الأربعاء، ١ أغسطس ٢٠١٢

بديلة ابنتي

10-08-2007
كنت قد قرأت رسالة اعترافات أم نادمة فكانت بمثابة عامل إفاقة لي‏,‏ وتشجعت أن أكتب لك لأحكي ما فعلت لعل اعترافي بأخطائي يخفف عما في نفسي من إحساس بالبشاعة والسوء‏.‏

باختصار شديد بدأت مشكلتي بعد وفاة ابنتي الكبري بمرض خطير وكنت أتصور أن العالم سيكف عن الدوران‏,‏ كيف تسير الحياة وابنتي قد ماتت؟‏!‏ لا‏..‏ لا يمكنني تصور ذلك‏,‏ ولماذا ابنتي أنا بالذات؟ ومن كان يطلب مني الصبر والرضاء بقضاء الله كنت أتهمه بعدم الإحساس‏,‏ فلو كانت ابنته هي التي ماتت ما قال ذلك‏.‏ كنت أتمني بيني وبين نفسي أن تموت بنات كل من يتكلم بهذا الشكل‏,‏ حتي يحس إحساسي ولا يلومني‏.‏

كانت الطامة الأولي وفاة ابنتي‏,‏ أما الطامة الثانية فكانت زواج زوج ابنتي‏,‏ وقد حاربت طويلا حتي لا يتم هذا الزواج‏,‏ وحاولت الإساءة لزوج ابنتي‏,‏ وزوجته بالتشنيع عليهما ومحاولة إبعاد كل من يتقرب إليهما‏,‏ وصممت علي أن اللي يعرفهم ما يعرفنيش‏,‏ وكنت إذا قابلتهما في مكان أسأت إليهما ولا أسلم عليهما وأغادر المكان حتي لا أراهما‏,‏ حتي أحفادي بعدت عنهم ولم أطق رؤيتهم‏,‏ لموقفهم المؤازر لأبيهم وزوجته لأنهم أحسوا فيها الأم التي يفتقدونها‏,‏ وأعطتهم هي من حنانها وحبها ورعايتها ما جعلهم يعتبرونها أما ثانية لهم‏,‏ وهذا ما أثار غيظي وحنقي عليهم وعلي كل من يدافع عنهم‏,‏ أو يتهمني بالأنانية‏.‏

كنت أعيش مع زوجي وباقي أبنائي وأحفادي‏,‏ وعندما قرأت رسالة الأم النادمة قلت كم أنا أنانية‏,‏ أعيش مع زوجي وأبنائي وأحفادي‏,‏ وأرفض أن يهنأ زوج ابنتي وأولاده بالاستقرار والأسرة‏,‏ والزوجة الصالحة والحياة الطبيعية‏.‏ أحارب نفسي تارة وأقول سأتركهما في حالهما‏,‏ وتارة أخري حين يغيب ضميري أقول‏:‏ لا‏..‏ لا يمكن أن أتركهما في حالهما‏.‏

وللأسف نجحت في التفريق بين زوج ابنتي وزوجته الجديدة فعاد هو وأحفادي إلي‏,‏ أعلم أنهم علي اتصال بها ويحبونها‏,‏ والغيرة تأكلني ولكن انصحني ياسيدي فأنا في حيرة‏..‏ وأخاف لقاء ربي وأنا مخطئة وقد أسأت لأقرب الناس إلي‏,‏ خصوصا أن زوجة‏(‏ زوج ابنتي‏)‏ من قريباتي من الدرجة الأولي‏,‏ لقد نجحت أن أقضي عليها‏.‏ كان نفسي أحصرها في أضيق إطار حتي أخنقها في وحدتها‏,‏ لكن كل من كان لي تأثير عليهم ونجحت في أن أستقطبهم لصفي نتيجة لمعاملة هذه الزوجة الطيبة لهم رجعوا يقولوا‏:‏ أنت غلطانة‏..‏ حد يلاقي أم لأحفادها زي دي‏,‏ أنت مفروض تحمدي ربنا إنه أنعم عليك بها وتتخذي من هذه الزوجة ابنة لك‏,‏ وتطمئني علي أحفادك معها‏.‏

لقد جاءت حفيدتي الكبري بعد فترة من الانفصال وقالت إن أباها يعيش وحدة قاتلة‏,‏ وتريد أن تعيد الحياة لمجاريها بين أبيها وزوجته فصممت علي موقفي وقلت لو رجعا لبعضهما لن يكون مني إلا المقاطعة مرة أخري لأني لن أستطيع الاستمرار معكم وهو متزوج‏,‏ وسأقاطعكم من جديد كلكم‏,‏ فهل أنا أخطأت ياسيدي؟ إني أتحدث بمشاعر أم فقدت ابنتها ولا تستطيع أن تري زوج ابنتها زوجا لأخري‏,‏ لكني أشعر أن أجلي يقترب فأنا قد تجاوزت السبعين من العمر‏,‏ وأتمني أن أصلح ما فعلت‏,‏ ولا أكون أنا السبب في كل هذا الأذي لأني أخاف عقاب ربي‏,‏ فماذا أفعل الآن خاصة أن طليقة زوج ابنتي تقدم إليها شخص آخر‏.‏

{‏ سيدتي‏..‏ نعم أنت في حاجة إلي إصلاح ما أفسدته‏,‏ وإعادة تلك السيدة الرائعة إلي زوجها وأحفادك‏,‏ فقد كان الله رحيما بهم عندما وهبهم تلك الأم ـ البديلة ـ رحمة بهم‏,‏ لكنك ـ للأسف ـ لم ترين تلك النعمة‏,‏ فاستسلمت لأنانية الأم الحزينة علي ابنتها‏,‏ واستكثرت أن ينساها الآخرون‏,‏ خاصة زوجها وأبناءها‏,‏ بحب أخري‏.‏

وهذا كان بداية الخطأ‏,‏ فمهما حدث ومهما كانت تلك الزوجة رائعة ورحيمة بأحفادك لن تنسيهم أبدا أمهم‏.‏ وهذا الزوج الذي لم يستطع إغضابك‏,‏ حتي بعد ما أشعته عنه وعن زوجته‏,‏ فانفصل عنها وهو غير راض‏,‏ مضحيا بسعادته واستقرار أبنائه‏,‏ لم يكن من المتوقع أن أبدا أن ينسي زوجته الراحلة‏.‏ ولكنها الحياة ـ ياسيدتي ـ التي تفرض علينا أيامها‏,‏ فلا نذهب إلي المقابر لنعيش بجوار من نحب‏,‏ بل علينا أن نحتسبهم عند الله سبحانه وتعالي‏,‏ ونحاول أن نكمل مسيرتهم التي انقطعت برعاية غرسهم والتصدق باسمهم لعل هذا يصب في ميزان حسناتهم‏.‏

سيدتي‏..‏ أقدر حزنك الكبير علي ابنتك‏,‏ فهو ابتلاء صعب‏,‏ ولا أجد أنه يجب علي مناقشتك في تساؤلاتك عن اختيار الله لابنتك‏,‏ فهي ذهبت إلي قدرها المكتوب منذ ميلادها‏,‏ وجميعنا ذاهبون لا أحد يعرف من يسبق من‏,‏ فنحن علي الأرض أموات نشيع أمواتا‏,‏ وعليك أنت تتقبلين أمر الله راضية صابرة‏,‏ أيضا أن تؤمني بأن من حق زوج ابنتك الراحلة أن يجد من تشاركه رحلة تربية ثلاثة من الأبناء‏,‏ في أشد الحاجة إلي أم تفهم أحاسيسهم واحتياجاتهم‏,‏ تمنحهم الأمان الذي ضاع‏,‏ والحمد لله أن تلك الأم البديلة كانت منكم‏,‏ أحبها الأبناء والزوج بشهادتك‏,‏ مثل هذه المرأة لا يجب التفريط فيها‏,‏ لأن الندم علي ضياعها كبير‏,‏ والثمن سيدفعه الأحفاد‏,‏

لذا فإني أناشدك‏,‏ كما ناشدت صاحبة رسالة اعترافات أم نادمة‏,‏ أن تسارعي بالذهاب إلي تلك الزوجة‏,‏ اعترفي لها بكل مادار في نفسك‏,‏ وبأخطائك‏,‏ واطلبي منها أن تعود معك لأبنائها‏(‏ أحفادك‏),‏ وأعتقد أنها لن تردك ولن تترك الفرصة التي أتاحها لها الله سبحانه وتعالي بتربية أيتام حرموا من حنان الأم في طفولتهم‏,‏ وحاولي أن تصلحي صورتها التي شوهتها عند الأهل والأصدقاء‏,‏ وها أنا أري صورتكم الآن ماثلة أمامي‏,‏ أنت تجمعينها بيديك مع زوجها وفي أحضانكم الأطفال الثلاثة‏,‏ هذه هي السعادة ياسيدتي‏,‏ لكم جميعا ولابنتك الراحلة‏,‏ لكنها أحيانا‏(‏ السعادة‏)‏ تكون بين أيدينا ماثلة أمام عيوننا‏,‏ لكننا نستدير بحثا عن الشقاء‏,‏ معتقدين أن فيه الدواء والحقيقة غير ذلك‏,‏ أسعدكم الله‏,‏ وأبعد عنكم شرور النفس‏,‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق