الخميس، ٢ أغسطس ٢٠١٢

عريـس الأرمـلة

07-09-2007
أنا سيدة من دولة خليجية‏,‏ عمري‏26‏ عاما أنتمي إلي أسرة عريقة‏,‏ مثقفة ومتفتحة‏,‏ لذا نشأت في أجواء عائلية دافئة‏,‏ لم أعرف القهر أو الذل الذي قد تعانيهما بعض بنات بلدي‏.‏

هذه الحياة ساعدتني علي الدخول في تجربة حب مع شاب من بلد آخر‏,‏ ولم أجد صعوبة في اقناع اسرتي به‏,‏ تزوجنا سريعا‏,‏ وتنقلنا بين بلدينا‏,‏ وعشت أياما لن أنساها ما حييت‏,‏ مازالت تفاصيلها تطاردني كل لحظة‏,‏ أنجبنا طفلة جميلة أضفت علي بهجة أيامنا بهجة خاصة‏.‏

لكن‏,‏ وآه من لكن‏,‏ وممن يأمن غدر الأيام ليتني اقتنصت كل نفس‏,‏ وكل دقة قلب في زوجي حبيبي‏,‏ ولكن مرة أخري‏,‏ شاءت الأقدار أن يبتلي زوجي بالسرطان‏,‏ فآراه يخر متألما كل ليلة أمام عيني‏,‏ فأبكيه وأبكي سعادتي وطفلتي التي لم تهنأ به‏.‏

أسابيع قليلة مضت‏,‏ وبعد اتخاذنا القرار بالسفر للخارج‏,‏ أصبحت أرملة بعد ثلاث سنوات فقط من الزواج‏...‏ خرجت بجرح غائر في نفسي‏,‏ وإحساس موحش بالوحدة‏,‏ وطفلة حرمت من أبيها قبل أن تعيه‏.‏

أصبت بالاكتئاب واعتزلت الناس شهورا طويلة‏,‏ ولم يكن يصبرني علي الحياة الا تذكر زوجي الراحل كل ثانية عندما أضم طفلتي إلي حضني‏.‏

بعد عام من الحزن والكآبة‏,‏ نجحت أسرتي في انتشالي مما أنا فيه‏,‏ واصطحبني شقيقي في نزهة إلي أوروبا‏,‏ عدت بعدها إلي نفسي‏,‏ واستعدت ابتسامتي ورغبتي في الحياة‏.‏

سيدي‏....‏ لا أخفيك‏,‏ لقد ترك زوجي في حياتي فراغا كبيرا‏,‏ ووجدت نفسي هاربة في وجوه البشر‏,‏ بحثا عنه‏,‏ تخبطت قليلا‏,‏ اختلطت علي الأمور‏,‏ عرفت رجالا‏,‏ وكأني أمني نفسي بأني سأجده مرة أخري‏,‏ فتفرقت صورته بين الرجال‏,‏ ولم أعثر عليه‏,‏ فعدت إلي بيتي ملومة محسورة‏.‏

جلست في البيت‏,‏ استقبل العرسان‏,‏ كل يوم عريس‏,‏ وقبل أن تسأل عن السر في رغبة الرجال الزواج من أرملة‏,‏ أخبرك بأني امرأة جميلة‏,‏ صغيرة‏,‏ من أسرة ثرية معروفة‏,‏ وهذا يزيد فرصي للزواج‏,‏ رفضت هذه الفكرة لوقت طويل‏,‏ كنت أقارن كل رجل بزوجي الراحل‏,‏ فيخسر علي الفور المقارنة‏,‏ كما أن ابنتي‏,‏ وكأنها تشعر بغريزتها ــ كانت تنفر من كل الذين تقدموا لي‏,‏ مما كان يساعدني علي الرفض والتمسك بموقفي‏,‏ علي الرغم من وحدتي واحتياجي وضعفي‏.‏

سيدي‏...‏ تسألني أين المشكلة الآن‏,‏ فاعتذر عن الإطالة‏,‏ فقد تكون هذه المقدمة ليست لها علاقة بما هو آت‏,‏ ولكني اردت أن أحيطك بكل الصورة‏.‏

المشكلة ــ يا سيدي ــ بدأت عندما التقيت منذ فترة قريبة بشاب شديد الوسامة‏,‏ من عائلة معروفة‏,‏ ثري‏,‏ يكبرني باثني عشر عاما‏,‏ كان عائدا منذ وقت قصير من دراسته في فرنسا التي قضي بها عشر سنوات‏,‏ بهرني بشخصيته وثقافته وثقته بنفسه‏,‏ والغريب أن ابنتي تعلقت به وأحبته وأصبحت تطالبني برؤيته أو الاتصال به‏.‏

كان هذا الشاب الذي لم يسبق له الزواج‏,‏ مباشرا وواضحا ومحترما‏,‏ طلب مني أن أحدد له موعدا مع والدي‏,‏ ففرحت ورحبت بعرضه‏,‏ وحددت له الموعد‏,‏ فأعجب به والدي‏,‏ وطلب منه إمهاله حتي يعرض الأمر علي شقيقي الأكبر‏,‏ وبعدها يتم تحديد موعد الخطبة‏.‏

فوجئت بأن شقيقي مترددا في الموافقة‏,‏ خاجلا من مواجهتي‏,‏ طالبا منحه فرصة للتفكير حتي تسلل الشك إلي قلبي‏,‏ ولكني حياء لم استطع سؤاله عن سر موقفه الغامض‏.‏

ذات مساء عاد شقيقي مبكرا‏,‏ وطلب أن يتحدث معي بمفردي‏,‏ قال لي بصوت كله حنان وتفهم إنه لا يستطيع الصمت أكثر من ذلك‏,‏ وأن من واجبه أن يقول لي الحقيقة‏,‏ وسألني‏:‏ هل فكرت لماذا مثل هذا الشاب‏,‏ بكل هذه الإمكانات لم يتزوج حتي الآن؟

قلت له‏:‏ فكرت ولم أجد إجابة‏,‏ هل لديك أنت؟ فقال لي بكل صراحة‏:‏ نعم لأنه مثلي وكل زملائه من أيام الدراسة يعرفون عنه ذلك‏.‏

انهرت ولم أصدق نفسي‏,‏ فلم يبد عليه أي تصرف يثير الشك في نفسي‏,‏ وبدون مقدمات قررت الهرب‏,‏ وسافرت إلي الخارج عدة أسابيع حتي أنساه وتنساه طفلتي‏,‏ لا أستطيع أن أقول إني احببته‏,‏ ولكني اعجبت وأحسست به ورأيته زوجا مناسبا‏.‏

وعندما عدت إلي بلدي‏,‏ ظل يطاردني ويلاحقني بالأسئلة عن سر تغير موقفي وطلب مقابلتي‏,‏ وبعد إلحاح وافقت‏.‏

واجهته بالحقيقة‏,‏ فلم ينكر‏,‏ بل وجدته متوقعا‏,‏ قال لي إنه كان يواجه الرفض بسبب هذا الموضوع كلما تقدم للزواج من فتاة‏,‏ وأنه بحكم وظيفته لا يستطيع الزواج بأجنبية‏,‏ وطلب مني أن أسمعه‏.‏

قال لي إنه تعرض لاعتداء متكرر من أحد أقاربه وهو طفل صغير‏,‏ حتي شب بهذا المرض‏,‏ وأنه لم يكن راضيا أبدا عن نفسه‏,‏ فانتهز فرصة سفره إلي الخارج للحصول علي الماجستير والدكتوراه في باريس‏,‏ وذهب للعلاج الذي استغرق سنوات طويلة‏,‏ انتكس خلالها عدة مرات‏,‏ حتي شفي تماما منذ أربع سنوات‏,‏ استعاد طبيعته‏,‏ وكان له أكثر من صديقة‏,‏ ولم يكن يفكر في التقدم إلي لولا ثقته في شفائه‏.‏

لا اخفيك‏,‏ وجدت في نفسي تعاطفا معه‏,‏ أشفقت عليه‏,‏ وحرت في أمري‏,‏ أسرتي تركت القرار لي ولكنها حذرتني وتركت لي عدة أسئلة لم أجد لها إجابة فلجأت إليك‏:‏

ــ هل هذا المرض له شفاء؟
ــ هل هناك احتمال أن ينتكس ويرتد مرة أخري‏,‏ وماذا سيكون موقفي وقتها؟

ــ هل سأتحمل نظرات من يعرفونه وهمزهم ولمزهم؟
ــ هل سيكون رجلا طبيعيا‏,‏ أم أنني سأعاني الحرمان‏,‏ ولكن هذه المرة وأنا متزوجة؟

ــ هل يمكن أن أئتمنه علي ابنتي الصغيرة؟
سيدي‏.....‏ إني حائرة وخائفة‏,‏ وهو يطاردني ويؤكد لي أني سأكون في غاية السعادة معه‏,‏ ولن أندم علي قراري‏,‏ وابنتي تبكي غيابه‏,‏ وتسألني عنه كل لحظة‏,‏ وصديقاتي يحرضنني علي القبول به من أجلها‏...‏ فماذا أفعل؟‏!‏

*‏ سيدتي‏...‏ عادة لا أميل إلي نشر هذا النوع من الرسائل‏,‏ وأفضل أن تكون الردود شخصية‏,‏ ولكن لأسباب عديدة سأذكرها بعد مناقشة مشكلتك قررت النشر‏,‏ مستترا برسالتك لأناقش قضية مهمة وشائكة يصعب مناقشتها في الصحف المحترمة واسعة الانتشار‏,‏ لظروف لها علاقة بثقافة المجتمع وتقاليده‏.‏

بدءا بأزمتك الخاصة‏,‏ وعلي الرغم من أني أراها مفتعلة‏,‏ لأني لا أري سببا مقنعا يدفعك إلي الدخول في حقل أشواك بحثا عن ثمرة السعادة‏,‏ فيما كل ما ذكرته عن نفسك من جمال وحسب ونسب وثروة يؤهلك لزيحة أيسر وأضمن من تلك المحفوفة بالمخاطر والأسئلة الصعبة‏,‏ خاصة أنك لم تسقطي في دائرة الحب التي تعمي الأبصار والعقول ولا تستمع إلا إلي صوت القلب‏,‏ الحكاية أنك معجبة به‏,‏ وابنتك متعلقة به بحكم تعودها علي رؤيته واهتمامه بها‏,‏ ومجرد اختفائه لفترة سيجعلها تنساه تماما‏,‏ فهي مازالت صغيرة‏,‏ وذاكرتها محدودة‏.‏

تسألين هل هذا المرض له شفاء‏,‏ وأجيبك بأني سألت بعض الأطباء المتخصصين وقالوا إن له علاجا بشروط‏,‏ أهمها رغبة المريض وإصراره علي الشفاء‏,‏ وإن كان العلاج صعبا‏,‏ ويحتاج إلي سنوات قد لا يصبر عليها المريض مما يؤدي إلي انتكاسة‏,‏ ولا شيء يضمن عدم عودته إلي ذلك‏,‏ ولا عاصم إلا التمسك بالدين‏..‏ أما عن السؤال الخاص بمقدرته علي الزواج‏,‏ فهذا الأمر ليس له علاقة إلا إذا كان مريضا بمرض آخر‏,‏ وتبقي النقطة الأهم‏,‏ وهي إذا كنت قادرة علي تحمل نظرات الناس وكلامهم‏,‏ وإذا لم تهتمي بما قد يخجل أفراد أسرتك‏,‏ فإن طفلتك ستظل هي المعرضة الأولي للخطر‏,‏ ولن تأمني عليها‏,‏ ومهما قدم لك من ضمانات ومهما أبدي من تصرفات حسنة‏,‏ وستظل عيناك وسط رأسك‏.‏

سيدتي‏.....‏ لا أريد أن أبدو قاسيا علي مريض قال إنه شفي‏,‏ ولكني أري أنه قد يكون مناسبا لغيرك‏,‏ خاصة أن سردك لتجربته المريرة استوقفني فيه انك لم تذكري شيئا عن علاقته بربه‏,‏ بل علي العكس نقلت عنه انه عندما شفي لم يسجد لله شكرا‏,‏ أو يعاهده علي حسن طاعته‏,‏ وعدم معصيته‏,‏ وإنما انخرط في علاقات نسائية لعدة سنوات‏,‏ لا لمجرد نزوة أو اختبار رجولة‏,‏ أي أن الضمانة الكبري والأساسية‏...‏ من ترضون دينه‏...‏ غير موجودة‏,‏ فهل تراهنين وترهنين مستقبلك ومستقبل طفلتك علي احتمالات؟‏!‏

سيدتي‏...‏ لقد اعتدت الهروب من آلامك وأحزانك بعد وفاة زوجك‏,‏ فأخطأت‏,‏ وعليك هذه المرة مواجهة الواقع واستعادة نفسك أولا قبل الدخول في أي تجربة ارتباط جديدة‏,‏ فقد رأيتك متخبطة‏,‏ متلهفة علي استعادة زوجك الراحل وسعادتك الهاربة‏,‏ وهذا لن يحدث‏,‏ ولن تكون حياتك المقبلة صورة طبق الأصل مما فات‏,‏ وهذا لا يعني حرمانك من السعادة‏,‏ ولكنك ستجدينها في صور مختلفة‏,‏ ومتعددة وأولاها لابد من أن تعثري عليها في نفسك‏,‏ وفي من حولك‏,‏ وستجدينها بإذن الله‏.‏

أما سبب تستري في رسالتك‏,‏ فهو أني تلقيت رسائل عديدة من شباب مثليين يسألون وسيلة للعلاج‏,‏ وكنت أعجز عن مناقشة رسائلهم علي الملأ للأسباب التي ذكرتها اولا‏,‏ ولكني وجدتها فرصة لأحذر الآباء والامهات مما قد يتعرض له ابناؤهم‏,‏ وهم غافلون‏,‏ فكما ذكر هذا الشاب أنه تعرض للاعتداء من أحد اقاربه‏,‏ فإن الرسائل التي وصلتني تكشف أن الاعتداء يقع أيضا من بعض المدرسين أو خطيب الابنة عندما يبيت بجوار الطفل الصغير أو زميل الدراسة في سن المراهقة عندما نسمح بنوم الاولاد معا علي سرير واحد‏,‏ إنها أشياء تحدث أمامنا ولا نتوقع منها كارثة ولكنها تحدث‏,‏ لقد أمرنا الرسول‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بالفصل بين الأبناء الاشقاء في المضاجع فما بالنا بالغرباء‏,‏ إنها فرصة للتحذير وقانا الله ووقي ابناءنا كل شر‏...‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق