الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٢

خـريف الأشــواق

06-01-2006
أنا رجل أبلغ من العمر‏56‏ عاما ومتدين وميسور الحال ـ والحمد لله ـ تزوجت عمري‏26‏ سنة وكانت زوجتي مريضة بالقلب مخالفا رفض أسرتي لهذا الزواج لمرضها‏..‏ وفي عامنا الأول من الزواج حملت زوجتي وأصابها مرض نفسي واستعنت بالله علي علاجها ومازلت أعاني معها من حين لآخر وزرقني الله منها أربعة أبناء ثلاث بنات وولدا واحدا خلال عشرة سنوات ثم أصيبت زوجتي بالفشل الكلوي في عامها الثاني عشر من الزواج وحتي وقتنا هذا يعني‏17‏ سنة من المرض أسأل الله أن يتم شفاؤها وعرضتها علي أطباء استشاريين لاجراء عملية زرع كلي فقالوا لايمكن ذلك لمرضها بالقلب وإجراء العملية خطر علي حياتها‏..‏ وخلال هذه الفترة من الحياة الزوجية

كنت ونعم الزوج ونعم الأب بالمساعدة في أعمال البيت ونظافته تعلم الأبناء حتي حصل كل منهم علي ما وفقه الله في دراسته إلا الإبن الوحيد الذي مازال في دراسته الجامعية لأنه أصغرهم‏..‏ ومن فضل الله علينا تم زواج بنتين والحمد لله والثالثة تمت خطبتها وهي الوحيدة التي تقوم بأعمال المنزل ومساعدة الأم لمرضها‏..‏ ويعلم الله أنني لم أقصر في خدمة زوجتي ومساعدتها في علاجها والذهاب بها لعمل جلسات الغسيل الكلوي ثلاث مرات اسبوعيا وبجانب ذلك أصبر عليها في بعض تصرفاتها الخاطئة في مشاكل البيت والابناء إبتغاء مرضاة الله ـ ومرت السنوات بخيرها وشرها وحلوها ومرها حتي وصلنا إلي بر الأمان واطمأننا علي مستقبل الأبناء‏..‏

تسألني ما هي المشكلة إذن؟ أقول لك ياعزيزي بكل صراحة وصدق مع ازدياد الفتن والمؤثرات في محيط العمل وخارجه بل وفي كل مكان ومع مرور العمر عاما بعد عام وحرصا علي ديني وخوفي من الله دفعتني غريزتي وفطرتي إلي الزواج من أخري لأني في حاجة إليه إن عاجلا أو آجلا خاصة بعد فراغ الابناء من البيت وبلوغي سن الشيخوخة إذا كان في العمر بقية وبمجرد أن أخبرت زوجتي برغبتي في الزواج من أخري مع وعد بإذن الله أني سأكون عادلا ولن أتخلي عنها بل إنها ستساعدها وترعاها إذاطلبت ذلك منها وسوف يكون لكل منهما شقة مستقلة‏,‏ فما كان من زوجتي التي عشت معها ثلاثين سنة وفيا ومخلصا لها ولم أقصر في خدمتها

ورعايتها إلا المعارضة أو الطلاق وقالت لي أشياء أخري لا أحب أن أذكرها ولم تكتف بذلك بل حرضت بناتها خاصة الابنة المخطوبة أن تفسح خطبتها وتضرب عن الزواح إذا أنا تزوجت من أخري‏..‏ وأنا أشعر حاليا بأن ليس لي شخصية ولا كرامة ولا قوامة إذا استجبت لرغبتهم وقاومت أحاسيسي ومشاعري في الزواج التي ملأت كل كياني وأراني لا أستطيع المقاومة لأن حاجتي إليه ملحة إن عاجلا أو آجلا واصبحت علاقتي وحياتي بأسرتي فاترة وقاتلة وبغيضة ليس فيها عاطفة ولا مودة بالرغم أنني لم أتزوج حتي الآن‏.‏

وأنا أعلم جيدا أن اقبالي علي الزواج ليس فيه معصية ولا ذنب بل أحله الله سبحانه وتعالي لعباده وهو أعلم بما يصلحهم ويحقق سعادتهم في الدنيا والآخرة‏..‏ فلماذا تنساق زوجتي وراء انانيتها وعاطفتها وتخالف أمر ربها دون تحكيم عقبل أو نظر لمصلحتها وراحة لزوجها الذي استقامت عشرته معها وصبره عليها ثلاثين عاما‏.‏

هل أنا أرتكبت كبيرة من الكبائر حينما أتزوج من أخري وأعدل بينهما؟ ولماذا لاتقبل المرأة زوجة أخري لزوجها بسبب أو غير سبب مادام قادرا وعادلا وغير مظالم؟

ولماذا لاتضع الزوجة الأولي نفسها مكان زوجة ثانية تكون عانسا ـ أو أرملة أو مطلقة وما أكثرهن في مجتمعاتنا‏.‏

أليس من الواحب والحكمة والثواب والفضل علي كل مقتدر أن يكون سببا في مسح دمعة مطلقة أو إدخال الفرح والسرور علي فتاة عانسا أو كفالة وحماية أرملة وأولادها‏!‏

ولماذا لاتحرص زوجتي علي ارضائي حتي يرضي عنها ربها وتدخل من أي أبواب الجنة شاءت‏..‏ أرجو أن تنصح زوجتي وأبنائي بالموافقة علي زواجي لأنهم من قراء بريد الجمعة‏.‏

ســــيدي‏..‏ استجمعت كل طاقتك‏,‏ لترصد حجم عطائك وتضحيتك من أجل زوجتك المريضة وأبنائك وتذكرت كل مشكلات المجتمع من طلاق وعنوسة وتأخر سن الزواج‏,‏ ليكون الحل الوحيد أمامك ـ وأنت مرتاح البال ـ هو مشروعية زواجك بأخري‏,‏ قبل أن يضيع ما تبقي من عمر وقبل أن تشيخ المشاعر والأشواق‏..‏ من اليسير أن أبارك رغبتك في الزواج‏,‏ وأدعو زوجتك المريضة إلي تقبل الأمر الواقع‏,‏ شاكرة لك كل ما قدمته من أجلها‏,‏ مع وعدك بالابقاء عليها دون تطليق‏,‏ خاصة وأنت تتحدث بيقين ـ لا أعرف مصدره ـ عن أن زوجتك الجديدة ستكون خادمة لها‏.‏ ولكن سيدي‏..‏ دعني أسألك سؤالا واحدا‏,‏ إذا أجبت عليه بصدق فستعرف لماذا ترفض زوجتك أن تتزوج بأخري وتستعين بكل أسلحتها لمنع هذه الزيجة‏.‏

لو تخيلنا ياعزيزي ـ والتخيل هنا ضرورة ـ إنك بعد زواجك أصبت بمرض‏,‏ أو تزوجت وأنت مريض‏,‏ واستمرت زوجتك معك‏,‏ حبا ورضاء بما قدره الله لها‏,‏ وأنجبتما أبناءكما الأربعة‏,‏ وعشتما حياتكما بحلوها ومرها‏,‏ ثم جاءتك زوجتك بعد ثلاثين عاما لتخبرك أنها تريد الطلاق لتتزوج بآخر لأنها تخشي الفتنة بسبب كل الإغراءات التي تحيط بها‏.‏

لن أحدثك عن صدمة رجولتك ـ التي تشبه الصدمة في أنوثتها ـ ولكني أريدك أن تتخيل نفسك بعد هذا العمر‏,‏ في مواجهة عجزك ومرضك وحيدا في الليل والنهار‏,‏ خاصة أن ابنتك الأخيرة علي أبواب الزواج‏.‏

إنه الفزع ياسيدي الذي يأتي في خريف العمر‏,‏ فما بالك وعمرك قد ضاع‏,‏ وفي نهاية الرحلة‏,‏ وأنت تنتظر مكافأة الأيام‏,‏ بأن تري زوجتك وأولادك وأحفادك حولك‏,‏ تجد نفسك مهانا‏,‏ وحيدا‏,‏ مريضا‏,‏ بينما شريك عمرك‏,‏ هناك في مكان آخر يبحث عن سعادة أو متعة مع آخر‏.‏

هل ستكون راضيا ياسيدي؟‏..‏ هل ستكون متفهما لموقف زوجتك‏,‏ أم ستراها خائنة‏,‏ ولن تذكر لها أبدا أنها ظلت بجوارك علي مدي ثلاثين عاما متحملة مرضك وآلامك؟‏.‏

هذا هو إحساس زوجتك الآن‏,‏ وأنت تطلب منها بكل بساطة أن تتفهم حقك في الزواج‏,‏ والاستمتاع بما تبقي لك في الحياة‏.‏

إن الرحمة ياسيدي تسبق الحق‏,‏ فالله سبحانه وتعالي عندما شرع تعدد الزواج وضع له ضوابط فهو القائل في كتابه الحكيم‏:‏ وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامي‏,‏ فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع‏,‏ فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت إيمانكم

وفي مثل حال زوجتك مهما ادعيت من مقدرتك وحسن اختيارك لزوجتك الجديدة‏,‏ فلن تستطيع أن تعدل‏.‏

ربما لو كنت قد اتخذت قرارك مبكرا‏,‏ وقبل مرور كل هذه السنوات‏,‏ كان أيسر علي كل الأطراف‏,‏ ولكن في سعيك وبحثك عن سعادتك وحدك‏,‏ ستؤلم آخرين‏,‏ فأنت وطن امرأتك‏,‏ وما أقسي أن تجد نفسها في مثل هذا العمر بلا وطن‏,‏ وأنت القيمة المضحية لابنائك وأزواجهم‏,‏ فلا تغامر وتقامر بما فات وهو كثير‏,‏ من أجل مجهول لاتعرف إلي أين يقودك‏..‏ ابحث عن السعادة فيما تملك‏,‏ ولاتلق به من طابق عمرك الثلاثين‏,‏ أملا في بهجة تسكن الطابق الأول‏,‏ فإذا فعلت فلن تستطيع الصعود مرة أخري فها أنت تشعر من الآن بفتور علاقتك مع أسرتك‏,‏ فماذا سيكون حالك لو تزوجت؟ احتسب تضحيتك عند الله‏,‏ فهو العادل الرحيم‏,‏ وأرض بما أنت فيه‏,‏ حتي تجني ماضحيت به‏,‏ فليس من الحكمة الرحيل قبل مواسم الحصاد‏..‏ وإذا كنت تريدني مناشدة زوجتك وأبنائك حتي يرضي عنها الله ويدخلها من أي باب شاءت إلي الجنة‏,‏ فإني سأطلب منك أن تتقي الله في زوجتك المريضة في هذا العمر الصعب وسيجعل الله لك مخرجا من كل ما أنت فيه من عذاب وقلق وضيق‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق