكر له هذا العطاء أو يتكتمه أو يتجنب الاعتراف به والإشادة بفضله في موقع ذكرهوإذا كانت هناك ثمة نصيحة يمكن أن توجه للجميع في هذا الشأن فهي فقط بالتحفظ والاعتدال في مثل هذه الإشادة أمام من قد تغريهم ظروفهم التعسة أو أخلاقياتهم الفاسدة بأن ينغصوا علي الآخرين حياتهم أو يتمنوا زوال نعمتهم, والتفرقة بين هؤلاء وبين من لا ينغصون الغير حياتهم بل وقد تغريهم مثل هذه الإشادة بتقليدها ومحاولة الانتفاع بدروسها الإيجابية في حياتهم الشخصية ليست عسيرة, فإذا كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول: ما من أحد عنده نعمة إلا وجدت لها حاسدا, ولو كان المرء أقوم من القدح لوجدت له غامزا.
فإن رحمة الله بالبشر أوسع وأرحب من ذلك, ولسوف يظل الفضلاء ومن يرعون حدود الله في حياتهم ويقصرون الطرف علي ما منحهم الله سبحانه وتعالي من نعم حتي ولو كانت محدودة, هم الأغلبية الصامتة التي لا تعلن عن نفسها, والمهم دائما هو إنصاف الغير من أنفسنا والاعتراف لهم بفضائلهم ومزاياهم باعتدال وفي مواقع ذكرهم وليس في غير مناسبة تدعو إلي ذلك ولا من باب التفاخر الكريه وإثارة المرارات في نفوس التعساء كما قد يفعل البعض فهنيئا لك يا سيدتي عودة السعادة والأمان إلي حياتك, وشكرا لك لإطلاعنا علي تجربتك هذه ونصائحك للزوجات الأخريات بالاستفادة منها في حماية حصونهن الآمنة من الغزاة والمتطفلين.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
السبت، ١ يناير ٢٠٠٠
الانتصار الهادئ
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق