الأربعاء، ١ أغسطس ٢٠١٢

نور الحياة

20-04-2007
أكتب اليك شاكية نفسي وقلبي‏,‏ نفسي التي لاتستكين وقلبي الذي لايهدأ‏,‏ بسبب جلد ضميري لهما بسياط الندم والمرارة‏.‏

الندم والمرارة والحسرة علي مافرطت‏,‏ علي أيام ولت ولن تعود ولن نستطيع شراءها بملايين الدنيا‏,‏ كما قال أحد أصدقاء البريد ويالها من كلمات‏,‏ لم تنكأ جراحا لأن الجراح ما التأمت يوما منذ رحيلها هي كانت أمي التي ماقلت لها يوما شكرا‏,‏ ما وفيت لها يوما حقها وحق تسعة إخوة آخرين‏,‏ نعم ياسيدي هي ام لعشرة أبناء ربتنا جميعا‏,‏ وعلمتنا جميعا منا الجامعي ومنا صاحب المؤهل المتوسط‏,‏ كانت تتفاني في خدمتنا في منزل كبير يحتاج منها الي كل دقيقة‏,‏ كريمة هي‏,‏

حنون وإن كانت لاتستطيع بطبعها ان تظهر هذا الحنان والآن عندما أضيق بتصرفات ابنائي الثلاثة اتساءل كيف كانت لاتضيق بتصرفات العشرة وهرجهم ومرجهم وأعبائهم ومتطلباتهم‏,‏ مايحزنني ويقض مضجعي منذ وفاتها التي مرت ذكراها الاولي منذ أيام قليلة أننا لم نحتملها في أيامها الأخيرة‏,‏ فقد توفي والدي قبلها بعام واحد إثر حادث آليم مفاجيء هز كياننا جميعا ولكننا وبمرور الوقت تماسكنا وعدنا الي صوابنا إلا هي فقد ظلت تبكيه ليلا ونهارا لانه ليس زوجها وحسب ولكن والدها الذي رباها لانه تزوجها وعمرها‏13‏ سنة‏,‏ افقدتها الصدمة تماسكها وصوابها وزادت من عصبيتها وسرعة غضبها‏

أصبحت ناقمة علي الحياة وتطلب الموت في كل ثانية‏,‏ فماذا كان رد فعلنا هل احتويناها‏,‏ هل تحملناها كما تحملتنا سنوات طوالا‏,‏ هل عوضناها عن غيابه هل‏..‏ هل‏..‏ هل‏...‏؟ لا‏..‏ بدأنا نضيق بها وبتصرفاتها وننتقد حزنها الزائد علي الحد كما كنا نقول‏,‏ ننتقد مشكلاتها الصغيرة مع زوجات أخوتي الاولاد‏,‏ وبدلا من أن نساندها‏..‏ظللنا ننتقدها‏..‏ حتي ضاقت بنا وبالحياة واستجاب المولي لدعائها فرحلت بعد عام وشهرين من وفاته‏,‏ ذاقت خلالهما الأمرين علي يد من‏,‏ علي يد أقرب الناس اليها‏

والآن وبرغم مرور عام علي وفاتها مازال حزني يملؤني مازال قلبي يؤلمني‏,‏ مازلت استيقظ كل صباح علي خبر وفاتها فيثير ذعري كما في اول مرة‏,‏ نعم‏,‏ آكل‏,‏ أشرب‏,‏ أنام‏,‏ أضحك احيانا‏,‏ اتكلم‏,‏ لكن ما فارق طيفها يوما مخيلتي‏,‏ ما كف الفكر عن اجترار اللحظات الأخيرة بكل مرارتها‏,‏ أكاد أجن الي متي أظل علي ما انا عليه‏,‏ هل أنا مريضة نفسيا‏..‏ هل للآن لم استطع تجاوز فترة الحزن الاولي‏..‏ هل سأظل هكذا مابقي لي من عمر عقابا علي خذلاني لها في أيامها الأخيرة؟

تقول لي صديقتي المقربة انني فعلت لأمي الكثير وساندتها في أزمات عديدة‏..‏ ولكني لا أتذكر ولا أريد ان اتذكر سوي قسوتي عليها مطالبة اياها بالكف عن الحزن والبكاء‏,‏ لا باللين والقبلات كما كانت تفعل اختي الكبري ـ ولكن بالشدة والقسوة‏..‏ يالقلبي‏..‏ يالقسوتي‏..‏ يالنكراني‏..‏ هل لي بلحظة واحدة اسجد تحت قدميها‏..‏ اقبل تراب خطواتها‏..‏ أتذلل طالبة عفوها‏..‏ أنعم بدفء حضنها‏..‏ أغسل بدموعي يدها هل تشعر بي‏..‏ هل تغفرلي‏..‏ أتسمع مناجاتي لها علي قبرها طالبة عفوها‏.‏

ادعوا لها لعل الله يستجيب لمن بر أمه منكم لانه لن يستجيب ممن عقت أمها في آخر ايامها‏,‏ وادعوا لي عسي الله ان يريحني من عذاباتي‏..‏ ولكن صبرا‏..‏ لاتدعوا لي عسي ان تكون آلامي هي نيران تطهري عند من لايغفل ولاينام‏,‏ يوم لاتملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله‏.‏

*‏ سيدتي‏..‏ لم أستطع تجاهل رسالتك‏,‏ علي الرغم من نشري العديد من الرسائل لأبناء حاولوا ان يوفوا أمهاتهم حقوقهن‏,‏ أو يعبروا عن أحزانهم لتقصيرهم في حق أحب وأحن البشر‏.‏ وبرغم ازدحام بريد الجمعة بقضايا وهموم الأصدقاء‏,‏ إلا أني أجد في نفسي ضعفا أمام كل مايمس الأم‏,‏ خاصة ان الحياة بشواغلها وضغوطها وبهارجها‏,‏ تسرق الكثير منا وتنسيه واجباته تجاه أعز وأغلي الحبايب‏,‏ فربما يكون في النشر تذكرة لكل غافل أو جاهل لأهمية وجود أمه بجواره‏,‏ وهو لايدري ولايقدر قيمة هذا الكنز العظيم‏,‏ والثروة التي لاتعادلها أموال الدنيا‏.‏

سيدتي‏..‏ أقدر عذابك وندمك‏,‏ وأكاد أري هذا الجرح النازف في روحك‏..‏ فالضمائر الحية عندما تخطيء يصبح عقابها لنفسها أكثر قسوة وإيلاما‏,‏ فما بالنا إذا كان الخطأ في حق من أوصانا بها الله ورسله ـ صلي الله عليه وسلم ـ في كل الكتب السماوية‏.‏ خطأ في حق أأمن وأدفأ حضن يمكن ان ننام فيه‏,‏ جمال الوجود كله ونور الحياة‏,‏ الأم‏.‏

لن أقول لك هوني علي نفسك‏,‏ فما فعلته من عقوق وقسوة لايمكن تبريره وقد نهانا الله ان نقول للوالدين أف فما بالك بمن ينهر ويزجر‏.‏ ولكن سأطمئنك بأن قلب الأم من روائع خلق الله‏,‏ وهذا القلب مهما غضب لايقسو أبدا علي ضناه‏,‏ فالأم تضطر أحيانا لمعاقبة ابنها وسرعان ماتأخذه بين أحضانها‏,‏ فثقي بأنها في قسوتك عليها‏,‏ كانت تلتمس لك ألف عذر‏.‏

سيدتي‏..‏ تعذيبك لنفسك موقف سلبي تجاه أخطائك‏,‏ ليتك تعبرين عن ندمك بطريقة عملية‏,‏ صلي وادعي لها‏,‏ تصدقي باسمها‏,‏ بري صديقاتها‏.‏

ساهمي بمبلغ من المال في صدقة جارية لها‏,‏ زوري الأمهات في دور المسنين ساعدي المحتاجين‏,‏ وثقي بأن كل هذا سيصل إليها‏,‏ وسيفرحها كثيرا وهي بين يدي الرحمن‏.‏ فأبواب التوبة مشرعة الي يوم الدين‏,‏ والمؤمن الفطن هو الذي يدخل من هذه الأبواب بأفعاله‏,‏ لابالبكاء علي أعتابها‏,‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق