03-02-2006
أنا شاب أبلغ من العمر28 عاما, أعيش مع أسرتي التي تتكون من أخت كبري تعيش في المهجر منذ عدة سنوات مع زوجها, وأخ أصغر مني, وأبي ذي نفوذ ومركز مرموق, وأمي سيدة أعمال, نسكن في فيلا في حي راق بالقاهرة.
أثناء دراستي بالكلية شاهدت فتاة تتميز عن باقي الزميلات باحترامها لنفسها ولكل الزملاء, ويشهد لها الجميع بالأخلاق الحميدة. راقبتها لمدة طويلة وتقابلنا بحكم الزمالة وتحول الإعجاب إلي حب في نهاية السنة الثالثة بالكلية, وتعاهدنا أن نتوج هذا الحب بالارتباط الرسمي بعد نهاية الدراسة, وعلم جميع الزملاء بالكلية وتخرجنا بتقدير ووجدت الوظيفة في شركة أجنبية بحكم مركز والدي وبمرتب كبير. وأردت الخطوة التالية وهي الارتباط بالفتاة التي أحببتها حبا جنونيا, وفاتحت أهلي, وبدون مقدمات وجدت الرفض من الجميع دون أن يشاهدها أحد.. لماذا؟ لأن هذه الفتاة تسكن مع أهلها في حي شعبي بالقاهرة ولأنها دون المستوي, وأمطرتني أسرتي بشتي أنواع السخرية والكلام الجارح. كيف أحضر فتاة من السيدة زينب تعيش في فيلا بالزمالك, وكلما شاهدوا حفل عرس في الأفلام القديمة في حي شعبي يقول أبي هكذا سيكون فرحك ودول نسايبك, وهددتني أسرتي أمام إصراري علي الزواج منها, أنها سوف تطردني وتحرمني من أي مساعدة مادية. وصممت علي الارتباط بها وذهبت إلي أسرتها, ورفض والدها وطلب مني حضور عمي أو خالي بعد أن شرحت له موقفي. وذهبت إلي عمي وكان معي منذ البداية لأنه هو نفسه مر بهذه التجربة من قبل, وبرغم زواجه وإنجابه مازال يعيش علي ذكريات الماضي. ذهب معي ومعنا بعض الزملاء من الكلية يشاركوننا سعادتنا التي لا توصف, وأجرت شقة نظام جديد. والحق يقال أن والد زوجتي تكفل بشراء العفش وكل ما يلزم لابنته, خاصة أنها وحيدته, ووجدت أسرة تتمتع بالحب والدفء والحنان, ووجدت والد زوجتي يخبرني أن الله عوضه بابن آخر, وللعلم والد الفتاة يعمل مهندسا كبيرا, ووالدتها سيدة متعلمة ومهذبة جدا, عشنا في سعادة تامة وأتم الله علينا السعادة بتوءم ولد وبنت, أصرت زوجتي أن اسميهما علي اسم والدي, وكنت أزور أهلي بمفردي كل مدة وأطمئن عليهم من أفراد عائلتي التي كانت تزورني دائما وكانوا يحبون زوجتي..
طلب مني أبي أن أستعد بمفردي لحضور زفاف أخي في فندق5 نجوم, وهناك وجدت حفلا حضر فيه عظماء وأكابرالبلد. مطرب شهير, راقصة تقاضت آلاف الجنيهات لمدة ساعة فقط, والعروس نقاوة هكذا قالت لي أمي, وأخذت تعدد: مين أبوها وأمها بنت مين.. وعمها.. وخالها.. أما أخي فليس له رأي, المهم أن يرضي غرور أمي, فهو ضعيف الشخصية جدا, لايعطي قرارا إلا إذا أخذ رأيها, وأعطت أمي مبلغا كبيرا من المال لأخي ليعد جهازه, من شقة تمليك وعفش لقضاء شهر العسل في الخارج, كل هذا عندا في, وكنت ــ ويعلم الله ــ أتمني له كل السعادة حتي بعد أن أقسمت أمي بألا تساعدني في أي شئ, والحمد لله أعيش في سعادة وهناء مع زوجة وفية وتوءم مثل الملائكة ودخلي محترم ومنزل وأسرة زوجتي وحياة كلها حب وهدوء. وفي يوم ضرب التليفون وإذا بأبي يخبرني أن أقابل أخي وأحاول أن أعقله لأنه دائم الخلاف مع زوجته وأن يؤجل مسألة الانفصال عنها, لأنه ترك المنزل وأمي حزينة جدا علي ما أنفقته في تكاليف زواجه, وأنها سقطت من علي سلم الفيلا وكسرت قدماها وترقد في المستشفي, ولن تستطيع المشي قبل عدة شهور, وسوف تجري عدة عمليات لتركيب شرائح في الساق. وكنت يوميا أباشر علاج أمي وزوجتي تحثني علي الرعاية التامة والمتابعة لها, وانتقلت أمي إلي منزلها وأحضرنا لها ممرضة ولكنها بعد أسبوعين طردتها, وكانت أختي تطمئن علي أمي بالتليفون فقط.
وطلبت من أمي احضار زوجتي لزيارتها, وافقت لكي تري أولادي ولوجودي معها معظم الوقت وغيابي عن منزلي.
لن أطيل عليك حضرت زوجتي وكان أسعد يوم في حياتي, دخلت زوجتي إلي أمي تغمرها بالقبلات وأمي تحتضن بين يديها الطفلين واستطاعت زوجتي بقلبها الكبير أن تكسب حب وود أبي. فتكفلت منذ اليوم الأول برعاية أمي من الألف للياء, من مأكل ومشرب, وأصبحت أمي لاتريد أن تشرب حتي الماء إلا من يد زوجتي, وشهدت لها بأنها ست بيت ممتازة, وأصبحت هي الهواء الذي يتنفسه أبي, لدرجة أن أمي طلبت مني أن أغلق شقتي وأعيش أنا وأولادي وزوجتي معهما, ولكن زوجتي لم ترحب بسبب دوشة الأولاد, وإن كانت سعيدة كل السعادة لوجودها بين أبي الذي رجع بعمره عشرات السنين لسعادته بي وبأحفاده, أما أخي فقد انفصل عن زوجته التي اختارتها له أمي...
أكتب لك ياسيدي هذه الرسالة حتي لا يحكم الناس علي المظاهر, وأن تترك الأسر حق الاختيار لابنائها. فالإصرار علي بنات الفيلات والقصور وساكني الأحياء الراقية طمعا في الحسب والجاه والنسب والغرور لا يأتي بالسعادة, ويكفي أن أمي وجدت السعادة بين أسرتي, وأصبحت هي وأم زوجتي صديقتين حميمتين وأصبح أبي لايجد السعادة والهناء إلا بالجلوس مع والد زوجتي وأصبحنا أسرة واحدة.
ولعل هذه الرسالة تكون عبرة لكل شاب يجري أمام الإغراءات ووراء الحسب والنسب.
سيدي.. جاءتني رسالتك في نفس اليوم الذي كان يزورني في مكتبي رجل فاضل وزوجته وابنته. جاءوا يشركونني في مشكلة زواج ابنتهما, فالأب يري أن الزوج غير مناسب ولا يأتمنه علي إبنته, خاصة أنه صاحب تجربة زواج فاشلة, فيما تري الابنة المتعلمة, المتدينة, أنها تجاوزت الثلاثين, وتحب هذا الشاب, وتراه زوجا مناسبا, ومتدينا, نعم ليس مكتملا, ولديه بعض الأخطاء, ولكنها لاتستوجب الرفض, الأم تؤيد الابنة وكذلك الأهل. قلت للأب الفاضل, دورك أن توجه النصح لابنتك وتضع أمام عيونها المخاطر التي قد تتعرض لها وتترك لها الاختيار. وعليها أن تتحمل تبعاته. ولكنه مثل كثير من الآباء لايشغله إلا أن يحكم وكلمته هي اللي تمشي فهو الذي يحتكر الحكمة والصواب, والكل لايري ما يراه, حذرته من أنه قد يدفع بابنته إلي عدم الزوج أوالوقوع في الخطأ, أو الهروب, ولكنه لم يسمع, وقال انه لن يكون له دور في زواجها, فلتأخذ أحد أقاربها وتفعل ما تشاء فهو لن يبارك هذا الزواج ولن يشارك فيه.
سيدي.. سردت هذه القصة في مواجهة تجربتك المفرحة, لعل ما فيها يزحزح هذا الأب عن موقفه الجامد, فالآباء ليسوا دائما علي صواب, وحتي لو كانوا, ليس عليهم أن يفرضوا اختياراتهم علي الأبناء, عندما يكبرون وتصبح لديهم الرؤية والتجربة اللتان تمكنهما من الاختيار, اختيار صحيح أم خاطئ, هذه هي الحياة.
لا أشك للحظة في أن كل أب وأم يرغب في اختيار الأفضل لابنه أو ابنته, ولكن هذه الرغبة قد تصطدم ــ أحيانا ــ بمشاعر الأبناء وأحلامهم, وعلي طرف من الأطراف أن يقدم تنازلا, وأعتقد أن في مثل هذه الحالة علي الأب أن يسارع هو بهذا التنازل مقدما كل الدعم والرعاية لحماية الابن أو الابنة من الدخول في تجربة العمر منهزما أو جريحا..
سيدي.. لا أعرف لماذا استبعدت في رسالتك الجري والبحث عن الحسب والنسب, علي الرغم من انك راعيته في اختيارك.. فكل ما حدث معك يؤكد حسن الاختيار, ولكن ما يجب عدم التوقف أمامه هو مقر الإقامة, فليس معني أن الأسرة تعيش في منطقة مثل السيدة زينب أو شبرا أو أي منطقة شعبية, يعني عدم التكافؤ.
التكافؤ ياسيدي يكون في التدين والتعليم والحسب أيضا. أنعم الله عليك وعلي زوجتك وتوءمك ووالديك بالسعادة وأن يعيد إليكم شقيقك لتتاح له فرصة الاختيار الصحيح حتي تكتمل سعادتكم, وأتمني علي كل أب ألا يبحث عن تحقيق أحلامه وتصوراته للحياة علي حساب أبنائه, فيمنحهم الشقاء معتقدا أنه يختزن لهم في مستقبل الأيام سعادة قد لا تجئ, فيكون الندم جرحا لنفوس بريئة حلمت بالحب والاستقرار, فحرمت منه علي يد أقرب الناس إلي القلب. وإلي لقاء بإذن الله.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٢
أيام السعادة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق