الخميس، ٢ أغسطس ٢٠١٢

الظـــــالمون

21-09-2007
بحكم عمل زوجي ننتقل بين المحافظات كل بضعة أعوام‏,‏ ومنذ نحو ثلاث سنوات انتقلنا إلي إحدي محافظات شمال الصعيد لأتعرف علي بطلة هذه القصة‏,‏ ولأكون إحدي المشتركات فيها ـ رغما عني ـ في بعض الأحيان‏.‏

فهي يا سيدي في أوائل الأربعينيات من العمر‏,‏ جميلة‏,‏ متدينة ومغلوبة علي أمرها في معظم حياتها‏.‏ ولدت لأب يكره البنات‏,‏ وأم قاسية في أحيان كثيرة‏,‏ وحنونة في حالة مرض أطفالها فقط‏.‏

بحكم عمل زوجي ننتقل بين المحافظات كل بضعة أعوام‏,‏ ومنذ نحو ثلاث سنوات انتقلنا إلي إحدي محافظات شمال الصعيد لأتعرف علي بطلة هذه القصة‏,‏ ولأكون إحدي المشتركات فيها ـ رغما عني ـ في بعض الأحيان‏.‏

فهي يا سيدي في أوائل الأربعينيات من العمر‏,‏ جميلة‏,‏ متدينة ومغلوبة علي أمرها في معظم حياتها‏.‏ ولدت لأب يكره البنات‏,‏ وأم قاسية في أحيان كثيرة‏,‏ وحنونة في حالة مرض أطفالها فقط‏..‏ واستمرت حياتها هكذا حتي بلغت الثانوية العامة فأصر والدها علي عدم إتمام تعليمها ليزوجها بأي عريس يطرق بابها‏,‏ ولكن مع توسط الأقارب والمعارف وافق علي إكمال تعليمها العالي علي مضض وبشرط أنها إن تعثرت في أي عام ولأي سبب فلن تكمل‏.‏ المهم أنها أكملت تعليمها ورفضت كل من تقدم لها خلال هذه الفترة لأنه لم يحدث قبول أو لعدم التوافق الاجتماعي‏.‏ لكن بعد انتهائها من التعليم طرق بابها رجل يكبرها بـ‏16‏ عاما ووافق والدها ـ ورفضته هي بشدة وإصرار ـ فما كان من نصيبها سوي علقة ساخنة ـ فهذه الزيجة لن تكلف والدها سوي حقيبة ملابسها وتم عقد القران واكتشفوا بعدها في العريس أخلاقيات لا يرضي عنها شرع أو مجتمع‏,‏ فهو زير نساء يتعاطي المخدرات وجددت المسكينة رفضها فما كان من والدها إلا أن قال ما عندناش طلاق فأصرت علي الرفض ـ وكانت العلقة الثانية ـ وتزوجت المسكينة زواجا مشكوكا في صحته تزوجت من رجل لا يتذكر الله أبدا ـ ويعلم جيدا أنها ترفضه‏,‏ فما كان منه إ

لا الانتقام لكرامته بحرمانها من حقها الشرعي ـ نعم فهو يحصل علي ما يحتاج بطريقته الخاصة طوال عشرين عاما لم يلتق بها سوي مرات معدودة ولسوء حظها فإن خصوبتها عالية جدا‏,‏ ومن هذه المرات القليلة رزقت بخمسة من الأولاد والبنات ـ وقد أصابه الله بعجز جنسي كامل منذ‏11‏ عاما يا سيدي وهي صائمة صابرة تحتسب جزءاها عند الله تعالي وتدعوه ليل نهار أن يلهمها الصبر وتعوذ به من الزلل‏,‏ نسيت أن أذكر لك أنها ضبطته أكثر من مرة مع نساء في حجرة نومها وعندما تستنجد بأبيها يرسل لها أمها لتبلغها أنه لن يقبلها أو يقبل أبناءها وعندما تطلب الطلاق يهددها زوجها المتبجح بأنه سيطلقها بفضيحة ويدعي أنه وجد معها رجلا في حجرة نومها فتخاف المسكينة وتنزوي وتخشي مما سيفعله هذا المفتري بها خاصة أنه دائما يعايرها بأنها لا أهل لها ولا سند ولا مدافعين عنها‏.‏

والآن يا سيدي وبعد عشرين عاما من الصبر فاض الكيل وطفح من سوء خلقه وفظاظته‏,‏ فمنذ بضعة أشهر كانت القشة التي قصمت ظهر البعير حين سبها بأفذع الألفاظ وضربها واتهمها في شرفها وسمعتها‏,‏ فنزلت إلي الشارع تبحث كالمجنونة عن محام ورفعت قضية خلع خرج المارد من محبسه يا سيدي وتزلزلت العائلة كلها لهذه الخطوة التي اتخذتها إنها لم تجد مساندا من عائلتها فلتبحث عنه إذن في الشرع والقانون ولكن أبي أهلها سوي أن يستمروا في غيهم وظلمهم فاتصلوا برئيسها في العمل ليتوسط لديها وذكروا له أن زوجها له كل الحق فيما فعل بها وهم يشهدون له بالصدق كما ذكروا له أنني أنا كاتبة الرسالة من حرضها علي خراب بيتها وأقسم بالله إنني بريئة من هذا الاتهام ـ فأنا يا سيدي أخشي الله ولا أجرؤ علي القيام بعمل هو من أعمال الشياطين ـ وساءت سمعة المسكينة في كل مكان ـ مثل صاحبة رسالة دخان بلا نار وقامت الدنيا حولها ولم تقعد حتي الآن وأصابتها أمراض الدنيا بسبب الضغط الفظيع عليها كل يوم لتتنازل عن القضية وهي رافضة ومتمسكة بهذه القشة التي تظن أنها ستصل بها لبر الأمان وتقول لي انها لا تتصور أن تعيش مع شخص يطعمها من حرام ويلوث شرفها بادعاءاته كل يوم ولا تطيق رائحته‏.

ـ سيدي أكتب لك هذه الرسالة بعد أن تحدث معها أحد عقلاء عائلتها ـ وحذرها من أن استمرارها في القضية سوف يضر بسمعة بناتها في المستقبل ـ لأننا في مجتمع ـ للأسف ـ لايقيم لأمر الله ولسنة رسوله وزنا ـ وقال لها هذا الرجل إن كلامه وضغطه عليها للتنازل ليس من الشرع في شئ ولكنه يحثها لينبهها للخطر المحدق ببناتها في المستقبل‏..‏ وهي الآن ياسيدي في موقف لا تحسد عليه‏.‏ فهي متمسكة بالقضية لأنها ملاذها الوحيد بعد الله ـ ولكنها في الوقت نفسه تخشي الفضيحة علي طفلتها‏,‏ فنحن في مجتمع ظالم ـ نسي فيه الناس أن الله لا يرضي الظلم ـ إن رئيسها في العمل يقول لها اما أن تتنازل عن القضية أو فلتتقدم بطلب نقل من إدارته ـ وزملاؤها الذين عاشروها ويعرفونها جيدا لم يدافعوا عنها وإنما تخلوا عنها ولاكو سيرتها علي ألسنتهم‏,‏ بل الأسوأ أن بعض زملائها يعرض عليها خدماته غير الشريفة والآخرون يريدون محادثتها تليفونيا ـ والمسكينة لا تستطيع البوح بكل هذا ـ فلن يصدقها أحد ـ بل ستزيد الطين بلة إن هي تكلمت ـ وحسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏

سيدي أكتب إليك رسالتي وأنا أعلم أن والدها من قراء بريدكم الدائمين ـ فذكره بأنه لم يطبق سنة رسول الله في أن يختار لابنته من يرضي دينه وخلقه ـ كما أنه أجبرها علي زواج لا ترضاه وتخلي عنها فذكره بأن عقاب الله شديد وليتصل برئيس ابنته في العمل ويصحح صورتها عنده لأن ابنته ليل نهار تدعو الله أن يريحها بالموت ـ وعندما أقول لها أن تدعو الله أن يبلغها رمضان تقول أنا عايزة أموت ـ كما أرجوك أن تذكر أخواتها أنها أختهم الوحيدة التي تخلوا عنها منذ البداية ـ فليحسنوا إليها الآن وليقفوا بجوارها في محنتها يا سيدي الظلم شيء بشع وأنا متأكدة أنها مظلومة ولولا هذا ما صادقتها لأن سمعتي من سمعتها وأنا أعلم أنه لا غبار عليها وأن البقعة السوداء الوحيدة في حياتها هي هذا الزوج الذي أجبرت عليه ولم يراع الله فيها أو في أبنائه ـ بالطبع فإنه عندما يتعمد الإساءة إلي الأم فهو يسيء إليهم أيضا لكن للأسف فإن المخدرات قد دمرت عقله ولم يعد يقيم للأمور وزنا‏,‏ وإن كانت هذه هي أخلاقه من الأساس‏.‏

أما عن حقي أنا والاتهامات والإهانات التي وجهت لي ظلما وعدوانا ـ فأنا لا أقول إلا ـ حقي عندك يا ربي‏.‏

وحسبنا الله ونعم الوكيل

أريد منك أخيرا يا سيدي أن تفكر معنا هل تستمر في قضيتها أم تتنازل عنها رغم كل ما قلته لك؟ مع العلم أني لم أذكر كل فظائعه وفضائحه‏.‏

مع ملاحظة أن أبناءها الثلاثة الكبار يضغطون عليها بشدة لتتنازل عن دعوي الخلع ولا يقدرون مدي معاناة أمهم ـ علي الرغم من أنهم سمعوا ورأوا بأعينهم الكثير من فضائح أبيهم ـ فقل لهم أن يتقوا الله في أمهم ويخففوا الضغط عنها‏.‏

{{‏ سيدتي‏..‏ لو كانت صاحبة تلك المشكلة هي التي كتبتها‏,‏ لتوقفت كثيرا أمامها‏,‏ ولاعتقدت أنها من أولئك الذين يعانون من الإحساس بالاضطهاد‏.‏ ففي سيرة حياتها كل الابتلاءات‏,‏ وكل عيوب مجتمعاتنا مجتمعة‏.‏ فهي ابنة لأب يكره إنجاب البنات‏,‏ وأم قاسية في أحيان كثيرة‏.‏ أكملت تعليمها بصعوبة‏,‏ وتزوجت من رجل فيه كل الصفات السيئة‏,‏ وأنجبت بالمصادفة خمسة أبناء‏,‏ وعندما أرادت الطلاق‏,‏ وقف الجميع في وجهها‏,‏ أسرتها وأبناؤها‏,‏ ورئيسها في العمل‏,‏ وزملاؤها لم يخجلوا من مطاردتها‏.‏

ما كل هذا البلاء والابتلاء؟‏..‏ هل هذه هي الصورة الحقيقية‏,‏ أم أن هناك وجها آخر للحكاية؟‏!..‏ علي كل ليس أمامي إلا التسليم بما أتيت به ومناقشته‏,‏ وإن كنت أشك في أن أي طرف في هذه المأساة‏,‏ يمكن أن يتحمل عذاب ضميره‏,‏ وأن يواجه ربه في هذه الأيام المباركة‏,‏ بعد أن يري آثار جريمته علي تلك السيدة المسكينة‏.‏

سيدتي‏..‏ دعيني أبدأ من النهاية وأرد علي أسئلتك وأسئلتها بكل الحسم‏,‏ واصلي رحلتك مهما كانت الصعاب للحصول علي حريتك‏,‏ فالذين يدفعونك للاستمرار‏,‏ لم يعيشوا معك قليلا من عذابك الكثير‏..‏ والحياة مع مثل هذا الرجل‏,‏ بكل مشاعر الكراهية والغضب التي تكنينها له قد تقودك في النهاية إلي قتله‏,‏ أو إلي حافة الجنون‏.‏ فلا تتراجعي عن موقفك‏,‏ وإذا احتجت إلي محام لمساعدتك في القضية أرجو الاتصال بي‏,‏ وليتك فعلت ذلك مبكرا‏,‏ فطالما لم يكن وفاق ففراق‏.‏ والحق كله ــ كما جاء في الرسالة ــ معك‏,‏ وكما قال الإمام علي بن أبي طالب‏:‏ قليل الحق يدفع كثيرا من الباطل‏,‏ كما أن قليل النار يحرق كثير الحطب‏.‏

سيدتي‏..‏ لن أوجه كلماتي لهذا الزوج‏,‏ لأنه لم يراع الله في تصرفاته منذ زواجه بك‏,‏ ولم يفهم أمره سبحانه وتعالي وتوجيهه في الإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏.‏ فهل يمكن له أن يفيق الآن وهو في قلب الشيخوخة‏,‏ لعل الله يقبل توبته‏,‏ ويتذكر نصيحة النبي محمد صلي الله عليه وسلم‏:‏ اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب‏.‏

لا أعرف سيدتي‏,‏ ماذا أقول لهؤلاء الظالمين‏,‏ هل أذكرهم بقوله سبحانه وتعالي‏:‏ ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون‏,‏ إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار‏,‏ وقوله في كتابه الحكيم‏:‏ إنه لايحب الظالمين هل يرتدع والدك ويندم علي ما ارتكبه في حقك‏,‏ ولا ينكر خطيئته‏,‏ فيمد إليك يده قبل أن تسقطي‏,‏ وهل يسارع اخوتك بنجدتك فـ ليس أخي من ودني بلسانه

ولكن أخي من ودني في النوائب

وهل يتذكر جيرانك ومجتمعك أن كل المسلم علي المسلم حرام‏:‏ دمه وماله وعرضه فيتوقفون عن الإساءة إليك‏..‏ وهل يكف رئيسك عن اضطهادك لو تخيل ان ابنته قد تتعرض لما تعانينه؟‏..‏ أما زملاؤك الذين تدنت نفوسهم فأرادوا أن ينهشوك في لحظات ضعف واحتياج‏,‏ ماذا يمكن أن يفعلوا إذا عرفوا أن زملاء لزوجاتهم أو لبناتهم أو لشقيقاتهم يفعلون معهن نفس الشيء‏,‏ فمن أعمالهم يسلط الله عليهم‏.‏

أما أنت أيتها الصديقة‏,‏ الكنز الحقيقي في تلك المأساة‏..‏ أنت طاقة النور والأمل‏,‏ المكافأة والسند الذي جاء بهما الله علي تلك السيدة‏,‏ فلا تخذليها وكوني عونا لها علي من ظلمها‏,‏ وشاركيها الدعاء حتي يذهب البلاء بإذنه‏,‏ الكريم الغفار‏,‏ المنتقم الجبار‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق