27-07-2001
أنا سيدة في الثلاثين من عمري من عائلة محترمة وأبي رحل عن الحياة وشقيقاتي كلهن متزوجات وحياتهن هادئة, وقد حصلت علي مؤهل متوسط ولم أعمل, وأنا جميلة ورشيقة وطيبة وحنون ومتسامحة.. بل وضعيفة الشخصية كما يقول عني أهلي وأهل زوجي علي السواء, فأنا زوجة وأم لطفل عمره9 سنوات وزوجي يعمل موظفا حكوميا بمدينة من مدن الأقاليم.. وأقيم في شقة في منزل أسرة زوجي.. ومنذ اليوم الأول لزواجي قبل عشر سنوات وأنا قنوعة وراضية بحياتي وأحترم زوجي وأسرتي من الكبير إلي الصغير, وأقوم بالأعمال المنزلية لشقتي وللبيت الكبير الذي يضم أهل زوجي طوال النهار والليل, وأم زوجي في غاية الشدة معي وتعاملني أنا وطفلي أبشع معاملة في الوقت الذي تحنو فيه علي بناتها المتزوجات حين يرجعن للإقامة عندها بالأسابيع هن وأبناؤهن, ومع ذلك فأنا لا أشكو وأقوم بخدمتهن وخدمة زوجي وطفلي وأعمال منزلي.. ولو اعتذرت عن أي عمل لمرض أو تعب ألم بي تتهمني أم زوجي بادعاء المرض وينفجر في زوجي بأبشع السباب ويضربني إرضاء لأمه, ناهيك عن أخت له تفتعل دائما المشاكل معي وتهينني وتضرب ابني ضربا قاسيا لشقاوته, وتدس لي عند زوجي وتشحنه ضدي, وأنا لا حول لي ولا قوة ولم أحاول طوال السنين الماضية الاحتكاك بها أو الرد عليها, ولقد شحنت زوجي ضدي ذات يوم وأنا حامل في طفلي الثاني في الشهر الثامن فكانت النتيجة أن ضربني ودفعني علي السلم فتدهورت عليه وحدث لي نزيف بشع ومات الجنين في أحشائي, ونقلت للمستشفي وتم إجراء عملية قيصرية لي لإخراج الجنين كدت أهلك خلالها واحتجت إلي كمية كبيرة من الدم ولم تكن فصيلتي متوافرة, لكن أهلي تجمعوا وسارعوا بالتبرع لي بالدم وسألوني عما أصابني فتكتمت الأمر, وسترت علي زوجي وزعمت لهم أنني أصبت بنزيف مفاجئ لا أعرف له سببا.
واحتجت بعد ذلك إلي فترة طويلة لكي أسترد صحتي البدنية والنفسية, ولم تمض شهور بعد ذلك إلا وكانت نفس هذه الأخت قد شحنته ضدي من جديد فضربني ضربا مبرحا لمدة ثلاث ساعات متصلة دون أن تتدخل أمه أو أخته لمنعه, وأصبت من جديد بنزيف وبصدمة عصبية, وتوقفت الغدة الدرقية عن الإفراز, وانقطعت عني بعد ذلك الدورة الشهرية قبل أن أبلغ الثلاثين من عمري, وأرسلني زوجي إلي أهلي دون ابني, وأصبت بإغماء في الشارع قبل أن أصل إليهم, ورآني أهلي وأنا في حالة إعياء شديدة, وجسدي متورم فاصطحبوني إلي المستشفي وتم عمل محضر اعتداء لزوجي بالتقارير الطبية, وأحيلت القضية للنيابة.. وبعد ثلاثة أشهر تم الصلح بينه وبين أهلي وقبلت بالعودة إليه من أجل ابني الذي حرمت منه هذه الفترة وتنازلت عن الشكوي ضده, وتصورت أن حياتي سوف تستقر بعد كل هذه المصائب التي عانيتها وسأحيا أيامي في هدوء, فإذا بزوجي بعد قليل يفكر جديا في الزواج من أخري لأنه يريد الإنجاب ثانية, حيث لم أحمل من جديد بعد توقف إفراز الغدة النخامية, وانقطاع الدورة, وبحجة أن طفلي قد بدأت تظهر عليه أعراض ضمور العضلات وهو يريد لنفسه أطفالا أصحاء.. ولهذا فهو يرفض علاجي مما أصبت به والانجاب مني!
وليس ذلك فحسب بل إنه يريدني أن أقبل بزواجه في نفس الشقة التي نقيم فيها وأحيا معه ومع زوجته الجديدة في مكان واحد وأخدمه وأرعي طفلي وأقوم بشئون البيت, وهنا كان الأمر قد فاض بي.. ولم يعد في صبري واحتمالي أي مزيد وغادرت بيت الزوجية إلي بيت أهلي, وجاء هو ليطلب مني العودة من أجل ابني والقبول بزواجه فرفضت أن أعود إلا إذا تراجع عن زواجه الجديد, وصمم هو عليه وقال لي إن زواجه أمر لابد منه ولكنه يريدني في نفس الوقت ولا يستطيع الاستغناء عني, وأنه يمكن لي أن أبقي زوجته وأقيم في بيت أهلي ويتردد هو علي من حين لآخر ومعه طفلي لأراه..
ولقد أصبح ابني الآن في حالة سيئة ويبكي كثيرا ويطلب مني ألا أتركه, كما بات منطويا وحزينا, فهل من العدل أن أحرم منه علي هذا النحو ولهذا السبب, وهل تقبل لي أو لغيري مثل هذا الوضع ياسيدي.. وهل ترضي لي أن أحيا مع ضرة في شقتي وأكون خادمة لها ولزوجي من أجل ابني.. أم هل تنصحني بالانفصال عنه فلا أري ابني.. ولا أرعاه عن قرب.؟!
إنني أرجو ألا تبخل علي بنصيحتك التي ستتوقف عليها حياتي.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
من قواعد الدراما قاعدة تقتضي أنه إذا بلغ الكاتب في تصاعد الأحداث ذروة التأزم فإن اتجاه الأحداث بعد ذلك لابد أن يتخذ طريق الانفراج والحل إلي أن يصل إلي نهاية القصة, فإذا أخطأ الكاتب بعد بلوغ هذه الذروة وأضاف فاجعة جديدة أو أزمة أخري اعتبر ذلك عيبا خطيرا يضعف من أثر القصة ويشتت ذهن القارئ أو المشاهد.. وأطلق النقاد علي هذه الفاجعة الزائدة تعبيرا غريبا هو عكس الاتجاه, لأنه جاء في اتجاه التصعيد بدلا من أن يمضي علي منحني الانفراج وحل العقدة. وزوجك ياسيدتي قد انتهك قواعد الدراما التي حددها الفيلسوف أرسطو بعنف في قصتك معه مرتين وليس مرة واحدة, ولندع جانبا الآن الحديث عن قواعد المعاملة الإنسانية ونواهي الدين وأوامره والمبادئ الأخلاقية والإنسانية, فأما الانتهاك الأول فلقد حدث حين بلغ الذروة الدرامية في إساءة معاملتك وامتهان كرامتك وإيذائك بدنيا ونفسيا, بضربك ودفعك بوحشية علي السلم وأنت حامل في شهرك الثامن, فقتل جنينك في أحشائك وعرض حياتك للخطر, وبدلا من أن يعتبر بما قاده إليه الحمق والتهور ويقدر لك تسترك علي جريمته البشعة وحرصك علي حمايته وتمسكك به بالرغم من ذلك.. ويبدأ في التكفير عن جريمته وبإحسان عشرتك وإزالة آثار هذه الجناية عن معنوياتك ومشاعرك, إذا به بعد قليل يضيف إلي ما بعد الذروة فاجعة أخري ويضربك مرة أخري ضربا وحشيا ينجم عنه توقف الغدة الدرقية عن الإفراز وانقطاع الدورة الشهرية وحرمانك من القدرة علي الإنجاب بل ويطردك من بيته أيضا, وبدلا من أن يقدر لك تسامحك معه بعد كل هذه الأهوال وتنازلك عن الشكوي القضائية ضده وعودتك إليه وقبولك بعشرته بالرغم من كل ذلك, فإذا به يواصل انتهاكه لكل القواعد الدرامية والأخلاقية, والإنسانية.
ويخرج عليك ــ عكس الاتجاه ــ مرة ثانية ــ بماهو أشد وطأة عليك وأنكي, فليسعي لإرغامك علي القبول بالحياة مع زوجة جديدة له في حياة مشتركة وتحت سقف واحد.. وإلا كان العقاب الوحشي لك هو الحرمان من طفلك.
فأي بشاعة.. وأي تجبر.. وأي بعد عن كل ما يقضي به الحق والعدل والدين؟!
وأي ذل وأي هوان.. وأي امتهان للكرامة الإنسانية إن أنت قبلت بذلك بعد كل ما تجرعت من مهانة وإيذاء وإذلال عبرالسنين.
إننا ننصح دائما بالتسامح والصبر علي الظروف القاسية والتجاوز عن الصغائر... بل وبالشرب في بعض الأحيان علي القذي طلبا لاستقرار حياة الأبناء الصغار وإعلاء لمصلحتهم علي الاعتبارات الشخصية, لكنه حتي هذا الحرص الحميد علي صالح الأبناء والتضحية النبيلة من أجلهم لها حدودها الدنيا التي لاينبغي للإنسان أن ينزل عنها وإلا رضي لنفسه بالامتهان والإذلال إلي ما لا نهاية.
وفي الحياة مواقف لاينبغي أن يراعي فيها أي اعتبار مهما علا قدره إلا اعتبار الكرامة الإنسانية والعدل مع النفس واحترام الذات والضن بها علي الهوان.
وأنت ياسيدتي قد تأخرت كثيرا عن مواجهة هذا الموقف الذي لامجال فيه لأي اعتبار سوي اعتبار العدل الإنساني.. فكان أحري بك أن تواجهيه ببعض هذا التماسك الذي تبدينه الآن حين وأد زوجك طفلك في شهره الثامن داخل أحشائك.. ثم كان أحري بك أكثر وأكثر أن تواجهيه حين ضربك بوحشية فأصابك بعاهة مستديمة وقضي عليك بالحرمان من الإنجاب مرة أخري, فإن عجبت لشئ في قصتك هذه وما أكثر ما يثير العجب فيها.. فلأن قدرتك علي اتخاد هذا الموقف المتأخر للغاية وعلي التماسك بعض الشئ أمام زوجك لم تظهر إلا حين رغب في الزواج من أخري وإرغامك علي العيش معها, فكأنما تقولين لنا بذلك إن المرأة قد تحتمل أحيانا الأذي البدني والمعنوي وتصبر عليه أو تكظم غيظها بشأنه من أجل أبنائها لكنها لاتطيق الحياة ولا تقبل بها مهما يكن الثمن مع زوجة أخري لزوجها تحت سقف واحد!
وهي مفارقة تستحق التأمل بالفعل وتكشف لنا بعض ما لا نعرفه عن أسرار النفس البشرية.
فتمسكي بموقفك للنهاية ولا تتنازلي عن مطلبك العادل بأن يكتفي بك زوجك بعد كل ما تحملت من سوء عشرته.. وتجاوزت عنه وبأن يحسن معاملتك ويبذل كل غال ورخيص لعلاجك من أصابك هو به من عجز عن الإنجاب, أو يسرحك بإحسان ويعوضك عن كل ما نالك منه من أذي وأضرار وألا يحرمك من حضانتك لطفلك حتي يبلغ السن التي ينتقل فيها لرعايته... مع استمرار الصلة الإنسانية بينك وبينه في كل الظروف والأحوال, فإذا كان قلبك ينفطر لبعد طفلك عنك فلسوف يدفع زوجك ثمن ذلك غاليا.. مصداقا لقول الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه فيما معناه: من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة.
ولئن يعاني طفلك الآن مرارة التمزق بين أبويه, أهون عليه برغم قسوتها من أن يري أمه ذليلة مهانة كالرقيق المملوك لصاحبه وتخدم كرها زوجة أبيه.. وتكتم أحقادها ومراراتها, فتهتز كل القيم لديه.. ويتسمم وجدانه بالمشاعر السلبية الكريهة طوال حياته.
أما زوجك المتجبر فإنه يذكرني بما قاله شكسبير العظيم في مسرحية يوليوس قيصر علي لسان إحدي شخصياتها:
ــ لو لم يكن أهل روما وعولا لما أصبح قيصر أسدا
فلا يغتررن إذن بجبروته المزيف.. بما صنع هذا الوهم لديه سوي استسلام زوجته وتسامحها الزائد إلي حد التفريط في الكرامة الإنسانية ولسوف يختبر قوته الموهومة هذه حين يرتبط بزوجة أخري لا تعرف المسالمة ولا التفريط.. وإنما تؤمن بقاعدة العين بالعين والسن بالسن.. ولابد أن تكون مثل هذه الزوجة التي ستضعها الأقدار في طريقه هي عقابه في الدنيا عن جرائمه تلك, فضلا عن عقابه الأعظم في الآخرة يوم يكون الحساب.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
السبت، ١ يناير ٢٠٠٠
الاتجاه المعاكس!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق