الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٢

أيام السعادة

03-02-2006
أنا شاب أبلغ من العمر‏28‏ عاما‏,‏ أعيش مع أسرتي التي تتكون من أخت كبري تعيش في المهجر منذ عدة سنوات مع زوجها‏,‏ وأخ أصغر مني‏,‏ وأبي ذي نفوذ ومركز مرموق‏,‏ وأمي سيدة أعمال‏,‏ نسكن في فيلا في حي راق بالقاهرة‏.‏
أثناء دراستي بالكلية شاهدت فتاة تتميز عن باقي الزميلات باحترامها لنفسها ولكل الزملاء‏,‏ ويشهد لها الجميع بالأخلاق الحميدة‏.‏ راقبتها لمدة طويلة وتقابلنا بحكم الزمالة وتحول الإعجاب إلي حب في نهاية السنة الثالثة بالكلية‏,‏ وتعاهدنا أن نتوج هذا الحب بالارتباط الرسمي بعد نهاية الدراسة‏,‏ وعلم جميع الزملاء بالكلية وتخرجنا بتقدير ووجدت الوظيفة في شركة أجنبية بحكم مركز والدي وبمرتب كبير‏.‏ وأردت الخطوة التالية وهي الارتباط بالفتاة التي أحببتها حبا جنونيا‏,‏ وفاتحت أهلي‏,‏ وبدون مقدمات وجدت الرفض من الجميع دون أن يشاهدها أحد‏..‏ لماذا؟ لأن هذه الفتاة تسكن مع أهلها في حي شعبي بالقاهرة ولأنها دون المستوي‏,‏ وأمطرتني أسرتي بشتي أنواع السخرية والكلام الجارح‏.‏ كيف أحضر فتاة من السيدة زينب تعيش في فيلا بالزمالك‏,‏ وكلما شاهدوا حفل عرس في الأفلام القديمة في حي شعبي يقول أبي هكذا سيكون فرحك ودول نسايبك‏,‏ وهددتني أسرتي أمام إصراري علي الزواج منها‏,‏ أنها سوف تطردني وتحرمني من أي مساعدة مادية‏.‏ وصممت علي الارتباط بها وذهبت إلي أسرتها‏,‏ ورفض والدها وطلب مني حضور عمي أو خالي بعد أن شرحت له موقفي‏.‏ وذهبت إلي عمي وكان معي منذ البداية لأنه هو نفسه مر بهذه التجربة من قبل‏,‏ وبرغم زواجه وإنجابه مازال يعيش علي ذكريات الماضي‏.‏ ذهب معي ومعنا بعض الزملاء من الكلية يشاركوننا سعادتنا التي لا توصف‏,‏ وأجرت شقة نظام جديد‏.‏ والحق يقال أن والد زوجتي تكفل بشراء العفش وكل ما يلزم لابنته‏,‏ خاصة أنها وحيدته‏,‏ ووجدت أسرة تتمتع بالحب والدفء والحنان‏,‏ ووجدت والد زوجتي يخبرني أن الله عوضه بابن آخر‏,‏ وللعلم والد الفتاة يعمل مهندسا كبيرا‏,‏ ووالدتها سيدة متعلمة ومهذبة جدا‏,‏ عشنا في سعادة تامة وأتم الله علينا السعادة بتوءم ولد وبنت‏,‏ أصرت زوجتي أن اسميهما علي اسم والدي‏,‏ وكنت أزور أهلي بمفردي كل مدة وأطمئن عليهم من أفراد عائلتي التي كانت تزورني دائما وكانوا يحبون زوجتي‏..‏
طلب مني أبي أن أستعد بمفردي لحضور زفاف أخي في فندق‏5‏ نجوم‏,‏ وهناك وجدت حفلا حضر فيه عظماء وأكابرالبلد‏.‏ مطرب شهير‏,‏ راقصة تقاضت آلاف الجنيهات لمدة ساعة فقط‏,‏ والعروس نقاوة هكذا قالت لي أمي‏,‏ وأخذت تعدد‏:‏ مين أبوها وأمها بنت مين‏..‏ وعمها‏..‏ وخالها‏..‏ أما أخي فليس له رأي‏,‏ المهم أن يرضي غرور أمي‏,‏ فهو ضعيف الشخصية جدا‏,‏ لايعطي قرارا إلا إذا أخذ رأيها‏,‏ وأعطت أمي مبلغا كبيرا من المال لأخي ليعد جهازه‏,‏ من شقة تمليك وعفش لقضاء شهر العسل في الخارج‏,‏ كل هذا عندا في‏,‏ وكنت ــ ويعلم الله ــ أتمني له كل السعادة حتي بعد أن أقسمت أمي بألا تساعدني في أي شئ‏,‏ والحمد لله أعيش في سعادة وهناء مع زوجة وفية وتوءم مثل الملائكة ودخلي محترم ومنزل وأسرة زوجتي وحياة كلها حب وهدوء‏.‏ وفي يوم ضرب التليفون وإذا بأبي يخبرني أن أقابل أخي وأحاول أن أعقله لأنه دائم الخلاف مع زوجته وأن يؤجل مسألة الانفصال عنها‏,‏ لأنه ترك المنزل وأمي حزينة جدا علي ما أنفقته في تكاليف زواجه‏,‏ وأنها سقطت من علي سلم الفيلا وكسرت قدماها وترقد في المستشفي‏,‏ ولن تستطيع المشي قبل عدة شهور‏,‏ وسوف تجري عدة عمليات لتركيب شرائح في الساق‏.‏ وكنت يوميا أباشر علاج أمي وزوجتي تحثني علي الرعاية التامة والمتابعة لها‏,‏ وانتقلت أمي إلي منزلها وأحضرنا لها ممرضة ولكنها بعد أسبوعين طردتها‏,‏ وكانت أختي تطمئن علي أمي بالتليفون فقط‏.‏
وطلبت من أمي احضار زوجتي لزيارتها‏,‏ وافقت لكي تري أولادي ولوجودي معها معظم الوقت وغيابي عن منزلي‏.‏
لن أطيل عليك حضرت زوجتي وكان أسعد يوم في حياتي‏,‏ دخلت زوجتي إلي أمي تغمرها بالقبلات وأمي تحتضن بين يديها الطفلين واستطاعت زوجتي بقلبها الكبير أن تكسب حب وود أبي‏.‏ فتكفلت منذ اليوم الأول برعاية أمي من الألف للياء‏,‏ من مأكل ومشرب‏,‏ وأصبحت أمي لاتريد أن تشرب حتي الماء إلا من يد زوجتي‏,‏ وشهدت لها بأنها ست بيت ممتازة‏,‏ وأصبحت هي الهواء الذي يتنفسه أبي‏,‏ لدرجة أن أمي طلبت مني أن أغلق شقتي وأعيش أنا وأولادي وزوجتي معهما‏,‏ ولكن زوجتي لم ترحب بسبب دوشة الأولاد‏,‏ وإن كانت سعيدة كل السعادة لوجودها بين أبي الذي رجع بعمره عشرات السنين لسعادته بي وبأحفاده‏,‏ أما أخي فقد انفصل عن زوجته التي اختارتها له أمي‏...‏
أكتب لك ياسيدي هذه الرسالة حتي لا يحكم الناس علي المظاهر‏,‏ وأن تترك الأسر حق الاختيار لابنائها‏.‏ فالإصرار علي بنات الفيلات والقصور وساكني الأحياء الراقية طمعا في الحسب والجاه والنسب والغرور لا يأتي بالسعادة‏,‏ ويكفي أن أمي وجدت السعادة بين أسرتي‏,‏ وأصبحت هي وأم زوجتي صديقتين حميمتين وأصبح أبي لايجد السعادة والهناء إلا بالجلوس مع والد زوجتي وأصبحنا أسرة واحدة‏.‏
ولعل هذه الرسالة تكون عبرة لكل شاب يجري أمام الإغراءات ووراء الحسب والنسب‏.‏

سيدي‏..‏ جاءتني رسالتك في نفس اليوم الذي كان يزورني في مكتبي رجل فاضل وزوجته وابنته‏.‏ جاءوا يشركونني في مشكلة زواج ابنتهما‏,‏ فالأب يري أن الزوج غير مناسب ولا يأتمنه علي إبنته‏,‏ خاصة أنه صاحب تجربة زواج فاشلة‏,‏ فيما تري الابنة المتعلمة‏,‏ المتدينة‏,‏ أنها تجاوزت الثلاثين‏,‏ وتحب هذا الشاب‏,‏ وتراه زوجا مناسبا‏,‏ ومتدينا‏,‏ نعم ليس مكتملا‏,‏ ولديه بعض الأخطاء‏,‏ ولكنها لاتستوجب الرفض‏,‏ الأم تؤيد الابنة وكذلك الأهل‏.‏ قلت للأب الفاضل‏,‏ دورك أن توجه النصح لابنتك وتضع أمام عيونها المخاطر التي قد تتعرض لها وتترك لها الاختيار‏.‏ وعليها أن تتحمل تبعاته‏.‏ ولكنه مثل كثير من الآباء لايشغله إلا أن يحكم وكلمته هي اللي تمشي فهو الذي يحتكر الحكمة والصواب‏,‏ والكل لايري ما يراه‏,‏ حذرته من أنه قد يدفع بابنته إلي عدم الزوج أوالوقوع في الخطأ‏,‏ أو الهروب‏,‏ ولكنه لم يسمع‏,‏ وقال انه لن يكون له دور في زواجها‏,‏ فلتأخذ أحد أقاربها وتفعل ما تشاء فهو لن يبارك هذا الزواج ولن يشارك فيه‏.‏

سيدي‏..‏ سردت هذه القصة في مواجهة تجربتك المفرحة‏,‏ لعل ما فيها يزحزح هذا الأب عن موقفه الجامد‏,‏ فالآباء ليسوا دائما علي صواب‏,‏ وحتي لو كانوا‏,‏ ليس عليهم أن يفرضوا اختياراتهم علي الأبناء‏,‏ عندما يكبرون وتصبح لديهم الرؤية والتجربة اللتان تمكنهما من الاختيار‏,‏ اختيار صحيح أم خاطئ‏,‏ هذه هي الحياة‏.‏
لا أشك للحظة في أن كل أب وأم يرغب في اختيار الأفضل لابنه أو ابنته‏,‏ ولكن هذه الرغبة قد تصطدم ــ أحيانا ــ بمشاعر الأبناء وأحلامهم‏,‏ وعلي طرف من الأطراف أن يقدم تنازلا‏,‏ وأعتقد أن في مثل هذه الحالة علي الأب أن يسارع هو بهذا التنازل مقدما كل الدعم والرعاية لحماية الابن أو الابنة من الدخول في تجربة العمر منهزما أو جريحا‏..‏

سيدي‏..‏ لا أعرف لماذا استبعدت في رسالتك الجري والبحث عن الحسب والنسب‏,‏ علي الرغم من انك راعيته في اختيارك‏..‏ فكل ما حدث معك يؤكد حسن الاختيار‏,‏ ولكن ما يجب عدم التوقف أمامه هو مقر الإقامة‏,‏ فليس معني أن الأسرة تعيش في منطقة مثل السيدة زينب أو شبرا أو أي منطقة شعبية‏,‏ يعني عدم التكافؤ‏.‏
التكافؤ ياسيدي يكون في التدين والتعليم والحسب أيضا‏.‏ أنعم الله عليك وعلي زوجتك وتوءمك ووالديك بالسعادة وأن يعيد إليكم شقيقك لتتاح له فرصة الاختيار الصحيح حتي تكتمل سعادتكم‏,‏ وأتمني علي كل أب ألا يبحث عن تحقيق أحلامه وتصوراته للحياة علي حساب أبنائه‏,‏ فيمنحهم الشقاء معتقدا أنه يختزن لهم في مستقبل الأيام سعادة قد لا تجئ‏,‏ فيكون الندم جرحا لنفوس بريئة حلمت بالحب والاستقرار‏,‏ فحرمت منه علي يد أقرب الناس إلي القلب‏.‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق